ترجمات عبرية

تسفي برئيل / بعد الانتصار اردوغان بدأ في بناء تركيا على هيئته وصورته

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل  – 25/6/2018

بعد فرز اكثر من 98 في المئة من اصوات الناخبين اعلنت لجنة الانتخابات في تركيا عن فوز رجب طيب اردوغان في الانتخابات. يمكن أن نقرر بدرجة كبيرة من الثقة أنه سيكون الرئيس القادم لتركيا حتى العام 2022 بدون ان يضطر الى التنافس في جولة ثانية. اذا حكمنا حسب توزيع الاصوات فان اردوغان حافظ على قواعد قوته، لكن تركيا تواصل أن تكون منقسمة تقريبا بصورة متساوية بين مؤيديه ومعارضيه.

اذا لم تكن هناك تطورات استثنائية مثل التماسات بشأن تزوير كبير بحيث تنتقل الى بحثها في المحكمة، أو تلزم باعادة الانتخابات في جزء من المقاطعات، فان تركيا ستتحول الى دولة مستبدة تحت حكم رئيس لا يعترف بقيود القوة السياسية. صلاحياته حسب تعديلات الدستور التي صودق عليها في استفتاء عام في 2017 والتي يمكنه تطبيقها من الآن يمكن أن تمنحه قوة غير مسبوقة مثل تعيين الحكومة (منصب رئيس الحكومة سيلغى)، حل البرلمان تقريبا بدون قيود والتدخل في سياسة البنك المركزي.

اضافة الى ذلك يمكنه اختيار اعضاء برلمان من حزبه، حيث انه للمرة الاولى يستطيع الرئيس أن يكون عضو في حزب وايضا رئيس الحزب، وهي وظيفة تمنحه صلاحيات غير محدودة لادارة كتلته البرلمانية. اردوغان يحظى بحصانة مطلقة تقريبا من التقديم للمحاكمة، وحسب الدستور المعدل فان اجراءات تنحيته لأي سبب ستكون غير ممكنة تقريبا.

إن ما يأمله خصومه أنه على الاقل في البرلمان يستطيعون تحدي الحزب الحاكم. هذا الامل من شأنه ايضا التبدد على ضوء المعطيات التي تبينت أمس. حسب المعطيات فان حزب العدالة والتنمية ضعف بنحو 5 في المئة مقارنة مع الانتخابات في حزيران 2015 (44 في المئة مقابل 49.5 في المئة). ولكن ما زال من السابق لاوانه استنتاج عدد مقاعده. حسب طريقة توزيع المقاعد المعقدة، فان الاصوات الفائضة التي ستتراكم من الاحزاب التي لم تجتز نسبة الحسم، 10 في المئة، سيكون لها وزن كبير في عدد المقاعد التي سيحظى بها الحزب الحاكم.

هذا الحزب يمكن أن يحظى باغلبية المقاعد حتى لو لم يحظ باغلبية 50 في المئة من اصوات الناخبين. في انتخابات 2015 مثلا حصل على 317 مقعدا من اصل 550 مقعد رغم أنه حصل على أقل من نصف الاصوات. هذه النتيجة ستمكن اردوغان من تشكيل حكومة جديدة بدون ان يحتاج الى شركاء.

ولكن ايضا اذا لم يحصل حزبه على اغلبية في البرلمان فهو يستطيع ادارة البرلمان مثلما يريد لأنه قبل الانتخابات تحالف مع الحزب الوطني برئاسة دولت بهتشيلي، الذي يتوقع أن يحصل على 11 في المئة تقريبا. الحزبان معا خلقا كتلة من 56 في المئة التي من شأنها اعطاء عدد مقاعد اكبر بكثير من نسبتهما في اصوات الناخبين.

ايضا الحزب الجمهوري، حزب المعارضة الكبير، ضعف في هذه الانتخابات حيث أن المعطيات تشير الى انخفاض بمعدل 3 في المئة مقابل انتخابات 2015. ولكن الانجاز الكبير له يكمن في الدعم الذي حصل عليه مرشحه للرئاسة مهرام انجي الذي حصل على اكثر من 30 في المئة. هذا انتصار شخصي هام يضع انجي كمنافس له وزن في الانتخابات القادمة في 2022. التأييد الذي حظي به خلال فترة زمنية قصيرة من شأنه أن يشير الى أن الجمهور لم يعد أسير الرأي السائد الذي يقول إنه ليس لاردوغان مناسب معقول. اذا نجح انجي في اعادة تحسين صورة الحزب الجمهوري واقناع الجمهور وخاصة الشباب بأن هذا ليس حزب نخبة قديمة واذا ضم قوى جديدة وربما وحد الصفوف مع احزاب صغيرة اخرى مجرد تنافسها قلل من الدعم الذي حصل عليه حزبه، ومن شأنه حتى احتلال البرلمان الذي سينتخب بعد اربع سنوات.

لقد كانت اسباب جيدة لاردوغان لتقديم الانتخابات، والاكثر الحاحا فيها هي رغبته في مفاجأة خصومه وعدم السماح لهم بمزيد من الوقت للاستعداد للتنافس على الرئاسة والبرلمان. وهو قدر ايضا أن الأزمة الاقتصادية يمكن أن تمس بقوته اذا لم يسارع الى أن ينتخب ثانية. اضافة الى ذلك، اردوغان اراد استغلال دعم الجمهور لتدخل تركيا في سوريا، رغم الانتقاد ضد غزو سوريا الذي سمع من عدد من السياسيين بما في ذلك من حزبه. هذه الاعتبارات يتبين حاليا أنها صحيحة على الاقل بالنسبة للانتخابات الحالية.

في نفس الوقت التسرع في اجراء الانتخابات ولد عدد من القوى السياسية التي يمكنها الاشارة الى منعطف جديد. احداها حزب “الصالح” برئاسة ميرال اكشنر، التي انسحبت من الحزب الوطني حليف اردوغان. اكشنر تسعى الى طرد اربعة ملايين لاجيء سوري من تركيا لكنها تعارض طريقة النظام – الاستبدادي التي يتبعها اردوغان. اكشنر التي كانت مرشحة للرئاسة وحصلت على 7.5 في المئة فقط من الاصوات وافقت على دعم انجي خصمها، لو أنه تنافس في الجولة الثانية امام اردوغان. حلف كهذا يمكنه ايضا أن يشير الى أن التقليد السياسي للخصومة غير المتهاونة التي ميزت الاحزاب في تركيا قبل ظهور حزب العدالة والتنمية من شأنه أن يتغير. وهذا سيعطي احتمال آخر للنضال ضد تفرد الحزب، الذي حول تركيا الى دولة حزب واحد.

ليس اقل اهمية الحزب المؤيد للاكراد “الشعب الديمقراطي” برئاسة صلاح الدين دمرتاش. رغم حقيقة أنه ادار المنافسة على الرئاسة من السجن، إلا أنه حظي بـ 7.7 في المئة من الاصوات، وحزبه اجتاز نسبة الحسم خلافا لرغبة اردوغان، الذي حارب الحزب وقيادته بشدة. هذا الحزب حظي في الانتخابات السابقة ليس فقط بتأييد في اوساط الاقلية الكردية، بل ايضا في اوساط الليبراليين والشباب وعلمانيين اتراك. في الحملة الانتخابية الحالية حرص انجي حتى على زيارة دمرتاش في السجن من اجل اظهار الرغبة في توحيد القوى مع الاكراد. في الدولة التي نجح فيها الرئيس في تاطير الاكراد كتجمع سكاني ارهابي وتعريف كل من يقف الى جانبهم بأنه خائن فان هذه خطوة شجاعة من زعيم معارضة مستعد لمواجهة الرئيس في موضوع يمكن أن يضره سياسيا.

اذا بقيت نتائج الانتخابات النهائية كما هي فيمكننا التوقع ليس فقط احتفال تظاهري بادر اليه الحزب الحاكم والرئيس الذين ارادوا اثبات قوتهم والتدليل على جودة الديمقراطية في تركيا، بل ايضا سلسلة جديدة من مطاردة الخصوم السياسيين وجولة اخرى من تصفية الحسابات. اردوغان الذي لا يعتبر التساهل والتحمل من صفاته البارزة بدأ الآن ببناء الجمهورية التركية الجديدة على هيئته وصورته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى