تصريح مشعل حول تبني إستراتيجية النضال الشعبي هل هو تحول؟
ترجمة: مركز الناطور للدراسات والأبحاث 05/01/2012
إعداد: يورام شفايتسر وشلومو بروم
نشرة مباط العدد 308
معهد أبحاث الأمن القومي في 03/01/2012
عند انتهاء اجتماع منتدى الزعامة المؤقتة في القاهرة حيث شارك فيه محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ورمضان شلح زعيم حركة الجهاد الإسلامي وزعيم حركة حماس خالد مشعل صرح هذا الأخير أن على الحركتين الفلسطينيين فتح وحماس فتح صفحة جديدة والاعتراف بأخطاء الماضي.
بالإضافة إلى ذلك صرح أن حماس تعتزم تبني إستراتيجية المقاومة الشعبية كما تجلت خلال السنة الأخيرة في الدول العربية المختلفة، هذه التصريحات أثارت الأمل بأن التغيير المنشود قد أزف أخيرا وأن حركة حماس تحاول تغيير منهجها التاريخي والتخلي عن استخدام الإرهاب وإستراتيجية الكفاح المسلح حسب لهجته وخوض صراع بوسائل غير عنيفة.
هذا التصريح يضاف إلى تصريحات سابقة لمشعل حيث عبر عن دعم حركته لفكرة إقامة الدولة الفلسطينية على مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية وهو ما يتعارض مع خط حماس الذي كان ينفي بشكل تام حق وجود دولة إسرائيل إلى جانب الدولة الفلسطينية، ومع ذلك وفي مقابلات أخرى عاد مشعل ليردد أقوالا متناقضة مثل تلك التي عبر عنها إسماعيل هنية في الآونة الأخيرة وهو رئيس حكومة حماس بشأن حق الشعب الفلسطيني في مواصلة النضال ضد الاحتلال بوسائل النضال المسلح لأن المقاومة المسلحة هي الخيار الإستراتيجي لتحرير أرض فلسطين من النهر إلى البحر.
وبسبب الدلالة الدراماتيكية التي يمكن أن تعزى إلى التغير الأساسي في المفهوم السياسي والإستراتيجي للنضال لحركة حماس وهي الحركة التي نسب إليها استخدام العنف المتطرف ضد المواطنين الإسرائيليين كجزء من نهجها ومفاهيمها حري بنا أن نتفحص بشدة مجمل التصريحات التي أدلى بها خالد مشعل، مثل هذا الفحص والتأمل يسمح بفهم السياق التي وردت فيه هذه التصريحات وكذلك فهم جملة الأصوات التي تتردد في داخل الحركة حول قضية النضال المسلح ثم تقييم قدرة اللاعبين المختلفين في التأثير على إدارة شؤون الحركة في المستقبل.
تصريحات مشعل وردت في القاهرة وفي ختام مرحلة متقدمة أخرى من محادثات المصالحة التي تجري بوساطة مصر بين زعيمي الحركتين الفلسطينيين الرئيسيتين.
في الحقيقة تصريحاته التي عاد فيها وكرر الحديث عن الاتفاق الذي توصل إليه مع عباس خلال جولة محادثات المصالحة السابقة التي عقدت في القاهرة في نوفمبر 2011.
في حين التنازل الرئيسي الذي أقدم عليه مشعل من أجل التمكين لاستمرار عملية المصالحة تمثل في قبول البرنامج السياسي الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي أهم مكوناته الرئيسية هي:
– وقف إطلاق النار بشكل شامل مع إسرائيل.
– تبني المقاومة الشعبية بالطرق السلمية كوسيلة رئيسية لمقاومة الاحتلال والاستيطان.
– المفاوضات حول إقامة دولة فلسطينية في حدود 67 تكون عاصمتها القدس بالإضافة إلى شروط محمود عباس لاستئناف المفاوضات أي اعتراف إسرائيل بحدود 67 وتجميد الاستيطان.
هذا الاتفاق يستهدف دعم عباس في جهوده للحصول على شرعية دولية واسعة لحكومة الوحدة الفلسطينية المستقبلية، وبذلك يضعف من قدرة إسرائيل على إنكار شرعية مثل هذه الحكومة إذا ما ضمت في صفوفها ممثلين للمنظمات التي ترفض حق وجود إسرائيل.
الجديد في البيان الحالي ليس إذن في مضمون الأمور التي وردت فيه وإنما في استعداد مشعل لأن يقولها صراحة وأن يقف خلف الاتفاقيات التي توصل إليها مع عباس رغم أنه يدرك ردود الفعل المحتملة من جانب المعارضين داخل حركته.
مشعل من جانبه أوضح الخيار الإستراتيجي للنضال الشعبي من خلال الإشارة إلى نجاعة هذا الأسلوب وفاعليته أمام العالم من خلال أحداث الربيع العربي حيث أن الاحتجاجات الجماهيرية الشعبية شقت الطريق لتحقيق أهداف سياسية.
تصريحات مشعل وردت برعاية النظام المصري الحالي في القاهرة وبعد الانتخابات للبرلمان حيث برز تعاظم قوة حركة الإخوان المسلمين التي تمنح لحركة حماس الإحساس بالثقة بالدعم المستقبلي من جانب مصر لنهجها.
المصريون عرابو اتفاق المصالحة ألقوا بكامل ثقلهم ونفوذهم للضغط على الطرفين من أجل بلورة اتفاق المصالحة ليساعد على تسوية القضايا المختلف عليها بين الجانبين وفي مقدمتها إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في منتصف عام 2012، ودعم وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية كمنظمة فلسطينية تمثيلية لتضم في داخلها جميع الفصائل.
المصريون يأملون أن تسمح مثل هذه الإجراءات باستئناف المفاوضات السياسية بين الفلسطينيين وإسرائيل توطئة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
إلى جانب ذلك تمسك مشعل بحق شرعية الشعب الفلسطيني في مواصلة النضال المسلح ضد الاحتلال ترك الباب واسعا أمام تبرير العمليات الإرهابية في المستقبل، عندما يتطلب الأمر ذلك حسب مفهومه، تصريحاته تستهدف بالطبع تهدئة روع خصومه في الداخل وعلى الأخص بين صفوف زعامة حركة حماس في الداخل التي تشكل معارضة لعملية المصالحة مع فتح وهي الحركة القائدة، زعامات الحركة في الضفة الغربية وعلى الأخص في غزة تعتبر نفسها كعامل رئيسي في عملية اتخاذ القرارات في الحركة وعلى الأخص منذ انتخابات 2006 ومنذ انتزعت حركة حماس بالقوة السيطرة على غزة من السلطة في عام 2007 (هذا على الرغم من عدم وجود تطابق في الرأي بين قيادة الداخل ووجود خلافات بين كبار القيادة العسكرية وكبار الذراع السياسي فيما يتعلق بإدارة شؤون الحركة) حركة حماس تخشى أيضا أن تلحق عملية المصالحة ضررا بمصالحها لكون الحكومة المسيطرة في غزة تابعة لها.
قبل عدة أشهر وجهت إلى مشعل انتقادات حادة من جانب أحد أبرز زعماء حركة حماس في غزة محمود الزهار الذي هاجمه بسبب ما وصفه اتخاذ قرار أحادي حول موضوع المصالحة بدون موافقة مجلس الشورى التابع للحركة في غزة. كذلك فمازال مشعل يحتاج الآن ليرى كيف سيكون التأثير السياسي للتصريح الذي أدلى به حول سلوك القيادة العسكرية في غزة برئاسة أحمد الجعبري الذي يدير وإلى حد معين سياسة مستقلة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية للحركة، صحيح أن الذراع العسكري يحافظ على وقف إطلاق النار عندما يحجم عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل إلا إذا كان ذلك رد فعل على عمليات إسرائيلية، لكن يواصل هذا الذراع التخطيط لاختطاف إسرائيليين في أعقاب صفقة شاليط ويستغل الفوضى في سيناء وعلى الأخص لا يعمل هذا الذراع على منع عمليات التنظيمات الأخرى ضد إسرائيل.
التناقض القائم بين تصريحات الشخصيات البارزة في حماس يدل أكثر من أي شيء آخر على حالة من التخبط المتواصلة داخل الحركة التي انتقلت قبل خمس أعوام من وضع حركة المقاومة خارج السلطة إلى عامل قوة هام ومركزي في المؤسسة السياسية الفلسطينية بل إلى موضع السيطرة على جزء من الشعب الفلسطيني، طموح حركة حماس لقيادة الشعب الفلسطيني وكذلك الحصول على الشرعية الوطنية والدولية هذا من خلال الفوز في الانتخابات الديمقراطية القادمة هو الذي يكمن في صلب تصريحات مشعل.
من الجائز أنه تبنى التفكير السائد لدى الفلسطينيين بأن بمقدور المقاومة الشعبية الواسعة ليس فقط إرباك إسرائيل وإنما أيضا تعزيز عملية نزع الشرعية عنها لدى الدول والمؤسسات المختلفة في العالم وكذلك إرغام إسرائيل على تسريع عملية الولوج في العملية السياسية بشكل مستمر بحيث يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية في مناطق 67.
في إسرائيل يثير هذا السلوك جدلا بين أولئك الذين يرون في تصريحات مشعل نافذة للتغيير الأساسي في موقف حركة حماس باتجاه انضمامها إلى العملية السياسية مع إسرائيل تؤدي إلى الاعتراف بإسرائيل، وبين أولئك الذين يعتبرون هذه الخطوات مجرد خطوات تكتيكية تخدم الوضع السياسي المؤقت ولا تنطوي على تغيير في المواقف الأساسية والتي لا يمكن أن تحدث في حركة حماس.
يبدو أنه ليست هناك وسيلة لحسم هذا النزاع، لأن تغييرا عميقا من هذا النوع لا يحدث بين ليلة وضحاها وإنما هو نتاج عملية تتضمن قرارات تكتيكية كثيرة.من الواضح أن أعضاء حماس نفسهم والذين يرفضون العملية لا يعرفون إلى أين ستقود هذه العملية، الطريقة التي ستتطور بها هذه العملية تعتمد إلى حد كبير على قرارات وأفعال للاعبين الآخرين وبينهم إسرائيل التي تلعب الدور الرئيسي.
لإسرائيل مصلحة في محاولة التأثير على هذه العملية وإذا ما تم تبنى مثل هذا المفهوم عندها يمكن أن تشكل تصريحات مشعل قاطرة لتطوير حوار بين حماس وإسرائيل لا يستوجب أن يكون مباشرا ومن الجائز أنه في هذه المرحلة أنه ليس مرغوبا أن يكون مباشرة في هذه المرحلة.
مثل هذا الحوار يمكن أن يبدأ عن طريق أفعال مثل استجابة أخرى لاحتياجات سكان غزة وتصريحات تصدر عن الزعماء.