ترجمات عبرية

تسفي برئيل يكتب – اردوغان وترامب يلعبان الشطرنج – حسب قواعد لعبة شد الحبل

تسفي برئيل، هآرتس 12/8/2018

في يوم الجمعة الاسود، بعد الساعة الثانية ظهرا بقليل، أنهى براك البيرق، وزير المالية والاقتصاد الجديد في تركيا (وصهر اردوغان)، الحديث في المؤتمر الصحفي الذي دعا اليه رجال اعمال. البيرق وعد الحضور بأنه ينوي تطبيق خطة اقتصادية جديدة، وابقاء استقلالية البيت المركزي على حالها، وتقوية الليرة التركية. البيرق لا يمتاز بالخطابة الحماسية مثل صهره. رجال الاعمال هزوا رؤوسهم قليلا، لكن كان يبدو أن الليرة التركية كانت مستعدة لاعطائه فرصة عندما ارتفعت قليلا من الحضيض الذي هبطت اليه. ولكن في حينه وبتزامن غير صدفي ارسل دونالد ترامب تغريدته القاسية التي اعلن فيها عن مضاعفة الضرائب على استيراد الحديد والالمنيوم من تركيا الى نسبة تصل الى 50 و20 في المئة على التوالي. الليرة لم تستطع الصمود في وجه الضغط الجديد، الذي كما يبدو استهدف أن يناسب الضرائب الامريكية مع سعر الليرة مقابل الدولار. وهبطت الى مستوى 6 ليرات للدولار ومعها هبطت ايضا الاسواق العالمية.

فقط قبل يومين حاول اردوغان تشجيع المواطنين المذعورين في تركيا الذين اشتروا الدولارات بقدر ما استطاعوا عندما قال “ربما توجد دولارات لهم، لكن الى جانبنا نحن يقف الله”. الله، هكذا بدا، كان منشغل في اماكن اخرى. بعد خطاب حماسي آخر في يوم الجمعة وتغريدة ترامب سارع اردوغان الى الاتصال هاتفيا مع عنوان وحيد ربما يمكنه المساعدة وهو الرئيس بوتين. المكالمة الهاتفية التي حظيت على الفور بالنشر في كل وسائل الاعلام لم تستهدف أن تضخ لخزينة تركيا روبيلات أو دولارات، بل اظهار تصميم اردوغان على تنفيذ تهديده بـ “البحث عن حلفاء واصدقاء جدد” اذا واصلت الولايات المتحدة سياستها بعدم “احترام صديقاتها القديمة”، كما كتب في مقال له في “نيويورك تايمز”.

في نفس الوقت وفد تركي رفيع المستوى عمل في واشنطن في محاولة لرأب الصدع السياسي الذي يهدد بتدمير التحالف بين الدولتين، والذي تلقى قبل نحو اسبوع ضربة تاريخية عندما فرضت ادارة ترامب عقوبات شخصية على وزير العدل ووزير الداخلية المسؤولان حسب رأيه عن اعتقال الامريكي اندرو برونسون. هذه العقوبات اوضحت للوفد التركي بأن الولايات المتحدة لا تنوي اطلاقا التفاوض على شروط اطلاق سراح برونسون الذي اعتقل قبل سنتين بتهمة التعاون مع المخططين للانقلاب الفاشل الذي جرى في تموز 2016. من ناحية واشنطن، يجب على تركيا اطلاق سراحه بدون شروط وعلى الفور سوية مع معتقلين آخرين يحملون الجنسية الامريكية. الادارة ايضا ذكرت 15 آب كموعد ينتهي فيه الانذار الامريكي الذي بعده يتوقع أن تفرض الولايات المتحدة المزيد من العقوبات على تركيا.

ولكن قضية برونسون التي اثارت عاصفة ضد الرئيس ترامب على عدم حيلته، هي فقط قمة جبل الجليد في شبكة العلاقات المسمومة التي تطورت في السنوات الاخيرة بين تركيا وامريكا. بطن تركيا مليئة على الادارة الامريكية حتى منذ عهد اوباما، التي حسب رأي اردوغان لم تسارع الى ادانة محاولة الانقلاب العسكري ورفضت تسليم تركيا رجل الدين فتح الله غولن الذي يقيم في بنسلفانيا والذي يتهمه اردوغان بالتخطيط للانقلاب والمبادرة اليه.

اردوغان كان على يقين من أن ترامب الذي سارع الى تهنئته بالفوز، سيعطيه ما يريد. ولكن هذا لم يحدث. الشرخ بينهما تعمق عندما تبنى ترامب المليشيات الكردية التي انشئت في شمال سوريا واعتبرها وبحق قوة ضرورية لمحاربة داعش. كل طلبات وتهديدات اردوغان لم تساعد، وواصلت المليشيات أن تكون المرساة العسكرية الرئيسية للسياسة الامريكية في سوريا. وخلال ذلك كانت تحظى بدعم مالي وعسكري، في الوقت الذي اعتبرها فيه اردوغان قوات ارهابية تنتمي لحزب العمال الكردستاني، الذي يعتبر حزب ارهابي في تركيا. فقط بعد غزو تركيا لسوريا واحتلالها لمحافظة عفرين الكردية توصلت تركيا وامريكا الى تفاهمات على السيطرة في مدينة منبج التي انسحبت منها القوات الكردية ونقلوا السيطرة لمجلس محلي تحت سيطرة الجيش السوري الحر الذي يعمل برعاية تركيا.

في الوقت الذي ما زالت فيه هذه القضية تلقي بظلها الثقيل على علاقات الدولتين، اعلنت تركيا انها ستقوم بشراء صواريخ ارض – جو روسية من نوع اس400. حسب تقارير استندت الى مصادر امريكية وتركية فان تركيا قد وقعت على الاتفاق الذي يصل حجمه الى اكثر من 2.5 مليار دولار، والنظام الاول منها يتوقع تسليمه في العام 2020. اكثر من كون هذا القرار قرار استراتيجي، إلا أنه يشكل رسالة سياسية هامة جدا تقضي بأن تركيا، العضوة في الناتو، ستكون الدولة الاولى التي ستدخل الى منظومة قواتها نظام سلاح روسي. وبذلك من شأنها المس بقدرة التنسيق العسكري مع باقي دول الناتو. الضغط الامريكي على تركيا لالغاء الصفقة مقابل بيع صواريخ باتريوت لتركيا، لم يساعد حتى الآن. تركيا التي ترغب في ادارة لعبة مزدوجة غير معنية بالانسحاب من الناتو – وإن كان هذا ايضا سيناريو محتمل – بل تطمح الى الاثبات بأنها ليست في جيب أي دولة عظمى، لا الامريكية ولا الروسية، ولا في جيب الاتحاد الاوروبي.

الى كل ذلك تنضم  الضربة السياسية الاخيرة التي نفذها اردوغان ضد سياسة ترامب. مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع ايران، والاعلان عن فرض العقوبات الاقتصادية الجديدة، التي بدأت من هذا الشهر، اعلن اردوغان بأن تركيا لن تنضم الى هذه العقوبات. “نحن نقوم بشراء النفط من ايران بشروط سهلة وليست هناك خيارات اخرى”، اوضح وزير الخارجية التركي مبلوط تشاوشولو. تركيا تشتري حقا من ايران حوالي 50 في المئة من النفط الذي تستهلكه، ووقف الشراء سيجبر تركيا على زيادة كميات النفط التي تشتريها من روسيا التي يمكنها أن تسيطر على حوالي 60 في المئة من اجمالي النفط الذي تستورده تركيا. تركيا تحرص حقا على تحسين علاقتها مع روسيا ولا سيما بعد أن تلقت منها عقوبات مؤلمة خلال 18 شهر تقريبا على خلفية اسقاط الطائرة الروسية في سماء تركيا في 2015. ولكن اعتماد كبير جدا على النفط الروسي ليس هو غاية اردوغان. إلا أنه الآن ازاء اصوات التفجيرات التي تحدثها العلاقات مع الولايات المتحدة فان اردوغان من شأنه أن يرجح اكثر كفة الاعتماد على روسيا.

شبكة العلاقات هذه ربما تذكر بلعبة الشطرنج، لكن اللاعبين الرئيسيين، ترامب واردوغان، ينقصهما الصبر و”الأنا” والمزاج المطلوبين من لاعبي الشطرنج. في نفس الوقت يوجد لهما (حتى الآن) مصالح مشتركة هامة من شأنها في نهاية الامر أن تؤدي الى مصالحة.

لقد سبق لاردوغان واثبت في قضية علاقاته مع روسيا أنه في وقتالضائقة يعرف أن يعتذر ويستأنف العلاقات، مثلما أن ترامب معروف بقدرته الاستثنائية على التراجع خلال ايام عن السياسة التي قررها. ولكن المصالحة مع الولايات المتحدة ليست بديلا لخطة اقتصادية تركيا يمكنها انقاذ الاقتصاد التركي من الازمة. يوجد لاردوغان كامل الصلاحية والدعم السياسي المطلوب من اجل الاعلان عن حالة طواريء اقتصادية أو رفع سعر الفائدة كما يريد البنك المركزي. السؤال هو الى أي درجة يمكنه الاعتماد على دعم الجمهور ازاء فقدان الثقة العميق تجاه الليرة. الذي يعبر عن عدم الثقة بقدرة النظام على علاج السوق. تركيا ليست ايران حقا، لكن رؤية المظاهرات في ارجاء ايران على خلفية انخفاض سعر الريال، يجب أن تقض مضاجع الرئيس الذي اراد أن يكون ملك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى