ترجمة خاصة عن مركز دراسات الأمن القومي – المحافظون والإصلاحيون بعد الإنتخابات الرئاسية
ترجمة خاصة عن مركز دراسات الأمن القومي – بقلم روز تسيمت – 26/10/2017
مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي منذ الانتخابات الرئاسية الإيرانية في مايو 2017 ، والتي تمخض عنها انتخاب الرئيس حسن روحاني مجددًا، يدور في المعسكرين السياسيين الأكبرين في إيران: المحافظ والاصلاحي ونقاش معمق حول مواصلة طريقهم في ظل نتائج الانتخابات. فبينما يتقدم المحافظون في تشريح المعطيات التي أدت إلى هزيمتهم في الانتخابات يدرس الاصلاحيون مجددًا جدوى مواصلة التعاون مع الرئيس والجهات المعتدلة في المعسكر المحافظ.
في أعقاب الانتصار الجارف الذي حققه روحاني والانجازات الكبيرة التي حظي بها المرشحون الاصلاحيون في انتخابات المجالس المحلية التي جرت بموازاة الانتخابات الرئاسية، تُسمع في المعسكر المحافظ دعوات لمراجعة النفس ومحاسبتها. على خلفية الانتقادات الداخلية والمطالبة بالتغيير يمكن التأكيد ان سلسلة الهزائم حلت بالمحافظين في السنوات الاخيرة وعلى رأسها انتصار الرئيس روحاني في انتخابات العام 2013 – 2017 والانجاز الكبير الذي حققه الاصلاحيون في الانتخابات البرلمانية 2016.
الجدل الدائر في الأشهر الأخيرة داخل المعسكر المحافظ يركز على الفجوة الآخذة بالاتساع بين اليمين المحافظ والشعب الإيراني، وسيما جيل الشباب الذي يبتعد عن القيم الدينية والثورية والذي يعتقد أنه لم يعد المحافظون يمتلكون القدرة على ايجاد حلول لمشاكلهم ومطالبهم. أحد المنتقدين البارزين في أوساط المحافظين هو البروفيسور امير موحبيان، وهو محلل سياسي رفيع وصحفي يعتبر اليوم احد الاستراتيجيين الرواد في المعسكر المحافظ. في سلسلة لقاءات مع الاعلام الإيراني أشار موحبيان إلى الحاجة للموائمة بين اليمين المحافظ والتغيرات الاجتماعية التي تسود في العقود الاخيرة في إيران وذلك دون التنازل عن قيمه الدينية.
حسب رأيه ففي أعقاب انتصار الزعيم الاصلاحي محمد خاتمي المفاجئ في انتخابات 1997 الرئاسية، اعتمد المحافظون اسلوبًا شعوبيًا وطردوا من بين صفوفهم رجال دين وسياسيين محافظين تقليديين ومن بينهم الرئيس السابق اكبر هاشمي رفسنجاني والرئيس الحالي روحاني ورئيس المجلس علي لاريجاني الذين يعتبرون العامود الفقري للمعسكر. الحصول على الحكم أصبح هدفًا مركزيًا بالنسبة للمحافظين حتى ولو بثمن التنازل عن قيم فقدان الهوية. المحافظون فضلوا انتظار طريقة الاصلاحيين بدلاً من محاولة تجنيد الدعم الشعبي بما في ذلك اوساط الشباب والطبقة الوسطى على طريقتهم.
موحبيان يضرب مثل تجنيد مغني الراب المعروف امير تاتا لومن قبل المرشح المحافظ في الانتخابات الرئاسية ابراهيم رائسي من اجل تحسين صورته في اوساط الشباب، هذه الخطوة إضافة إلى انها لم تساعد رجل الدين، فقد أثارت السخرية بحقه. انتقاد آخر سُمع أيضًا في الإعلام المحافظ الذي قدم ظاهرة تاتا لو كتعبير عن أزمة الهوية التي يقف امامها المحافظون والنمط الشعوبي الذي تميزوا به موحبيان دعا المحافظين إلى ان يظلوا اوفياء لقيمهم، ولكن أيضًا إلى بلورة استراتيجية جديدة وحلول عملية لمطالب الشعب وسيما الشباب في مجالات الاقتصاد والحرية الشخصية. كما أوصى بالتغييرات البنيوية وعلى رأسها إقامة كونغرس وطني أو مجلس وطني لتعزيز العلاقة مع الجمهور الواسع وان يعملوا إلى ترميم المعسكر المحافظ.
الدعوة إلى اصلاح المعسكر المحافظ انضم اليها أيضًا رئيس بلدية طهران السابق محمد بكر كاليباف والذي انسحب من سباق الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات بأيام معدودة. في أعقاب نتائج الانتخابات للمجالس المحلية والتي أدت إلى انتصار الاصلاحيين الكاسح في بلدية طهران، اضطر كاليباف أن ينسحب من منصبه كرئيس للبلدية.
في نهاية يوليو نشر كاليباف رسالة علنية موجهة إلى الشباب الثوريين في إيران، دعاهم فيها إلى الانتقاد الذاتي وإلى إجراء اصلاحات في المعسكر المحافظ. زعم أن هزيمة المحافظين في الانتخابات نبعت من مشكل بنيوية ومن السلوك الخاطئ الأمر الذي يستلزم تغييرًا اساسيًا واقامة تيار “محافظ جديد” يقوده الشباب. أثارت رسالته بالتالي انتقادات من قبل خصومه السياسيين الذين زعموا أن كل ما يريده هو الحفاظ على مكانته السياسية بعد هزيمته لكنه أيضًا حظي بتأييد الكثيرين من المعسكر المحافظ ممن دعوا إلى اعتماد توصياته بهدف تمكين المحافظين من الفوز مجددًا بثقة الشعب.
في المعسكر الاصلاحي أيضًا تسمع اليوم دعوات إلى دراسة متجددة للأهداف الاستراتيجية. فبينما ظهرت لدى المحافظين الحاجة إلى محاسبة النفس نتيجة هزيمتهم في الانتخابات فإن الحاجة إلى التغيير في أوساط الاصلاحيين أثيرت في ظل خيبة الامل من تصرفات الرئيس روحاني بعد الانتخابات والاعتراف بفشلهم في استغلال الانجازات السياسية من أجل دفع رؤيتهم وسيما فيما يخص تحسين حرية المواطن. عند تشكيله حكومته الجديدة تبين أن الرئيس روحاني الذي فضل الامتناع عن مواجهة المؤسسة الدينية المحافظة اختار ان يتنصل من غالبية مطالب الاصلاحيين وامتنع عن ملء وزارات الحكومة التي تعتبر حساسة بالمرشحين الاصلاحيين ولم يدمج النساء وابناء الاقليات في حكومته.
سلوك الرئيس أثار من جديد مسألة دعم الاصلاحيين للرئيس. عشية تشكيل الحكومة صرّح رئيس حركة الاصلاحيين في المجلس محمد رضى عارف أن هناك من ينسى بعد فوزه في الانتخابات من عملوا من أجله وأن روحاني مدين بفوزه للإصلاحيين. رغم خيبة الأمل من تشكيل الحكومة الجديدة أكد معظم المتحدثين المحسوبين على المعسكر الاصلاحي ان الاصلاحيين ليس امامهم خيار سوى مواصلة دعمهم للرئيس بهدف عدم المخاطرة بتعزيز قوة المتطرفين.
المحلل السياسي الكبير البروفيسور صادق زبياك لام عبّر عن هذا الموقف؛ حيث زعم أنه رغم أن روحاني أقرب في مواقفه من المحافظين منه إلى الاصلاحيين إلا أنه يجب الاستمرار بدعمه والاكتفاء بانتقاد سياسته ذلك ان المسؤولية عن فشله تقع أيضًا على عاتق الاصلاحيين.
إلى جانب الانتقادات المتزايدة الموجهة إلى الرئيس، ظهرت في المعسكر الاصلاحي دعوات إلى دراسة متجددة للاستراتيجية قبيل المعارك الانتخابية القادمة للمجلس 2019 والرئاسية 2021. عدد من السياسيين الاصلاحيين الكبار شككوا بجدوى مواصلة التعاون مع المحافظين المعتدلين بدعوى ان التحالف معهم في الانتخابات الاخيرة للمجلس ادى إلى انتخاب مرشحين ذوي رؤيا محافظة ممن دعمهم الاصلاحيون وغادروا صفوفهم بعد الانتخابات. في الفترة الاخيرة صرح رئيس الحركة الاصلاحية في المجلس عارف انه في الانتخابات القادمة سيذهب الاصلاحيون بشكل مستقل إلى الانتخابات ولن يوافقوا على اقامة تحالف مع سياسيين محافظين.
ليست هذه هي المرة الاولى التي يقوم فيها المعسكران المركزيان في إيران بمحاسبة الذات. في أعقاب انتصارات الاصلاحيين في نهاية التسعينات اخذ ينمو في إيران تيار محافظ جديد. السياسة الإيرانية دخل فيها شباب محافظون من ابناء الجيل الثاني من الثورة معظمهم من خريجي الحرب الإيرانية العراقية ممن ارادوا ان يعيشوا قيم الثورة الاسلامية غير انهم اكدوا في المقابل الحاجة إلى تطوير اقتصادي وإلى اصلاحات اجتماعية واقتصادية.
المحافظون الجدد الذين كان محمود احمدي نجاد أحد البارزين من بينهم سعوا إلى تقديم أنفسهم كبديل حقيقي سواء للجيل القديم من المحافظين الذين اعتبروا غير واقعيين وسيما من قبل جيل الشباب أو بديلاً عن الاصلاحيين الذين اعتبروا بنضالهم في سبيل الاصلاحات السياسية وحقوق المواطن إلى حد كبير تهديدا لقيم الثورة الاساسية. من الجانب الآخر القمع السياسي الذي يمارسه المحافظون وسيطرتهم على المؤسسات السياسية المنتخبة، أثارت في العقد الماضي تفكيرًا متجددًا في أوساط الاصلاحيين أيضًا الذين أبدوا استعدادهم أن يقبلوا بقواعد لعب النظام والتعاون مع جهات محافظة معتدلة من خلال الاستعداد للاكتفاء – على الأقل على المدى القريب – بتحسين الوضع الاقتصادي وزيادة الانفتاح على الغرب والتقليص المحدود والتدريجي لتدخل الحكومة في حياة المواطنين.
عمليات المحاسبة الداخلية في أوساط المحافظين والاصلاحيين دليل على اعترافهم بنقاط ضعفهم الاساسية. المحافظون يعترفون بالانسلاخ الآخذ بالتزايد من قبل الجمهور عن المؤسسة الدينية – المحافظة بينما الاصلاحيين يعترفون بفشلهم بدفع اصلاحات مدنية – ولو محدودة – رغم انجازاتهم في الانتخابات. قدرة المعسكرين على دفع خطوات تغيير كبيرة ومجدية محل شك كبير رغم ذلك.
نجاح المحافظين بتسخير الدعم الشعبي وسيما من أوساط الشباب يستلزم الانسحاب من النموذج الاسلامي الثوري على خلاف موقف القائد الاعلى علي خامنئي. في المقابل يتمتع الاصلاحيون بتأييد شعبي أوسع لكن تجارب الماضي تثبت ان المحافظين يصرون على تفكيك قوتهم سواء بالطرق القانونية وسيما من خلال استبعاد مرشحين اصلاحيين من الانتخابات او من خلال القمع السياسي والمدني. رغم ذلك فالجدل الدائر في كلا المعسكرين السياسيين لا تنقصه الأهمية. أولًا لأنه يعكس اعترافًا متزايدًا بالحاجة إلى موائمة الايديولوجيا والاستراتيجية السياسية مع ظروف العصر والواقع المتغير، وثانيًا لأنه يشير إلى الاتجاهات والمستويات في الصراع المتوقع حول هوية الجمهورية الاسلامية في عهد ما بعد خامنئي.
أطلس للدراسات