ترجمات عبرية

تسفي برئيل / بين اردوغان وترامب كل شيء شخصي

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل  – 17/8/2018

حاكم قطر الشيخ تميم بن حمد تلقى في الاسبوع الماضي انتقاد من وسائل الاعلام التركية على الصمت القطري ازاء الازمة التركية. “تركيا سارعت الى مساعدة قطر عندما فرضت السعودية عليها مقاطعة وارسلت اليها مئات الطائرات المحملة”. جاء في المقال الذي نشر في الصحيفة التركية “تقويم”. “الآن قطر تغض النظر ولا تقدم لتركيا دعم سياسي وانساني، هل هذه هي صورة الصداقة؟”.

الشيخ تميم لم يتجاهل هذا النقد الذي عبر عن الروح السائدة في القصر الرئاسي في تركيا. هذا الاسبوع هبط في انقرة ليس فقط من اجل التعبير عن دعمه للرئيس اردوغان، بل ايضا احضر معه تعهد بالاستثمار في مشاريع بمبلغ 15 مليار دولار. لقد ساهم في ذلك في زيادة سعر الليرة التركية وربما حتى تغيير معين بثقة الجمهور التركي بقدرة اردوغان على ترجيح كفة الازمة. يوجد للخطوة القطرية اهمية مزدوجة: صحيح أنها لا تغذي فائض العملة االاجنبية في تركيا، لكن يوجد لها تأثير على الضمانات المالية ومن شأنها أن تلغي أو على الاقل تؤجل ضرورة توجه تركيا الى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض. المصادقة على هذا القرض من صندوق النقد يحتاج الى موافقة امريكية. وعلى خلفية الشرخ في علاقات الدولتين فان  الامر الاخير الذي يرغب فيه اردوغان هو أن يمنح ترامب ذخيرة جديدة بواسطة يستطيع اجباره على السجود على ركبتيه.

ولكن العلاقة الوثيقة مع قطر، التي في اطارها ساعدت تركيا الامارة الخليجية في تجاوز العقوبات التي فرضتها عليها السعودية ودولة اتحاد الامارات، وحتى اقامت فيها قاعدة عسكرية، تبعد تركيا اكثر عن التحالف العربي المؤيد لامريكا ويصنفها كجزء من التحالف الايراني الذي تشارك فيه سوريا والعراق ولبنان وقطر. هذه الدول اعلنت انها لا تنوي الانضمام الى العقوبات الامريكية على ايران. وهي اصلا موجودة في صف واحد امام السعودية ودولة اتحاد الامارات.

اردوغان الذي قبل نحو عقد صك مفهوم “يجب انهاء جميع الخلافات مع الجيران” كشعار لسياسته الخارجية، يجب نفسه، ليس للمرة الاولى، في وضع فيه تركيا يوجد لها عدد ليس قليل من المشكلات مع الجيران والكثير من المشاكل مع جيران كثيرين. ولكن اضافة قوة الازمة الاقتصادية في تركيا في التأثير على الاسواق العالمية وتشكيل علاقات دولية واقليمية، فان هذه الازمة تشير ايضا الى تقلبها وغياب الاتجاه للسياسة الخارجية الامريكية.

مطالب متبادلة

علاقات الدولتان تستند الآن الى سلسلة من الخلافات العميقة بدل استنادها الى خلق عوامل مشتركة. من ناحية تركيا تضم هذه القائمة المطالبة بتسليم فتح الله غولن، رجل الدين الذي ينسب له اردوغان التخطيط للانقلاب الفاشل في تموز 2016، ووقف الدعم للمليشيات الكردية التي حاربت في سوريا ضد داعش، وادانة محمد اتيلة، نائب مدير عام البنك التركي الذي ادين بالالتفاف على العقوبات على ايران التي في اعقابها يتوقع أن يدفع البنك غرامة عالية تقدر بمليارات الدولارات والغاء التأخير على المصادقة على صفقة طائرات اف 35.

من ناحية امريكا ينبع الخلاف من رفض تركيا اطلاق سراح القس اندرو برينسون المعتقل منذ سنتين تقريبا بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب وفي دعم منظمة ارهابية. تركيا نقلته الى الاقامة الجبرية، ولكن المحكمة رفضت في هذا الاسبوع طلب اطلاق سراحه. اتفاقية الشراء التي وقعت عليها تركيا مع روسيا لشراء انظمة صواريخ ارض – جو من طراز اس 400 تثير عاصفة في واشنطن، وكذلك ايضا في الدول الاعضاء في الناتو التي تخشى من دخول انظمة سلاح روسية لا تستطيع أن تتوافق مع النظام العسكري للناتو. اعلان تركيا أنها لن تتعاون مع العقوبات على ايران اضاف هو ايضا نصيبه في تدهور العلاقة مع البيت الابيض، والتحالف التركي مع روسيا وايران في مسألة حل الازمة السورية ابعد واشنطن اكثر عن التدخل في الخطوات السياسية في الشرق الاوسط.

هذه خلافات زادت وتراكمت، في الاساس في السنتين الاخيرتين، وليس قليلا بسبب فشل الرئيس ترامب والرئيس اردوغان في حل كل خلاف على حدة بطريقة دبلوماسية، حتى تحولت الى امر معقد، كل شيء مرتبط بكل شيء، وغارقة في مرقة مسمومة من “الأنا” والثقة بالنفس، التي تصعب اكثر على تحسين العلاقات. اردوغان يجد صعوبة في الفصل بين العلاقة الشخصية والسياسة عندما تساءل لماذا حليفة وصديقة مثل الولايات المتحدة غير مستعدة لأن تسلمها غولن، في حين أنها تطلب اطلاق سراح برونسون. حسب رأيه امور كهذه يمكن بل ويجب تسويتها في محادثات هاتفية بين اصدقاء. في المقابل، عندما تلوح الولايات المتحدة باستقلالية الجهاز القضائي فيها كذريعة لرفضها تسليم غولن فلماذا تعتقد أن الجهاز القضائي في تركيا أقل قداسة من الجهاز القضائي الامريكي؟ من هنا ايضا ادعاء اردوغان تجاه التعامل الامريكي الذي لا يرى بمنفذي الانقلاب ضده، ارهابيين ولم تسارع لادانتهم.

اذا كانت الولايات المتحدة ترغب في الديمقراطية فانها لا تستطيع الموافقة على أن من سعى الى تقويض النظام الذي انتخب بصورة ديمقراطية سيواصل المكوث خارج السجن. قال اردوغان. هذا ادعاء ساذج حيث ان تسريح 150 الف من موظفي الدولة واعتقال عشرات آلاف الموظفين والضباط والمعلمين والقضاة والصحفيين والاكاديميين ليس في الحقيقة نضال ضد من قاموا بالانقلاب، بل هو حملة صيد وملاحقة لمنتقديه. ولكن اردوغان لا يقبل هذا التشخيص، واكثر من ذلك هو يأمل من اصدقاء مثل ترامب والمستشارة الالمانية ميركل، تبني موقفه، وعندما يقومون بانتقاده على المس الشديد بحقوق الانسان هم يتحولون الى اعداء شخصيين له وبالتالي اعداء لتركيا.

يستطيعون الموافقة ايضا

اردوغان لا يوافق ايضا على سياسة الولايات المتحدة التي حولت الاكراد السوريين الى حلفاء لها. وكذلك الامر في هذا الموضوع يربط اردوغان بين الشخصي والسياسي. تركيا اقترحت على الولايات المتحدة أن ترسل قوات عسكرية تركية لمحاربة داعش وحتى ان تضع هذه القوات تحت قيادة امريكية. الولايات المتحدة رفضت ذلك وبحق هذا العرض خوفا من استغلال تركيا القتال ضد داعش من اجل السيطرة على مناطق كردية. أن تواصل التعاون العسكري مع الاكراد ونية الولايات المتحدة انشاء قوة كردية مستقلة اعتبر بالنسبة لاردوغان كعملية موجهة ليس فقط ضد الامن القومي لتركيا، بل اهانة شخصية له. النتيجة هي غزو تركيا لمحافظة عفرين واحتلالها. وعلى الطريق تم تهجير عشرات آلاف السكان الاكراد من اماكن سكنهم. الولايات المتحدة ثارت وغضبت، لكنها لم تفعل أي شيء. فهي مثلا روسيا سمحت لتركيا بالسيطرة على الاقليم والولايات المتحدة توصلت الى اتفاق تعاون حول الاشراف والسيطرة على مدينة منبج التي منها وبضغط من تركيا خرجت قوات المليشيات الكردية التي احتلتها. هذه الخطوة بدون أي صلة مع فهمه ونجاحه يمكن أن تدل على أنه في الشؤون الاستراتيجية تستطيع تركيا والولايات المتحدة التوصل الى اتفاقات طالما أن كل واحدة تدرك وتعترف بمصالح الاخرى. انهما تعرفان أنهما على جانب المتراس، حيث أن احد الرئيسان يرى في استراتيجية الآخر نية خبيثة موجهة بصورة شخصية ضد الآخر. النتيجة هي أنه بدل الحديث عن المصالح المشتركة بينها فان الخطاب الدبلوماسي والاعلامي تحول الى شخصي، ترامب امام اردوغان.  هذا خطاب مضلل يمنح الرئيسين مكانة مشابهة رغم الفوارق الكبيرة بين قوة الدول التي يديرانها. مقارنة كهذه تزيد اكثر حدة الازمة بين الدولتين. ولا سيما من ناحية اردةغان. واذا حكمنا حسب البلاغة التي يستخدمها في الاسابيع الاخيرة  وبصورة اكثر منذ ان فرض الرئيس ترامب العقوبات على وزير العدل ووزير الداخلية في تركيا وضاعف نسبة الجمارك التي تفرض على الحديد والالمنيوم المصدر من تركيا للولايات المتحدة يبدو انه لا يوجد لتركيا عدو اكثر خطرا من الولايات المتحدة.

“الولايات المتحدة تفضل قس على عضويتها في الناتو”، هكذا اتهم اردوغان في خطاب القاه يوم السبت الماضي، “نحن سنبحث عن اصدقاء جدد”، هدد بعد فرض العقوبات الامريكية. الولايات المتحدة تدير حرب اقتصادية ضد كل العالم، وهدف العقوبات هو ان تجعلنا نستسلم في كل المجالات، الاقتصادية والسياسية”، قال في هذا الاسبوع.

ان تأطير الولايات المتحدة كمسؤولة عن الازمة الاقتصادية في تركيا يخدم اردوغان جيدا، حيث انه يخفي مسؤوليته عن السياسة الاقتصادية الفاشلة التي خلقت الازمة، ومثلما في كل رحب فقد حول الازمة الاقتصادية الى تهديد قومي تم خلقه على ايدي اعداء الدولة ويلزم مواطنيها المخلصين بالوقوف الى جانب الرئيس. الرد التركي هو حظر على السلع الامريكية الالكترونية باستثناء الهواتف المحمولة، ومضاعفة الجمارك على السيارات الامريكية والكحول ومواد التجميل. اردوغان لن يسمح لترامب باهانته دون رد مناسب حتى لو احتاج الامر الى اطلاق النار على قدمه هو نفسه. في نفس الوقت هو يحشر ترامب في زاوية يكون عليه فيها الرد على ما يعتبر “وقاحة تركية”. وعندما يتعلق الامر بترامب يصعب حتى تخمين أين تسير سياسته تجاه تركيا. في شهر تموز عندما التقى زعماء دول الناتو في لندن غضب ترامب على عدم استجابة دول اوروبا للاستثمار اكثر في الامن. عندها توجه الى اردوغان وقال: “باستثناء اردوغان. فانه يفعل امور في الطريق الصحيحة”. عندما تكون اقواله مرفقة بقبضات ودية على صدر الرئيس التركي. بعد شهر هذه القبضات تحولت الى لكمات على المؤخرة. كما يبدو هذا ما يحدث بين الاصدقاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى