تسفي برئيل – الانسحاب من سوريا يثبت للعالم أن الولايات المتحدة هي حليفة محدودة الضمان
هآرتس – مقال – 20/12/2018
بقلم: تسفي برئيل
اعلان البيت الابيض عن نية الرئيس ترامب عن سحب كل القوات الامريكية من سوريا لا يجب أن يفاجيء ولو لسبب واحد: ترامب اعتاد على تغيير سياسته مثلما يغير جواربه. ولم يكن هناك أي سبب للتفكير أن هذا سيكون مختلفا بالنسبة لسوريا.
صحيح أنه في شهر نيسان الماضي اعلن الرئيس عن نيته سحب القوات الامريكية التي تعد 2000 مقاتل ومشرف، لكن منذ ذلك الحين غير رأيه ووجد نفسه في خلاف شديد مع البنتاغون ووزارة الخارجية. فقط قبل ثلاثة اسابيع قال المبعوث الامريكي الخاص لسوريا، جيمس جفري، إن خروج القوات الامريكية مشروط باتفاق سياسي مقبول في سوريا وتأسيس نظام مستقر في الدولة، أي أن الانتصار على داعش الذي كان حتى ذلك الحين هو المبرر الاساسي للتدخل الامريكي، اخلى مكانه لمبرر جديد: نظام متفق عليه.
ولكن ايضا في هذا المجال لا يوجد للولايات المتحدة أي اسهام، حيث أن ادارة العملية السياسية توجد بشكل حصري في أيدي روسيا التي انضمت اليها تركيا وايران. ان اشتراط الانسحاب الامريكي بالحل السياسي ليس فقط لم يعجب موسكو وحلفائها بل جعل واشنطن تجد نفسها في موقف تكون فيه معتمدة على قدرة بوتين في تحقيق الحل، وحتى أنها اثقلت على تقدم هذه الخطوات. ولأنه طالما أن القوات الكردية تعتقد أنها تستطيع التمتع بالمظلة الامريكية ضد تركيا – بحيث تمكنها من مواصلة السيطرة على المناطق التي سيطرت عليها وطرح شروط سياسية لانسحابها – فان روسيا ستواجه صعوبة في تشكيل تحالف موحد من المتمردين الذين سيوافقون على خطتها للحل.
اذا تمسك ترامب بنيته للانسحاب، ولم يخشى من الضغط الذي يستخدمه عليه وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع جيمس ماتيس، أو سيستيقظ مع احد الاخطاء الجديدة، فان تفسير ذلك سيكون تغيير حقيقي على الارض. الولايات المتحدة ستخلي قاعدة الطنف على حدود سوريا – العراق، التي كان يتوقع أن تعطي الانذار لدخول قوات الدفاع الشعبي الشيعية من العراق نحو سوريا؛ كما أنها ستخلي ايضا القواعد في شمال سوريا والتي تم استخدامها كنقطة انطلاق لهجمات ضد داعش؛ وستتنازل عن فكرة اقامة نقاط مراقبة على طول الحدود مع تركيا والتي استهدفت الدفاع عن الاكراد، وستبقي مدينة منبج التي تقع تحت سيطرة الاكراد فارغة للاحتلال التركي وهكذا ايضا كل الجيوب الكردية التي تقع شرقي نهر الفرات.
صحيح أن حجم القوات الامريكية في سوريا لم يكن بالدرجة التي يمكنها ادارة معارك تكتيكية هامة، إلا أن مجرد وجودها شكل فضاء للسيطرة والردع للقوات الروسية والتركية والسورية والايرانية. مثلا، عندما حذرت من أن كل جندي امريكي سيجر رد شديد، فقد صدت الولايات المتحدة توسع الغزو التركي شرقي مدينة عفرين. بالنسبة لتركيا الخشية من التصادم مع القوات الامريكية جعلتها توقع مع صك الاسنان على اتفاق للتعاون مع امريكا للاشراف المشترك على مدينة منبج التي تحولت الى بؤرة احتكاك سياسية بين الدولتين. الآن لم يعد العائق الامريكي يقف امام تركيا، وسيكون على الاكراد التقرير هل سيديرون حرب طويلة المدى وربما ليس لها أمل مع تركيا أو البحث عن ملجأ في موسكو دون أن يستطيعوا وضع شروط لمستقبلهم في سوريا.
الاكراد هم بلا شك اكبر الخاسرين من القرار الامريكي، وهذه لن تكون المرة الاولى في تاريخ الاكراد التي تبين فيها أن امريكا هي حليفة غير موثوقة. ولكن ايضا في واشنطن من شأنهم أن يخسروا. وزارة الخارجية تخشى وبحق من ان الانسحاب من سوريا سيقدم دليل آخر لحلفاء الولايات المتحدة بأنه لا يوجد من يعتمدون عليه في البيت الابيض، وأن وعود الرئيس ترامب لا تساوي الفضاء الافتراضي الذي تحتله تغريداته في تويتر.
ولكن التعهد الامريكي لحلفاء امريكا مع كلاهميته، هو في هذه الاثناء هامشي بالنسبة للموضوع المركزي المتعلق بتشكيلة القوات الاجنبية المتورطة في سوريا، وبالاساس القوات الايرانية. احد المبررات التي طرحتها امريكا لمواصلة تواجدها في سوريا استند الى المعاهدة التي تقول إنه طالما تعمل هناك قوات اجنبية فستواصل القوات الامريكية مهمتها ايضا. روسيا وايران قالتا في المقابل إن تدخل قواتهما هو مشروع، حيث أنه تم استدعائهما من قبل سوريا امام امريكا وتركيا اللتان قامتا بغزو الدولة. الولايات المتحدة تجاهلت هذا الادعاء وادعت أن اخراج القوات الايرانية لن يتم بالقوة العسكرية بل من خلال الدبلوماسية. لقد كان واضحا أن الوجود الايراني يمنح الولايات المتحدة مبررا لنشاطاتها في سوريا.
إن انسحاب القوات الامريكية سيعرض الآن كهزيمة امريكية من قبل ايران وسوريا، وهو عرض ستكون له تأثيرات على مكانة ونفوذ الولايات المتحدة في دول المنطقة مثل العراق ولبنان واليمن وحتى السعودية – التي يمكن أن ترى في الانسحاب الامريكي ضربة للمعركة المشتركة ضد ايران.
بالنسبة لاسرائيل، لم يكن للوجود الامريكي وزن خاص في المعركة التي تديرها ضد ايران في سوريا، لكن كانت لها اهمية كبيرة في وضع قواعد اللعب امام روسيا، في تحديد المناطق قليلة التصعيد في جنوب سوريا وفي ابعاد القوات الايرانية عن الحدود في هضبة الجولان. في كل هذه الامور كانت واشنطن مشاركة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة بواسطة الدعم الذي اعطته لاسرائيل في النقاشات متعددة الجوانب، وبمجرد الوجود العسكري في سوريا الذي منحها مكانة الشريك الفعلي. اضافة الى ذلك، طالما انه توجد قواعد امريكية في سوريا فهي ستسمح بـ “مرونة” عسكرية، التي تعني زيادة القوات الامريكية في الدولة لاغراض تدخل محلي اوسع دون اعتبار هذا الامر تحطيم لقواعد اللعب أو كسابقة.
انسحاب القوات يعني ان كل انزال جديد لقوات امريكية في سوريا سيكون من الآن فصاعدا اجراء سياسي معقد وطويل امام الكونغرس الامريكي، وبالاساس خطوة يمكن أن تفسر كاعلان حرب. ترامب يمكنه الآن التفاخر بأنه يفي بوعوده ويعيد الجنود الى الوطن، لكنه في نفس الوقت يفصل الولايات المتحدة عن ساحة اخرى كان يمكن فيها أن يكون لها تأثير كبير.