#شؤون إسرائيلية

تقدير موقف – سيناريوهات مستقبل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي

أشرف بدر  *- 15/5/2020

مقدمة

تتشكّل الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تحمل الرقم (35)، في ظل متغيّرات عالمية ومحليّة، من أبرزها حالة الطوارئ التي يعيشها العالم بسبب انتشار فيروس كورونا، وتوافق القوى السياسة الإسرائيلية الفاعلة على تطبيق رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام (صفقة القرن)، من خلال تنفيذ عملية ضمّ معظم مناطق الضفة الغربية. وقد وقّع اتفاق تشكيل الحكومة، بين بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الحالي ورئيس حزب الليكود، وبيني غانتس، رئيس كتلة “أزرق أبيض”، بتاريخ 20/4/2020.

تتناول هذه الورقة توزيع المناصب في الائتلاف الحكومي، وتحليل أهم بنود الاتفاق بين التكتلين، المنشور على موقع الكنيست الإسرائيلي[1]، إضافة إلى محاولة وضع سيناريوهات لمستقبل الائتلاف الحكومي. كما ستحاول الإجابة عن أسئلة عدة، من ضمنها: ما أهم بنود الاتفاق، وخصوصًا المتعلقة بالشأن الفلسطيني؟ وما سيناريوهات مستقبل الائتلاف؟

تشكيل الائتلاف الحكومي

يأتي تشكيل الائتلاف الحكومي الحالي بعد ثلاث جولات انتخابية أُجريت على مدى أكثر من سنة، تعمقت خلالها حالة عدم الاستقرار السياسي، وخلقت استقطابًا حادًّا بين المكونات السياسية في المجتمع الإسرائيلي، إذ فشلت جميع الأطراف في حسم النتيجة لصالحها، فكانت الكورونا بمنزلة سلم نجاة للخروج من مأزق التوجه إلى انتخابات رابعة. فالطريق المسدود على مدى الجولات الثلاث الماضية عزز قناعة الطرفين بوجوب الاتفاق على صيغة سياسية تجنبهما الذهاب إلى انتخابات جديدة، فلا يوجد ما يؤشر على أن انتخابات جديدة ستغير بشكل جوهري من الخارطة السياسة، أو ما يضمن إسهامها في الخروج من مأزق عدم حسم أي طرف للانتخابات.

يقوم الائتلاف الحكومي الحالي على أساس التناوب بين تكتلي “الليكود” و”أزرق أبيض” على رئاسة الحكومة، التي تمتد فترتها لـ 36 شهرًا، على أن تعتبر الحكومة في الأشهر الستة الأولى بمنزلة حكومة طورائ، لتتحول في الفترة المتبقية من عمرها الافتراضي إلى مسمى حكومة وحدة وطنية. ويتقاسم فيها التكتلان الحقائب الوزارية الـ 32، بشكل متساوٍ، ويتناوبان على موقع رئيس الوزارء بينهما، إذ يتولى نتنياهو منصب رئيس الحكومة في الفترة الأولى لمدة 18 شهرًا، بينما يتولى غانتس موقع نائب رئيس الحكومة ووزارة الأمن، ومن ثم يتبادلان المواقع لمدة 18 شهرًا المتبقية من عمر الحكومة.

أهم بنود الاتفاق

تتوزع بنود الاتفاق على محاور عدة: أولها: بنود تسعى لوضع قيود تحول دون عدم إيفاء أي من الطرفين بالاتفاق، وبشكل أساسي بنود تهدف لضمان حق “أزرق أبيض” في تولي رئاسة الحكومة في الفترة الثانية. أمّا المحور الثاني، فيركز على تقاسم الحقائب الوزارية في الحكومة بشكل متساوٍ. وأما الثالث، فيتناول مشاريع قوانين سيتم العمل بشكل مشترك على سنها، وفي مقدمتها تعديل قانون الحكومة وقانون التجنيد، في حين يتضمن المحور الرابع برنامج الحكومة المتعلق بتنفيذ صفقة القرن، وضم أجزاء من الضفة الغربية.

تتكون الحكومة، وفق الاتفاق من 32 وزيرًا مناصفة بين التكتلين، وأي كتلة برلمانية تريد الانضمام للائتلاف يجب أن تنتمي لإحدى التكتلين، ويكون نصيبها من الحقائب الوزارية بالاتفاق مع التكتل الذي تنتمي له، كما حصل مع حزب العمل عقب توقيعه لاتفاق مع “أزرق أبيض” وحصوله على حقيبتي الاقتصاد والرفاه الاجتماعي. ووزّعت الحقائب الوزارية حسب الترتيب الآتي:

الليكود: المالية، الخارجية “في الفترة الثانية”، الأمن الداخلي، التعليم، الداخلية، المواصلات، الإعمار والإسكان، الصحة، الخدمات الدينية، الطاقة، حماية البيئة، شؤون المخابرات، التعاون الإقليمي، النقب والجليل والأطراف، القدس والتراث.

“أزرق – أبيض”: نائب رئيس الوزراء في الفترة الأولى، رئيس الوزراء في الفترة الثانية، الخارجية في الفترة الأولى، الأمن، العدل (القضاء)، الاقتصاد، الزراعة، العمل والرفاه، الإعلام، الهجرة والاستيعاب، التربية والرياضة، شؤون الأقليات، الشتات، العلوم والفضاء، الشؤون الإستراتيجية، العدالة الاجتماعية والمتقاعدون.

أمّا فيما يتعلق بالبرنامج السياسي للحكومة، فقد وضع الائتلاف نصب عينيه تحقيق فرض “سيادة الحكومة” (الضم) على مناطق في الضفة الغربية، التي حتى اللحظة غير معروفة مساحتها بدقة، وإن كانت بعض المصادر الصحفية ترجح بأن تشمل هذه المناطق الأغوار والمستوطنات في الضفة الغربية، بما يعادل ثلث المناطق المصنفة (ج)، وذلك بالتنسيق بشكل كامل مع إدارة ترامب، تنفيذًا لرؤيته للسلام (صفقة القرن)، وكذلك التنسيق مع إدارته فيما يتعلق برسم الخرائط أوالتواصل مع الأطراف والمؤسسات الدولية، لتمرير عملية الضم، على أن يتم البدء بتنفيذ الضم بتاريخ 1/7/2020.

من الواضح أن هذه الحكومة لن تضيع هذه الفرصة التاريخية المتمثلة بوجود إدارة اميركية منحازة بشكل كامل وفاضح للإسرائيليين، وستستغل هذه المرحلة قبل عقد الانتخابات الأميركية المقررة لهذه السنة، تحسبًا لأي مفاجئة قد تحملها هذه الانتخابات من قبيل عدم إعادة انتخاب ترامب.

أمّا فيما يخصّ العلاقة مع الدول العربية والسلطة الفلسطينية، فقد أشار الاتفاق إلى سعي الائتلاف الحكومي إلى تطوير اتفاقيّات السلام مع الدول العربية المجاورة، واستغلال فيروس كورونا لتطبيع العلاقات مع الدول العربية، بذريعة التعاون في محاربة الفيروس، فيما تجاهل الاتفاق بشكل تامّ الإشارة إلى السلطة الفلسطينية من قريب أو بعيد.

يُمعِنُ الاتفاق في إذلال السلطة، فقد تجاهلها بشكل كامل، وتجنّب الحديث عن أي شكل من أشكال التفاوض معها، أو حتى كيفية التعامل معها، رغم أنّ صفقة القرن دعت الإسرائيليين إلى التفاوض مع الفلسطينيين بسقف زمني يمتد إلى أربع سنوات بهدف الوصول إلى صيغة تضمن لهم إقامة “دولة”.

يبدو أن الائتلاف الحكومي الحالي لا يعطي أي وزن للسلطة، ويجردها من أي دور سياسي، على اعتبار أنّ دورها “الوظيفي” ينحصر في التنسيق الأمني، وإدارة السكان، بحيث تتخلص إسرائيل من هذا العبء. وهذا مؤشر إضافي على التوجه “الرسمي” الإسرائيلي نحو دفن عملية السلام الميتة أصلًا، وإنهاء صيغة “حل الدولتين” التي قامت عليها. وبالرغم من ذلك توحي تصريحات ديفيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة الأميركية في إسرائيل، باحتمالية إطلاق عملية سياسية شكلية مع الفلسطينيين، فقد صرح في مقابلة صحفية “عندما يكتمل رسم الخرائط، وعندما توافق الحكومة الإسرائيلية على وقف بناء المستوطنات في الجزء الذي لن تفرض عليه سيادتها من المنطقة (ج)، وعندما يوافق رئيس الوزراء على التفاوض مع الفلسطينيين على أساس خطة ترامب للسلام، (الذي وافق عليها بالفعل من اليوم الأول لطرحها)، عندها سنعترف بسيادة إسرائيل على المناطق التي تعتبرها الخطة جزءًا من إسرائيل”.[2]

يؤسس الاتفاق المبرم لتغيير النظام الحزبي الإسرائيلي، من نظام قائم على تعدد الأحزاب باتجاه نظام الحزبين. وهذا بدوره سيساهم في الخروج من المأزق السياسي الإسرائيلي المزمن والمتمثل بعدم قدرة أي كتلة على تشكيل حكومة بمفردها، وفي الوقت ذاته يقلّص من ابتزاز الأحزاب الصغيرة، وعلى رأسها أحزاب المتدينين للحزب الفائز في الانتخابات أثناء تشكيله للحكومة. وتمظهر ذلك في بنود عدة في مقدمتها بند الموازنة (بند رقم 30) الذي سيصوت عليها كموازنة للحكومة لسنتين قادمتين، وليس لسنة واحدة، كما هو مألوف، وذلك لتجنب الدخول في دوامة ابتزاز الأحزاب الصغيرة للحزب الفائز كل سنة، وتهديده بالانسحاب إن لم تُنفّذ مطالبه.

وعلاوة على ذلك، نَزَعَ الاتفاق فتيل قنبلة تفجير الحكومة، والمتمثلة بقانون التجنيد، إذ اتُفِق على عدم تقديم قانون التجنيد بالقراءة الثالثة للكنيست، الذي قُدِّم في العام 2018، وأثار اعتراض أحزاب المتدينين، لأنه يتضمن فرض غرامات على من تخلف من المتدينين عن التجنيد.

يعمّق الاتفاق حالة التفرد في إدارة المشهد السياسي، ويجرد المعارضة من أدوات التأثير، وتمثل ذلك بحرمان الائتلاف الحكومي الحالي للمعارضة من أي دور مؤثر في الكنيست، فقد جرت العادة على تولي المعارضة رئاسة بعض لجان الكنيست، إلا أنّ الاتفاق حصر رئاسة معظم لجان الكنيست بيد تكتلي الائتلاف، يتقاسمانها مناصفة، فضلًا عن حرمان المعارضة من عضوية لجنة تعيين القضاة التي جرت العادة أن يكون فيها ممثلون من الكنيست أحدهما يمثل الحكومة والآخر يمثل المعارضة، فقد تم الاتفاق بين التكلتين على تقاسم عضوية اللجنة.

لا تعني هذه التغيرات في شكل النظام الحزبي الإسرائيلي، بالضرورة، تغيّر بنية النظام. فالنظام ما زال مبنيًا على شكل من أشكال الاستعمار الاستيطاني القائم على المحو، ومصادرة الأرض. فلا نكاد نجد فارقًا بين الأحزاب الإسرائيلية على الساحة السياسية، فهذه الأحزاب تتوزع ما بين اليمين المتدين المتشدد مقابل اليمين الوطني المتشدد، والاختلاف بينهما منحصر على كيفية إدارة النظام لا على بنية النظام. وبالتالي، قد يؤسس هذا الاتفاق لتغيير شكل النظام الحزبي الإسرائيلي، لكنه لن يغير من بنيته الاستعمارية.

السيناريوهات المستقبلية للائتلاف الحاكم

هنالك سيناريوهان رئيسيان، يتمثل السيناريو الأول باستمرار الحكومة بممارسة أعمالها، أما الثاني فيتمثل بسقوط الحكومة.

السيناريو الأول: استمرار الائتلاف بممارسة أعماله

يتجسد هذا السيناريو باحتمالين:

•استمرار الحكومة حتى انتهاء مدتها المتفق عليها وهي 36 شهرً.

•استمرار الحكومة لسنة إضافية بعد انتهاء 36 شهرًا، إذ يصبح إجمالي عمر الحكومة أربع سنين ونصف، فقد نص الاتفاق على ذلك، في حال توافق الطرفان على ذلك.

السيناريو الثاني: سقوط الائتلاف

يتمثل هذا السيناريو بما يأتي:

•استمرار الحكومة لمدة 6 أشهر ثم سقوطها، فقد نصّ الاتفاق في حال لم يتمكن الائتلاف من تمرير الموازنة خلال 6 أشهر من تأدية الحكومة القسم، على حل الكنيست والدعوة إلى انتخابات مبكرة.

•استمرار الحكومة للفترة الأولى التي يتولى فيها نتنياهو رئاستها، ثم سقوطها في الفترة الثانية المخصصة لغانتس، نتيجة نكوث نتنياهو أو الليكود بالاتفاق.

•سقوط الحكومة من خلال حصول تمرد داخلي في أحد الحزبين، فقد نص الاتفاق على سقوط الحكومة في حال تقدم 12 عضو كنيست من التكتل الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة بطلب لحل الكنيست.

•تصويت أغلبية أعضاء الكنيست على إسقاط الحكومة وحل الكنيست.

•عدم تمرير موازنة العام 2022، فقد نص الاتفاق على أن عدم تمرير الميزانية بعد مرور 6 أشهر من بدء السنة المالية للعام 2022، سيؤدي إلى حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة.

خاتمة

خرج طرفا الاتفاق بالكثير مما كانا يطمحان إليه، فنتنياهو ضَمِنَ عدم سن قانون يمنع توليه الحكم أثناء تعرضه للمحاكمة. في المقابل، ضَمِنَ غانتس مواقع مهمة في الحكومة والمنظومة السياسية أكبر من حجم المقاعد التي حصل عليها، ومن غير المؤكد إذا ذهب إلى انتخابات رابعة بأنه سيحصل على نتيجة أفضل من التي حصل عليها في المرات السابقة.

من المرجح تحقق السيناريو الأول المتمثل باستمرار الائتلاف لمدة 36 شهرًا، مع إمكانية التمديد له لسنة أخرى في حال لم يحصل أي صدام بين الطرفين. ويبقى سيناريو سقوط الحكومة بعد 18 شهرًا قائمًا، مع استبعاد تحقق سيناريو سقوط الحكومة لأسباب أخرى كإدانة نتنياهو، لأن إدانته بأي قضية من قضايا الفساد الموجهة إليه خلال توليه رئاسة الحكومة لم تتضح بعد، كون هذا الشكل من المحاكمات يستغرق وقتًا طويلًا قد يمتد إلى سنوات، وحتى لو انتهت إحدى هذه القضايا بإدانته، أو لم يستطع ممارسة مهامه في رئاسة الحكومة نتيجة انشغاله بالمحاكمة، فسيحل محله شخص من حزبه، ولن تسقط الحكومة، إذ نصّ الاتفاق على أنه سيحل محله عضو من “الليكود”، أو يمكنه تأجيل الفترة التي من المفترض فيها ترؤوسه للحكومة لتكون الفترة الثانية بدل الأولى.

لكن يبقى احتمال سقوط الحكومة قائمًا، فقد يغدر نتنياهو بغانتس ويسقط الحكومة في الفترة الثانية، أو قد تطرأ تطورات وصراعات تؤدي إلى انشقاق بعض أعضاء الكنيست عن أحزابهم، أو قد يدب الخلاف بين أعضاء الائتلاف الحكومي ولا يستطيعون تمرير الموازنة.

*تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج أعضاء “منتدى الشباب الفلسطيني للسياسات والتفكير الإستراتيجي” الذي يشرف عليه مركز مسارات.

الهوامش

[1] نصّ اتفاق “الليكود” و”أزرق-أبيض”، موقع الكنيست الإسرائيلي، 23/4/2020. bit.ly/3fy8bQj

[2] Israel Hayom, For Israel to give up Hebron and Beit El is like the US giving up the Statue of Liberty, 5/8/2020. bit.ly/2xRlKJu

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى