تشاثام هاوس – جرجس فهمي – خمسة دروس من الانتفاضات العربية الجديدة

تشاثام هاوس – جرجس فهمي* – 12/11/2019
في هذا المقال، يدرسُ جورج فهمي كيف قام المتظاهرون في جميع أنحاء المنطقة بتكييف تكتيكاتهم بعد تجارب الربيع العربي في النصف الأول من العقد الحالي.
* * *
استندت الموجة الثانية من الانتفاضات العربية التي بدأت في السودان في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، والتي امتدت إلى الجزائر ولبنان والعراق هذا العام، إلى التجارب السابقة من التحولات السياسية خلال الربيع العربي، واستفادت من دراسة أخطائها وإنجازاتها على حد سواء. وقد تعلم المتظاهرون في هذه الموجة الجديدة من الانتفاضات العربية فعلياً خمسة دروس من التجارب الانتقالية السابقة.
الدرس الأول الذي تعلمه المحتجّون هو أن الإطاحة برأس النظام لا يعني أن النظام السياسي كله قد سقط. في ميدان التحرير القاهري في 11 شباط (فبراير) 2011، احتفل المتظاهرون المصريون بقرار الرئيس حسني مبارك التنحي عن السلطة وغادروا الميدان، معتقدين أن استقالته كافية للسماح بحدوث انتقال ديمقراطي. وفي المقابل، في الجزائر والسودان، استمر المتظاهرون في التظاهر بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة والإطاحة التي قادها الجيش بالزعيم السوداني عمر البشير.
لقد فهم المتظاهرون الدرس الذي يفيد بأن النظام لا يوجد في رأس الدولة فحسب، وإنما يوجد بشكل أساسي في مجموعة القواعد التي تحكم المجال السياسي. ولذلك، يتطلب التغيير السياسي تغيير القواعد، وليس مجرد أسماء أولئك المسؤولين عن تطبيقها.
كان الدرس الثاني الذي تعلمه المحتجون هو أن اللجوء إلى العنف هو أسرع طريقة لإنهاء أي أمل في التغيير الديمقراطي. وكان المتظاهرون الذين قرروا حمل السلاح قد منحوا لأنظمتهم الفرصة لإعادة تأطير الانتفاضات السياسية وعرضها كحرب أهلية، كما كان الحال في سورية. وحتى عندما تنجح الجماعات المسلحة في إسقاط النظام، فإن وجودها نفسه يعرض للخطر المرحلة الانتقالية بعد ذلك، كما هو الحال في ليبيا.
على الرغم من أن المتظاهرين في السودان والعراق ووجهوا بالعنف وبالقمع الحكومي، فإنهم أصروا على التمسك بنهجهم اللاعنفي. في السودان، ردّ المتظاهرون على المجزرة التي ارتُكبت خارج مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في 3 حزيران (يونيو) بتنظيم مظاهرة جماهيرية حاشدة في 30 حزيران (يونيو)، والتي وضعت ضغوطاً كبيرة على الجيش لاستئناف المحادثات مع القوى الثورية.
الدرس الثالث هو أنه بمجرد سقوط النظام القديم، يجب أن تكون الفترة الانتقالية عملية اتخاذ قرار جماعية، والتي تتمتع فيها المعارضة بحق النقض على الأقل. وتقدم الحالة التونسية بعد العام 2011 مثالاً على ذلك. فقد ضمت “الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي”، التي صاغت المسار المخطط للانتقال، ممثلين من مختلف الأطياف السياسية والمجتمع المدني.
على الرغم من أن القوى العسكرية في الجزائر والسودان لن تتوقف عن لعب دور سياسي في أي وقت قريب، فإن هذا لا يعني أن تمارس السيطرة الكاملة على الفترة الانتقالية. ويمكن أن يقدم السودان مثالاً إيجابياً في هذا الصدد، إذا نجح في تطبيق اتفاق لتقاسم السلطة، والذي يحكم السودان بموجبه مجلس سيادي مدني-عسكري مشترك خلال الفترة الانتقالية.
الدرس الرابع هو أن العمليات السياسية الانتقالية يجب أن تبدأ بالاتفاق على قواعد اللعبة قبل المضي قدُماً إلى الانتخابات. في مصر بعد العام 2011، على سبيل المثال، أسهمت الانتخابات المتسرعة في تقسيم المعارضة السياسية وزيادة الاستقطاب في المجتمع بشكل كبير. أما في هذه الموجة الثانية الحالية، فقد اعتبر المتظاهرون الانتخابات بمثابة فخ يمكّن الأنظمة القديمة من إعادة إنتاج نفسها بأسماء جديدة.
في كل من الجزائر والسودان، قاوم المتظاهرون محاولات الجيش إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن. في السودان، أجَّل الاتفاق الذي أُبرم بين القوى الثورية والمجلس العسكري الانتخابات إلى ما بعد نهاية فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات من حكم التكنوقراط. وفي الجزائر، يخرج المحتجون إلى الشوارع كل يوم جمعة للتظاهر ضد قرار السلطات إجراء انتخابات رئاسية في كانون الأول (ديسمبر).
أما الدرس الخامس والأخير، فهو أن الدعوة إلى التغيير في المنطقة تذهب إلى ما هو أبعد من الديمقراطية الانتخابية وتمتد إلى المطالبة بإجراء إصلاحات اجتماعية-اقتصادية عميقة. ويُظهر كل من العراق ولبنان هذا بوضوح: فقد تم بالفعل إجراء انتخابات حرة ونزيهة نسبياً في كلا البلدين، لكنها عملت فقط على تعزيز الأنظمة الطائفية الفاسدة.
وفقا للموجة الخامسة من “البارومتر العربي”، فإنه يُنظر إلى الوضع الاقتصادي والفساد على أنهما التحدي الرئيسي للجزائريين (62.2 %) والسودانيين (67.8 %) واللبنانيين (57.9 %) والعراقيين (50.2 %)، بينما تعد الديمقراطية التحدي الرئيسي فقط في نظر 2.3 %، 3.9 %، 5 % و1.4 % في هذه البلدان على التوالي. وقد أظهرت تجربة الربيع العربي للناس أن التدابير الديمقراطية ليست أكثر من وسيلة لتحقيق غاية.
على عكس العام 2011، عندما تمتعت ثورات الربيع العربي بدعم دولي واسع النطاق، فإن هذه الموجة الثانية تحدث في بيئة معادية، مع وجود روسي وإيراني أقوى في المنطقة ومناخ دولي غير مبال. ولكن الذي يتمتع المتظاهرون فيه بميزة، هو أنهم يقومون في جميع أنحاء المنطقة بتكييف تكتيكاتهم بشكل واضح مع الدروس المستفادة من الجزء الأول من هذا العقد.
*زميل مشارك، برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان :
Five Lessons From the New Arab Uprisings