تقرير مترجم – إيران تعيد تشكيل المنطقة
واشنطن – ترجمات – 5/11/2017
كتب المحلل والباحث السياسي الأمريكي، جورج فريدمان، أن إيران كانت دائما ترى نفسها في منافسة مع الدول العربية للسيطرة على الخليج. وقد علَقت طموحاتها في أواخر الثمانينيات في نهاية حرب استمرت ثمان سنوات مع العراق، استنزفتها وكلفتها كثيرا، وانتهت بعملية سحب عسكرية، لكنها من الناحية الإستراتيجية عرقلت آمال إيران في توسيع قوتها غربا. لكن الحرب ضد “تنظيم الدولة” أتاحت لها الفرصة مرة أخرى، وفقا لتقديرات الباحث “فريدمان”.
وتحمل الجيش العراقي العبء الرئيس للقتال في العراق، إلى جانب العديد من الميليشيات الشيعية، التي خاضت معركة طويلة من الاستنزاف لهزيمة “داعش”. وكان المستشارون الإيرانيون جزءا لا يتجزأ من الجيش العراقي وفي السيطرة المباشرة على الميليشيات. وللولايات المتحدة مستشارون وقوات هناك أيضا، ولكنَ الإيرانيين كانوا أكثر فعالية بكثير في كسب نفوذ في الجيش، وغالبيته من الشيعة.
وقد قبلت الولايات المتحدة على مضض هذه الحالة، كما أورد الكاتب، إذ كانت في حاجة إلى هزيمة “تنظيم الدولة”، لكنها لم ترغب في تحمل الخسائر التي قد تنتج عن المعركة الطويلة والطاحنة التي كانت مطلوبة. وبدلا من ذلك، اعتمدت الولايات المتحدة على الغارات الجوية.
والإيرانيون في موقع قوي داخل العراق دون وجود قوى كبيرة في وضع يسمح لها باحتوائها. وإيران أيضا في موقف قوي داخل سوريا. وقد أنقذت إيران وروسيا نظام الأسد من الانهيار. وشارك حزب الله اللبناني بشكل عميق في القتال في سوريا، مع وجود عدد كبير من الضباط الإيرانيين المنتشرين معه. وقال الروس إنهم يخططون لتقليل وجودهم في سوريا، وهو ما يعني مزيدا من النفوذ الإيراني، مما يعمق العلاقة التي كانت قائمة قبل اندلاع الحرب.
وقال إن اليمن منطقة أخرى من النفوذ الإيراني. ومع تضخم الحوثيين في السنوات الأخيرة، شنت السعودية والإمارات وغيرهما ضربات جوية ضدهم. فشلت الغارات الجوية في هزيمة الحوثيين، وهم الآن أكثر قوة.
ومن المهم، وفقا لما كتبه المحلل السياسي “جورج فريدمان”، عدم المبالغة في تقدير قوة إيران. ومن الواضح أنه مؤثر، والباب مفتوح لتعزيز قوة إيران، ولكنها ليست في وضع يمكنها من فرض قوة عسكرية حاسمة في المنطقة، وفي الوقت نفسه، لا ينبغي التقليل من شأن إنجازات إيران. وهي القوة الأكثر تأثيرا في العراق ولديها عدد كبير من القوات هناك. وهي تسيطر بشكل أو بآخر على الذراع العسكري الأكثر قوة في لبنان ولديها قدرات محدودة في سوريا. كما إن لديها مستشارين على الأقل في اليمن. وأخيرا، فإن إيران قد حققت تقدما في مجال نفوذ السعودية.
ورأى الباحث والمحلل الأمريكي أن قدرة السعودية على حماية نفسها من إيران غير واضحة بعدما أظهرت حرب اليمن محدودية القوة الجوية السعودية. وقد توقع السعوديون أن يقوم البريطانيون، أولاً، وبعدهم الأمريكيون بضمان أمن السعودية القومي، لكن ذلك يوم كان الخليج مصدر النفط الذي كان من المستحيل حينها الاستغناء عنه. وأما اليوم، فمصادر النفط العالمي تزايدت، وتضاعفت معها حماسة المنتجين في بيعه. وعلى هذا، ما عاد النفط السعودي يحظى بتلك الأهمية كما في السابق.
ودفع الواقع الجديد، يقول “فريدمان”، السعوديين إلى التواصل مع الإسرائيليين طلبا للحماية، لكن إسرائيل جيشها صغير رغم تفوقه، يمكنه خوض حروب دفاعية، ولكن يتعذر عليه خوض حروب استنزاف طويلة، مثل تلك التي خاضها العراقيون والإيرانيون بين 1980 و1988.
أمريكا يمكنها مساعدة إسرائيل على تفادي التورط في حروب استنزاف، لكن أمريكا، أكبر قوة في العالم، لا تعرف ماذا تريد منذ بدأت حروبها في العالم 2001.
الفراغ الذي تركه تراجع اهتمام أمريكا بالخليج اقترن بالاختلال في التوازن الذي أحدثه إطاحة أمريكا بنظام صدام حسين في العراق، الذي كان يوازن القوة الإيرانية، مما سمح للإيرانيين بالتوسع في عموم المنطقة. وقبل التوسع الإيراني، كانت تركيا مشغولة بتنمية اقتصادها داخليا وإقليميا وعالميا، لكن اهتزاز ميزان القوى الإقليمي، أطلق الأكراد، وأجبر الأتراك على تبني سياسة احتواء الخطر الكردي عليهم.
ورأى الباحث الأمريكي أن أكبر تهديد طويل الأمد لمصالح إيران هو تركيا. لكن الأتراك يواجهون معضلة جغرافية سياسية أساسية. عندما كان الإيرانيون محصورين نسبيا، كانت تركيا قادرة على التركيز على الشؤون الداخلية وليس المغامرة بعمق في سوريا أو العراق. لكن الآن، يجب على تركيا أن تقرر ما إذا كانت تستطيع أن تتعايش مع إيران القوة الإقليمية الكبرى، أم إن عليها أن تفرض تصوراتها الخاصة للمنطقة.
تركيا، من حيث الجغرافيا والقدرات العسكرية، يمكن أن تصدَ إيران إذا اختارت بذل الجهد والمخاطرة، ولكنها في الوقت الراهن تعمل مع إيران، ولا سيما في القضايا الكردية. وفي نهاية المطاف، سيتعين على تركيا أن تختار بين القضية الكردية والقضية الإستراتيجية الواسعة. وسيحدد جزءا من ذلك موقف الولايات المتحدة من الأكراد والرؤية الأمريكية للتعامل مع إيران.
نشر هذا المقال تحت عنوان
29/11/2017