تحولات في المشهد السلفي بألمانيا
شهدت أعداد السلفيين في ألمانيا ارتفاعا جديدا، حسب معطيات الهيئة الألمانية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في ديسمبر الماضي 2017، وذكرت الهيئة أن عدد السلفيين ارتفع ليصبح 10 آلاف وثمانمائة بينما كان عددهم لا يتجاوز تسعة آلاف وسبعمائة في ديسمبر 2016، وأشار رئيس الهيئة الألمانية لحماية الدستور هانس جيورج ماسن إلى أن من الملاحظ أن المشهد السلفي متجزئ على شكل مجموعات منفصلة عن بعضها، مما يصعب من مهمة مراقبتها و”يجعل الهيئة أمام تحدّ خاص”. وبحسب هيئة حماية الدستور، فإن عمليات توزيع القرآن في الشارع العام التي يقوم بها السلفيون أصبحت نادرة.
حول هذا الموضوع وامكانية تنامي السلفيين في ألمانيا كان لدوتش فيلا هذا الحوار المهم مع ميشاييل كيفر الباحث في العلوم الإسلامية والذي تحدث فيه عن عدد السلفيين في ألمانيا وكيف تضاعف منذ عام 2013. وحول انطباعه على المشهد السلفي هل يكبر أم أنه وصل إلى أقصى حدوده يقول: “لدي انطباع بأنه لم يعد يكبر. وهذا له بالطبع ارتباط بأن ما يسمى تنظيم “داعش” في العراق وسوريا تكبد هزيمة نكراء. والدعاية كانت مركزةً على القول دوماً بأننا “نقاتل في إطار أم المعارك، المعركة النهائية”. وهذا المشروع فشل. وإذا ما انطلقنا من أن أنشطة تنظيم “داعش” في الفترة بين 2013 و 2014 كان لها مفعول التعبئة، فإنه بوسعنا الآن القول بأن الهزيمة الكبيرة لها مفعول مضاد للتعبئة. ومن هذا المنطلق أقول بأن التيار السلفي ربما لن ينمو بقوة في الشهور المقبلة .
وحول استراتيجيات السلفيين في ألمانيا والقيام بالتعبئة بعدما فشل مشروع إقامة “خلافة” يقول: “هناك محاولة لمعالجة هذه الهزيمة وتتم الدعوة لبناء شبكات والنشاط في عين المكان. وهذا يتم في الغالب عبر شبكات التواصل الاجتماعي عبر موقع “واتس آب” وقنوات مختلفة أخرى. كما يوجد مثلما كان في السابق مشهد نشط من الخطباء، الذين يحاولون هنا ممارسة التَّهييج، لكن المُخَيّلَة الكبيرة لم تعد موجودة. ويجري العمل من أجل تغيير الاستراتيجية، وسينجح المشهد (السلفي) بالتأكيد في إتمام ذلك.”
وعن تنامي السلفيين في المدن كبرى مثل برلين وهامبورج بالمقارنة بغيرها من المدن يقول: “هذا يرتبط بمنطق التحركات الاجتماعية بحيث أن بعض الظواهر تتجلى للعلن في التجمعات السكنية الحضرية أكثر مما هو عليه في الريف. وإذا أخذنا مثلاً منطقة الرور بسكانها البالغ عددهم تسعة ملايين نسمة، فإننا نجد هنا بالطبع عدداً أكبر من المناطق الساخنة أكثر مما هو موجود في منطقة الغابة البافارية أو زاورلاند. وبخصوص نمو المشهد السلفي في مناطق معنية فمن الواجب علينا توخي الحذر، لأن المعتبر لدى المشهد هو الاستمرار في التحرك والتواصل بشكل قوي للغاية. ولاحظنا في السابق دوما أن فاعلين رئيسيين يغيرون أماكن الإقامة ويأخذون معهم شبكة اتصالهم أو يقيمون شبكة اتصال من جديد. وعلى هذا النحو يمكن أن يتشكل مشهد جديد في غضون أسابيع قليلة في مدينة جديدة ويتسبب بسرعة في مشاكل. وهذا مختلف عما هو سائد بالنسبة لليمين المتطرف، لأن المشهد اليميني، حسب اعتقادي، له ارتباط أكبر بالمكان (الذي ينشأ فيه).
أما عن بروتوكولات التواصل بين شباب السلفيين. وكيف تمر مراحل الراديكالية لديهم فال: “مسلسل الراديكالية لا يتم أبدا طبقا لنموذج موحد. لكن ما يمكن لنا قوله هو أن الراديكالية تعكس حدثاً جماعياً، فهي لا تحصل في شكل انفرادي. دوما نجد شبانا متورطين، وجزء منهم يعرفون بعضهم البعض منذ مدة طويلة، أي أقارب، أو زملاء دراسة من المدرسة الابتدائية أو حتى أصدقاء من مرحلة الروضة. وانطلاقا من فترة معينة يمكن التعرف على ديناميكية جماعية. وهذا يعني أن هذه المجموعات تتكاتف وتنفصل عن الإطار الخارجي. كما يوجد داخل هذه المجموعات أيضا نوع من التنافس في المزايدة على من هو الشخص الأكثر راديكالية، وإذا حل هذا الوضع، فإنه من الصعب القيام بعملية الوقاية”.
وعن توقيت التدخل لمواجهة الراديكالية يقول: “إذا ظهرت البوادر الأولى فيجب الشروع في العمل. والتحول إلى الراديكالية مسألة لا تقع بسرعة البرق، وإنما نتيجة تغيرات تدريجية. والأمر يتعلق بالقدرة على تفسير تلك البوادر بشكل سليم. والأهم بوجه خاص هو أن يستطيع المدرسون والأخصائيون الاجتماعيون والآباء، ولكن أيضا أشخاص آخرون في محيط الشباب، إيجاد نوع من الرعاية اليقظة، فيسألوا مبكراً ـ “انتبه ماذا حصل وماذا تفعل وأين أنت موجود؟” وعلى إثرها يجب فعلا العمل مبكرا ضد ذلك التوجه، وإخبار الشباب بأننا قلقين عليهم. وأن نظهر أمام الشاب حضوراً قوياً والتدخل إذا اقتضى الأمر. وعلينا أن نمنعهم من فعل بعض الأشياء. لكن لا توجد وصفة جاهزة لذلك. وفي الحقيقة يجب اتخاذ التدابير لكل حالة على حدة. وهذا يتطلب الوقت، ولكن إذا تم ذلك بصفة جيدة، فإنه وبدون شك يمكن تحقيق النجاح”.