ترجمات عبرية

تسفي برئيل / اردوغان أراد امبراطورية لكنه سيكتفي بدولة

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 29/6/2018

فندق “شيراتون” في الدوحة عاصمة قطر اضيء يوم الاحد بالوان العلم التركي. حاكم قطر تميم بن حمد آل ثاني كان بين الاوائل الذين هنأوا رجب طيب اردوغان على فوزه بالرئاسة وعلى فوز حزبه. صداقة عميقة تسود بين اردوغان والشيخ تميم. تركيا كانت الدولة الاولى التي عرضت خدماتها على قطر عندما قررت السعودية والبحرين واتحاد الامارات قبل سنة فرض مقاطعة اقتصادية شديدة على قطر. تركيا التي ادانت بشدة المقاطعة سارعت الى توفير البضائع لقطر وعززت القوة العسكرية التركية الموجودة في قطر كرسالة لدول الخليج كي لا يتجرأوا على تحويل المقاطعة الاقتصادية الى مواجهة عسكرية. كما أنها ضغطت على واشنطن للتوسط بين قطر والسعودية ودولة الامارات. المكسب الاقتصادي الذي حصلت عليه تركيا من علاقتها مع قطر ليس كبيرا، نسبيا لدولة اقتصادها يقدر بـ 900 مليار دولار تقريبا، لكن تعزيز المحور السياسي مع قطر حليفة ايران هو مكون اساسي في جهود اردوغان لبناء مكانة تركيا كدولة عظمى لها تأثير في الشرق الاوسط.

استراتيجية الدولة العظمى التركية التي تستهدف أن تحدد أو على الاقل المشاركة في تحديد النظام الجديد في الشرق الاوسط لم تولد مع انتخاب اردوغان للرئاسة. العلاقة مع قطر يجب أن نراها كجزء من العلاقات التي تسعى لها تركيا منذ ما يقرب من ثماني سنوات، منذ بدأت الحرب في سوريا. اذا كانت تركيا قد تبنت قبل الحرب فلسفة “صفر مشكلات مع الجيران” كخطة استراتيجية، كان يجب تحويلها الى جسر بين الشرق والغرب، بين اوروبا والولايات المتحدة والشرق الاوسط، وبناؤها كدولة محور قادرة على القيام بعمليات في المنطقة منذ الحرب، فقد تعلمت حدودها الصعبة لهذه الاستراتيجية. إن فصل العلاقة الشخصية لاردوغان مع بشار الاسد وتبني سياسة مناوئة لسوريا اساسها اقصاء الاسد عن الحكم، في اعقاب المذبحة التي نفذها ضد الشعب السوري، دللت على الانقلاب في مقاربة اردوغان. هذه الخطوة وضعت تركيا في جبهة امام ايران، ولكن الصدع الذي كان متوقعا بين الدولتين تم منعه بالاساس بسبب المصالح الاقتصادية المشتركة بينهما. ايران التي كانت لا تزال تحت نظام عقوبات شديدة كانت بحاجة الى حليفة مثل تركيا التي طوال فترة تجاوزت العقوبات. واشترت النفط من ايران ودفعت لها ذهب مقابل ذلك عبر اتحاد الامارات.

توجد للدولتين مصالح مشتركة كثيرة منذ سنوات لكبح طموح الاكراد لانشاء دولة مستقلة، وعلى الطريق أن يحاربوا معا ضد نشطاء حزب العمال الكردستاني.

ولكن العلاقة مع ايران وضعت اردوغان امام معضلة معقدة. سلمان ملك السعودية الذي انشأ في العام 2015 “التحالف السني” ضد ايران وشن حرب بقيادة نجله في اليمن، جند تركيا لصالح التحالف. هذه الخطوة منحت تركيا للمرة الاولى مكانة شريك في الشرق الاوسط العربي الذي بصورة تقليدية يعتبرها نبتة غريبة في افضل الحالات ودولة معادية في اسوأ الحالات. القاسم المشترك بين الجمهورية التركية العلمانية وبين المملكة الوهابية هو كرههما المشترك للاسد، وجهودهما لازاحته. ولكن تركيا لم توافق على أن تستخدم ككابح ضد ايران. وهي لم تشارك في الحرب في اليمن الى جانب السعودية. وتبين لملك السعودية أن هذه الشراكة تزيد قوة تركيا ولا تساهم بصورة حقيقية في تحقيق مصالحها. وسائل الاعلام السعودية بدأت في “اعادة فحص التحالف مع تركيا” ووصف اردوغان كرئيس مستبد. ومؤخرا سفير اتحاد الامارات قال علنا إن تركيا هي تهديد للمنطقة وأن الامريكيين لا يفهمون خطورة هذا التهديد. ولكن الخوف العربي من تركيا يقوده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي بعد فترة قصيرة من توليه الحكم في تموز 2013 لم يبدأ فقط بملاحقة حركة الاخوان المسلمين، بل فرض ايضا مقاطعة اقتصادية على تركيا التي رفضت الاعتراف بحكمه كحكم شرعي. اردوغان اعتبر السيطرة على الحكم كانقلاب عسكري وطلب اعادة الاخوان المسلمين الذين انتخبوا بصورة ديمقراطية الى القصر الرئاسي. السيسي أمر بالغاء الاتفاقات التجارية مع تركيا ودعا الشعب المصري الى عدم السفر الى تركيا وعدم استخدام شركات الطيران التركية وبدد طموح تركيا لاستخدام مصر كجسر تجاري مع افريقيا.

من فلسفة “صفر مشكلات مع الجيران”، التي خلقها وادارها البروفيسور في العلوم السياسية احمد دابوطالو، الذي كان وزير الخارجية في حكومة اردوغان وبعد ذلك رئيس حكومة عند انتخاب اردوغان رئيسا في 2014، لم يبق أي شيء.

الشرخ مع سوريا ومصر الذي تميز بأنه يميز علاقات تركيا مع دول الخليج المعادية لاسرائيل ومع السلطة الفلسطينية على خلفية دعم تركيا لحماس والاخوان المسلمين، أبعد اذا لم نقل بدد، حلم دولة المحور لاردوغان. من السهل أن ننسب لاردوغان الرغبة الى تجديد ايام الامبراطورية العثمانية وتسميته سلطان. لكن ازاء شبكة العلاقات العكرة مع دول المنطقة، فان درجة التأثير المتناقصة لتركيا في الصراعات الاقليمية، التحالف مع ايران وقطر وروسيا تجعل الدول العربية تزيد سور الصد ضد تركيا. امبراطورية عثمانية جديدة بالتأكيد لم تولد من احلام اردوغان. سلطنة اردوغان يجب عليها الاكتفاء بحدود تركيا.

العميل الامريكي

ليس فقط زعماء ودول في الشرق الاوسط يديرون وجوههم لاردوغان. بينه وبين واشنطن يجري حساب شديد وصل حتى التهديدات المتبادلة. من الاصح ان يتم استبدال مفهوم علاقات بمفهوم معركة من اجل وصف سلوك الدولتين الواحدة تجاه الاخرى. قائمة شكاوى تركيا تبدأ برفض ادارة اوباما وبعدها ادارة ترامب تسليم الواعظ الديني فتح الله غولن الذي يتهمه اردوغان بالتخطيط لعملية الانقلاب الفاشلة في تموز 2016. بعد ذلك انقض اردوغان على الجهاز القضائي وعلى الادارة الامريكية بسبب الحكم الذي ادان نائب مدير عام البنك الحكومي بتجاوز العقوبات على ايران. قرار ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الامريكية اليها أخرجت اردوغان عن طوره.

ولكن لب الصراع لاردوغان ضد ترامب يتعلق بالمساعدة التي قدمتها الادارة الامريكية للاكراد السوريين اثناء الحرب ضد داعش. اردوغان اعتبر هذه العلاقة الوثيقة ليس اقل من مؤامرة لمساعدة الارهاب الكردي ضد تركيا. ادعاء مشابه كان يمكنه اسماعه ضد روسيا التي هي ايضا تعتبر الاكراد حلفاء حيويين في العملية السياسية لحل الازمة السورية. ولكن ضد روسيا يحذر اردوغان كما يحذر من النار بعد المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها روسيا على تركيا في اعقاب اسقاط الطائرة الروسية قبل نحو ثلاث سنوات. المصالحة بين الدولتين اجبرت اردوغان على الانسحاب من معارضته المتشددة لمواصلة حكم بشار الاسد والانضمام الى التحالف الذي انشأه بوتين مع ايران من اجل تثبيت العملية السياسية. واشنطن غير المنفعلة من  سياسة القمع التي يستخدمها اردوغان ضد المثقفين وخصومه السياسيين، والاخلال بحقوق الانسان، غضبت جدا عندما وقعت تركيا على اتفاق لشراء صواريخ ارض – جو من نوع اس400 والآن يجري في تلة الكابتول صراع لمنع صفقة طائرات اف 35 كعقاب على صفقة الصواريخ التي حسب اقوال معارضيها الامريكيين ستضر بقدرة التنسيق الدفاعي للناتو.

نقطة الضوء التي ظهرت في الاسابيع الماضية في العلاقات مع الولايات المتحدة كانت “خريطة الطريق” التي وافقت عليها الدولتان حول السيطرة على مدينة منبج التي كانت تحت سيطرة القوات الكردية. حسب الاتفاق بينهما ستقيم الدولتان دوريات مشتركة في المدينة وفي المحافظة لضمان امن السكان بعد خروج المليشيات الكردية منها. ولكن المدينة ومحافظة عفرين يواصلان كونهما تحت سيطرة تركيا التي فتحت في مدينة الباب التي تقع في المنطقة، فرع لجامعة حران، التي يدرس فيها محاضرون اكراد وسوريون. الاكراد الذين اضطروا الى قبول الاملاء الامريكي لم يصمتوا. فقد بدأوا باجراء مفاوضات مباشرة مع نظام الاسد حول مستقبلهم في الدولة، بدعم من روسيا. النتيجة يمكن أن تكون أن الاقلية الكردية في سوريا وبتعاون مع النظام السوري ستسحب من تركيا ذريعة وجودها في الدولة.

التدخل التركي في سوريا يغضب ايران ايضا التي اعلنت عن رفضها لطلب تركيا التعاون في الحرب ضد حزب العمال في جبل قنديل في العراق. “عملية عسكرية ضد تركيا من دولة اخرى غير مشروعة”، اعلنت ايران وبهذا رمزت ايضا بشكل واضح لتركيا بأن وجودها العسكري في سوريا ايضا غير مقبول عليها.

فوز اردوغان في الانتخابات الرئاسية لا يمكنه مساعدته. بناء على ذلك، بادارة سياسة الخارجية التي ستنقذه من ورطة المصالح التي تكبل يديه وقدميه. الاهمية الدولية لتركيا يستند بصورة مؤقتة على دورها في الحرب في سوريا واعتماد الدول الاوروبية على الاتفاق السياسي الذي يكبح بصورة كبيرة من النجاح تيار السياسيين السوريين الذين يحاولون الهجرة عبر تركيا الى دول الاتحاد.

ولكن اوروبا ايضا يئست من تركيا، وفي لقاء وزراء الاتحاد الاوروبي الذي جرى مؤخرا في بروكسل اوضح الوزراء أن عملية انضمام تركيا للاتحاد مجمدة. تركيا تبتعد عن الاتحاد، واحتمال التغيير في المستقبل القريب ضعيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى