ترجمات عبرية

تسفي برئيل / مع عدم اليقين في سوريا فان الحرب مع إسرائيل – هي الامر الأخير الذي يحتاجه نصر الله

هآرتس– بقلم  تسفي برئيل – 20/7/2018

اكثر من مليون لاجيء سوريا يتواجدون في لبنان، ينتظرون بصبر عودتهم الى منازلهم، عشرات الآلاف منهم يمكنهم الذهاب الى بيوتهم، وبضعة آلاف منهم عادوا فعليا، لكن ما زال الباقون عالقون في الدولة المستضيفة لهم بسبب صراعات قوى سياسية داخل لبنان. الوضع الصعب للاجئين لا يهم كثيرا الحكومة المؤقتة في لبنان التي بعد شهرين ونصف من الانتخابات ما زالت لم تنجح في تشكيل حكومة متفق عليها وثابتة. المهم في هذه اللحظة هو من الذي سيستسلم أولا.

مصير معظم اللاجئين متعلق بمسألة رئيسية: هل الحكومة اللبنانية ستجري مفاوضات مباشرة مع نظام الأسد حول عودة اللاجئين كما يريد حزب الله والرئيس ميشيل عود، أم أن عودتهم ستتم تحت مظلة الأمم المتحدة دون علاقة مباشرة بين لبنان ونظام الأسد، كما يطلب رئيس الحكومة سعد الحريري ومؤيدوه؟. الاحتمال الأول سيمنح الأسد اعتراف لبناني بشرعيته، وبذلك سيتم كسر المقاطعة التي فرضتها عليه الدول العربية عندما طردوا سوريا من جامعة الدول العربية. حسب مقاربة الحريري يجب الانتظار حتى نهاية الازمة في سوريا وتشكيل نظام متفق عليه قبل أن يمنح لبنان الاهلية السياسية لنظام الأسد.

تشدد الطرفين المتخاصمين يحول لبنان الذي كان طوال عشرات السنين تحت الرعاية السورية الى صاحب دور سياسي هام. في هذه المسألة تشارك دول مثل السعودية والولايات المتحدة التي تؤيد موقف الحريري مقابل قطر وايران اللتان تدفعان باتجاه مفاوضات مباشرة مع الأسد. سوريا أعلنت استعدادها لاعادة استيعاب اللاجئين في كل لحظة. المناطق الواسعة التي نجح النظام في استعادتها تحت سيطرته تمكن من عودة جماعية للاجئين، لكن غير المنطقي هو أن مصيرهم مرهون بتعقيدات الاعتبارات السياسية التي تتضمن الخلاف حول عدد الوزراء ودور كل واحدة من القوى السياسية في لبنان.

حزب الله ووزير الخارجية جبران باسيل، رئيس الحزب المسيحي الأكبر “التيار الوطني الحر” الذي أقامه الرئيس عون، قرروا عدم انتظار الحسم السياسي واسرعوا الى فتح مكاتب تسجيل للاجئين الذين يريدون العودة الى سوريا. الرئيس عون يجري مفاوضات مباشرة مع سوريا بواسطة رئيس المخابرات اللبناني، وموظفون من وزارة الخارجية ذهبوا لفحص المدن والقرى التي يعيش فيها اللاجئون غير المسجلين من اجل البدء في التحضير لعودتهم. كما يبدو، يجب أن لا يقف أي عائق فني امام اللاجئين عدا المعابر الحدودية التي تسيطر عليها الحكومة اللبنانية والتي في يديها قرار السماح للاجئين بالخروج. إضافة الى ذلك، مصلحة كل الأطراف هي التخلص من اللاجئين الذين يتسببون بعبء مالي واداري كبير على الحكومة اللبنانية. الأردن على سبيل المثال الغارق في وضع مشابه سبق له وأعلن انه يريد من اللاجئين السوريين الموجودين على حدوده العودة الى سوريا، بعد سيطرة الجيش السوري على المعابر الحدودية وعلى معظم المحافظات الجنوبية.

رهائن

ليس فقط اللاجئين تحولوا الى رهائن للنضال السياسي. أيضا تجار ومزارعين لبنانيين الذين يمكنهم البدء في تصدير بضائعهم الى الدول العربية عبر سوريا والأردن، مكبلون بحبال السياسة. من اجل الضغط على حكومة لبنان قرر نظام الأسد السماح بعبور البضائع عن طريق الأردن فقط لتجار ومزارعين سوريين وليس اللبنانيين. اذا أراد لبنان أن يلعب بلي يد الأسد، أيضا توجد للاسد قوة لا بأس بها بأن يفرض على لبنان القرار “الصحيح”.

بغض النظر عن موقفه في موضوع اللاجئين، يحاول حزب الله طرح نفسه كجهة محادية في الخلاف على تشكيل الحكومة. هو يستطيع الآن السماح لنفسه بأن يشاهد من الجانب أن أساس الخلاف هذه المرة هو بين المسيحيين انفسهم وداخل المعسكر السني. وهذا الخلاف يفشل في هذه الاثناء جهود سعد الحريري لتشكيل الحكومة. الحساب السياسي الذي ينبع من نتائج الانتخابات يعطي حزب الله في كل الأحوال ثلاثة وزراء على الأقل. سيكون منهم أيضا وزير يكون مسؤول عن احدى وزارات الخدمات، كما يبدو الصحة، التي ستمكنه من الحصول على ميزانيات كبيرة، والاهم من ذلك، جزء من أموال التبرعات التي تم التعهد بها من قبل الدول المانحة سينتقل بشكل تلقائي من خلاله. هنا تكمن حقا مشكلة لأن الدول المانحة يمكن أن تجمد مساعداتها اذا مرت الأموال عن طريق وزراء حزب الله. ولكن يمكن للحكومة أن تتغلب على ذلك من خلال تسجيلات غير مباشرة.

الهدف الأكثر أهمية من ناحية حزب الله هو أن يحقق لنفسه تحالف يتكون من ثلث أعضاء الحكومة زائد واحد. على فرض أن الحكومة ستعين 30 وزير، حزب الله يسعى الى كتلة مؤيدة من 11 وزير على الأقل. لكتلة كهذه يوجد اسم معروف في السياسة اللبنانية وهو “الكتلة المانعة”. حسب الدستور اللبناني فان كل قرار أساسي مثل المصادقة على الميزانية أو الإعلان عن حرب يحتاج الى مصادقة ثلثي أعضاء الحكومة، بناء على ذلك تكفي معارضة 11 من أعضاء الحكومة (في حكومة من 30 وزير) لإحباط كل قرار وتحييد كل قدرة الحكومة على الأداء.

حزب الله يمكنه الاعماد في هذه الاثناء على دعم التيار الوطني الحر المسيحي، الذي سيضم 7 وزراء و3 وزراء يعينهم الرئيس من خلال صلاحيته. وهكذا سوية مع وزراء حزب الله سيكون في يديه قوة كافية من اجل املاء سياسة الحكومة، لكن حزب الله من شأنه أن يجد نفسه امام تحالف ينضم فيه وزراء التيار الحر الى وزراء الرئيس ويحتاجون فقط الى شريك واحد من اجل التحول بأنفسهم الى كتلة مانعة، التي من شأنها في ظروف معينة أن توقف تشريع أو سياسة يريد حزب الله تنفيذها.

هكذا، وعلى الرغم من التحالف بينه وبين التيار الحر، فان حزب الله معني بتقليص  قوته في الحكومة. من يتنافس على وزارات المسيحيين هم أعضاء حزب “القوات اللبنانية” برئاسة سمير جعجع الذي يطالب بعدد متساو من الوزراء لوزراء الكتلة الحرة. جعجع يستند في مطالبته الى اتفاق تقسيم الحقائب الذي وقع بينه وبين قيادة التيار الحر قبل سنتين تقريبا بهدف وقف الصراع السياسي الداخلي المسيحي. حسب الاتفاق ليس فقط حقائب الحكومة سيتم توزيعها بصورة متساوية بين الأحزاب المسيحية الكبيرة، بل أيضا الوظائف الكبيرة في الجهاز الحكومي مثل الدبلوماسيين ومدراء الشركات الحكومية ستوزع بصورة متساوية. ولكن الآن عندما حان الوقت لتنفيذ الاتفاق يزعم قادة التيار الحر أنهم يستحقون اكثر. في هذا الخلاف يتخذ حزب الله موقف “اللامبالي ظاهريا”: “يجب تطبيق ما اوجدته نتائج الانتخابات. يجب اظهار مرونة وعدم الانغلاق داخل حسابات تكتيكية وطائفية تمس التوازن الوطني المطلق”، أوضح حسن نصر الله والمتحدثون بلسانه. فجأة، نصر الله يقف كمخلص للتوازن الوطني، لا توجد له مصالح طائفية أو تنظيمية، طاهر ونقي لم يتلطخ بالوحل السياسي.

إلا أن نصر الله لم ينته سياسيا وهو بعيد عن ذلك. هو يدير مقابل ذلك محادثات ومشاورات أيضا مع خصومه السياسيين، منهم سعد الحريري الذي اجبر على الاستقالة من منصبه كرئيس للحكومة من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وعلى خلفية تعاونه مع حزب الله. ولكن السعودية فشلت في خطتها لحل الحكومة اللبنانية واغراق الدولة في فوضى تجبرها على الجري نحو أحضان السعودية والتنازل عن تأثير ايران. الاحتجاج اللبناني والتدخل الدولي ولا سيما التدخل الفرنسي، كل ذلك حرر الحريري من الإقامة الجبرية في السعودية وأعاده الى منصبه. الآن الحريري يعرف أنه سيحتاج الى تأييد نصر الله اذا كان يريد أن يستكمل تشكيل الحكومة قريبا. السؤال ما هو الثمن الذي يتوجب عليه دفعه لحزب الله مقابل ذلك. في نفس الوقت الحديث لا يدور عن علاقة تبعية أحادية الاتجاه بين الحريري ونصر الله، حيث أن نصر الله يفضل الحريري على مرشحين آخرين. لأنه يعرف أهمية مكانة الحريري في الغرب وفي الشرق الأوسط، الامر الذي يمنح لبنان شرعية ودعم دولي.

ولكن اذا كان في الساحة اللبنانية يعرف حزب الله جيدا كيف يتعامل من اجل الحفاظ على قوته فان الساحة السورية هي التي تلقي بحزب الله في وضع عدم اليقين. اذا كانت ايران في السنوات الأربعة الأولى من الحرب هي الحليفة لسوريا وحزب الله كان القوة المساعدة الحيوية من اجل مساعدة الأسد في حربه ضد المتمردين، فان التدخل الروسي في الساحة السورية والذي بدأ في نهاية العام 2015، ابتلع كل أوراق ايران. السعي الى تشكيل جبهة ضد إسرائيل في جنوب غرب هضبة الجولان تم احباطه من قبل إسرائيل بمساعدة روسيا. إن تمركزه في جبال القلمون في غرب سوريا وعلى الحدود اللبنانية يضعف إزاء اظهار القوة الروسية، ومطالبة زعماء سياسيين لاعادة قواته من سوريا ومن اليمن إضافة الى مطالبة العائلات الثكلى لمقاتلي المنظمة الذين قتلوا بالمئات في سوريا تجبر حزب الله على البدء على سحب قواته.

نصر الله الذي يعرف وزن الضغط الذي تستخدمه روسيا على ايران لسحب قواتها من الحدود والانسحاب من كل سوريا، لا يمكنه أن يعرف أي سوريا ستكون بعد انتهاء الحرب. الأسد سيواصل حقا أن يكون رئيسا، لكن هل سوريا ستعود وتكون هي المحطة الرئيسية لارسال السلاح والذخيرة الى لبنان؟ هل بوتين والأسد ونتنياهو لن يطبخوا له مفاجأة سياسية تقيد جدا نشاطاته أو قنوات شرائه؟ هذه خيوط غير مرتبطة بالشرنقة السياسية التي تجبر المنظمة على التصرف بحذر زائد من اجل أن يضمن بقاءه. في ظروف كهذه التي فيها يجب عليه المناورة بين خصوم سياسيين، يجب عليه أن يهتم بأن تكون تشكيلة الحكومة لصالحه والتأكد من أنه سيواصل أن يكون ذخر استراتيجي لإيران، وحرب ضد إسرائيل ليست العملية التي ستساعده على ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى