تسفي برئيل / الرواية السعودية عن موت الصحافي – تدخل ترامب في شرك
هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 21/10/2018
هل تم العثور على رواية الكذب المنقذة، التي ستنقذ محمد بن سلمان من تهمة قتل جمال خاشقجي؟ هل القصة الجديدة التي بحسبها الصحافي السعودي مات اثناء مشاجرة مع احد العاملين في القنصلية في اسطنبول ستنقذ صفقة الـ 110 مليارات دولار التي تمثل بؤبؤ عين ترامب؟ الرئيس الامريكي سارع الى التصريح بأن “التفسير السعودي موثوق”، يمكن أن من بنفسه يصوغ اكاذيب في كل يوم يعرف ما هو الكذب الموثوق وما هو الكذب غير الموثوق. ولكن من يختار تصديق الرواية السعودية يجب أن يسأل بضعة اسئلة مقلقة.
السؤال الاول هو أين الجثة أو اجزائها. اذا كان الخاشقجي قد مات في مشاجرة فلماذا كان يجب تقطيع الجثة؟ ماذا فعل الـ 15 رجل أمن سعودي في القنصلية؟ لماذا كذب إبن سلمان وقال إنه لا يعرف عن قتل الصحافي، ولماذا اعلنت السعودية أن الخاشقجي غادر القنصلية بعد وقت قصير من دخوله اليها، لذلك لم يكن بالامكان العثور عليه؟ حتى لو كان بالامكان ايجاد تفسير “موثوق” للتناقضات في التصريحات السعودية، فقد جاءت اقالة نائب رئيس المخابرات الجنرال احمد العسيري وكبير مستشاري إبن سلمان سعود القحطاني وسحبت البساط من تحت الرواية الرسمية. حيث أنه لو عرف هؤلاء عن القتل، وربما أمروا بتنفيذه، لما كان بالامكان أن رئيس المخابرات خالد الحميدان لم يعرف بذلك، واذا كان الحميدان الذي نجا في هذه الاثناء – قد عرف – فلا شك أن إبن سلمان كان يعرف.
من الافضل التعامل بشك ايضا مع الاقالات، وبالتأكيد مع أمر الملك سلمان بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة إبن سلمان، الذي القيت عليه ايضا مسؤولية “اعادة التنظيم” في جهاز المخابرات السعودية. المعزولان اللذان عينا من قبل إبن سلمان والمحسوبان على الدائرة الضيقة من مساعدين سيحصلان بطبيعة الحال على وظائف كبيرة جديدة، لأنهما يملكان معلومات كبيرة عن سلوك ولي العهد وعن فشله في ادارة السياسة العسكرية والاقتصادية للدولة.
العسيري، في وظيفته السابقة كمتحدث بلسان القوات العسكرية السعودية العاملة في اليمن، وقف على رأس الجبهة الاعلامية التي عملت من اجل تبرير الحرب، وتنقية السعودية من المس بآلاف المواطنين اليمنيين وعرض الحرب كمصلحة دولية وليس فقط سعودية. القحطاني الذي ادار سياسة الاعلام للمملكة من وراء الكواليس، شغل الشبكات الاجتماعية وشكل بواسطتها الصورة الايجابية لابن سلمان في وسائل الاعلام العربية والغربية. المس بمكانتهما أو تقديمهما للمحاكمة من شأنه أن يفتح حرب داخلية في قمة القيادة السعودية، وحتى أن يؤدي الى مواجهات بين القيادة العسكرية والعائلة المالكة، اذا بدا إبن سلمان وكأنه لا يعطي الدعم المطلوب للقيادة العليا ويحولها الى كبش فداء.
ولكن التهديد الاخطر الذي يحلق الآن في سماء الرواية السعودية ووثيقة التحليل الامريكية موجود في مكاتب الاستخبارات التركية في أنقرة. أدوات التنصت التركية والكاميرات الحساسة جلبت معظم التفاصيل الصادمة عن الطريقة التي قتل بها خاشقجي. السلطات التركية توضح بأن السعودية تتعاون مع المحققين المحليين الذين يشركون الاستخبارات الامريكية في استنتاجاتهم، ولكن لا يمكن معرفة ما لم ينشر بعد.
تركيا التي تحولت من خصم الى عدو للسعودية في اعقاب القضية، والتي توجد في مركز الانتقاد الاعلامي من جانبها ومن جانب حليفتها، لا تقبل التفسير السعودي عن موت الخاشقجي. نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، عمر تشيلك، صرح في يوم السبت بأن “تركيا تنوي الاستمرار في التحقيق الى أن تكشف كل المتورطين في القضية. هذه الاشارة الثقيلة تدل على أن تركيا، استنادا الى المعلومات التي ستجمعها، هي التي من شأنها أن تقرر طابع نظام العلاقات بين واشنطن والرياض. اذا وجد في أيديها تسجيل يدل على أن القتلة اتصلوا بولي العهد السعودي بعد تنفيذ “المهمة” أو أنهم حصلوا من محمد بن سلمان على مكالمة هاتفية اثناء وجودهم في تركيا، فسيضطر ترامب الى أن يفحص من جديد اذا كان عليه أن لا يلغي تماما، دعمه للرواية السعودية الجديدة”.
السؤال هو هل وكيف تريد تركيا الاستفادة من قضية الخاشقجي، الآخذة في التطور من قصة مافيا عن عصابة الاستخبارات السعودية الى قضية دولية تقتضي من دول الغرب أن توجه بحذر سياستها مع السعودية – بين ضغط الجمهور ووسائل الاعلام ليتم التحقيق بشفافية في عملية القتل وبين الحفاظ على المصالح السياسية والاقتصادية لها. نظريا، تركيا تستطيع أن تطالب بضريبة سياسية، مثلا رفع العقوبات السعودية عن قطر مقابل تجميد التحقيق، أو قبول الرواية السعودية. هذا ثمن ثقيل على الحمل، والذي من المشكوك فيه أن يوافق إبن سلمان على دفعه، لكن اذا انضم الى هذه المطالبة ضغط ووساطة امريكية فمن شأن هذه الخطوة أن تخدم مصالح الطرفين. إلا أن تركيا ليست صاحبة البيت الوحيدة في القضية. هنا ربما سيحدث خلاف بين دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، وفي الخلفية سيثور ايضا انتقاد وسائل اعلام عربية كثيرة لـ “محور الشر” التركي – الايراني – القطري، الذي يتهمونه بحياكة مؤامرة ضد زعيمة العالم الاسلامي، السعودية.
هذه ليست المرة الاولى التي يضع فيها قتل الخاشقجي حليف السعودية أمام معضلة تربيع الدائرة. في هذه اللحظة فقط ترامب مستعد لاخراج الكستناء الساخنة من النار، وسيكون لقراره بالتأكيد تأثير حاسم على مواصلة اجراء التحقيق والرد تجاه السعودية. الامر المهم هو أن أي زعيم، بمن في ذلك الرئيس التركي، لا يتحدث عن فرض عقوبات على السعودية تشبه العقوبات التي فرضت على روسيا بسبب تسميم العملاء أو تصفية صحافيين معارضين للنظام.
الفرق ربما يكمن في أن دول الغرب ما زالت تتعامل مع تصفية صحافيين على أيدي نظام عربي كظاهرة مثيرة للغضب، ولكن ليست امر غير مقبول، كذلك فان القتل نفذ على اراضي دولة اسلامية التي هي بنفسها تتعامل مع الصحافيين مثلما تتعامل مع المجرمين منذ الولادة. روسيا في المقابل تعتبر جزء من العالم “الثقافي”، ونفذت تصفياتها في قلب اوروبا. بالمقابل، السعودية تعتبر دولة مؤيدة للغرب، لكونها عضوة شرف في الحلف المناهض لايران. بناء على ذلك، رغم أنها بعيدة عن قيم الغرب، إلا أنها تحظى بتخفيض الاعضاء مقابل روسيا أو الصين، اللتان تقفان في جبهة المقاومة للغرب.