ترجمات عبرية

تسفي برئيل / في اسرائيل، ايران والولايات المتحدة تتطلعان : الى الخطوات التي يقوم بها بوتين في سوريا

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل  – 25/5/2018

الرئيس الروسي اثار ضجة بسيطة في الاسبوع الماضي عندما أعلن أن “البدء بالعملية السياسية لسوريا سيساعد في اخراج القوات المسلحة الاجنبية من الدولة”. العرض خطط له جيدا. في 9 أيار التقى بوتين مع نتنياهو، وبعد خمسة ايام وصل وزير الخارجية الايراني جواد ظريف لاجراء لقاء مع نظيره سرجيه لافروف، وفي النهاية في 17 أيار دعي بشار الاسد للقاء في سوتشي للالتقاء مع بوتين من اجل أن يسمع منه ما تم الاتفاق عليه مع الضيوف السابقين.

لقد كان بالامكان أن نفهم أنه بعد جولة من المشاورات والمباحثات اتفق الجميع على خروج القوات الاجنبية من سوريا. ولكن الاسد وصل في الاساس ليتسلم ورقة أوامر تشمل قائمة بما هو مطلوب منه القيام به من اجل انجاح الخطوات الروسية. أحد هذه الاوامر يتعلق بالاصلاحات المطلوبة في الدستور السوري، مثل التي تضمن اكثر حقوق وتعاون سياسي لقطاعات طائفية في النظام العتيد، ومن اجل ذلك يتوقع قريبا أن تصل الى دمشق بعثة من القانونيين الروس الذين سيساعدون الاسد في صياغة ما يحتاج الى تعديل. الثاني يتعلق بتعميق الاستثمارات الروسية في اعادة اعمار الدولة واعطاء افضلية للشركات الروسية على الشركات الاخرى، بالاساس الايرانية، في ادارة المشاريع. الثالث وهو المهم من ناحية اسرائيل، يتوقع أن يتركز في  خفض شكل التدخل الايراني في سوريا. مصادر دبلوماسية قالت للصحيفة إن بوتين اوضح للاسد بأن عليه منع مخاطرة محتملة تتمثل في حدوث حرب بين اسرائيل وايران على الاراضي السورية، لكن ليس واضحا اذا كان أمره بمنع انشاء قواعد صواريخ ايرانية في سوريا.

الصياغة المحسوبة التي استخدمها بوتين في تصريحه يمكنها أن تفسر كاعطاء اشارة لايران للاستعداد لسحب قواتها، لكن المتحدث بلسان بوتين الذي طلب منه توضيح مقاصد الرئيس الروسي، اوضح أن القصد هو “القوات الاجنبية الموجودة في سوريا من خلال أمر واقع فرضوه وليس بصورة شرعية، من خلال خرقهم للقانون الدولي”، أي القوات الامريكية والتركية وليس القوات الايرانية والروسية. ومن اجل ازالة الشك اوضح نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بأن سوريا استدعت قوات صديقة لحلفائها منها روسيا وايران و”الاخوة من حزب الله” لمساعدتها في حربها ضد الارهاب. “هذه القوات لا تمس بسيادة سوريا وتعمل بالتنسيق معها”، وقد شدد المقداد على أن خروج القوات الاجنبية من سوريا هو شأن سوريا وغير مطروح مطلقا للنقاش. ايضا المتحدث بلسان وزارة الخارجية الايرانية بهرام قاسمي، لم يقف مكتوف الايدي امام التلميحات الروسية والطلب الامريكي بسحبالقوات الايرانية، وأوضح أن “لا احد يستطيع أن يفرض على ايران القيام بأي أمر ضد ارادتها”.

حسب الخطة الروسية الحديث لا يدور عن طلب انسحاب فوري لقوات اجنبية، ايرانية، تركية وامريكية، بل عن عملية بدايتها تجديد المفاوضات السياسية بين المتمردين والمعارضة وبين النظام، التي يتم من خلالها الاتفاق على شروط المصالحة، والأدق الاستسلام. اذا تم استكمال المرحلة الاولى بنجاح فسيتم تشكيل حكومة انتقالية تقوم بالاعداد للانتخابات، وفقط بعد ضمان سيطرة الحكومة الجديدة على الدولة ويمكن الوضع الامني ذلك، سيكون بالامكان البحث في انسحاب القوات الاجنبية. اذا كانت اسرائيل والولايات المتحدة تتوقعان أن طلب ترامب من ايران سحب قواتها من سوريا سينفذ، فيجب عليهما تأييد الخطة الروسية والأمل بأن ينجح بوتين في فرض ارادته على المليشيات التي حتى الآن رفضت معظم العروض للمصالحة التي عرضت عليها من روسيا.

بين اسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وايران لا خلاف حول مسألة استمرار حكم الاسد. جميعهم اتفقوا على عدم وجود بديل حقيقي للرئيس المسؤول عن قتل نصف مليون شخص تقريبا من أبناء شعبه، جميعهم يعترفون بعدم وجود بديل للخطوات السياسية الروسية وأنه في الايام القريبة سيكون عليها المصادقة على نتائجها عندما ستطرح للمصادقة عليها في الامم المتحدة. الطلب الروسي حاليا هو عدم التشويش عليها في ادارة وتنفيذ هذه الخطوات. وأن لا تفتح اسرائيل والولايات المتحدة معركة ثانوية ضد ايران على الاراضي السورية، الامر الذي من شأنه أن يشوش بشكل كبير على المبادرة الروسية.

المعضلة المشتركة

في الوقت الذي تحاول فيه روسيا التوفيق بينها وبين ايران وسوريا، فهي تواصل بكل قوتها التقليل من مكانة وقوة مليشيات المتمردين في سوريا. في الاسابيع الاخيرة حققت لصالح الاسد انتصار في منطقة الغوطة الشرقية، وفي هذا الاسبوع ساعدت النظام في السيطرة على مخيم اليرموك للاجئين في جنوب دمشق، والأصح على ما بقي منه. قوات داعش التي بقيت في المخيم وقعت على اتفاق انسحاب. ومن اجل تسريع الامور وافقت روسيا على أنه يمكنهم اخراج السلاح الثقيل معهم، خلافا لموقف الاسد. هذه الوحدات تم نفيها الى صحراء قرب حمص. أما عدد قليل من المدنيين الفلسطينيين والسوريين الذين بقوا تم نقلهم في قوافل طويلة الى شمال الدولة. تدمير المخيم استكمل تقريبا بصورة نهائية.

صور وافلام تم  رفعها على الشبكات الاجتماعية تدل على أنه لم يبق بيت واحد كامل في المخيم الذي عاش فيه مئات آلاف الناس. ولكن يبدو أنه حتى في داخل الدمار ما زال هناك اثاث واغراض يمكن استخدامها التي انقض عليها الجنود السوريين مثلما فعلوا في حلب والغوطة. هذه الاغراض التي يمكن ايجادها بعد ذلك في اسواق السلب المزدهرة التي تحولت الى مصدر رزق اضافي للجنود ورجال المليشيات الذين يخدمون النظام. مخيم اليرموك ايضا سينضم الى قائمة الممتلكات العقارية التي ستعرض لاعادة البناء على الشركات الروسية أو الايرانية كتعويض على المساعدة الاقتصادية التي قدمتها هذه الدول لسوريا.

نموذج التعاون الاقتصادي هذا آخذ في التبلور في مدن كثيرة في سوريا منها مدينة دوما التي بقربها هاجم جيش الاسد بالسلاح الكيميائي، والنظام ينوي بناء مجمعات سكنية، وهكذا ايضا في مدينة دارية في محافظة الغوطة التي فيها حسب المخطط ستقام آلاف الوحدات السكنية التي سيسكن فيها حوالي 275 ألف نسمة. في هاتين المدينتين ستعرض دمشق على الشركات الروسية بناء المشروع.

هنا تنتظر ايضا مفاجأة مثيرة لمواطني المدينة الاصليين الذين هربوا منها والآن يريدون العودة. قانون جديد سنه النظام ينص على أنه على اصحاب الاملاك تقديم كل الوثائق المطلوبة التي تثبت أنهم الاصحاب الشرعيين خلال شهر من نشر القانون. فقط من سيحصل على تصريح بالملكية يمكنه بناء بيته من جديد أو الحصول على ارضه. هذه خطوة مطلوبة مقابل الدمار الشديد الذي لا يمكن من تشخيص مبان كثيرة، ومن اجل منع سيطرة المحتالين على الممتلكات. ولكن يتبين لسكان المدينة أنه لا يسمح لهم العودة اليها، حيث أن امكانية تقديم طلب الملكية والبناء سحبت منهم. اذا لم ينجحوا في اثبات حقهم في الاملاك، فيمكن للنظام وضع اليد على املاكهم والتصرف بها كما يريد. الخوف هو أن النظام، بالتشاور مع ايران، سيقوم بملء المدينة بالسكان الشيعة الذين بدأوا في الوصول من العراق، والسكن في مدن مختلفة في سوريا. هذه التغييرات الديمغرافية غير جديدة في سوريا. مواطنون عرب انتقلوا الى المناطق الكردية في السابق، حوالي 300 عائلة عراقية سكنت في سوريا في العام 2016، والآن يتوقع كما يبدو أن يقوم الآلاف بالحلول محل المواطنين الاصليين.

ايضا مليشيات المتمردين بدأت بتخطيط مواصلة نشاطاتها ازاء عملية السحق السورية والروسية التي طردتهم من اماكن كثيرة منها مدن كبرى وتجمعات سكانية اعتمدت عليها المليشيات لتمويل نشاطاتها. مثال على ذلك هو مليشيا جيش الاسلام الذي انشيء في 2011، ومنذ ذلك الحين جمع صفوف مليشيات عديدة اخرى الى أن تحولت الى اكبر مليشيا تضم حوالي 15 ألف مقاتل. في اطار اتفاق الاستسلام في دوما انسحاب مقاتلو المليشيا الى منطقة ادلب التي فيها تتركز الآن معظم المليشيات. جيش الاسلام اضطر الى تسليم سلاحه للسلطات، وهكذا لا يمكنه المشاركة في المعارك العسكرية الجديدة. الخيار المطروح امامه هو الانضمام بصورة جارفة للجيش السوري أو البقاء مليشيا، لكن الانتقال والعمل في منطقة الرقة تحت قيادة الجيش السوري. هذان الاحتمالان معناهما تصفية المليشيات. وهذا تطور سيؤثر على قوة ومكانة المليشيات الاخرى.

في الايام الاخيرة اوردت الشبكات الاجتماعية في سوريا تقارير عن احتمال أن تقوم القوات العربية الشريكة لقوات المليشيات الكردية العاملة مع الولايات المتحدة بالانسحاب من الاطار الكردي والعودة للخدمة في الجيش السوري. هذه العملية هي جزء من المبادرة الروسية لتصفية مليشيات المتمردين “بالطرق السلمية”. أي اخضاعها وحتى التسبب بانهيارها بواسطة اتفاقات محلية، وبهذا انهاء معارضتها للعملية السياسية.

لقد مرت سنتان ونصف منذ التدخل العسكري الكثيف لروسيا في الحرب السورية، وهي فترة قصيرة نسبيا مقارنة بالنجاح الذي حققته حتى الآن. ابعاد الولايات المتحدة عن الساحة السورية، اعادة احياء النظام السوري الذي نجح في العودة والسيطرة على معظم مناطق الدولة وابعاد ايران عن الخطوات الاستراتيجية والاحتكار الذي حققته لنفسها في ادارة العمليات السياسية، كل ذلك يجبرها الآن على تسريع العملية السياسية وفرض حقائق سياسية على الارض تقوم باكمال هذه العملية. الاستراتيجية الروسية هي الآن الضمانة الاهم لمنع حرب بين ايران واسرائيل على الاراضي السورية التي من شأنها أن تتطور الى مواجهة بينها وبين الولايات المتحدة.

السؤال الآن هو هل ستواصل ايران في أن ترى بنفس المنظار مع روسيا استمرار العملية السياسية التي ستقتضي منها سحب قواتها من سوريا. واذا قررت الانسحاب فكيف يمكنها رؤية أن هذا الانسحاب هو جزء من التنسيق مع روسيا وليس خضوع للانذار الامريكي، وكيف ستضمن لنفسها المصالح في منطقة سوريا ولبنان بدون قوة عسكرية في سوريا. يبدو أن اسرائيل، ايران والولايات المتحدة، مسجونة الآن في معضلة مشتركة، التي حلها من شأنه أن يأتي من خلال تعاون آخر مع روسيا وتخفيض سقف التوقعات من ايران في المدى القصير من اجل تحقيق هدف ابعادها عن سوريا في المدى المتوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى