شؤون مكافحة الاٍرهاب

تقدير موقف – أي مستقبل ينتظر تنظيم الإخوان مع إبراهيم منير؟

عامر بدوي  *- 22/9/2020

رغم تولي إبراهيم منير موقع محمود عزت المقبوض عليه، وإعلانه تشكيل ما أسماه “أمانة عامة” لتسيير شئون الجماعة وإلغاء منصب الأمين العام؛ فقد انتقدت قطاعات إخوانية ما جرى، وأصدر شباب الجماعة بيانًا بعنوان “ما جناه منير وحسين”. واعتبر بعضهم أن هذه القرارات ليست ثورة وإصلاحًا داخليًا، أو تغييرًا راديكاليًا؛ بل إنها لا تعدو أكثر من مجرد محاولة هادئة للملمة الشمل المتفكك. فالرجل كان يتولى منصب نائب القائم بأعمال المرشد الغائب طوال الوقت، في ظل وجود قائد تنفيذي داخل مصر (مجهول الهوية ومستمر حتى اللحظة) منذ سنوات يدير التنظيم.

أزمات هيكلية

المسألة في الحقيقة هي إجراء شكلي من أجل محاولة “لملمة الشمل” المتشرذم، ذلك أن أزمة التنظيم مستمرة، سواء مع القائم بالأعمال الجديد وأمانته أو غيره، لثلاثة أسباب نناقشها فيما يلي:

1- استمرار الانقسام  

حين تولى “إبراهيم منير” منصبه الجديد لم يكن يعنيه التنظيم داخل مصر، فهو أو “عزت” لا يديرانه بشكل مباشر، بل بشكل توجيهي عام وفقط، مع وجود قائد تنفيذي. لكن ما كان يعنيه هو أن التنظيم يغرق في جملة من الإشكالات تتعلق بفقده مجموعة من القدرات كان يتميز بها طوال الوقت، وهي: القدرة على حشد الجماهير، والقدرة على نسج التحالفات، والقدرة على التمويل، والقدرة على إنشاء كوادر قيادية جديدة. وهنا حين أصدر الرجل بيانه الأول لقي رد فعل متوقعًا من شباب الجماعة، وأحدث ذلك صدى واسعًا إلى حدٍّ دفع “منير” إلى إصدار بيان آخر، قبل أن يلحقه بيان ثالث صدر باسم المتحدث باسم الجماعة “طلعت فهمي”. وكان في ذلك إشارات إلى الخلاف بين المستويات القيادية والانقسامات الحادة حول الإدارة التوجيهية العامة للتنظيم، خاصة محمود حسين وإبراهيم منير الذي تحيّن الفرصة لإقالته من منصب الأمين العام ورفض الأول لذلك، والضغط على “قناة وطن”، القناة الرسمية للجماعة في عدم نشر البيان على شاشتها.

كان التنظيم قبل تولي إبراهيم منير قيادة الجماعة متشظيًا بشكل يمكن تصنيفه على أن هناك التيار التقليدي، الذي يمثله “عواجيز” الجماعة وقياداتها التقليديين الذين بيدهم دفة الأمور والتمويل، والثاني هو تيار “القرضاويين” الذي يمثله عصام تليمة ومجموعة من الشباب، والثالث هو تيار “الكماليين”، نسبة إلى القيادي المقتول محمد كمال، وهو تيار أقرب إلى السلفية الجهادية، ويمثله يحيى موسى وعلي بطيخ وغيرهم، والمستقلون والمنشقون عن التنظيم. والواضح حين تولى منير أن الخلافات العميقة تعود إلى ما قبل 30 يونيو، وأنها ستستمر لأنها ليست بين الشباب والقيادة القطبية التقليدية، بل بين جميع المستويات الإدارية، وأن الجديد فقط هو إحداث “منير” تغييرًا جذريًا في جعل الإدارة جماعية وليست فردية في يد محمود حسين، وذلك لاستمالة شباب الجماعة بالخارج، وللقفز على الانقسامات الداخلية، وتحميل الجميع مسئولية التنظيم المتفكك. ورغم ذلك رفضت قطاعات واسعة تلك الخطوة، ورأوها حصرًا للقيادة في يد “عواجيز” الجماعة.

إذن، سيستمر التنظيم مأزومًا، وكل ما يجري هو تغييرات شكلية لمحاولة لم الشمل، لأن النزاع حول طريقة العمل والإدارة، كما قال عصام تليمة، إن الكل كان متفقًا على العمل العسكري، والخلاف الآن فقط حول المناصب الإدارية! والفشل في الحشد، وكيفية محاسبة القيادات على جرائمهم بالتنظيم، وسيطرة الجيل القديم على القيادة ومصادر القوة وهي التمويل، والفساد المالي والأخلاقي، وكيفية اندماج التنظيم ليقوم على الكفاءة والخبرات وليس ادعاء الطهر والنقاء والورع والقدسية، والغرق في جملة من الإشكالات، وهى السري والعلني، الدولة واللا دولة، وغيرها.

2- استمرار التراجع الجماهيري

لأسباب متعددة أيضًا سوف يستمر تراجع تأثير الجماعة، وعدم تعافيها من تداعيات الإخفاق السياسي فترة الحكم والسنوات التي أعقبتها، سواء فيما يتعلق بنظرة الآخرين لها، خصوصًا قاعدتها الجماهيرية المباشرة، أو حتى ثقة الأعضاء داخل الجماعة نفسها، وغموض أو غياب الأجندة السياسية التي تتبناها، وعدم ملاءمة خطابها السياسي للواقع، مع عدم كفاية الموارد اللازمة لتلبية احتياجات العناصر الداخلية المتزايدة، فضلًا عن تلبية متطلبات التحرك السياسي والإعلامي، وهي كلها أشياء تؤكد على تفاقم الأزمة حتى عقب تولي “إبراهيم” منصب القائم بالأعمال.

3- الخلل في القوة الخارجية

تمثّل أحد محددات قوة جماعة الإخوان في قدرتها على نسج التحالفات الخارجية، وكذا مؤسساتها ومنظماتها بالخارج، إلا أنه في العامين الأخيرين أصبح هناك خلل واضح في هذه المسألة، حيث تواجه أفرع الجماعة “نكبات” متتالية خاصة في أوروبا. كما أن تحالفها القوي مع الأتراك يواجه مأزقًا كبيرًا بسبب المعارضة التركية الداخلية، التي ترى أن الجماعة تسببت في أزمة كبيرة مع مصر، ما أدى إلى نتائج سيئة للأتراك في ملفات كثيرة أهمها غاز المتوسط وترسيم الحدود.

وقد اتضح في أجوبة “إبراهيم منير” مع القناة الإخوانية بلندن (الحوار) حجم عدم الفهم والإدراك للوضع الإقليمي وتوازناته، وطبيعة النظام الإقليمي الراهن والنظام الجديد الذي تتشكل ملامحه بالفعل. كما أن الجماعة لم تقم بقراءة عميقة للدولة المصرية الحديثة، على صعيد بنيتها ومراكز قوتها وشبكة علاقاتها الداخلية والخارجية ودورها الإقليمي ووزنها الدولي. ومن ثم، لم تقدم رؤية واقعية للتعامل معها، ولم تعرف موقعها ودورها ووظيفتها، مما أدى لاستمرار أزمتها، وهو ما عبر عنه منير بقوله: “لم نكن نعرف قوة الدولة وجيشها”.

أي مستقبل؟

لقد بنت جماعة الإخوان حساباتها خلال السنوات التي أعقبت عزلها عن الحكم على عدة أمور، هي: اعتمادها على تكتيكات الحشد العشوائي، وتكثيف عمليات التنظيمات الإرهابية ضد القوات المسلحة والشرطة، خاصة في سيناء، فضلًا عن تفجير الانقسامات في مؤسسات الدولة خاصة البيروقراطية التي نجحت جماعة الإخوان في زرع عدد كبير من كوادرها بين صفوف قيادات الصف الثاني بها. ويتمثل الهدف الأساسي لهذه التكتيكات في إطالة أمد الصراع، وعرقلة أي تقدم اقتصادي للدولة، والحفاظ على تماسك التنظيم، والحيلولة دون حدوث مراجعة لأخطاء القيادات، ومن ثم الدخول في عملية تفاوضية تفضي بهم إلى العودة للمشهد من جديد عن طريق العمل على عدة محاور، هي: السياسي، والدعوي، والجماهيري، والنوعي المسلح.

وهكذا، تواجه الجماعة مجموعة من التحديات الهيكلية رغم الدعم اللوجستي من التنظيم الدولي؛ فمع الانتقال المفاجئ والسريع من العمل السياسي السري وشبه السري إلى العمل النوعي المسلح والعمل من خلال المهجر، وعقب الضربات المتتالية التي تلقتها داخليًا، أصبحت تواجه معضلات تنظيمية كبيرة، حتى وصلت إلى ما يشبه الفشل التام خلال العامين الأخيرين، وهو ما عبر عنه عصام تليمة بقوله: “كل من يحدثكم أن الخلاف داخل الإخوان سببه السلمية أو العمل المسلح فهو كاذب، يريد صرف أنظار الناس عن الأسباب الحقيقية للخلاف، وهو الخلاف على المواقع والمناصب الإدارية، وصلاحيات هذه المواقع وأصحابها. ومن يقل لكم عكس ذلك، فاطلبوا منه إخراج المراسلات التي كانت بين محمد كمال ومحمود عزت ومحمد عبدالرحمن المرسي، والخلاف حول اللجنة الإدارية العليا الأولى والثانية، كله خلاف إداري فقط، وليخرج إخوان الخارج محاضر جلسات مجلس الشورى، لن تجدوا حرفًا واحدًا ولا جلسة واحدة للنقاش حول هذه القضايا أو غيرها، كل النقاشات كانت في الداخل والخارج حول خلافات إدارية ومالية فقط”.

لذا فإن أهم طموحات الإخوان في هذه الأيام هو الحفاظ على ما تبقى من التنظيم في الداخل، ولملمة شمله في الخارج، وما يقوم به “منير” هو محاولات يائسة في هذا الصدد تواجه تعنتًا من الشباب قبل العواجيز، المنغلقين فكريًا على قناعات قديمة.

وفي ظل هذا الوضع، يمكن أن نخلص إلى ما يلي:

1- استمرار الخلافات والانشطارات في جسد الجماعة الخارجي مع كمون الجسد الداخلي في حالة وهن وضعف كبير.

2- لن تستطيع الجماعة الحفاظ على تماسكها من جديد، رغم مسارعتها بتولية إبراهيم منير، ومحاولة الأخير تشكيل قيادة جماعية، إلا أنه لن يستطيع إجراء تغييرات جذرية، الأمر الذي سيجدد الانقسامات.

3- أعظم ما يمكن لقيادة الإخوان أن تفعله الآن أن تحل الأزمة الداخلية بجمع شمل أبنائها، ولملمة القيادات مرة أخرى، وهي محاولات من المتوقع لها أن يصيبها الفشل بسبب الجدل حول الأحقية بالمناصب، واستراتيجيات العمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى