ترجمات أجنبية

تشاتام هاوس: الانتخابات الأردنية ولحظة الحقيقة بالنسبة لسياسات الإصلاح

تشاتام هاوس 9-9-2024، د. نيل قويليام: الانتخابات الأردنية ولحظة الحقيقة بالنسبة لسياسات الإصلاح

تجري الانتخابات الأردنية على خلفية الحرب في غزة، وضم إسرائيل الزاحف للضفة الغربية، والركود الاقتصادي. على الرغم من أن الملك هو صانع القرار النهائي ويتمتع بسلطة شبه مطلقة، إلا أن البرلمان يؤدي وظيفة مهمة ليس فقط في تقديم القوانين وإقرارها، ولكن أيضًا في إضفاء الشرعية على النظام السياسي الأردني، خاصة في أوقات التوتر الداخلي والإقليمي المتزايد.

على السطح، يبدو أن الملك يتخذ خطوة جريئة للغاية ويعتزم إظهار التزام بلاده بالديمقراطية. إن نظرة فاحصة تكشف أن النرد محمل إلى حد ما، وأن الانتخابات ستعيد برلماناً صديقاً لسياسات الحكومة.

ومن الملفت للنظر أن الهيئة المستقلة للانتخابات في الأردن دعت إلى إجراء انتخابات في هذا الوقت بالذات ــ بمباركة الملك بطبيعة الحال، وإن لم يكن الأمر غير مسبوق. وكانت انتخابات عام 2001، التي تزامنت مع الانتفاضة الثانية، قد تم تأجيلها في البداية وأجريت بدلاً من ذلك في عام 2003، وهو نفس العام الذي بدأت فيه الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق.

وفي التوقيت الحالي قد تكون الأحزاب الإسلامية المستفيد الأكبر من الانتخابات، فهي وضع جيد لاستثمار الغضب العام ضد إسرائيل، ونظمت احتجاجات مستمرة ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، واستخدمت في حملاتها الانتخابية شعار “كلنا حماس”.

استطلاع أجراه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في كانون الأول/ديسمبر 2023، كشف أن نسبة 85% من الأردنيين عبّروا عن مواقف متعاطفة مع “حماس”، وهي قفزة نوعية بالمقارنة مع نتائج استطلاع عقد في عام 2020 وعبّرت فيه نسبة 44% من المشاركين عن مواقف إيجابية من الحركة. وربما كانت هذه بشارة خير لـ “جبهة العمل الإسلامي”، الحزب الذي يمثل حركة “الإخوان المسلمين” في الأردن، والذي لا يدعم “حماس” فقط، ولكنه يدعو لإلغاء معاهدة السلام الأردنية- الإسرائيلية.

وكشف استطلاع الباروميتر العربي في عام 2023، أن نسبة 49% من المشاركين تدعم زيادة  في دور الدين بالسياسة، بزيادة واضحة عن استطلاع أجري قبل ذلك بعام.

“جبهة العمل الإسلامي” تدعو لأجندة اجتماعية وسياسية تتعارض مع مواقف الملك المعتدلة والبراغماتية، وتحديداً في ما يتعلق بالعلاقة مع الغرب وإسرائيل. وعليه، فحضور قوي في البرلمان يعني تشجيعاً للأصوات الإسلامية. وقد يؤدي هذا إلى تبني سياسات أكثر تحفظاً تنفر حلفاء الأردن الغربيين الذين تعتمد عليهم المملكة للحصول على الدعم المالي.

الحكومة تبدو، في الظاهر، وكأنها تقوم بمخاطرة تؤدي إلى فوز “جبهة العمل الإسلامي” بعدد أكبر من المقاعد في مجلس النواب، وهو منظور عملت الحكومة لمنعه على مدى العقود الماضية، ولكن نظرة فاحصة تعطي فكرة أن العادات القديمة من الصعب أن تموت، فالقانون الانتخابي الجديد والتعديل الذي أقر عليه في بداية شباط/فبراير من هذا العام سيحد من نجاح “جبهة العمل الإسلامي” في صناديق الاقتراع، مهما كانت شعبية الحزب.

وهذه ليست المرة الأولى التي تم فيها تعديل قانون الانتخاب، وأعيد فيه تشكيل المشهد الانتخابي. وأقرت الحكومة، منذ عام 1989، سلسلة من القوانين الانتخابية وقوانين الأحزاب التي هدفت للحد من تأثير جماعة “الإخوان المسلمين”.

وعملت هذه القوانين على الحد من تأثير نواب العشائر في المجلس، ففي الكثير من الأحيان أدى الأداء القوي للعشائر الأردنية في البرلمان لهيمنتها على النقاشات السياسية، وبالتالي إحباط أجندة الإصلاح التي يتبناها الملك.

ومنذ توليه منصب الملك، في عام 1999، عبّر الملك عبد الله الثاني عن رغبة واضحة بأنه يريد إعادة تشكيل المناخ السياسي الأردني، والتحرك  بعيداً عن السياسات المرتبطة بالدين والعرق والقبيلة والتحرك نحو أسلوب في الحكم يشبه أسلوب ويستمنستر (الأسلوب البريطاني) الذي تقدّم فيه الأحزاب سياسات يمين ويسار ووسط.

وفي هذه المرة، فإن قانون الانتخابات وقانون الأحزاب السياسية يمنح بعض الأمل بالنسبة للنساء والشباب، ويقلل من حظوظ الأحزاب الإسلامية. فأكثر من 54% من السكان هم دون سن الخامسة والعشرين، وبالتالي فإن الإصلاحات من شأنها أن تجعل البرلمان أكثر تمثيلاً، مع أن افتراض الحكومة بأن الشباب سيصوتون للأحزاب الليبرالية والعلمانية افتراض فيه خلل. وقد تم تصميم القوانين لزيادة مشاركة الشباب والنساء في العملية السياسية وتغيير الأحزاب السياسية من جماعات تتمحور حول شخصيات مؤثرة إلى منظمات تركز على السياسات.

ويشترط القانون الجديد أن تتضمن قوائم الأحزاب السياسية امرأة واحدة على الأقل بين المرشحين الثلاثة الأوائل وأخرى بين الثلاثة التاليين. وبنفس السياق، ينص القانون على أن تتضمن قوائم الأحزاب السياسية مرشحاً واحداً على الأقل يبلغ من العمر 35 عاماً أو أقل بين المرشحين الخمسة الأوائل.

وبعيداً عن هذا، فقد باتت الإجراءات المتعلقة بإنشاء الأحزاب السياسية أكثر صرامة، وتتطلب ما لا يقل عن 1000 عضو مؤسس، منهم 20% نساء، و20% تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً. وينص القانون أيضاً على أن الأحزاب يجب أن تمثل ست محافظات على الأقل في الأردن.

ومن هنا يعمل القانون الجديد على فتح مساحة سياسية أمام الأحزاب الصغيرة والتحالفات الاجتماعية، ما يحرم “جبهة العمل الإسلامي” من الميزة التي تمتعت بها تقليدياً بأنها واحدة من أكثر القوى السياسية الأردنية قدرة على التنظيم.

وربما احتاج القانون الجديد لوقت من أجل تغيير المشهد الانتخابي والبرلمان القادم، لكن مدى التغيير سيظل غير واضح. وعليه، جاء التعديل الذي أقرّه البرلمان في شباط/فبراير من هذا العام من أجل سد أي ثغرة ظلت مفتوحة أمام “جبهة العمل الإسلامي” لاستغلالها.

يضاف إلى هذا، تعديل المادة 49 من القانون ينزل العتبة الانتخابية للقوائم الانتخابية المحلية، ويخفض نسبة الأصوات المطلوبة للقائمة للحصول على مقعد في الدوائر المحلية إلى حوالي 1%. وهذه الخطوة تجعل من السهل على الأحزاب والائتلافات السياسية الأصغر والأقل رسوخاً التنافس مع الأحزاب القوية المرتبطة بجماعة “الإخوان المسلمين”، وخاصة في المناطق ذات الحضور السياسي الإسلامي القوي مثل عمان والزرقاء وإربد. ويعتقد الكاتب أن القانون الانتخابي هو خطوة صغيرة على طريق تحقيق رؤية الملك التحرك نحو ديمقراطية تشبه أسلوب ويستمنستر في الأردن. فالقانون الجديد يشجع المزيد من النساء على المشاركة في العملية الديمقراطية، ويزيد من حجم الناخبين من خلال تخفيض سن الترشح، ويمنح حق التصويت للشباب المنخرط في العمل السياسي، ويسمح بتشكيل أحزاب وائتلافات سياسية جديدة، وهو ما قد يكسر قبضة الأحزاب المحافظة التقليدية التي يهيمن عليها الذكور. وهذه هي النقطة الأساسية؛ أن القانون يهدف مرة أخرى إلى إحباط فرص “جبهة العمل الإسلامي” في الانتخابات.

 

*زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى