شؤون إسرائيلية

ترجمة خاصة عن مركز دراسات الأمن القومي – تحدي تدمير النفق بين الإبقاء على الردع ومنع التصعيد

ترجمة خاصة عن مركز دراسات الأمن القومي – بقلم كوبي ميخائيل وعومر دوستري – 12/11/2017
في 30 أكتوبر دمر الجيش الإسرائيلي نفقًا هجوميًا للجهاد الإسلامي داخل الأراضي الإسرائيلية من قطاع غزة، هذه العملية هي الأكثر خطورة منذ عملية “الجرف الصامد” صيف 2014، عدد القتلى وأقدميتهم وحقيقة مهاجمة النفق الذي اعتبر من قبل حماس وجهات أخرى في غزة “بنية تحتية استراتيجية” من شأنه ان يشكل ضغطًا للرد من قبل الجهاد الإسلامي والتسبب لمشاكل لحماس في مسألة كبح الرد أم منعه، وبالتالي، وبعد الهجوم هددت هذه الجهات بالرد “في الوقت المناسب والمكان المناسب” رغم اجتياز النفق الحدود إلى أراضي السيادة الإسرائيلية.
رغم وجود مبرر للرد من منظور الجهاد الإسلامي وحماس، فمن المفترض ان قيادة حماس ستفضل استيعاب الحدث ومنع التصعيد. في الخلفية تلاحظ مجهودات حماس لدفع اتفاق المصالحة بينها وبين السلطة الفلسطينية، وهي مهتمة للغاية بمصر التي تقود العملية، القاهرة أوصلت إلى قيادة حماس رسائل قاطعة بشأن اللجم الواجب. عدا عن المخاطرة بجر عملية المصالحة إلى الخلف؛ فإن التصعيد من شأنه ان يدهور الواقع الإنساني الصعب في القطاع، وقد تجد حماس نفسها أمام انتقادات شعبية شديدة وتآكل موقفها في أوساط السكان في قطاع غزة، بالإضافة إلى ذلك فمن الجدير الافتراض بأن الردع الإسرائيلي الذي تأسس منذ عملية “الجرف الصامد” هو دافع آخر للكبح؛ لذلك إذا كان لابدّ من وجود رد فمن الممكن الافتراض بأنه سيكون ردًا محدودًا ومن باب الخروج لأداء الواجب، وسينفذه الجهاد الإسلامي أو فصيل آخر وليس حماس، من باب إرسال رسالة إلى إسرائيل بأنه ليس لدى الحكم في غزة مصلحة في جولة قتال.
من المهم لقيادة حماس استمرار الزخم الإيجابي الذي نتج عن بلورة اتفاق المصالحة مع السلطة الفلسطينية بسبب مزاياها، الشاهد على ذلك كان يمكن إيجاده في أقوال قائد حماس في غزة يحيى السنوار الذي هدد بأنه “سيكسر عنق” من يحاول منع المصالحة؛ لذلك ورغم التوتر في أعقاب تدمير النفق، وبعد يوم من الهجوم سلمت حماس – كما كان مخططًا – المسؤولية عن معبري ايرز وكرم أبو سالم للسلطة الفلسطينية حسب الاتفاق.
الردع الإسرائيلي
حماس ما تزال تمارس عملية ترميم عسكرية (سريعة نسبيًا) ومدنية (أكثر بطئًا) بعد الأضرار التي لحقت بالتنظيم نفسه والبنى التحتية في القطاع خلال عملية “الجرف الصامد”، التأخير في عملية الإعمار المدني جاء بسبب القيود التي فرضتها إسرائيل على إدخال المواد المزدوجة الاستخدام لأسباب أمنية وعدم إدخال أموال التبرعات التي وعدوا بها كاملة، استخدام حماس لجزء من الموارد والأموال التي تدخل لأهداف الإعمار المدني في احتياجات الإعمار العسكري وبناء الأنفاق وعقوبات السلطة الفلسطينية التي لم ترفع بعد بكاملها؛ هذا الواقع أثار انتقادات شديدة ضد حكم حماس في أوساط الشعب في غزة. إضافة إلى الدمار الواسع النطاق المتوقع في قطاع غزة في حال وقوع جولة قتال أخرى مع إسرائيل في حماس يخشون من وقف نقل الأموال من الدول العربية ومن “إطلاق اليد” المتوقع ان تمنحه الولايات المتحدة التي تعتبر حماس مسؤولة عن الاعتداء على إسرائيل في المواجهة القادمة.
يبدو ان هجوم الجيش الإسرائيلي الذي استهدف النفق لم يغير ميزان الاعتبارات هذا، إذ أنه وقبل حدوثه التزمت حماس القيام بضبط النفس. من ناحية اعتبارات الجهاد الإسلامي الذي لا يتحمل مسؤولية سلطوية في غزة تختلف، فالردع الإسرائيلي تجاه الجهاد أضعف بالمقارنة من الردع الساري تجاه حماس، ومن غير الواضح إلى أي حد سيكون ردع حماس مهم تجاهه وكذلك دوافعه للعمل والرد بشكل أكبر. وعليه، لا يُستبعد ان الجهاد الإسلامي – وربما حماس أيضًا – في حال مهاجمة أنفاقها الهجومية سيفضل الرد في الضفة الغربية أو انطلاقًا منها، على افتراض ان الرد الإسرائيلي إذا حدث في مثل هذه الحالة سيكون منضبطًا وضعيفًا تجاه قطاع غزة.
توصيات بانتهاج سياسة
1. العمليات العسكرية العلنية والسرية ضد أنفاق حماس: القدرة الإسرائيلية المثبتة لتعقب الأنفاق وتدميرها تثير منطق تحركات حماس والجهاد الإسلامي على حد سواء، والذي وفقه تعتبر الأنفاق الهجومية أداة استراتيجية وفكرية عليا، وبالطبع وعلى ضوء الفاعلية القليلة للمنظومة الصاروخية بفضل منظومة “القبة الحديدية”. وبناءً على ذلك، واضح ان إسرائيل ستواصل تدمير الأنفاق التي تجتاز الحدود إلى الأراضي الإسرائيلية، بجانب استمرار بناء الحاجز البري. الهجوم الأخير على النفق، والذي ينضم إلى تدمير الأنفاق من قبل الجيش الإسرائيلي في حدود قطاع غزة بعد عملية “الجرف الصامد” فيه رسالة واضحة ورادعة تقول بأن إسرائيل لن تسمح بالمساس بسيادتها وبمواطنيها، وأنها مستعدة للمخاطرة من أجل ذلك حتى بثمن فتح مواجهة عسكرية أكثر اتساعًا.
في ذات الوقت، وبهدف إتمام مشروع الحاجز تحت الأرضي، فإن إسرائيل تحتاج إلى الوقت والاستقرار؛ من هنا فالمصلحة الإسرائيلية بمنع التصعيد الذي سيؤدي في هذه المرحلة إلى مواجهة عسكرية مع حماس، لذلك من الصواب من جهة إسرائيل التفريق بين الأنفاق المجتازة للحدود وبين تلك التي ما تزال لم تجتزها. إذا كان طابع الرد بشأن الأنفاق المجتازة للحدود يجب ان يكون شديدًا وعلنيًا، فإنه وفي كل ما يخص الأنفاق الهجومية التي لم تجتز الحدود إلى ارض إسرائيل سيكون من الصواب استمرار العمل ضدها من خلال استخدام أدوات سرية مختلفة والحفاظ على القدرة على الإنكار بشأن حقيقة استخدامها. تستطيع إسرائيل الامتناع عن ذلك فقط في حال امتلاكها تقنية ثابتة لرصد مسارات الحفر؛ تقنية كهذه تمكن من رصد متواصل وموثوق لحفر الأنفاق وتدميرها لحظة اجتيازها للحدود.
2. في حال الرد بإطلاق الصواريخ من قطاع غزة – سواء قامت به حماس أو أي فصيل آخر – على إسرائيل ان تتمسك بالسياسة القائمة التي تقول بأن المسؤولية عن أي إطلاق او هجوم تقع على عاتق حماس بصفتها حاكمة في قطاع غزة؛ لذلك فإن بناها العسكرية ستكون هدفًا للرد. إسرائيل ستكون بحاجة لمواصلة المناورة بين الحاجة إلى الرد العسكري ضد حماس من أجل تعزيز الردع ومنع “تقطير” إطلاق النار وبين تقلص فرص التصعيد الذي سيقود إلى جولة عسكرية واسعة أخرى.
3. إمكانية التعاون مع حكومة الوفاق الفلسطينية: إذا كان هناك توافق كبير بخصوص سياسة معالجة الأنفاق بشأن ضرورة تدميرها، فإن الأمور بشأن عملية المصالحة أكثر تعقيدًا من ناحية الحكومة الإسرائيلية. حادثة تدمير النفق تشحذ الحاجة إلى تصميم واقع أو بيئة استراتيجية أكثر أريحية، منطق الكفاح المسلح ضد إسرائيل الذي تعتمده حماس – والذي ما يزال ساريًا – يخضع في الوقت الحالي لسعيها للسيطرة على المنظومة السياسية الفلسطينية وبناء الشرعية والتطلع إلى السيطرة على المنظومة الفلسطينية برمتها في المستقبل؛ لذلك حماس ما تزال مصرة على عدم التنازل عن منظومتها العسكرية التي أقامتها.
4. رغم ان فرصة نجاح عملية المصالحة ليست كبيرة، فإن حقيقة وجودها يمكن ان تخدم عددًا من المصالح الإسرائيلية الاستراتيجية، وتسمح بمساحة معينة لتصميم واقع أكثر أريحية لإسرائيل ولسكان قطاع غزة أيضًا. عملية المصالحة تقوي أيضًا السلطة الفلسطينية ومن يترأسها (الرئيس محمود عباس) وتؤسس دعمًا لاستراتيجية الكفاح الدبلوماسي وتدويل السلطة (الامر الذي يستلزم أيضًا ردًا إسرائيليًا) على حساب استراتيجية “الإرهاب”. عليه لن يكون من الصواب من جهة إسرائيل ان تصل إلى واقع تنهار فيه عملية المصالحة أو ان تتوقف بسبب عملياتها العسكرية، من الأفضل من منظور مصلحة إسرائيل الاستراتيجية ان تبقي للفلسطينيين المسؤولية عن وقفها؛ من هنا تأتي أهمية الموازنة المعقدة بين واجب الرد العسكري والإبقاء على الردع وبين رافعة إمكانية تحسين الواقع الاستراتيجي الذي في جوهر عملية المصالحة.
من أجل ذلك، من المهم دفع التعاون مع حكومة التوافق الفلسطينية التي تتمتع بحصانة مصرية، وسيما مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي ستتموضع في المعابر من أجل إيصال المطلوب لإعمار القطاع بكميات كبيرة. في المقابل يجب تكرار تأكيد الطلب من حماس – والمدعوم من قبل الرئيس عباس والضغط الأمريكي والمصري – للاعتراف بشروط الرباعية، كذلك مهم أيضًا ان نشهر أمام المجتمع الدولي، وسيما أمام مصر والولايات المتحدة طلب عباس بخلق “سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد” واستنساخه؛ هذا الطلب معد لممارسة الضغط على حماس لتفكك جناحها العسكري والتنازل عن سلاحها؛ رغم ان فرصة ان تستجيب حماس لذلك هي الفرصة الأكثر ضعفًا.
في ذات الوقت، على إسرائيل ان تستغل الواقع الجديد الذي أوجد في قطاع غزة من أجل توسيع وتأسيس التعاون مع القوى الأمنية المصرية والأجهزة الأمنية الفلسطينية على المعابر ضد محاولات إدخال الوسائل القتالية من سيناء ومن إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية إلى غزة وضمان تدفق منتظم وفاعل لمواد البناء وأدوات الإعمار المدنية الأخرى إلى المنطقة.
اطلس للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى