تسفي برئيل يكتب – معضلة الفم الكبير
هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 18/10/2018
افتراض اسرائيل في مواجهاتها مع حماس والمنظمات الاخرى في غزة منذ بدء مسيرات العودة قبل اشهر كثيرة هو أن الطرفين ليسا معنيين بحرب، بل بالتسوية. ولكن عندما يكون أفق اعادة اعمار القطاع آخذ في الابتعاد، وبعد أن مد يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، يده لوقف اطلاق النار وتلقى لكمة – فان حماس من شأنها أن تفكر بأنه بامكانها تحقيق انجازات عن طريق الحرب أكثر مما تحقق عن طريق الاتصالات الطويلة وعديمة الجدوى مع اسرائيل. حيث أن اتفاق اعادة الاعمار الواعد جدا حققته حماس بالذات بعد عملية الجرف الصامد.
حماس من شأنها أن تجد نفسها في نفس الشرك الذي فيه تقدر بأن اسرائيل لا تريد الحرب، لذلك مسموح لها أن تشد الحبل دون خوف.
“اذا لم تتوقف هذه الهجمات فنحن سنوقفها. اسرائيل ستعمل بقوة شديدة”، تعهد أمس رئيس الحكومة نتنياهو بعد أن عقد جلسة لتقدير الوضع مع كبار قادة قوات الامن. “لقد استنفدنا كل الامكانيات، ويجب علينا أن نوقع ضربة شديدة بحماس”، قال هذا الاسبوع وزير الدفاع افيغدور ليبرمان. “عندما يحين وقت العمل فعليك العمل وليس الكلام”، هذا ما قاله توكو (ايلي فلاخ) في مقولته الشهيرة في فيلم “الطيب والشرير والقبيح”.
طاقم الممثلين والاخراج انفجروا حينها بضحكة كبيرة عند سماع هذا الارتجال الفذ لفلاخ. الممثل قال إنه كان يقصد ذلك حقا، وليس على سبيل المزاح. الامر الذي لم يسمع من أفواه قادة اسرائيل. الافتراض الذي يرافق المواجهات مع حماس والمنظمات الاخرى في غزة منذ بدء مسيرات العودة في آذار هو أن اسرائيل وحماس غير معنيتان بحرب. فالطرفان يريدان “التهدئة”، أي وقف طويل المدى لاطلاق النار والذي ثمنه معروف: اسرائيل تسمح باعادة اعمار الاقتصاد (وليس فقط مساعدة انسانية محدودة في غزة)، بحيث يتضمن اقامة ميناء ومنطقة صناعية في المنطقة المصرية. حماس من ناحيتها تتعهد بوقف المسيرات واطلاق البالونات الحارقة وتتنازل عن الكفاح المسلح.
“لا يوجد أي طرف معني بالحرب”، أوضح يحيى السنوار، في مقابلة نشرت في “يديعوت احرونوت”، “الحرب لن تفيد أي أحد”. اقوال السنوار لم تترك انطباع خاص على القيادة الاسرائيلية، لا سيما على خلفية استمرار المظاهرات على الجدار، واطلاق البالونات والصواريخ ليلة أمس نحو اسرائيل.
اسرائيل سجنت نفسها في سجن البلاغة العدوانية، التي تحاول نقل القرار الى ملعب حماس. اذا سيطرت حماس على المظاهرات غدا فسترى اسرائيل في ذلك اشارة على استعدادها لمواصلة التسوية. واذا استمر اطلاق الصواريخ والمظاهرات ولدت المزيد من المواجهات فهذه اشارة على أن حماس تريد اجبار اسرائيل على التنازل أو شن حرب. هذه معادلة غير واقعية تضع منذ اسابيع طرف واحد فقط في الاختبار، ولا تطلب من اسرائيل أن تتوقف هي نفسها عن اطلاق النار على المتظاهرين، الذي يغذي بنفسه المزيد من المظاهرات.
الوضع الذي فيه الطرفان أجريا مفاوضات غير مباشرة بوساطة مصر من اجل اجمال تفاصيل التسوية، تحول الى مفاوضات علنية على رسم العتبة التي منها لن يكون هناك طريق للعودة الى القتال. ميزان التهديدات هذا يناقض الافتراض الذي يقول إنه لا يوجد أي طرف معني بالحرب. في ظل غياب التقدم في المفاوضات على التسوية – حيث أفق اعادة اعمار غزة يبتعد، وبعد أن مد السنوار يده لوقف اطلاق النار وتلقى لكمة، فان حماس من شأنها أن تفكر بأنها ستحصل من خلال الحرب أكثر مما ستحصل عليه من خلال المفاوضات. حيث أن اتفاق الاعمار الواعد جدا حققته حماس بالذات بعد عملية الجرف الصامد.
على الرغم من حقيقة أن الاعمار لم ينفذ، تحول الاتفاق الى حجر اساس لكل خطة للهدنة، التهدئة أو التسوية تم بحثها بعده. في حماس يشرحون بأن تصريحات اسرائيل استهدفت تخويف التنظيمات وجعلها تتراجع عن طلباتها. ولكن حماس ايضا يمكن أن تجد نفسها في نفس الشرك: هي تقدر أن اسرائيل لا تريد الحرب – لذلك مسموح لها شد حبل المفاوضات دون خوف.
في هذا الوضع رأى رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، أن اسرائيل وحماس مرة اخرى يضعان مصر في اختبار السيطرة. مصر حسب التفاهمات التي تم التوصل اليها حتى الآن هي التي يجب أن تضمن السلوك الامني “الجيد” لحماس. بيدها أن تفتح القطاع امام عمليات اعادة الاعمار. وهذا متعلق بسلوك حماس. رئيس المخابرات المصرية الذي كان يتوقع أن يصل اليوم الى رام الله والى اسرائيل، أجل في هذه الاثناء زيارته رغم أن هذا القرار ربما يتغير. التفاهمات مع حماس سبق وأجملها كامل في بداية الشهر عندما التقى في القاهرة مع وفد كبار قادة حماس برئاسة صالح العارور. اليوم كامل سينهي مع محمود عباس تفاصيل التعاون بين السلطة وقطاع غزة، التي اساسها الافراج عن الاموال لدفع الرواتب والخطوات التي ستؤدي الى عودة السلطة الى غزة.
تصميم أبو مازن حتى الآن على عدم التعاون مع العملية المصرية طالما أن حماس لا تتنازل عن سيطرتها على غزة ونزع سلاحها، خلق خطا التفافيا فيه قطر تلعب دور الصراف الآلي الذي يمول الآن دفع الرواتب. ولكن اشراك قطر ليس هو حلم مصر، التي بينها وبين قطر يوجد قطيعة سياسية وعداء علني. يبدو أنه في زمن الازمة، ومن اجل لي ذراع عباس، الذي قيد نفسه مع واشنطن واسرائيل ومصر بقيد، فان قطر هي حل مؤقت ومقبول ايضا من قبل مصر.
الهدف المصري كان وما زال أن تسود المصالحة بين فتح وحماس من اجل اعادة المسؤولية على غزة الى أيدي فلسطينية. هكذا القاهرة يمكنها التحرر من المسؤولية عن أمن الحدود مع اسرائيل. ايضا هنا اضطرت مصر الى التنازل. وهي الآن لا تتمسك باشراك السلطة الفلسطينية بالسيطرة على قطاع غزة كشرط لاعادة اعمار القطاع. بهذا فانها تعزز سياسة اسرائيل التي تعارض المصالحة الفلسطينية الداخلية من اجل فصل المنطقتين الفلسطينيتين الجغرافيتين، وبهذا احباط أي جهد لاقامة الدولة الفلسطينية. التصعيد اللفظي والعسكري يوضح لمصر أنه يمكنها مرة اخرى أن يكون مطلوب منها الانشغال بالتوصل الى وقف اطلاق النار بدلا من العمل على تحقيق التسوية طويلة المدى. وهذا كما يبدو هو سبب تأجيل زيارة رئيس المخابرات المصرية الذي يفضل أن تثمر زيارته النتيجة السياسية وليس فقط تهدئة مؤقتة. السؤال الآن هو هل بقي مجال لضبط النفس، الذي فيه اسرائيل تكون مستعدة للاكتفاء بمهاجمة اهداف محددة في غزة، وليس تنفيذ تهديدات نتنياهو وليبرمان. هذه ليست فقط معضلة عسكرية، بل خلاف سياسي ليس فقط حماس تمليه، بل ايضا وربما في الاساس، الاحزاب اليمينية.