تحليل مترجم عن موقع ستراتفور – ماذا يخبئ المستقبل لليمن الآن بعد رحيل صالح ؟
تحليل عن موقع ستراتفور – 5/12/2017
تحديث للتوقعات:
في توقعاتنا للربع الرابع من العام الحالي في مركز التنبؤات الاستراتيجية (ستراتفور، كنا قد قلنا أن تحالفات الثوار في اليمن ستستمر في الانقسام، وأن الانفصاليين الجنوبيين سيصرون على تحقيق المزيد من الحكم الذاتي، وأن السعودية ستصبح أكثر اقتناعاً بأن الإيرانيين يستخدمون الحوثيين اليمنيين كوكلاء. وقد أتى الموت المفاجئ للرئيس السابق علي عبد الله صالح وسط تكشف كل هذه الديناميات في البلد.
* * *
انتهت حقبة من التاريخ اليمني باغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح يوم 4 كانون أول (ديسمبر) الحالي، بعد أن كان قد حكم اليمن بشكل رسمي وغير رسمي لمدة 39 عاماً. وكانت تلك مهمة شبهها بـ”الرقص على رؤوس الأفاعي” –وهو وصف مستحق على ضوء أن أعضاء من مجموعة الثوار الحوثيين، التي كانت في تحالف مؤقت مع صالح حتى وقت قريب، هم المتهمون بقتله بينما كان يحاول الهرب من مدينة صنعاء. وبتنحية المشاعر الشخصية تجاه الزعيم جانباً، فإن من الصعب تخيل اليمن من دون صالح، الرجل الذي قاد السياسة والنزاع في البلد لما يقرب من أربعة عقود، والذي ستغير وفاته إلى الأبد مسار الحرب الأهلية اليمنية.
منذ العام 2011، كان ادعاء صالح بأهليته لرئاسة اليمن موضعاً للجدل على المستوى الدولي، لكنه كان قد حافظ على النفوذ بين العديد من داعميه، وخاصة أولئك المخلصين لمؤتمر الشعب العام، والذين كان لهم تواجد سياسي دائم على مدى عقود. وطوال الأعوام الثلاثة الماضية، قاتلت القوات الموالية له ضد الحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة والمتمركزة في السعودية، لكن تلك الحكومة ألمحت مؤخراً إلى أنها تريد التفاوض على عودته المشروطة إلى السلطة. والآن، وقد أزيل صالح إلى الأبد من السياسة في اليمن، فإن الصراع العسكري يمكن أن يميل أكثر نحو السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي على المدى البعيد. ولكن، قبل أن يتضح ذلك، سوف يتسبب موت صالح بالمزيد من الفوضى وعدم اليقين في اليمن الذي مزقته الحرب.
قوة مؤقتة
يظهر اغتيال صالح والتطورات التي أفضت إليه مدى عزم الحوثيين على الاحتفاظ بقبضتهم محكمة على صنعاء ومدى استعدادهم للحظة الحتمية، عندما ينفض التحالف الهش بين زعيمهم عبد الملك الحوثي وصالح. (كان صالح قد خاض كرئيس حرباً لمدة ستة أعوام ضد الحوثيين، بعد كل شيء). ويوم 2 كانون الأول (ديسمبر)، تصدع أخيراً ذلك التحالف الذي كان يضعف بثبات في الفترة الأخيرة، عندما أعلن صالح أنه يدرس إمكانية التفاوض مع الائتلاف الذي تقوده دول مجلس التعاون الخليجي، وأنه سيقاتل ضد الحوثيين. ومباشرة بعد تصريح صالح، استولت القوات الموالية له على مواقع بنية تحتية حساسة من الحوثيين، لكن الحوثيين شنوا هجوماً مضاداً شرساً، والذي اشتمل على قصف منازل شيوخ قبليين كانوا قد دعموا انشقاق صالح عن تحالف الثوار. واستطاعت قوات الحوثيين استعادة أجزاء من البنية التحتية الرئيسية، مما أصاب مدينة صنعاء بالشلل.
عمل الهجوم المضاد السريع والحاسم الذي شنه الحوثيون في صنعاء، وقدرتهم على اغتيال الرئيس الثائر الذي خانهم، على تقوية موقفهم إلى حد كبير. لكن الفرص طويلة الأمد أمام المجموعة أصبحت الآن أكثر قتامة بكثير من الناحية الفعلية عما كانت عليه في السابق. فمع انشقاق صالح، فقد الحوثيون الكثير من حلفائهم الموالين بالإضافة إلى المعدات الثقيلة التي يمتلكها هؤلاء الحلفاء. ثم خلال الهجوم المضاد، يرجح أن يكون الحوثيون قد وسعوا من خسارة الدعم القبلي الذي يحتاجون إليه للمحافظة على سيطرتهم على صنعاء. وقد عمد الحوثيون المدركون لحقيقة أن دعمهم قد أصبح منخفضاً إلى درجة حرجة، إلى محاولة كسب الموالين والحلفاء القبليين، حتى أنهم ذهبوا إلى حد مدح صالح في إطار تلك الجهود.
ليس لدى الحوثيين الكثير من الوقت. فثمة هجوم مضاد جديد يقوم بالإعداد له الائتلاف الذي يقوده مجلس التعاون الخليجي في صنعاء. وما يزال الائتلاف يعمل من أجل استعادة السيطرة على صنعاء منذ أن استولى الحوثيون عليها في وقت مبكر من العام 2015. والآن، مع مقتل صالح وزيادة عزلة الحوثيين، بدأ الائتلاف بمضاعفة جهوده. فقد تكثفت الضربات الجوية خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وهناك تقارير تفيد بأنه تم نشر كتائب جديدة في جبهة نهيم، حيث كان القتال متوقفاً لأشهر.
للحظة، رحب ائتلاف مجلس التعاون الخليجي بتحول صالح ضد الحوثيين الذين يتهمونهم بأنهم وكلاء لإيران ويتلقون الدعم منها. وقد رأت دول الخليج العربية، وخاصة السعودية، أنه حتى وجود حلفاء ضارين مثل صالح، يظل أفضل من لا شيء أمام تهديد وكلاء إيرانيين لشبه الجزيرة العربية. لكن احتمال الشراكة بين دول مجلس التعاون الخليجي وصالح استمرت لمجرد 72 ساعة قبل أن يقتل صالح، وقبل أن يترك مجلس التعاون الخليجي ليكافح في سبيل البحث عن خيارات أخرى. ومن الممكن أن يصعد نجل صالح الأكبر أحمد، ليأخذ مكان والده. وقد سافر أحمد إلى الرياض من مكان إقامته في أبو ظبي لمساعدة الائتلاف في تعزيز الهجوم المضاد على نهيم، وهي مهمة تناسب تدريبه وسمعته. لكن أحمد يفتقر إلى دعم القاعدة الشعبية الذي كان يتمتع به والده.
ما الذي سيأتي تالياً؟
فتح مصرع صالح فراغاً سياسياً في شمال اليمن، والذي سيقود إلى تغيير التحالفات. وسوف يكون الدعم القبلي حاسماً في تقرير كيفية تقدم النزاع. وقد تمثل خطأ صالح القاتل في أنه توقع أن تدعم القبائل السبع حول صنعاء انشقاقه وتقدم له الحماية عندما هرب من موطنه في محافظة سنحان. لكن ذلك لم يحصل، وما يزال من غير الواضح أين تكمن الولاءات القبلية الآن. كما من المهم بشكل حاسم أيضاً الكيفية التي سيرد بها المجلس الانتقالي الجنوبي. وما يزال القادة يعملون على بالتنسيق مع ائتلاف مجلس التعاون الخليجي ضد الحوثيين. ولكن وقوفهم أمام حقيقة سياسية جديدة يمكنهم من تأكيد مصالحهم الخاصة والدفع في اتجاه انفصال الجنوب.
في الأثناء، سوف تزيد الأزمات الإنسانية الكثيرة في اليمن من حدة مخاطر الصراع. وتماماً بينما يتعافى البلد من أسوأ موجة من وباء الكوليرا، يتصاعد التهديد بتفشي مرض الدفتيريا الذي يفاقمه حصار السعودية للموانئ الذي يحول دون وصول اللقاحات المنقذة للأرواح. وسوف يزيد النقص في الغذاء والماء في البلد –وهو أصلاً واحد من أكثر الحالات حدة في العالم- بينما يقترب فصل الشتاء، مما يضع المدنيين اليمنيين تحت ظروف أكثر خطورة. وسوف يكون نفس هؤلاء المدنيين أمام خطر كبير لأن يصبحوا عالقين في تقاطع تبادل إطلاق النار في المناطق التي تشهد مواجهات بين الحوثيين وقوات الائتلاف، بما في ذلك بالقرب من صنعاء وتعز ومأرب. وحتى تصبح الأمور أسوأ، فإن من الممكن وضع القتال ضد مجموعتي “داعش” والقاعدة بينما يزداد التركيز على قتال الحوثيين، مما يشجع المجموعتين المتطرفتين.
سوف يُذكر صالح في التاريخ بإرثه المتناقض. وبما أنه معروف بالقسوة الشديدة في تعاملاته مع المدنيين والنخب في اليمن، فإن بالإمكان تشبيه صالح بالزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي من ناحية قدرته على استغلال الناس والظروف لتعزيز مصالحه الذاتية الخاصة. وسوف يكون العديد من اليمنيين سعيدين برؤية صالح الذي تلطخ حكمه بالفساد المالي والعنف وقد ذهب. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الشكاوى ضده ومحاولات الاغتيال المتعددة التي استهدفته، لم يتمتع أي قائد آخر بالقوة الكافية التي تمكنه من حكم كل هذه المجموعات المتنافسة في اليمن. والآن، مع وفاة صالح، فإن اليمن المنهك الذي يخوض أصلاً حرباً مع نفسه، أصبح تحت خطر الانتقال إلى المزيد من التشرذم والفوضى، وهو يخلو –كما هو حاله- من أي قوة توحيد يعتد بها.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
What’s Ahead for Yemen Now That Saleh’s Gone?
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 19/12/2017