ترجمات أجنبية

تقدير موقف مترجم عن موقع ستراتفور – السنة التي كانت 2017

تقدير موقف عن موقع ستراتفور – 20/12/2017
لن نكون قد أدينا عملنا كما يجب إذا كنا نكتفي بالتنبؤ بأحداث السنة المقبلة فقط. ببساطة شديدة، علينا أن نكون صارمين في مراجعة الماضي، وهو ما يعني إلقاء نظرة فاحصة على مدى جودة ما فعلناه، ومدى نجاحنا في تحديد الاتجاهات الرئيسية للسنة التي انقضت. ووفق كل اعتبار، كان العام 2017 فريداً بسبب الأسئلة -ومشاعر التحسب- التي أحاطت بانتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة: هل سيشهد العالم تدفئة درامية في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي ستترك العديد من الحلفاء الغربيين في وضع حرج؟ هل ستندلع حرب تجارية كبيرة بين الولايات المتحدة والصين؟ هل سيتم تمزيق الاتفاق النووي الإيراني؟ كانت هذه هي الأسئلة التي سعينا إلى معالجتها بينما نفكر في الديناميات المتغيرة للنظام العالمي. وفيما يلي بعض من استدلالاتنا الرئيسية، إلى جانب تقييمات صادقة لما فهمناه بشكل صائب وما فهمناه خطأ.
الشخصية لا تدفع السياسة دائماً.
تؤكد منهجيتنا في التنبؤ أهمية العوامل المقيدة التي تشكل سلوك الدول. كما أننا نقلل -لأسباب وجيهة- من شأن السمات الشخصية والأهواء السياسية لأي زعيم مفرد. وقد قادنا هذا النهج إلى التأكيد أنه حتى بينما “سيكون للولايات المتحدة مجال أكبر لفرض حواجز تجارية انتقائية على الصين، وخاصة في قطاع المعادن… فإن الوقت ليس مناسباً لخوض نزاع تجاري معها”. كما أكدنا أن التهديدات الأميركية بوسم الصين بأنها متلاعبة بالعملة لن تتجسد على الأرجح. وقد أثبتت توقعاتنا الأكثر صرامة بشأن التجارة حتى الآن أنها كانت دقيقة. فالولايات المتحدة لم تفرض من جانب واحد إجراءات تجارية انتقائية ضد الصين، لكن قدراً كبيراً من ضبط النفس تمت ممارسته من كلا الجانبين لتجنب حرب تجارية أوسع نطاقاً، والتي كانت لتخلف آثاراً مزعزعة للاستقرار على الاقتصاد العالمي. ومع أنه لا يمكن استبعاد الانسحاب أحادي الجانب من اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية –خاصة بينما تتزايد القيود السياسة على كلا جانبي الحدود الأميركية المكسيكية- فإننا نتمسك بتقديرنا الذي أوردناه في العام 2017. وباختصار، من المرجح أن تصمد حتمية التكامل التجاري لأميركا الشمالية، على الرغم من الاحتكاك الذي يأتي مع محاولة تحديث ومراجعة الاتفاق التجاري وتنقيحه.
قاد انتصار ترامب إلى الكثير من التكهنات في أوائل العام 2017 حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستسعى إلى تحقيق تقارب ذي معنى مع روسيا وخيانة حلفائها في الناتو. وقد قطعنا شوطاً طويلاً في توقعاتنا للعام 2017 عندما قلنا، “بينما تبدو واشنطن أكثر رغبة في التفاوض مع موسكو حول بعض القضايا، ما تزال لدى الولايات المتحدة كل الأسباب لاحتواء التوسع الروسي، بحيث تحتفظ، من خلال الناتو، بوجود عسكري قوي على حدود روسيا مع أوروبا”. وكان الاتجاه الأساسي لهذه التوقعات صحيحاً، فقد احتفظت الولايات المتحدة بحتمية احتواء روسيا. ومع ذلك، كنا نعتقد عندما كتبنا توقعاتنا أن تحركاً محتملاً يقوم به الرئيس الأميركي لإلغاء بعض العقوبات المفروضة على روسيا من جانب واحد، يمكن أن يزود موسكو ببعض الغوث، تساعده الشقوق القائمة في أوروبا حول ما إذا كان ينبغي الاحتفاظ بإدامة العقوبات. وبدلاً من ذلك، أدى تكثيف تحقيق أميركي يجري حول صلات روسيا بفريق حملة ترامب -إلى جانب كشف النقاب عن بعض التفاصيل حول تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية والأوروبية- إلى جعل أي متابعة تقوم بها الإدارة لوعد ترامب بالشروع في رفع العقوبات عملاً مكلفاً جداً بكل بساطة. وفي حقيقة الأمر، تم تفعيل القيود المؤسسية المفروضة على الرئيس بالكامل عندما مرر الكونغرس تشريعاً مصمماً بشكل خاص لتقييد يدي الرئيس بشأن هذه المسألة.
مَن يبقى ومن يخرج في أوروبا
في هذه الأثناء، وعبر الأطلسي، أكدنا الدور الذي ستلعبه نزعة الشك الأوروبية والعاطفة المناهضة للمؤسسة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المحورية. بل إننا رأينا هذه العاطفة تتجسد، في الحقيقة، في الأداءات القوية للجبهة القومية من أقصى اليمين، وكذلك من اليسار، بقيادة جان لوك ميلينشتون. ومع ذلك، كان من المستحيل التنبؤ بأن فضيحة تطال فرنسوا فيلون سوف تدمر حملة يمين الوسط وتتيح مجالاً لسياسي معتدل شاب مثل إيمانويل ماكرون لكي يخرج منتصراً في نهاية المطاف. ومع أننا كنا قد ناقشنا الفكرة داخلياً، فإننا لم ندرِج ضمن تنبؤاتنا الفكرة القائلة إن هناك، في الانتخابات الأوروبية، رد فعل على الشكل الصارخ للشعبوية قد تجذر عبر الأطلسي. وقد انتهى المطاف بانتصار ماكرون وأجندته القائمة على تعزيز تكامل الاتحاد الأوروبي بينما يتم تعزيز التنافسية الفرنسية، وهما يشتريان وقتاً ثميناً للاتحاد الأوروبي لمحاولة إصلاح نفسه. لكن الهوة بين ألمانيا وفرنسا حول كيفية إصلاح الكتلة ما تزال كبيرة، كما هو حالها، وسوف تستمر مع الدخول في العام 2018.
عندما يتعلق الأمر بالانتخابات الألمانية، فقد أكدنا -مُحقين- أن الناخبين سيكونون راغبين في دعم الأحزاب الصاعدة من اليمين واليسار، وأظهرنا كيف أن ذلك الدعم سوف يقوض الأحزاب التقليدية، بما يفضي إلى إنتاج بوندستاغ مقسم ومحادثات ائتلاف فوضوية. وكان هناك أيضاً الكثير من التفكير المتمني في نهاية العام 2016 لدى منتقدي “البريكست”، الذين زعموا أن المطاف ربما لا ينتهي بالمملكة المتحدة وهي تمضي قدماً في إجراءات الطلاق، أو أنها قد تخفف الشروط بشكل كبير على الأقل. وقد أكدنا -محقين- أن انتخاباتٍ بريطانية مبكرة سوف تؤجل فقط -ولن تلغي- عملية الخروج، وأن المملكة المتحدة ربما تتخذ القرار الجريء بمغادرة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، محاوِلة بدلاً من ذلك التفاوض على اتفاق آخر للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.
إيران، والعراق، والدولة الإسلامية
كانت توقعاتنا بالنسبة للشرق الأوسط دقيقة إلى حد كبير. فقد تنبأنا بأن الاتفاق النووي الإيراني سيتعرض للتهديد، وبأن الروابط الروسية-الإيرانية سوف تتقوى نتيجة لذلك، وإنما لن ينهار الاتفاق النووي في العام 2017. (لكن المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران لا بد أن تتصاعد مع حلول العام 2018). كما أكدنا أيضاً أن نواة “الدولة الإسلامية” سوف تتدهور بشكل كبير، لكن التوصل إلى حل للحرب الأهلية السورية سوف يظل بعيد المنال. وقد سلطنا الضوء بشكل خاص على الكيفية التي سيوسع بها سقوط الموصل الهوة بين أكراد العراق، ويقود إلى معركة على مدينة كركوك الغنية بالنفط.
نقطة تحول في آسيا الوسطى
في الأثناء، أظهرت آسيا الوسطى أنه عندما يتم بناء ما يكفي من الثقة، فإن ذلك يمكن أن يفرض عملية إعادة تقييم للاتجاهات المستمرة منذ أمد طويل. وفي العام 2017، قلنا: “سوف تُبتلى بعدم الاستقرار -كما هو واقع حالها في كثير من الأحيان- منطقة آسيا الوسطى في العام 2017. وهذه هي السمة الأساسية لمنطقة تتميز بضعف الاقتصادات، والتهديد شبه الدائم لهجمات المتشددين، والتحولات السياسية التي يعوزها اليقين، وهو ما يشمل استبدال الزعيم الأوزبكي منذ فترة طويلة، إسلام كريموف، الذي توفي في أيلول (سبتمبر)، وخلافةً تلوح في الأفق في كازاخستان، وانتخابات رئاسية في قرغيزستان”. وكان الاختيار غير الموفق لكلمة “تُبتلى” مبالغاً فيه بشكل مفرط، بالنظر إلى أن زعيم أوزبكستان الجديد، الرئيس ميرزيوييف، أمضى سنة سلسلة نسبياً في السلطة. وتبدو كازاخستان مهيأة لاختبار مرحلة انتقال مستقرة بمجرد أن يتنحى نور سلطان نزارباييف، زعيم البلاد منذ فترة طويلة، عن السلطة أو يُتوفى. ومع أن هذه البلدان في آسيا الوسطى ما تزال تواجه مجموعة من المخاطر -من اقتصاداتها الضعيفة، إلى التشدد والتطرف الداخليين، والضغوط الديموغرافية- فإنها تعلمت الدروس من الأزمات السابقة بحيث تستطيع أن تدير انتقالاتها السياسية بطريقة أكثر تنظيماً مما توقعناه. وهذا مهم لأن قدراً أكبر من عدم الاستقرار في وسط آسيا يمكن أن يجلب الصين وروسيا إلى منافسة أكثر وضوحاً.
نظرة إلى الداخل
في تلك المذكرة عن التوقعات، ثمة العديد من النقاط التي نتمنى لو أننا أكدناها بقوة أكبر. وقد أشرنا منذ وقت طويل إلى التعاون المتعمق بين روسيا والصين. وفي الحقيقة، أوضحنا كيف أن روسيا ستحاول استغلال الأزمة المتصاعدة حول كوريا الشمالية ومفاوضات موسكو بطيئة التحرك مع اليابان، لمحاولة إضعاف شبكة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وبينما سلطنا الضوء على التعاون الصيني-الروسي الأكبر في مجالات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا في توقعاتنا، فإنه كان يجب علينا أن نخصص قدراً أكبر من الانتباه للتحالف غير الرسمي الذي يتطور بين موسكو وبكين لتحدي الولايات المتحدة. وبالمثل، قلنا إن كوريا الشمالية سوف تواصل إجراء المزيد من الاختبارات النووية، وإن بكين سوف تتجنب ممارسة ضغط أكبر بفرض عقوبات يعتد بها على بيونغ يانغ، لكن قضية كوريا الشمالية بمجملها كانت تستحق منا تركيزاً أكبر في التنبؤ، بالنظر إلى قدر الانتباه الذي حازته في العام 2017.
كسنة، عملت 2017 كتذكير مهم بالصعوبة التي ينطوي عليها تقدير توقيت اندلاع الصراعات. وقد فشلنا في تضمين توقعنا السنوي إمكانية حدوث مواجهة عسكرية بين الصين والهند في دوكلام، بالنظر إلى أن نيودلهي وبكين توليان اهتماماً كبيراً لإدارة علاقتهما على المستوى السياسي. وكما تبيّن، فإن البناء البطيء للبنية التحتية على كلا جانبي الحدود المتنازع عليها هددت بإشعال مواجهة في نهاية المطاف. ومع ذلك، عندما اندلعت المواجهة في دوكلام في تموز (يوليو)، قمنا بسرعة بتطبيق إطار عملنا الجيوسياسي على التوترات العسكرية التكتيكية التي تعرِّف تلك المواجهة، وتنبأنا بثقة وبشكل صحيح تماماً بأن الأزمة الحدودية لن تؤدي إلى نشوب حرب مواجهة بين العملاقين الآسيويين.
*نشر هذا الموضوع تحت عنوان:
The Year That Was 2017
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 28/12/2017
ala.zeineh@alghad.jo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى