تسفي برئيل يكتب – انتقام على حساب الأطفال
هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 3/12/2018
بعد مرور اربع سنوات على الانفصال نجحت مواطنة تركية في الانضمام الى إبنها الذي يبلغ السابعة من عمره. لقد اعتقدت أن الطفل يمكنه على الفور أن يتصادق مع أبناء جيله وأن يلعب معهم وأن يبدأ بعيش حياته من جديد. ولكن عندما التقى الطفل مع الاطفال الآخرين بدأ يرشقهم بالحجارة. الأم التي كانت مندهشة سألته عما حدث فأجاب “فقط أردت اللعب معهم”.
قبل اربع سنوات اختطفه والده، المواطن التركي، وانتقل معه الى سوريا من اجل الانضمام لداعش. الأب تزوج من امرأة اخرى هي أم لاطفال انفصلت عن زوجها في تركيا وانتقلت الى سوريا من اجل أن تعيش “حياة اسلامية صحيحة”. خلال فترة قصيرة قتل والد الطفل في عملية شارك فيها. زوجة الأب اجبرت على الزواج من احد نشطاء داعش، وبعد فترة قصيرة قتلت هي ايضا، وزوجها الثاني قرر التخلي عن الاطفال.
لحسن حظ الطفل التركي، نجح في الوصول الى ميتم، ومنه عاد الى بيته في تركيا بعد بذل جهود كبيرة من اجل العثور عليه، وهو الآن يجتاز علاج نفسي، وربما يمكنه العودة الى الحياة الطبيعية. حسب اقوال الأم التي اجرى موقع ما معها مقابلة فان الطفل لا يتحدث كثيرا عما مر به عندما كان لدى مقاتلي داعش. إنه يعاني من الكوابيس وما زال لا ينجح في التواصل مع اصدقائه. ولكنه ايضا قال إنه ذات يوم غضب على أخته من الزوج الثاني وأراد قتلها ببندقية الوالد. ومن حسن حظها أن البندقية كانت ثقيلة جدا وهو لم يستطع أن يحملها.
طفل آخر كان يعيش في ميتم في شمال مدينة الموصل في العراق طلب في أحد الايام من المسؤول عنه أن يعطيه سكين. وعندما رفض المسؤول أخذ الولد قلم رصاص وطعن بشدة طفلة كانت تجلس بجانبه. المسؤولة عن رعاية ايتام داعش في الملجأ الذي اقيم من اجلهم قالت إن هناك اطفال جاءوا الى الملجأ وهم يغنون الاغاني التي تعلموها من داعش. آخرون شتموا والكثير منهم اعتادوا على الصلاة بشكل مواظب خمس مرات في اليوم وأن ينقضوا بنهم على الطعام.
التقدير هو أن أكثر من 2500 طفل من اطفال داعش، ما زالوا يعيشون الآن في مخيمات للاجئين وفي ملاجيء ايتام في العراق وسوريا. هؤلاء الاطفال ينقسمون الى قسمين: الذين تم اختطافهم من قبل داعش من اجل أن يصبحوا مقاتلين وينفذون العمليات الانتحارية، والذين جاءوا مع اهلهم الذين تجندوا لداعش أو ولدوا في سنوات الحرب. عندما انتهت المعارك في مواقع داعش، الكثير من الآباء تركوا عائلاتهم وأبقوا خلفهم الاطفال مع الأمهات. الآن هؤلاء الأمهات ينتظرن اتخاذ قرار حول مصيرهن، وهو قرار يحتاج فحص مسألة هل هن أنفسهن كن مقاتلات في داعش. اطفالهن يمكن اعتبارهم ذوي حظ لأنه على الاقل يوجد لديهم طعام يأكلونه وهم يحظون بالعلاج الطبي ايضا بالحد الادنى، ولكن ليس بعلاج نفسي. في المقابل، يتجول في شوارع سوريا والعراق بدون أي مساعدة حوالي 17 ألف طفل من اطفال داعش. هؤلاء الاطفال اعتادوا على التسول من اجل الحصول على الطعام، وهو يعتبرون فريسة سهلة لمقاتلي داعش الذين اعتادوا على اختطافهم من اجل مواصلة عملياتهم الارهابية.
لا توجد لكثير من هؤلاء الاطفال وثائق، وهنا تطرح مسألة اخرى مثيرة: حوالي 1000 طفل على الاقل هم مواطنون لدول اجنبية مثل فرنسا والمانيا وروسيا واذربيجان وتونس وغيرها. حكومات دولهم غير مستعدة للاعتراف بهم كمواطنين بسبب عدم وجود وثائق. ولكن ايضا عندما توجد وثائق، فان أي دولة لا تسارع الى اعادتهم الى بلادهم. فرنسا والمانيا اعلنتا أنهما مستعدتان لاستيعاب عدد محدود من الاطفال ولكن بدون الأمهات لأنه لا يمكنهما فحص اذا كانت الأمهات نشيطات في داعش. اذا أراد الاطفال العودة الى بلادهم فان عليهم الانفصال عن الأمهات، والاخيرات سينتظرن محاكمتهن في العراق وسوريا.
الشرط الآخر هو موافقة الأمهات على الانفصال عن الأولاد، وهذه موافقة من الصعب الحصول عليها، ضمن امور اخرى، بسبب أن السلطات العراقية تضع عقبات امام الالتقاء مع الأمهات، وحسب عدة تقارير فان الحكومة العراقية تطلب الاموال مقابل اطلاق سراح الاولاد. ايضا الأمهات اللواتي لم يمكثن على الاطلاق في العراق وسوريا ونجحن في العثور على اولادهن لا يستطعن الالتقاء معهم بسبب سياسة السجون العراقية. هذا كما يبدو احدى الطرق الملتوية التي بواسطتها يتم الانتقام من الامهات (ومن الاطفال ايضا) لأنهم قررن سواء بارادتهن أو قسريا، العيش مع مقاتلي داعش.
هذه الظروف تستدعي كل انواع المعضلات القاسية. مثلا، امهات يمكنهن ويردن العودة مع اولادهن الى بيوتهن، ولكن ازواجهن غير مستعدين لقبول الاولاد لأنهم ولدوا لمقاتلي داعش، أو لأن الزوجة حملت من رجل آخر، حتى لو تم اغتصابها. الأم يجب عليها أن تقرر هل تترك اولادها في مخيم اللاجئين وأن تعود الى بيتها، الذي ينتظرها فيه مجتمع معاد، أو البقاء مع اولادها في المخيم، طالما أن السلطات تسمح لها بذلك.
الكثير مما قيل عن الازمة الشديدة للاولاد لم ينجح حتى الآن في أن يثمر برامج انقاذ منظمة. والمعالجة تتم في احسن الحالات بواسطة منظمات مساعدة ليست معدة لتقديم العلاج النفسي الضروري. وفي اسوأ الحالات بواسطة خدمات حكومية في العراق، أو بواسطة القوات الكردية في سوريا. هؤلاء سيكونون الاطفال الاخيرين في طابور اعادة التأهيل والاوائل الذين سينبتون جيلا جديدا مشوها ومعاديا.