ترجمات عبرية

تسفي برئيل يكتب – الليرة التركية تهبط – واصحاب المال يهربون الى العقارات في الخارج

هآرتس / ذي ماركر – بقلم  تسفي برئيل  – 2/8/2018

باكير اوكان، صاحب شركة اوكان التركية، يمكن أن يكون راضيا عن الهزة التي تعصف بالاقتصاد التركي. اوكان، الذي بدأ حياته المهنية كمعلم للرياضيات وأصبح مع السنين أحد مستثمري البناء الكبار في تركيا وفي شرق اوروبا، يبني الان في ميامي “ابراج اوكان”، المخصصة اساسا للمستثمرين الاتراك الذين يبحثون عن كيفية الحفاظ على قيمة اموالهم في ضوء الهبوط المتواصل لقيمة الليرة التركية.

سيضم المشروع 389 وحدة سكن فاخرة، ستدار بطريقة الشقق الفندقية، مع حمام تركي واطلالة على البحر. وتشجيعا لاصحاب الاموال الاتراك، فتح اوكان مؤخرا شقة نموذجية في اسطنبول اثارت اهتماما شديدا. وحسب توقعه، فان المشروع – الذي سيستثمر فيه نحو 300 مليون دولار – سينتهي في 2022.

اوكان هو من نوع المستثمرين الذين يخرجون الرئيس رجب طيب اردوغان عن طوره. فمن يساعد المواطنين الاتراك على اخراج الدولارات من تركيا هو في نظره خائن، ليس أقل. ويمكن لنهجه أن يكون مفهوما ليس فقط في ضوء انهيار الليرة، التي بلغ سعرها هذا الاسبوع 4.9 ليرة للدولار. فاردوغان يرى في تطوير فرع العقارات في تركيا احدى الرافعات الحيوية للنمو، رافعة تؤكد فكره الاقتصادي الذي يقضي بانه يجب توفير الظروف المناسبة للمستثمرين كي يفضلوا تركيا والا يتجهوا الى حقول الاجانب. والاغراء الاساس، حسب اردوغان، هو تخفيض سعر الفائدة بحيث ينشأ حافز لاستدانة القروض وقروض السكن، وهذه بدورها ستزيد الطلب على الشقق مما يجر مزيدا من الاستثمارات في مجال العقارات. على هذا دار في السنوات الاخيرة خلاف شديد بينه وبين محافظ البنك المركزي الذي يرى فيه اردوغان عائقا خائنا يهدد استراتيجيته الاقتصادية.

بعد الانتخابات للرئاسة وتنفيذ الاصلاحات الدستورية التي منحت اردوغان الصلاحيات الحصرية لتعيين المحافظ المركزي، والى جانب تعيين صهره برات البيرق في منصق وزير المالية، فهم المستثمرون الاجانب ايضا ومحافظ البنك الى أين تهب الريح. ومع أن محافظ البنك قرر هذا الاسبوع ابقاء الفائدة على حالها، بمعل 15.75 في المئة، وعدم رفعها رغم ارتفاع التضخم المالي الى اكثر من 15 في المئة – ولكن في نفس الوقت عدل توقعات التضخم المالي لنهاية السنة وحددها عند 13.4 في المئة مقابل 8.4 في المئة كانت متوقعة في بداية السنة. واذا كان اردوغان يتطلع الى فائدة مستقرة أو فائدة منخفضة، فليعلم الى اين من شأن مثل هذه الفائدة أن تقود الدولة. فالمستثمرون الاجانب من جهة قرروا في هذه الاثناء الابقاء على اموالهم في جيوبهم ليروا الى اين يتجه الاقتصاد التركي.

كما أن المواطنين الاتراك هم الاخرون ممن يخططون لشراء الشقق الجديدة علقوا في معضلة قاسية. فهل سيأخذون قروض سكن بالفائدة الحالية، العالية بحد ذاتها، أم ينتظروا انعطافة مجهولة ما، حين لا تكون الخيارات كثيرة. اذا فهم اردوغان بان التضخم المالي هو الذي يستوجب فائدة عالية، ولا تنشأ من تلقاء ذاتها، فلعله يدع البنك المركزي يرفعها، وعندها يرفع ايضا سعر قروض السكن. بالمقابل، اذا واظل على تمسكه بتخفيض سعر الفائدة، فان سعر القروض وان كان سيكون أدنى الا ان قوة شراء المال ستقل.

هذه المعضلة لم تحسم بعد ولكنها تجد تعبيرها منذ الان، على الاقل في المعطيات الرسمية – تلك التي تشير الى ان عدد قروض السكن الجديدة التي اخذت من البنوك في النصف الاول من هذه السنة انخفض بنحو 18 في المئة مقابل السنة الماضية. هذا ليس معدلا بسيطا، وهو يشير الى الفهم في اوساط الجمهور بانه حتى لو كانت القروض الان ارخص، فانهم هم انفسهم من شأنهم أن يبقوا عديمي القدرة على اعادتها في ضوء التضخم المالي الذي سيزداد.

تفيد معطيات مكتب الاحصاء المركزي ايضا بانه مقابل الانخفاض في العدد الاجمالي للشقق التي بيعت في تركيا، فان المبيعات للاجانب بالذات ارتفعت هذه السنة باكثر من 23 في المئة. ويأتي أساس المشترين من العراق (في المرتبة الاولى)، وبعد ذلك من ايران، روسيا، افغانستان، السعودية. ظاهرا، هذا معطى مشجيع، ولكن عندما يكون عدد الشقق التي بيعت في تركيا هذه السنة هو 646  الف، منها فقط نحو 12 الف شقة بيعت للاجانب، من الصعب ان نرى كيف يمكن لحجم المبيعات للاجانب ان يؤثر بشكل ذي مغزى على الاقتصاد التركي او يعوض الانخفاض في عدد الشقق التي سلمت للمواطنين الاتراك.

ان المعطيات الجافة والتحليلات الاقتصادية هي سبب واحد فقط من عموم جملة الاعتبارات التي يستخدمها شاري الشقق أو رجل الاعمال الذي يرغب في توجيه ماله الى آفاق  آمنة نسبيا. فالاجواء السياسية، انعدام الثقة بالسياسة والخوف من عدم الاستقرار، هي عوامل ذات اهمية بالغة، ولا سيما على خلفية العلاقات المتوترة بين تركيا والولايات المتحدة.

هذا الاسبوع حذرت ادارة دونالد ترامب من أنها ستفرض عقوبات على تركيا اذا لم تفرج عن القس الامريكي آندرو برونسون، المعتقل منذ نحو سنتين في الحبس التركي للاشتباه بضلوعه في محاولة الانقلاب العسكري في تموز 2016، وعلى أي حال بالاتصال مع منظمات ارهابية. ووافقت تركيا هذا الاسبوع الى نقل برونسون الى السجن الى الاقامة الجبرية، ولكن هذه البادرة الطيبة لا ترضي الادارة الامريكية. وكالمعتاد فان التهديد بالعقوبات لا يترافق وتفاصيل دقيقة أو بجدول زمني بل تستهدف اساسا تحريك الامور. ولكن في نظر المواطن التركي، فان العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة لا تخلق دافعا للتوجه الى البنك للحصول على قرض ما لغرض شراء بيت.

يجدر التشديد على ان الاقتصاد التركي ليس على حافة التفكك. فلتركيا يوجد اقتصاد قوي وقدرة صمود مالية، ولكن مثل هذا الاقتصاد يتطلب صيانة وسياسة ثابتة لا تعتمد على النزوات أو الاحلام. ومثلما شهدت دول عديدة على جلدة مواطنيها، فانه حتى الاقتصادات التي تبدو مستقرة من شأنها أن تنهار رغم الاشعارات المسبقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى