الضفة

تقدير موقف – لماذا تتردد إسرائيل فى إعلان الضم؟

د. حنان أبو سكين *- 12/7/2020

ترقب الشارع  الفلسطينى والعربى بداية شهر يوليو الجارى بحذر وريبة فقد حدده رئيس الوزراء الإسرائيلى بينامين نتنياهو لإعلان ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، إلا أنه لم يحدث. وأصدر مكتبه بياناً مفاده أن نتنياهو أجرى مباحثات مع دبلوماسيين أمريكيين ومسؤولين دفاع إسرائيليين حول مسألة الضم وستجرى مناقشات إضافية. وصرح وزير الخارجية غابي أشكنازي أن حكومته لن تضم أراضٍ فلسطينية بالضفة الغربية خلال الأيام المقبلة، وأن الضم “ليس على جدول أعمال الحكومة”. وثارت التساؤلات ماذا يعنى تأخير الضم؟ هل تخشى إسرائيل ردود الفعل الفلسطينية؟ لماذا ترددت الحكومة الإسرائيلية فى اتخاذ القرار؟ هل يعكس الموقف ارتباك وانقسام داخل الائتلاف الحكومى فى إسرائيل؟ ما الحسابات الإسرائيلية لمعادلة المكاسب والخسائر؟ . وذلك على النحو التالى:

أولاً- أهمية الضم وخلفية المشهد داخل إسرائيل

يحظر القانون الدولى الضم هو المصطلح الذى يطبق عندما تعلن الدولة من جانب واحد سيادتها على أراضى أخرى. ويتلاعب نتنياهو بالمصطلحات وذكر أن الخطة “ليست ضم” ولكن تطبيق القانون الإسرائيلي على أجزاء من الضفة الغربية مما يعد مغالطة مقصودة، لأنها تنطوى على تطبيق السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة التى تحتوى على مستوطنات يهودية، وكذلك معظم مساحات الأراضى على طول الحدود مع الأردن، والمعروفة باسم وادى الأردن. وتأتى خطورة الضم  رغم أنها أراضى محتلة فعلياً أن فى حالة الضم لن تدخل تلك المناطق فى أى محادثات أو مفاوضات مستقبلية وتبتلعها إسرائيل تماماً وربما تطرد الفلسطينيين منها، وأحد أهم الفروق التى يحتمل أن يحدثها الضم هو بناء المستوطنات، ويتطلب البناء والتقسيم حالياً فى الضفة الغربية موافقة وزير الدفاع ورئيس الوزراء الإسرائيليين وقد يستغرق ذلك شهورًا أو سنوات. وبعد الضم ستصبح مسألة محلية وبالتالي من الأسهل على إسرائيل البناء. أما توصيف” أراضى محتلة” يفرض التزامات على دولة الاحتلال وفقاً للقانون الدولى حتى لو لمتنفذها تظل حقوقاً مشروعة للشعب الواقع تحت الاحتلال. ويقع على دولة الاحتلال الالتزام بعدم المساس بالنظم القانونية الداخلية للدولة المحتلة أو الإقليم المحتل إدارية كانت أو تشريعية أو قضائية وعدم المساس بمؤسسات الدولة أو القيام بالنقل الإجبارى للأفراد والجماعات أو إبعادهم من أرضهم كما يحظر على المحتل أيضاً تدمير العقارات والممتلكات العامة التابعة للدولة أو الشخصية التابعة للأفراد. ومن ثم يتبين أن الضم إذا حدث ليس خطوة شكلية إنما لها تداعيات أشد خطورة من الاحتلال.

تزعم إسرائيل بطلاناً أن الضفة الغربية أرض أجداد الشعب اليهودى وجزء من أرض إسرائيل الكبرى وفق الاعتقادات الدينية. وتلك المنطقة لها أهمية دفاعية إستراتيجية لها وتعتقد أن الضم سيؤمن المستوطنات ويمنحها حدودًا شرقية دائمة للمرة الأولى. وحدد نتنياهو أثناء إعلانه عن اتفاق لتشكيل الحكومة الأول من يوليو موعداً لبدء مناقشات في مجلس الوزراء بشأن بسط السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وضم غور الأردن الذى يمتد بين بحيرة طبريا والبحر الميت ويمثل ثلث مساحة الضفة الغربية وغنى بالموارد المائية ويعتبره الفلسطينيون سلتهم الغذائية. وصدق الكنيست على تشكيل الحكومة الجديدة فى 17 مايو 2020 بموافقة 73 عضواً وهي الحكومة الخامسة والثلاثون في تاريخ إسرائيل، والأكبر عددًا تتكون من 34 وزيرًا إضافة إلى 16 نائب وزير.

تسمى حكومة الطوارئ بسبب وباء كورونا، أو حكومة الوحدة، أو حكومة التناوب لأن نتنياهو يتولى رئاسة الوزراء لمدة عام ونصف، ثم يتسلم جانتس بدلاً منه رئاسة الوزراء ابتداء من نوفمبر 2021. وقد جرى تشكيلها إثر أطول فترة جمود سياسى وأزمة غير مسبوقة ومنعًا للانزلاق إلى انتخابات رابعة. وجاء إعلان بيني جانتس بدء المفاوضات مع نتنياهو لتشكيل الحكومة مفاجئًا خلافًا لما كان قد التزم به من قبل ورفض الانضمام لحكومة وحدة وطنية إذا استمر “نتنياهو” المتهم بقضايا فساد زعيمًا لليكود، مما أدى إلى تفكك تحالف حزب أزرق أبيض أو كاحول لافان إلى ثلاث كتل: يش عاتيد بقيادة يائير لابيد، وتيلم بقيادة موشيه يعلون، وقد رفض كلاهما الاشتراك فى الحكومة، وانشق عضوان عن حزب تيلم هما تسفي هاوزر ويعاز هندل وأسسا حزبًا جديداً باسم ديرِخ إيرتس (طريق الأرض)، فيما عاد حزب جانتس لاسمه الذى تأسس به وهو حوسن ليسرائيل (مناعة لإسرائيل) لكن الحزب تمسك باسم كاحول لافان.

ويفسر تغير موقف جانتس على ضوء انخفاض شعبيته مقارنة بنتنياهو إذا ما تم التوجه لانتخابات رابعة وفقاً لنتائج استطلاعات الرأى، وعدم ثقة جانتس في موقف أفيجدور ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا المتقلب الذى يجيد المناورة  ويطرح الكثير من المطالب التعجيزية كشرط لانضمامه لحكومة برئاسة جانتس، وحتى لو انضم له ستكون حكومة ضعيفة تحظى بثقة 61 عضو كنيست فقط، علاوة على إدراكه صعوبةالاعتماد على دعم القائمة العربية المشتركة بسبب التناقض الأيديولوجى والموقف من القضية الفلسطينية عامة والضم خاصة.

فى السياق ذاته، حرص نتنياهو فى الدعاية الانتخابية دوماً على الإشارة إلى ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت إلى السيادة الإسرائيلية فى حال فوزه بالانتخابات وخاطب الناخبين صراحة “إذا تلقيت منكم تفويضاً واضحاً للقيام بذلك، أعلن نيتي إقرار سيادة إسرائيل على غور الأردن وشمال البحر الميت”. وتخطط إسرائيل لضم أكثر من 130 مستوطنة، وهى غير قانونية وفقاً  للقرارات والقوانين الدولية، ويعيش فيها مايقرب من 600 ألف مستوطن. وقد احتلت إسرائيل الضفة الغربية في 1967 وضمت القدس الشرقية لاًحقا فى خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي. وضمت فى عام 1981 مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا. ووفقًا لاتفاق الائتلاف بين نتنياهو وجانتس يمكن للحكومة أن تقدم خطط ضم للمناقشة أو الموافقة فى مجلس الوزراء والكنيست اعتبارًا من 1 يوليو 2020.

يفسر ذلك أن نتنياهو يعتبرها فرصة تاريخية لفرض سيادة إسرائيل على مستوطنات الضفة الغربية، بعد اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بالسيادة على الجولان السوري المحتل. ومحاولة استغلال مدة بقاء ترامب في البيت الأبيض الذى اقترح الخطة الأمريكية للسلام المعروفة إعلامياً بصفقة القرن وتطرح قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومجزأة في ضواحي القدس الشرقية المحتلة، وبموجبها يمكن لإسرائيل ضم ما يصل إلى 30٪ من الضفة الغربية وقوبلت برفض فلسطينى واسع.

ثانياً-المواقف الفلسطينية والعربية والدولية

استنكر الفلسطينيون مشروع الضم وأكدت كتابات السياسيين وقادة الرأى على أهمية العمل وتفعيل لجان المقاومة الشعبية الموحدة وتلبية الدعوات القائمة لإنهاء الانقسام وتوحيد الصف تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطينى لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية . بناء على ذلك أعلنت القيادة الفلسطينية في 19 مايو أن منظمة التحرير ودولة فلسطين فى حل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، وأوقفت التنسيق الأمنى مع إسرائيل إلى حد كبير ورفضت استلام العوائد الضريبية منها، وشددت على ضرورة حل إقامة الدولتين. وفى الأردن صرح الملك عبد الله الثانى بأنه في حال إقدام إسرائيل على ضم الأراضي المحتلة إلى سیطرتها سيؤدى ذلك إلى صدام كبير معالمملكة”. وقام الأردن بتحركات دبلوماسية واسعة على المستويين الدولى والإقليمى ودعا إلى اجتماع وزراء خارجية الدول العربية ليضع خطة التحرك السياسية والدبلوماسية العربية لمواجهة خطة الضم وصفقة القرن.

من جانب آخر، وقع نحو 600 شخصية أكاديمية فلسطينية وعربية ودولية بيانًا أطلقته الحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال الاسرائيلي ومخطط الضم يؤكد على الرفض القاطع لمبادرة الرئيس الأميركي للسلام وإدانة التحرك الإسرائيلي، ومخططاته التوسعية غير القانونية لضم الأراضي الفلسطينية بالقوة، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها واعتبروا ذلك انتهاكًا صارخًا لميثاق وقرارات الأمم المتحدة، ودعوا إلى دعم المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والثقافية لإسرائيل من أجل نصرة الشعب الفلسطيني وتحقيق العدالة الدولية.

أبدت دول الخليج معارضة للمشروع على الرغم من بوادر انفتاح علاقاتها مع إسرائيل. وحذر سفير الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة من أن خطة إسرائيل للضم ستعرقل أي احتمال لحصول تقارب بينها وبين الدول العربية، وكتب مقالة فى صحيفة يديعوت أحرونوت يخبر فيه الإسرائيليين أنه لا يمكنهم الحصول على كل شيء، وعليهم الاختيار بين الضم والتطبيع. وصدر بيان جامعة الدول العربية بعد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية يدين خطة الضم ووصفها بأنها “جريمة حرب جديدة تضاف إلى السجل الإسرائيلي الحافل بالجرائم الغاشمة بحق الشعب الفلسطينى” وحث واشنطن على الالتزام بقرارات الأمم المتحدة . واتهم الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط إسرائيل باستغلال حالة الانشغال العالمي بمواجهة وباء كورونا لفرض واقع جديد على الأرض.

أما على المستوى الدولى، صرح جوزيف بوريل ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوربى أن خطوة ضم الأراضي الفلسطينية لن تمر دون اعتراض. وشن الاتحاد الأوروبي أكبر شريك اقتصادي لإسرائيل في الأسابيع الأخيرة حملة دبلوماسية ضد الضم لعل أبرز خطواتها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى القدس المحتلة، رغم ذلك لم يعلن الاتحاد رسمياً عن عقوبات ضد إسرائيل خاصة وأنها تتطلب إجماع أعضائه السبعة والعشرين. فقد رفضت كل من النمسا والمجر إدانة المخطط الإسرائيلي، في حين زار رئيس الوزراء اليوناني، ووزير الخارجية القبرصي إسرائيل مؤخراً وأجريا محادثات بشأن التعاون في مجال الطاقة. ولا يمكن إغفال أن هناك خطوات عقابية لا تتطلب إجماعاً، كالاتفاقات التجارية أو المنح أو المشاريع التعاونية فى البحث والتعليم كما يمكن أن تشمل العقوبات فرض مزيد من القيود على بضائع المستوطنات.

لقد شهدت الآونة الراهنة تنسيق عربى أوربى فى ذلك الملف، فقد حذرت مصر وفرنسا وألمانيا والأردن إسرائيل فى بيان مشترك من ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية، وإن ذلك قد تكون له عواقب على العلاقات الثنائية وأنها لن نعترف بأى تغيرات على حدود 1967 لم يتفق عليها طرفا الصراع. واعتبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في مقال نشرته صحيفة يديعوت الإسرائيلية أن هذه الخطوة ستكون “متعارضة مع مصالح إسرائيل طويلة المدى وأن الضم سيشكل انتهاكًا للقانون الدولي”.

جاء الموقف الأمريكى مسانداً لاسرائيل خلال الأشهر الماضية إلى حد أن جعل وزير الخارجية الأمريكية القرار  لإسرائيل وصرح خلال مؤتمر صحفى في واشنطن “قرارات الإسرائيليين بتوسيع سيادتهم على تلك الأراضي هي قرارات ترجع للإسرائيليين أنفسهم” ولكن لم تعط إدارة ترامب الضوء الأخضر الكامل لتنفيذ الضم رغم أنه يهدف إلى كسب أصوات اليمين المسيحاني المتطرف الداعم لإسرائيل فى الانتخابات المقبلة. ربما لأنها تميل لتأخير الضم  لمحاولة استثماره كوسيلة ضغط على القيادة الفلسطينية لدفعها نحو طاولة المفاوضات واستعادة الاتصالات السياسية. يدل على ذلك ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية أن السلطة الفلسطينية مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات- وهو الشىء الذى لم تفعله منذ 2014- إذا أسقطت إسرائيل فكرة الضم.

     وصرح أعضاء فى مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي في بيان مشترك  وهم تشاك شومر، وبوب مينينديز وبن كاردان، أن خطة الضم “ستضر بأمن واستقرار المنطقة” وأن الدبلوماسية والمفاوضات هما الطريقان الوحيدان للتوصل إلى السلام. وأرسل أعضاء بارزون فى مجلس الشيوخ  بينهم المرشحان الرئاسيان المحتملان السابقان، بيرني ساندرز، وإليزابيث وورن رسالة لنتنياهو وبيني غانتس وقع عليها 18 سيناتور مفادها أن الضم أحادي الجانب للمستوطنات في الضفة الغربية سيضر بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية بشكل كبير. وحذروا أن الضم يقضي على احتمال إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، ويفرض واقع دولة واحدة بين البحر والأردن.

وأدانت الأمم المتحدة مخطط الضم ودعا كل من الأمين العام أنطونيو غوتيريش، والمنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، الحكومة الإسرائيلية إلى التخلي عن خططها لضمّ أجزاء من الضفة الغربية، بوصفها أمراً يشكل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي.

ودعت الأمم المتحدة والجامعة العربية فى مبادرة مشتركة إسرائيل إلى التخلي عن خططها بضم أجزاء من الضفة الغربية، ما يهدد قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

جدير الذكر أن قرار مجلس الأمن رقم2334 الصادر فى 2016 يعيد التأكيد على أن إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 ليس له أي شرعية قانونية، ويطالبها بالتوقف عن جميع الأنشطة الاستيطانية. وذكرت الأمم المتحدة في مناسبات عديدة أن الاحتلال الإسرائيلي مصدر انتهاكات بالغة لحقوق الإنسان ضد الشعب الفلسطيني. وتشمل هذه الانتهاكات “مصادرة الأراضي، وعنف المستوطنين، وقوانين التخطيط التمييزية، ومصادرة الموارد الطبيعية، وهدم المنازل، والنقل القسري للسكان، والاستخدام المفرط للقوة والتعذيب، واستغلال العمال، والانتهاكات الواسعة لحقوق الخصوصية، والقيود المفروضة على وسائل الإعلام وحرية التعبير، واستهداف الناشطات والصحفيات، واحتجاز الأطفال، والتسمم بالتعرض للنفايات السامة، والإخلاء القسري والتشريد، والحرمان الاقتصادى والفقر المدقع، والاحتجاز التعسفي، وانعدام حرية الحركة، وانعدام الأمن الغذائى.

ثالثاً- دوافع إسرائيل لتأجيل إعلان الضم

لا تريد إسرائيل أن تخاطر بالوضع الراهن والذهاب لمغامرة متعددة التبعات تعيد طرح قضية مثول إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية وتشتت انتباه العالم عن الملف الإيرانى الذى تروج له بأنه يمثل لأول مرة خطراً إسرائيلياً وعربياً مشترك، كما أن لديها تخوف حقيقى من احتمال خسارة ترامب للانتخابات مما يدفعها للحرص على علاقتها مع جو بايدن الذى يطلق على نفسه أنه صهيونيًا. ومن الناحية العملية، تسرى القوانين الإسرائيلية بالفعل على المستوطنين، بينما يخضع الفلسطينيون للقوانين الفلسطينية والأوامر العسكرية الإسرائيلية فقط  لذلك لن يكون هناك تغيير ملحوظ في هذا الصدد. وفى هذا الإطار يمكن تحديد أسباب تأجيل الضم كما يلى:

§  الخلاف بين منظومتين الأولى الأمنية بما فيها الجيش والاستخبارات وترى أن تلك الأراضى بالفعل تقع فى المنطقة (ج) التى تخضع للإدارة المدنية والعسكرية الإسرائيلية وفقاً لاتفاقية أوسلو، والضم  يؤثر سلباً على إسرائيل ويدخلها فى مواجهات ميدانية وسوف يتم استنكار خطوة إسرائيل على نطاق واسع باعتبارها غير قانونية مما قد يؤدى إلى عزلة دولية وتداعيات هى فى غنى عنها وأن الأولوية مكافحة وباء كورونا، والثانية السياسية التى تضم نتنياهو ومعكسر اليمين والمستوطنين وترى أن الضم مكسب سياسى ضرورى للحفاظ على أمن إسرائيل ومنع  قيام دولة فلسطينية تهددها بالإضافة للأسباب العقائدية والإدعاءات التاريخية.

§  خلاف نتنياهو مع حليفه في الائتلاف الحكومى ووزير الدفاع بيني جانتس الذى أعلن في اجتماعات داخلية مع جهات أمنية أنه لن يؤيد فرض السيادة في المناطق التي يكون فيها عدد كبير من الفلسطينيين لتجنب الاحتكاك معهم وحتى لا يعرض اتفاق السلام مع الأردن للخطر. ويرى أن أى عملية ضم يجب أن تكون ضمن عملية سياسية واسعة تتم بموجب خطة الإدارة الأميركية للتسوية في المنطقة، وألا تكون من جانب واحد ومنفصلة عن السياق السياسي. ويريد أن يعطي أولوية لمواجهة فيروس كورونا وتأجيل أي شيء آخر، ويفضل أن يكون الضم على مراحل. مما يعنى أن نتنياهو لا يضمن تمرير قرار الضم الذى يتطلب دعم أغلبية كبيرة من النواب فى الكنيست. وتصر الولايات المتحدة على إجماع إسرائيلي في الحكومة على أي خطوة قبل اتخاذها. وأرسل ترامب مبعوثه الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، آفي بيركوفيتش، والسفير ديفيد فريدمان، وجاريد كوشنر إلى إسرائيل لجسر الهوة بين نتنياهو وجانتس ولم ينجحوا.

§  الخلاف بين حلفاء إسرائيل في الولايات المتحدة، حيث يصر السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان الذى له تاريخ طويل في دعم مستوطنات على المضى قدماً في الضم دون اعتبار لأية ردود فعل سواء كانت عالمية أو أوربية أو عربية وأكد منذ تسلمه منصبه على حق إسرائيل في ضم أراض في الضفة الغربية، بينما يرى جاريد كوشنير مسؤول ملف صفقة القرن أن التريث واجب حتى يمكن إنجاز تسوية تمكن من تمرير الضم، ويرى أن الخطة “وحدة كاملة”، وتنفيذ الضم من جانب واحد يجعل إسرائيل تخاطر باستبعاد اللاعبين الإقليميين الذين يعتبر دعمهم للخطة ضروريًا. ومازالت التفاصيل الجغرافية والاختلاف حول مستوطنات الضفة الغربية التي ستوافق الولايات المتحدة على ضمها محل نظر. لقد برز الانقسام بين فريدمان وكوشنر بعد أيام من الكشف عن خطة ترامب للسلام التي أعلنها في أواخر يناير2020. إذ صرح فريدمان للصحفيين حينها إن إسرائيل “يجب أن لا تنتظر على الإطلاق” قبل ضم أراض في الضفة الغربية، وأدلى كوشنر بعد أيام بتصريحات معاكسة.

§   التباينات الأمريكية الإسرائيلية بشأن تفاصيل الضم، وتوقيته هل سيحدث فى يوليو أم عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، وحجمه والمناطق التى سيشملها الأغوار والمستوطنات وشمال البحر الميت، أم أجزاء منها. فقد صرح نتنياهو خلال اجتماع مع عدد من رؤساء المستوطنات إن “هناك خلافات في الرأي مع الأمريكيين حول مساحة الأراضي التي سيتم ضمها والتي تحيط بالمستوطنات المعزولة وأن المطلب الأمريكي الوحيد من إسرائيل بموجب خطة الرئيس الأمريكي هو اتفاق مبدئي على خوض مفاوضات مع الفلسطينيين.

§   التخوف من تدهور العلاقات مع الأردن مثل التخفيض الدبلوماسي مع إسرائيل أو سحب السفير الأردني من تل أبيب، أو طلب مغادرة السفير الإسرائيلى من الأردن، أو وقف التعاون الاقتصادي والتبادل التجاريى والتنسيق الأمني والاستخباراتى الذى يشمل تبادل المعلومات أوالسماح بالطائرات الإسرائيلية بالمرور لمهاجمة أهداف إيرانية، وربما تجميد العمل باتفاقية السلام وادى عربة.

§  التخوفات من اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة يغذيها اليأس من العملية السلمية وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، مما يؤثر على حالة الأمن القومي الإسرائيلي.

§  التوجس من التنسيق الميدانى بين فتح وحماس وفقدان السيطرة على الشارع، فقد عقدت لقاءات واتصالات بين الجانبين طيلة الأسابيع الماضية لتجميد الخلافات بينهما، من أجل التصدي للهجمة الإسرائيلية الأمريكية ومخطط الضم، وقد أتت ثمارها بالمؤتمر الصحفى المشترك بين صالح العارورى نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، وجبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح فى 2 يوليو .

§  الرغبة فى إتمام صفقة تبادل الأسرى المرتقبة مع حماس التى طرحها يحيى السنوار رئيس حركة حماس فى مارس الماضي، وبالتأكيد يلغى تنفيذ إسرائيل للضم أى احتمالات لنجاحها.

فى التحليل الأخير هناك حسابات إسرائيلية ساهمت في تأجيل قرار الضم وليس إلغاءه، ويظل رهناً بالمتغيرات الحاكمة للمشهد السياسى وعلى رأسها توقيت منح الولايات المتحدة الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بتلك الخطوة فالخلاف على الموعد وآلية التنفيذ، والمساحة، والشروط وليس المبدأ، وعلى الأرجح أن البدء سيكون بضم محدوداً لبعض المستوطنات الكبرى مثل معاليه أدوميم وجوش عتصيون، وتبقى الخيارات مفتوحة أمام نتنياهو وفقاً لتقييمه، منها تنفيذ الخطة كما أراد أو ضم عدة مستوطنات، أو الإعلان عن الخطة كاملة والتنفيذ المتدرج . فلا يمكن لإسرائيل ان تؤجل العملية لمرحلة ما بعد الانتخابات الأميركية لأن هناك تخوفاً من فشل ترامب ووصول المرشح الديمقراطي جو بايدن الذى يرفض عملية الضم صراحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى