تسفي برئيل / في الوقت الذي تتقاتل فيه السعودية وايران : اسرائيل تشخص بعيونها للبنان
هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 9/11/2018
“يا محمد بن سلمان، يا خنزير، أنت تقتل الاطفال الابرياء في اليمن. خنزير مثلك يعتقد أنه يستطيع العيش بين عرب أحرار. الشعب العربي سينتقم من كل فترة حكمك. يا محمد بن سلمان، أيها الخنزير، قمت باستضافة صحافي من أجل قتله وتسمي نفسك بطلا؟ لا، أنت خنزير ليس فيك أي دلالة على البطولة. لا نريد هنا ممثلك، نائب السفير. يجب عليه الرحيل لأننا لا نريد ممثل للشيطان في بيروت”.
هذا المقال غير الموقع الذي نشر في نهاية الشهر الماضي في الصحيفة اللبنانية “الديار”، المقربة من حزب الله حظي بوابل من الانتقادات تقريبا من كل الفصائل السياسية في لبنان، وحتى حظي بطلب من وزير العدل سليم جريساتي بتقديم دعوى قانونية ضد الصحيفة حسب القانون الجنائي الذي يمنع المس بدول اخرى. رد رئيس الحكومة سعد الحريري كان ايضا وفقا الصورة العلنية المطلوبة منه: “المقال لا يمثل الاخلاق اللبنانية ولا الصحافة اللبنانية. هذه محاولة فاشلة لتخريب العلاقة بين لبنان والسعودية وخرق فاضح للقوانين التي تحمي حرية الصحافة”. هذه الصيغة ملفتة للنظر حيث ألغى فيها صفة الممتازة من مفهوم “العلاقات” وامتنع عن اغداق المديح لعمل نائب السفير السعودي أو الدفاع عن ولي العهد السعودي.
ربما أن الحريري يعرف أن وضعه قبل سنة بالضبط كان يشبه وضع الصحافي السعودي جمال الخاشقجي. ربما لم يحوم فوق رأسه منشار، ولكن خلال بضعة ايام في الاقامة الجبرية في فيلا في الرياض محاذية لفندق “ريتس كارلتون” الذي كان يعتقل فيه بضع عشرات من اصحاب المليارات والملايين السعوديين بتعليمات من إبن سلمان. الحريري اجبر في حينه على اصدار بيان استقالة من رئاسة الحكومة. لقد أهين عندما فرض عليه الانضمام للجولة التي قام بها محمد بن سلمان في عدد من دول الخليج للاثبات بأنه غير معتقل. خلافا لتعهد إبن سلمان للرئيس المصري السيسي الذي بحسبه الحريري يمكنه العودة الى بيروت بعد الزيارة المفروضة عليه لمصر، اجبر الحريري على الهبوط قبل ذلك في قبرص قبل الوصول الى بيروت. المحاولة غير اللطيفة لابن سلمان لتنفيذ انقلاب في لبنان وتعيين الشقيق البكر لسعد الحريري، بهاء الدين، رئيسا للحكومة، لم تنجح، لأن عائلة الحريري اوضحت بأنها تقف موقف موحدج من وراء سعد رغم العلاقات الوطيدة التي كانت للعائلة مع العائلة المالكة في السعودية.
إن سلوك ابن سلمان في هذه القضية كان يجب أن يوضح لامريكا (التي كان لها دور في اطلاق الحريري من الاقامة الجبرية) بأن ولي العهد السعودي هو عبوة ناسفة تمشي. ولكن ادارة ترامب، أسيرة الاستحواذ المناهض لايران، اعتبرت في حينه الخطوة السعودية قناة مناسبة للمس من خلالها بالنفوذ الايراني في لبنان، عن طريق ابعاد رئيس حكومة نجح في الحفاظ على نوع من الاستقرار السياسي بفضل الحوار الذي يجريه مع حزب الله. فشل محاولة الانقلاب السعودية ليس فقط اساء وضع الحريري في الانتخابات البرلمانية التي اجريت في أيار الماضي، التي فيها فقد حوالي ثلث مقاعد البرلمان لصالح خصومه، بما في ذلك حزب الله؛ منذ الانتخابات والموافقة على أن تلقى عليه مهمة تشكيل الحكومة، يحاول الحريري بدون نجاح تشكيل الحكومة. ويبدو أنه ليس فقط حزب الله هو الذي سيكون شريك هام فيها، بل من شأنه ايضا أن يمسك بيديه القوة لصد كل قرار لا يروق له.
حسب الدستور اللبناني فان كل قرار اساسي مثل المصادقة على الميزانية أو شن حرب يحتاج الى تأييد ثلثي اعضاء الحكومة، التي تضم 30 وزير. بناء على ذلك يكفي لحكومة واحدة أو تحالف من عدة حركات تملك ثلث زائد واحد من مجمل اعضاء الحكومة من اجل احباط كل قرار. لذلك، يتطلع حزب الله الذي اضافة الى الثلاثة وزراء من قبله، يسعى الى تعيين وزير آخر من اوساط المنتخبين السنة المستقلين الذين يؤيدونه، وبهذا يوسع قوته الى اربعة وزراء. اضافة الى الوزراء الذين بامكان الرئيس ميشيل عون تعيينهم يستطيع حزب الله أن يضمن ثلث زائد واحد المطلوبة له. الحريري اوضح للرئيس عون بأن “تعيين وزير سني آخر من قبل حزب الله معناه انتحار سياسي له وأنه لن يوافق على ذلك بأي شكل من الاشكال” – كما أن هذا التعيين سيأتي على حساب الوزراء المخصصين لقائمة المستقبل التابعة للحريري. الرئيس يؤيد في هذه الاثناء موقف الحريري، ولكن عون سبق واثبت في السابق قدرته على المراوغة، التي تم التعبير عنها في تغيير الولاءات. في نهاية المطاف الجنرال الذي حارب الاحتلال السوري وذهب الى المنفى في باريس لمدة 15 سنة عاد الى بيروت وتحول الى حليف لسوريا والى الشريك السياسي المسيحي لحزب الله.
الصعوبة الاخرى هي أن حزب الله يطالب بأن يحصل على وزارة حكومية للخدمات العامة، وبالتحديد وزارة الصحة ذات الميزانية الكبيرة، الامر الذي يمكن أن يضع لبنان في مسار التصادم مع مؤسسات دولية، والتي سترفض التعاون مع وزارة يقف على رأسها ممثل لحزب الله، على ضوء العقوبات التي فرضتها الادارة الامريكية على حزب الله وايران.
إلا أن حزب الله لا ينوي في هذه الاثناء التنازل. إن تعزيز قوته السياسية في لبنان هام الآن اكثر من اجل الحفاظ على قوة ايران في لبنان، وضمان استمرار تعاون لبنان مع سوريا ووقف التأثير الامريكي على لبنان. الموقف الرسمي للقيادة اللبنانية هو أن الدولة لن تتأثر من العقوبات المفروضة على ايران، حيث أن حجم التجارة بين الدولتين ضئيل. ايضا الجهاز البنكي للبنان يخضع لتعليمات العقوبات، سواء التي فرضت على ايران أو التي فرضت على حزب الله. حزب الله من ناحيته اوضح بأنه لا يستخدم مطلقا الجهاز البنكي اللبناني، وحسب تقارير غربية، هو يعمل بواسطة شركات وهمية ورجال اعمال ينقلون الاموال لمصلحته. الادارة الامريكية نشرت هذا الاسبوع بأن ايران تمنح حزب الله حوالي 700 مليون دولار في السنة، اموال نقدية وسلاح ووسائل قتالية. ولكن حسب التقديرات في لبنان فان المبلغ الحقيقي أقل من نصف هذا المبلغ.
حزب الله الذي يدفع رواتب 70 ألف عامل، من بينهم مقاتلين ورجال صيانة وموظفين وعاملين في مؤسسات الشؤون الاجتماعية، هو قوة اقتصادية هامة في الدولة. والتمويل الذي يحصل عليه من ايران يزيت دواليب اقتصاد لبنان. هكذا، اذا اضطرت ايران الى تقليص مبلغ المساعدة فسيكون لذلك تأثير على قوة الاقتصاد اللبناني، وليس فقط على قدرة حزب الله على تمويل تسلحه العسكري. في نفس الوقت، الكونغرس الامريكي يفحص امكانية تجميد أو الغاء المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، التي بلغت في السنة الماضية 120 مليون دولار.
مطلب اعضاء الكونغرس هو أن يقوم الرئيس الامريكي بتزويدهم بتقارير ليس فقط عن التعاون العسكري مع الجيش اللبناني، بل ايضا بشأن تطبيق قرار الامم المتحدة 1701 من العام 2006، الذي تم اتخاذه كجزء من انهاء حرب لبنان الثانية. حسب هذا القرار على الجيش اللبناني الانتشار في جنوب لبنان ومنع حزب الله من السيطرة والتمركز في جنوب الليطاني ومساعدة قوات الامم المتحدة على تطبيق بنود القرار، التي تتضمن نزع سلاح حزب الله. صحيح أن الجيش اللبناني حارب للمرة الاولى مع القوات الخاصة الامريكية ضد قواعد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) على الحدود بين سوريا ولبنان، ولكنه ايضا تعاون مع حزب الله لنفس الهدف، ونزع سلاح حزب الله لا يخطر ببال أحد في لبنان.
اسرائيل التي تحتج منذ اكثر من عقد من أن حزب الله ليس فقط لا يطبق القرار 1701، بل ايضا يواصل تسلحه بعشرات آلاف الصواريخ منذ تلك الحرب، تهدد بشكل علني بأنه اذا واصلت حكومة لبنان السماح لحزب الله باقامة مصانع لتحسين دقة صواريخه فانها بنفسها ستصبح هدفا. أي أن لبنان سيحل محل سوريا كهدف للهجوم.
ربما أنه في اعقاب القطيعة الجزئية التي وقعت بين اسرائيل وروسيا بعد اسقاط الطائرة الروسية والخشية من العمل بصورة كثيفة اكثر في الاراضي السورية بسبب ذلك، فان اسرائيل تفضل التركيز على لبنان. هذا بالطبع قرار اشكالي، حيث أنه طوال مهاجمة اسرائيل في سوريا هي لم تتعرض للنيران السورية. الهجمات في لبنان يمكن أن تفتح مجددا الجبهة الشمالية، والى جانب الاضرار بالممتلكات والارواح فان هذه الهجمات يمكن أن تعزز قوة حزب الله، وبصورة تلقائية قوة ايران.
في حين أن سيناريوهات تأثير العقوبات على الاقتصاد اللبناني وعلى مكانة حزب الله فيه، ما زالت بانتظار قرار الحكومة الايرانية، يواصل حزب الله استثمار الجهود في توسيع وجوده في جنوب سوريا. حسب تقارير من لبنان ومن مصادر استخبارية غربية يحاول حزب الله تجنيد مقاتلي مليشيات اعتمدت حتى الآن على الدعم الامريكي والاسرائيلي. “وول ستريت جورنال” كتبت في بداية الشهر أن ايران تعرض على كل مقاتل جديد 200 دولار شهريا، وأن عدد المقاتلين يتوقع أن يصل الى 2000 مقاتل. ليس معروفا ما هو عدد المقاتلين الجدد الذين نجح حزب الله في نقلهم الى صفوفه. ولكن خطوة كهذه تستهدف استبدال وجود مقاتلي مليشيات مؤيدة لايران الذين جاءوا من ايران وافغانستان والذين عدد منهم ارسلوا الى مناطق في شرق سوريا.
الاهداف المعلنة لفرض العقوبات على ايران هو صد تدخلها في دول المنطقة مثلما في اليمن وسوريا والعراق، ولكن الاستراتيجية الايرانية التي تستند الى قوات محلية مثل المتمردين الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وسوريا ستواصل مساعدة طهران في تثبيت وجودها في هذه المناطق دون أن تتأثر من العقوبات.