ترجمات عبرية

تسفي برئيل يكتب – أكثر مما يحفر الانفاق، يسعى حزب الله الى الحكومة في بيروت

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل  – 7/12/2018

لبنان الآن غارق في فضيحة الفواكه، ليس فضيحة الانفاق، بل فضيحة آبار المياه. في البحث الاخير الذي اجري من قبل الامم المتحدة في 2012 تبين أنه حفر في لبنان اكثر من 60 الف بئر للمياه دون ترخيص، وكذلك نحو 20 ألف بئر بترخيص من الدولة. مرت سبع سنوات على اجراء هذا البحث وفي هذه الاثناء يتم حفر آلاف الآبار الاخرى، معظمها بدون ترخيص.

فعليا، كل مبنى سكني جديد تتم اقامته في العاصمة يحفر لنفسه بئر مياه، حتى لو من اجل رفع قيمته في سوق العقارات. من ليس موصولا ببئر يضطر احيانا الى شراء المياه من الصهاريج التي تسيطر عليها مافيا المياه والتي تحدد الاسعار دون أن يستطيع أحد أن يتذمر. لأنه مثل “مافيا الكهرباء” التي سيطرت على تركيب مولدات في احياء المدينة، ايضا “مافيا المياه” هناك من يمنحونها الرعاية في الحكومة، والذين يهتمون بالحصول على مداخيلهم من تحت الطاولة. “لا يستطيع احد الاشراف على الآبار غير القانونية لأنها غير مسجلة”، قال مدير قسم المياه في بيروت، جان جبران، في مقابلة مع موقع “المدن” اللبناني. في ظل عدم وجود رقابة لا يمكن معرفة جودة المياه، مستوى تلوثها وكيف ستتم تنقيتها. “من يستطيع أن يسمح لنفسه يقوم بملء بيته بالمياه المعدنية. الفقراء اعتادوا على التلوث”، كتب هذا الاسبوع احد المتصفحين على صفحته في الفيس بوك. إلا أن المياه المعدنية غير رخيصة، في المقاهي والمطاعم تباع زجاجة المياه المعدنية بأكثر من دولارين، وهي اقل ببضعة دولارات من سعر فنجان القهوة الذي يمكن أن يصل الى 8 دولارات أو أكثر. “هناك مسألتين تهماننا وهما الكهرباء ومستوى المعيشة. أما الانفاق فهي مشكلتكم، ما يحدث في الجنوب لا يعني أحد إلا اذا اندلعت حرب”، كتب صحافي لبناني لهآرتس، لم يكشف عن هويته خوفا من تقديمه للمحاكمة بتهمة “التطبيع” مع اسرائيل بسبب الاتصال مع شخص اسرائيلي.

صحيح أن الكشف عن الانفاق ونشاطات الجيش الاسرائيلي من اجل اغلاقها احتل العناوين الرئيسية في الدولة، لكن الى جانب ازمة المياه والكهرباء وتعرجات السياسة الداخلية التي تعيق تشكيل الحكومة الجديدة منذ نصف سنة، تعني المواطنين أكثر.

تقريبا حرب اهلية

القصة التي شاعت مؤخرا – التي هددت باشعال حرب عنيفة كان يمكن أن تتطور الى حرب اهلية، مثلما حذر حزب الله – بدأت بفيلم فيديو قصير. في الفيلم ظهر رئيس حركة “الاتحاد العربي” الدرزية، وئام وهاب، وهو يقوم بشتم رئيس الحكومة سعد الحريري ووالده رفيق الحريري الذي قتل في العام 2005، دون ذكر اسميهما بشكل صريح. وهاب نفى أنه وجه اقواله لهذين الشخصين. ولكن في لبنان لا توجد حاجة الى التوضيح أكثر. سعد الحريري فهم جيدا أن الامر يتعلق به وبوالده وطلب تقديم وهاب للمحاكمة بسبب المس به وبالدولة. النائب العام سارع الى تنفيذ تعليمات رئيس الحكومة واصدر امر لاستدعاء وهاب الى التحقيق. إلا أن وهاب المحسوب على كتلة 8 آذار المؤيدة لحزب الله، حركة أمل، الحزب الديمقراطي اللبناني وحزب  “المردة”، وله علاقة قوية مع الرئيس السوري بشار الاسد، لم يفكر بهذا الاستدعاء. الحريري لم يتنازل. وفي يوم السبت الماضي أمر المخابرات في الامن الداخلي باحضار وهاب للتحقيق وفتح بذلك ابواب جهنم. قوة مسلحة من 150 جندي انتشرت حول قرية جاهلية التي يعيش فيها وهاب من اجل اعتقال الوزير السابق المقرب من حسن نصر الله. قائد القوة تقدم بنفسه من مختار القرية وطلب منه استدعاء وهاب. في الوقت الذي كان فيه يشرح المختار للقائد بأن وهاب ليس في البيت، بدأ تبادل لاطلاق النار قوي بين قوات الامن وبين مؤيدي واصدقاء وهاب الذين حاولوا منع الاعتقال. في تبادل اطلاق النار قتل أحد حراس وهاب الشخصيين. هذا الفيلم كان سينفجر بشدة لولا قرار قائد القوة بالانسحاب من القرية. ولكن المشكلة لم تنته. وهاب اتهم الحريري بأنه ارسل من قبل السعودية لقتله، وهذا ادعاء تم نفيه من قبل السفارة السعودية في بيروت. حسب اقوال مقربي وهاب لا يمكن فهم “الهجوم غير المسبوق في حجمه وغير القانوني على القرية” إلا كمحاولة تصفية. صحيح أنه يصعب تذكر سابقة كهذه لاعتقال استعراضي لسياسي كبير، وحتى مقربو الحريري يعتقدون بأن هذه كانت خطوة زائدة أضرت برئيس الحكومة.

ولكن الامر لا يتعلق فقط باعتقال على خلفية اهانة شخصية. السياسة في لبنان لا تكتفي بقصص بسيطة. قبل وقت قصير من الاعتقال نظم وهاب قافلة سيارات محملة بعشرات المؤيدين المسلحين والتي توجهت نحو بلدة المختارة، مكان اقامة وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي والذي يعتبر الزعيم السياسي للطائفة الدرزية. هدف وهاب، الخصم السياسي لجنبلاط، كان استعراض للقوة والاظهار أنه يمكنه التواجد في معقل جنبلاط وتحدي زعامته على جبال الشوف الدرزية. جنبلاط الذي يؤيد الحريري اوضح على الفور بأن “المختارة هي خط احمر”، أي أن من يريد الحرب فسيحصل عليها. هذا لم يكن مجرد تهديد لوهاب، بل لحزب الله، الشريك السياسي لوهاب الدرزي. جنبلاط، بالمناسبة، مقتنع بأن وهاب يقوم الاسد بتشغيله، الذي يريد احداث انقسام في الطائفة الدرزية. أو على الاقل تقليص نفوذ جنبلاط. يبدو أنه رغم المشاغل الكثيرة للاسد في ساحته الداخلية، إلا أنه لا ينسى الاهتمام بمستقبل سوريا في لبنان.

عندها جاءت قصة الاعتقال. امام حزب الله كان احتمالان: إما استغلال الحادثة من اجل تسخين الساحة السياسية والاشتباك مع القوات الحكومية واشعال لبنان في محاولة لتهدئة المعركة، وإما ارسال قواته للدفاع عن وهاب. ونصر الله اختار الثاني. “لقد انقذنا لبنان من حرب اهلية” اوضح حزب الله، “لقد كنا المحور الرئيسي لخطوات سياسية منعت اشتعال بلدة الجاهلية”.

لا يوجد سبب للشك في ذلك. بعد وقت قصير من المعركة في الجاهلية ارسل جنبلاط، غير المعروف بتأييده لحزب الله، وفد لقيادة المنظمة في الضاحية في بيروت من اجل التوضيح بأنه ليس له أو لحركته أي دور في الهجوم على وهاب. ولكنه ايضا يجب عليه الحفاظ على علاقته مع الحريري، لذلك منح تأييده لقرار اعتقال وهاب.

من تردد ولم يسارع الى التدخل كان بالذات الرئيس اللبناني ميشيل عون. من جهة يعتبر عون حليفا لحزب الله، ومن جهة اخرى هو يتهم المنظمة بافشال تشكيل الحكومة، بالضبط في الوقت الذي يحتاج فيه لبنان بسرعة الى حكومة يمكنها اتخاذ قرارات اقتصادية حاسمة من اجل الخروج من الازمة التي يغرق بها. حزب الله غضب مما سماه “عدم مبالاة الرئيس” تجاه الحدث. وبدأ بفحص هل عون لا ينوي خيانته في المستقبل. الخوف هو شرط ضروري لكل سياسي في لبنان، ونصر الله لا يشذ عن هذه القاعدة. اذا لم ينجح في أن يشكل لنفسه كتلة داعمة من 11 وزير (من أصل 30 وزير) فهو لا يستطيع أن يملي على اجندة الحكومة، ويمكنه نظريا أن يفقد مكانته، سواء امام نفسه أو امام ايران وبمستوى اقل امام سوريا، لأنه مقابل ايران، سوريا يمكنها أن تبني لنفسها قاعدة نفوذ في لبنان بدون حزب الله. حزب الله الذي في بداية التسعينيات تردد في الدخول الى السياسة لم يعد قادرا بدون السياسة التي تحولت الى اداة قوته الاساسية التي اضطر ايضا من اجلها الى دفع ثمن باهظ مثل المشاركة في القتال في سوريا.

مرونة سياسية

المعركة في بلدة “الجاهلية” التي تهز الساحة السياسية في لبنان تدل على مستوى المرونة السياسية التي يجب على حزب الله اظهارها من اجل أن يتلمس طريقه السياسي. من يؤيد ومن يتهم؟ أي رواية يجب عليه أن يخلقها؟ هل سيستخدم القوة أو الدبلوماسية؟ ماذا يمكن أن يكسبه من كل قرار؟ ليس هناك شيء مفهوم من تلقاء ذاته. في الدولة التي فيها حلفاء الامس يتحولون الى خونة اليوم، والتي فيها رئيس مسيحي حارب ضد السوريين وهاجر من بلاده بسبب ذلك مدة 15 سنة، تحول الى حليف لحزب الله، والدولة التي فيها زعيم درزي مثل جنبلاط انقلب عدة مرات في علاقاته مع سوريا، والدولة التي رئيس حكومتها يتلقى التأييد من السعودية وتمت اقالته من قبلها، يستمر باجراء مفاوضات سياسية مع حزب الله على تشكيل الحكومة.

في الاسبوع الذي فيه اسرائيل متأكدة من أن نصر الله سيقف بصمت بسبب المفاجأة التي سقطت عليه من كشف انفاقه، حيث أنه كان منشغلا بأمر آخر هام من ناحيته. على الاقل حسب الافلام القصيرة التي عرضتها اسرائيل، تبدو هذه الانفاق، التي بعد سنوات من الحفر كان يجب أن تكون مكتملة ومزودة وجاهزة، كمشروع تم التخلي عنه. بيروت في هذه الاثناء هي ساحة حرب بالنسبة لحزب الله، وهو ينوي الانتصار فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى