تحليل مترجم عن موقع ستراتفور – تنبؤات مركز “ستراتفور” للشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تحليل – (ستراتفور) 10/3/2017
الحرب الأهلية السورية
تواجه الولايات المتحدة مخاطر متزايدة في ميدان المعركة السوري في هذا الربع من العام، في حين تستعد لإطلاق هجوم رئيسي ضد “داعش” في الرقة. وقد هدفت ضربة أميركية محدودة ضد قاعدة جوية سورية رداً على هجوم سوري بالأسلحة الكيميائية إلى إظهار حزم الولايات المتحدة في الشؤون العسكرية (في رسالة لن تغيب عن بال كوريا الشمالية)، لكنها لم تأتِ أيضاً من دون مخاطر. وكانت روسيا قد حاولت منذ وقت طويل استخدام ميدان المعركة السورية في مفاوضاتها الأوسع مع الولايات المتحدة، لكن الولايات المتحدة لا تترك الكثير من المتسع لإبرام صفقة مع موسكو. وبذلك، سيكون على روسيا أن تعمتد على فكرة التأثير السلبي لمحاولة جر الولايات المتحدة إلى حوار، وسوف تحاول أن تلعب دور المُفسد في ميدان المعركة السوري من أجل زيادة المخاطر العملياتية بالنسبة للولايات المتحدة. وسوف تكون هناك إمكانية لتفاوض الجانبين على ضمان عدم الاشتباك، لكن من المرجح أن يكون ذلك هو مدى تعاونهما في هذا الربع من العام، بينما تركز واشنطن على القتال ضد “داعش”.
مع ذلك، سوف تكون القوات الروسية نشيطة في أماكن أخرى من سورية؛ حيث تدعم هجوم الجيش السوري ضد قوات الثوار، وكذلك “داعش”، في مناطق مثل دير الزور. وبعد صموده لبضعة أشهر مهتزة، انهار تماماً وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا وتركيا وإيران بين الثوار والموالين في كانون الأول (ديسمبر) 2016. ويؤشر فشله على عدم جدوى محاولات محادثات السلام التي أقيمت خلال الربع الأول من هذا العام. وفي الربع الثاني، سوف تهدد مشاكل سورية الاقتصادية التي تزداد عمقاً، كما يظهر في حالات نقص الغذاء في البلد وانهيار العملة، قبضة الحكومة على المناطق الموالية.
سوف يتولى مقاتلون سوريون تدعمهم الولايات المتحدة المسؤولية عن تنفيذ الهجوم على الرقة. وسوف تعتمد خطة المعركة الأميركية، التي تتضمن أيضاً نشر جنود أميركيين، على القوة القتالية المتوفرة الأكثر فعالية في المدى القصير: قوات سورية الديمقراطية متعددة الأعراق. وقد أنجزت قوات سورية الديمقراطية عملاً سريعاً في القتال حتى الآن، وتمكنت من تطويق المدينة تقريباً. وبمساعدة من القوات الأميركية التي تم نشرها حديثاً، تم توظيف الدعم المدفعي للعملية أيضاً.
ولكن، بتأكيدها دور قوات سورية الديمقراطية في المعركة من أجل الرقة، سوف تضع الولايات المتحدة المزيد من الضغط على علاقتها المتوترة أصلاً مع تركيا. وتضم هذه القوات أعضاء في وحدات حماية الشعب الكردية، وهي ميليشيا تعتبرها تركيا منظمة إرهابية وتهديداً فعلياً لأمنها القومي. لكن استياء أنقرة لن يثني واشنطن عن العمل مع القوة الكردية. ومع أن تركيا ستحاول ترتيب دور أكثر بروزاً للقوات التي تدعمها، بما فيها قوات القبائل العربية المدربة تركياً، فإن الولايات المتحدة ستمنح الأولوية لكسب المعركة ضد “داعش” بأفضل الوسائل الممكنة المتاحة على إرضاء تركيا. ومع ذلك، سوف تحاول تركيا أن تجر الولايات المتحدة أعمق في القتال ضد النظام السوري وأن تدفع باقتراحاتها لإقامة مناطق حظر للطيران ومناطق آمنة في سورية.
تشكل خطة واشنطن لمعركة الرقة واحدة فقط من الكثير من المضاعفات التي سيترتب على تركيا أن تتعامل معها في سورية في الربع الثاني من هذا العام. وعندما استولت تركيا على بلدة الباب من “داعش” خلال الربع الماضي، كانت قد حققت مسبقاً العديد من أهدافها في شمال سورية في إطار “عملية درع الفرات”. لكن جهودها لمنع القوات الكردية من ترسيخ سيطرتها على رقعة متجاورة من الأرض في الجزء الشمالي من البلاد ما تزال جارية. ولتحقيق هذا الهدف، سيكون عليها أن تخطو بحذر حتى لا تدوس على أصابع أقدام روسيا. وقد استنفد تحالف المصلحة بين أنقرة وموسكو أغراضه تقريباً في سورية، خاصة منذ أحبطت روسيا خطط تركيا للاستيلاء على مدينة منبج. ومع ذلك، يحتاج البلدان إلى إبقاء خطوط الاتصالات بينهما مفتوحة لضمان أن لا ينتهي الأمر بقواتهما إلى الصدام. وإذا استمرت أولوياتهما في سورية في الافتراق، فإن تركيا ربما تشرع في البحث عن طرق أخرى لكسب التفوق على روسيا -عن طريق الانضمام إلى المفاوضات حول نزاع ناغورنو-كوراباخ، على سبيل المثال، أو زيادة تنسيقها مع نظيراتها من الدول الأعضاء في حلف الناتو في البحر الأسود. وحتى لو أصبح لتركيا مجال مناورة أقل في سورية في هذا الربع من العام، فسوف تظل لها بعض الفسحة لتعميق تدخلها في شمال العراق.
القتال ضد “داعش”
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سوف ينصب التركيز الأساسي في الربع الثاني على القتال ضد “داعش”. وسوف تصل المعركة للإطاحة بالمجموعة المتطرفة وإخراجها من معاقلها في المنطقة منعطفات مهمة في مسارح عدة في الأشهر القليلة المقبلة. ففي العراق، على سبيل المثال، سوف تأتي المعركة لاستعادة الموصل إلى نهاية، على الأقل في المدينة نفسها. وفي سورية، أصبحت عملية استعادة مدينة الرقة على وشك الانطلاق. وهذه الأحداث، على الرغم من أهميتها، ستؤذن بالكاد بأفول “داعش”. وفي الحقيقة، سوف تضاعف المنظمة نشاطاتها الإرهابية، وليس فقط في مناطق عملياتها الأساسية في الشرق الأوسط، وإنما على الصعيد الدولي أيضاً، في محاولة للحفاظ على صلتها وأهيمتها بينما تخسر الأرض.
المعركة من أجل الموصل
بعد مضي خمسة أشهر على بدء القتال، أصبحت نهاية هجوم الموصل تلوح الآن في الأفق. ومع ذلك، سوف تنتشر القوات العراقية قبل انتهاء العملية إلى معاقل أخرى لـ”داعش” في المنطقة، مثل تلعفر والحويجة، من أجل إخراج المجموعة الإرهابية من هذه الجيوب. وبينما تقترب المعركة الرئيسة من نهايتها، سوف تصبح الانقسامات بين الجماعات المكونة للتحالف العراقي أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. وسوف تكون مخاطر اندفاع قتال بين الميليشيات الشيعية والكردية والسنية المشاركة في الائتلاف عالية خلال هذا الربع، خاصة في المناطق الحدودية في شمال محافظة نينوى.
ساعدت حقيقة مشاركة قوات الجيش العراقي في القتال في المدينة في حد ذاتها في تحسين سمعة الحكومة بين سكان الموصل؛ وسوف تساعد هذه الدفعة بغداد في مسعى اكتساب الشرعية وبسط سلطتها على المدينة. لكن إضفاء الاستقرار على المناطق المستعادة حول المدينة سوف يكون مهمة صعبة على بغداد. وسوف تحول الصدوع داخل المجموعات الشيعية والسنية والكردية دون توصل هذه المجموعات إلى تسوية سياسية متماسكة ومتساوقة على مستقبل محافظة نينوي في هذا الربع من العام. وفي الأثناء، سوف تواصل إيران وتركيا التنافس على النفوذ في العراق، بشكل أساسي من خلال المعارك بالوكالة في المناطق المتنازع عليها، والتي ستستعاد قريباً من “داعش”. وتطالب كل من الحكومة العراقية وحكومة كردستان الإقليمية بحق السيطرة على تلعفر، وكركوك وسنجار، مما يجعل هذه المناطق عرضة للاقتتال والنزاعات على الأراضي والموارد.
بينما تستجمع أحزاب العراق السياسية العزم لخوض الانتخابات الإقليمية المقررة في أيلول (سبتمبر)، سوف تكون لدى القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران فرصة أخرى لمحاولة كسب النفوذ في البلد. سوف تستخدم طهران نفوذها لدى الأحزاب السياسية والميليشيات الشيعية العراقية لاستدراج بغداد إلى منح الأولوية لعلاقاتها مع إيران، ولقطع الطريق على محاولات أنقرة للتدخل في عملية التسوية السياسية من خلال الأحزاب السنية. وسوف يواجه رئيس الوزراء حيدر العبادي ضغطاً سياساً متصاعداً من الجهات كافة، بما في ذلك الأحزاب القومية العراقية، بينما يحاول إرضاء تركيا، وإيران، والغرب في الوقت نفسه. وبالإضافة إلى هذا المزيج، سوف تقدم السعودية إيماءات اقتصادية ودبلوماسية في جهد يرمي إلى تقوية علاقاتها مع بغداد. (كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تضغط على المملكة للمساعدة في إرخاء قبضة إيران عن مجالات بغداد السياسية والأمنية).
النضال الكردي
في كردستان العراق، سوف تمنع الخلافات الفصائل السياسية المختلفة في المنطقة من تشكيل جبهة موحدة. وفي الحقيقة، تتسع الانقسامات بين هذه الفصائل. فقد بدأ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في الدفع بقوة أكبر ضد منافسه السياسي الرئيسي، الحزب الديمقراطي الكردستاني، من أجل زيادة حصته في عوائد النفط من كركوك وإضعاف تحالف الحزب الديمقراطي الكردستاني مع بغداد. ويشكل هذا النزاع أخباراً جيدة بالنسبة لبغداد، على الأقل. وفي حال بذل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني محاولة أخرى لقطع تدفق النفط من كركوك لكسب تنازلات من بغداد أو أربيل، فإن الحكومة العراقية ستشعر بتهديد أقل من ذلك الذي كانت لتشهده لو كان الحزب الديمقراطي الكردستاني مشاركاً أيضاً في الخطة. لكن كركوك يمكن أن تصبح نقطة اشتعال في هذا الربع من العام أيضاً، بينما تتنافس الحكومتان في بغداد وإقليم كردستان العراق، ناهيك عن الأحزاب الكردية المتنافسة، من أجل السيطرة على المحافظة وعوائد نفطها.
بالمثل، سوف تكون كردستان العراق ميدان لعب أساسيا في المنافسة بين تركيا وإيران. وسوف تستخدم أنقرة وجود حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره منظمة إرهابية، في شمال العراق كذريعة لنشر قوات وكيلة في المنطقة للدفاع عن مصالحها هناك. وعلى سبيل المثال، ربما تفكر تركيا في إرسال “بشمرغة روجافا”، وهي ميليشيا كردية متحالفة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، للقتال نيابة عنها في حال اشتعل ذلك الصراع العرقي بعد أن تهدأ رياح هجوم الموصل. ولإبقاء أنقرة منضبطة ولدعم مصالحها في شمال العراق، سوف تعتمد طهران في الغالب على قوات ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية المتمركزة بالقرب من القوات التي تدعمها تركيا، بالإضافة إلى علاقاتها مع بغداد.
انبعاث تركيا
في تركيا، سوف يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في أواسط نيسان (أبريل) لتقرير ما إذا كان سيتم المضي قدماً في إقرار التعديلات الدستورية المقترحة التي يمكن أن تغير مستقبل تركيا السياسي. ولدى الرئيس رجب طيب أردوغان الكثير ليراهن به على نجاح الإصلاحات، والتي يفترض أن تزيد سلطات الرئاسة بينما تحد من سلطات الفروع الأخرى للحكومة. ولكن، عندما يدلي الناخبون بأصواتهم يوم 16 نيسان (أبريل)، فستكون لديهم مكامن قلق أخرى في أذهانهم، مثل اقتصاد البلد الضعيف والمترنح. وقد عمل دين تركيا المرتفع الذي يهيمن عليه الدولار وانخفاض قيمة العملة -المرشحة للمزيد من التدهور بينما يقوى الدولار- على مفاقمة متاعب البلاد المالية في الآونة الأخيرة. وإذا فشل الاستفتاء في تحقيق الأغلبية البسيطة التي يحتاجها لتمرير الإصلاحات، فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم سيظل محتفظاً بالسلطة، ولو أن الخسارة ربما تكون توجه ضربة لحملة أردوغان من أجل تعزيز السيطرة المؤسسية.
في إطار محاولته تحسين فرصه في النجاح، استخدم حزب العدالة والتنمية مخاوف البلد الأمنية لتأجيج النزعة القومية وحشد الدعم الشعبي للاستفتاء. وسوف تساعد موجة القومية التي تجتاح تركيا الآن في إبقاء الحزب الحاكم عائماً، سواء كسب أو خسر. ومع ذلك، فإن نتائج الاستفتاء ستكشف عن دعم قوي لحزب العدالة والتنمية ومعارضة قوية له أيضاً، وسوف تعري بذلك الانقسامات الحادة في البلاد.
قوس النفوذ الإيراني
سوف تعقد إيران أيضاً انتخابات مهمة في هذا الربع من العام. وسوف ينتخب المقترعون في البلاد رئيسهم التالي في 19 أيار (مايو). وبينما يقترب موعد الانتخابات، يحاول حتى ساسة الجمهورية الإسلامية المتشددين تجنب إشعال صراع مع الولايات المتحدة. وبالمثل، سوف تكون واشنطن حذِرة إزاء عدم إثارة العداوات مع إيران عن طريق تغيير خطة العمل الشاملة المشتركة للاتفاق النووي –خاصة بما أن دول مجلس التعاون الخليجي تدعم الإبقاء على الاتفاق بدلاً من المغامرة بمواجهة عدم اليقين الذي سينجم عن إلغائه. لكن ذلك لن يوقف الحرس الثوري الإسلامي عن مواصلة مواقفه الدفاعية المعتادة وإجراء اختبارات الصواريخ أو المناورات العسكرية في إطار سعيه للبقاء على صلة. وكما أوضح مشرعو الولايات المتحدة، فإن الكونغرس لن يتردد في فرض عقوبات إضافية ضد طهران رداً على أي عدوان متصور.
سوف يفاقم تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة على إيران مخاوف الرئيس الإيراني حسن روحاني الاقتصادية في الفترة التي تسبق الانتخابات. وعندما ينطلق موسم الحملة الانتخابية في نيسان (أبريل)، سوف يواجه الرئيس المنتهية ولايته تحديات من المنافسين في المعسكر الإيراني المتشدد ومعسكر المحافظين على حد سواء. ومع أن لدى روحاني الخبرة، والزخم والدور الذي لعبه في تعافي إيران الاقتصادي حتى الآن لتقف إلى جانبه، فإن المتاعب المالية العالقة في البلاد سوف تلقي بظلالها الثقيلة على عقول الناخبين بينما يتجهون إلى صناديق الاقتراع. وقد هبطت معدلات التضخم في عهد إدارة روحاني، لكن معدلات البطالة ما تزال مرتفعة -وهي نقطة ضعف ربما يستغلها منافسوه خلال الحملة.
بينما تستعد الجمهورية الإسلامية لعقد انتخاباتها، فإن واحدة من قواتها الوكيلة المهمة، حزب الله، يمكن أن تعرقل انتخابات أخرى في لبنان. وما يزال حلفاء الميليشيا اللبنانية وأعداؤها على خلاف بشأن الإصلاحات الانتخابية ووضع ميزانية جديدة، ويمكن أن تؤدي خلافاتهم إلى تأجيل الانتخابات المقرر عقدها في أيار (مايو). وعلى الرغم من النزاع الحالي، قطعت الحكومة اللبنانية شوطاً طويلاً على مدى الأشهر القليلة الماضية. فقد تمكن رئيس وزراء ورئيس جديدان من إحداث تعديل على القيادة العسكرية للبلاد، والأهم من ذلك، إعادة إحياء قطاع الطاقة الراكد فيها. ويشير التقدم الذي أحرزاه إلى النهج البراغماتي الذي اختطته الأحزاب السياسية اللبنانية الرئيسية في محاولة للتوصل إلى تسوية قابلة للحياة لحل مشاكل البلاد المقيمة. ولكن، بينما تتجلى الخلافات العالقة حول إصلاح القانون الانتخابي، فإنه لا يوجد حل مثالي لهذه المشكلات.
سوف يكون حزب الله أيضاً مصدراً لتصاعد قلق إسرائيل خلال الربع الثاني من هذا العام. وقد عمل تراكم بناء المجموعة العسكري في سورية على مدار الحرب الأهلية الجارية هناك، مصحوباً بحضورها المتزايد في مرتفعات الجولان، على وضع إسرائيل في حالة تأهب قصوى وإثارة مخاوفها من حرب وشيكة يمكن أن تنشب على الحدود الشمالية للبلاد. ولمنع حزب الله من أن يصبح أقوى، سوف تواصل الحكومة الإسرائيلية مهاجمة شحناته من الأسلحة في جنوب سورية. ومع ذلك، يمكن أن يتصاعد الصراع خلال بين الجانبين خلال هذا الربع الثاني.
استراتيجية إسرائيل للبقاء
في حال واصلت الحكومة الإسرائيلية متابعة سياستها الاستيطانية في الضفة الغربية من دون اعتراض من البيت الأبيض، فإن المجتمعات المتكاثرة يمكن أن تثير رد فعل عنيفا من جانب الفلسطينيين هناك. وسوف يحوم شبح تجدد الصراع، الذي تشعله الجماعات السلفية المتنافسة، أو مجرد أحداث تقع بالصدفة، بشكل كبير في مؤسسة السلطة الفلسطينية، ولو أن كلا من حزبيها الكبيرين الرئيسيين، فتح وحماس، سيحاولان تجنب المواجهة مع إسرائيل في هذا الربع. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تعمل الانقسامات السياسية بين الحزبين على مزيد من تأجيل الانتخابات التشريعية في المناطق الفلسطينية، المقرر إجراؤها في الضفة الغربية في أيار (مايو).
سوف تركز كل من حماس وفتح على تحقيق أهدافهما الداخلية الخاصة في هذا الربع بدلاً من جسر الفجوة بينهما. وتعمل حماس على تعديل ميثاقها السياسي للمرة الأولى في عقود؛ حيث تكسر التقاليد والأعراف لتعترف بحدود فلسطينية على أساس العام 1967. والهدف من تحول الحزب في اتجاه الاعتدال، مهما كان هذا التحول صغيراً، هو كسب ود الشركاء العرب مثل مصر، التي أصبحت حماس في حاجة إلى دعمها الآن أكثر من أي وقت مضى بينما يهدد فصيل “داعش” في سيناء طرق إمدادها وشرعيتها. مع ذلك، سوف تضع الحكومة الإسرائيلية القليل من الرهان على جهود المجموعة للتغير، وسوف تواصل عملياتها ضد حماس. وفي الأثناء، سوف يكون قادة فتح مركزين على وضع خطة لخلافة زعيم الحركة المسن والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وسوف تدفع الصدوع المقيمة بين الحزبين الدول العربية في المنطقة إلى المزيد من المشاركة لمحاولة حل النزاع.
استراتيجية البقاء السعودية
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، سوف يتعلق الربع الثاني على نتائج اجتماعات منظمة “أوبك” المقرر إجراؤها في 25 أيار (مايو). وسوف تشكل القمة، التي ستقوم الرياض خلالها بمحاولة إقناع زملائها الأعضاء في كورتيل النفط بتمديد خفض الإنتاج الذي أقر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، نقطة تحول بالنسبة لمبادرات الإصلاح الاقتصادية للحكومة السعودية. وحتى لو أن سقف الإنتاج لم يعزز أسعار النفط بالقدر الذي توقعته الرياض، فإن المملكة ليست في وضع للمخاطرة بإيصال السوق إلى ما فوق التشبع عن طريق إلغاء الاتفاق. وبعد كل شيء، يمكن أن يؤدي القيام بذلك إلى المزيد من زعزعة استقرار أسعار النفط، مما يهدد العوائد النفطية السعودية في العملية. أما إذا كانت المملكة ستتمكن من إقناع بقية أعضاء الأوبك بالبقاء على وفاق مع خفض الإنتاج، فإن ذلك سيحدد كل الإجراءات الاقتصادية الأخرى التي ستتخذها الحكومة السعودية لبقية العام.
الحرب الأهلية في اليمن
مع وصول أطراف الصراع كافة إلى طريق مسدود، سوف تدخل الحرب الأهلية اليمنية الربع الثاني راكدة -أكثر أو أقل. وقد أصبحت الصدوع في ائتلاف دول مجلس التعاون الخليجي المناهض للثوار الحوثيين في اليمن أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. وتركز الإمارات العربية المتحدة على تدريب ودعم قواتها الخاصة في الجنوب. ومن ناحية أخرى، تتطلع السعودية إلى الولايات المتحدة للمساعدة في التفاوض على حل سياسي لإنهاء القتال. ولكن، إلى أن تقدم الرياض تنازلات في دعمها المتواصل للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وحتى يوافق الثوار الحوثيون على التخلي عن أراضٍ للحكومة، فإن آفاق السلام ستظل ضئيلة. وهكذا، حتى لو بذلت الأمم المتحدة محاولة أخرى لصياغة خطة سلام للبلاد، فإنها لن تحقق تقدماً يُذكر في هذا المسعى.
وفي الأثناء، دفع ظهور أدلة على جهود إيرانية لتدريب وتجهيز الثوار الحوثيين وزارة الدفاع الأميركية إلى طلب المزيد من الدعم للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات. وإذا وافق البيت الأبيض، فإن الولايات المتحدة ستتقاسم المزيد من المعلومات الاستخباراتية وستعزز تنسيقها اللوجستي مع التحالف الخليجي لمحاولة الحد من نفوذ إيران في اليمن الذي مزقته الحرب، وتحقيق الاستقرار في مضيق باب المندب الاستراتيجي في البلاد. وفي الوقت نفسه، سوف تسعى واشنطن إلى انتهاج استراتيجية أكثر حزماً ضد تنظيم القاعدة خلال الربع الثاني من هذا العام، لأن نهج المجموعة الثابت والبطيء مكنها من النمو في اليمن، مثلما هو حالها في سورية.
الحرب الأهلية الليبية
سوف يلعب إنتاج النفط أيضاً دوراً مهماً في ليبيا في هذا الربع من العام، بينما تستعر العديد من الصراعات في البلد. وقد تمكن قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، من استعادة السيطرة على محطات تصدير البترول الحاسمة في السدرة وراس لانوف في شرق ليبيا، بعد أن تمكنت ميليشيات “حرس مرافق النفط” و”كتائب دفاع بنغازي” من اجتياحها في أوائل آذار (مارس). ومع أن الاقتتال أوقف إنتاج النفط في لبييا، فإن من المرجح أن يحافظ البلد على مستويات التصدير عند أكثر من 400.000 برميل يومياً خلال هذا الربع.
وفي الأثناء، سوف تؤدي الخصومات والمنافسة في غرب لبييا، بين حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الولايات المتحدة، وحكومة المؤتمر الوطني العام، وهما اثنتان من ثلاث حكومات متنافسة في البلد، إلى توليد الانقسامات في مصراتة وطرابلس. وسوف يستمر اندلاع العنف وتفشيه بين الميليشيات التابعة لهذه الحكومات خلال هذا الربع من العام، خاصة في العاصمة. وفي المقابل، سوف يكون الدعم الدولي للحكومات في ليبيا أقل انقساماً. سوف تواصل مصر والإمارات دعم حفتر، بينما تزيد روسيا من دعمها للجيش الوطني الليبي الذي يقوده. (ومع ذلك، وما لم يتمكن من جلب المزيد من القوات البرية تحت سيطرته، فإن حفتر سيصادف المتاعب في محاولة زيادة نفوذه في شرق ليبيا، وسوف تصطدم جهوده لجذب المزيد من المجندين بالانقسامات القبلية). ومع أن الاتحاد الأوروبي سيدفع من أجل حلول سياسية للمعارك المختلفة الجارية في ليبيا، فإن المفاوضات ستظل في حالة جموع خلال هذا الربع من العام.
مصاعب الإصلاح في شمال أفريقيا
في الأماكن الأخرى من شمال أفريقيا، سوف تخوض الحكومة الجزائرية معركة سياسية خاصة بها في هذا الربع، ولو بشكل أكثر هدوءاً. وقد أصبح مواطنو البلد محبطين منذ مررت الحكومة ميزانية جديدة خفضت الإنفاق العام ورفعت الضرائب. وسوف تكون إجراءات التقشف التي أثارت الاحتجاجات العامة في مقدمة أذهان الناخبين عندما يذهبون إلى صناديق الاقتراع في أيار (مايو) للمشاركة في الانتخابات التشريعية، ومن المتوقع ظهور المزيد من التظاهرات في هذه الأثناء. ومع ذلك، ومهما تكن نتائج التصويت، فإن البرلمان الجزائري يفتقر إلى النفوذ السياسي اللازم لإحداث تغيير في نظام الجزائر المسيطر عليه بإحكام، حتى لو كان أداء أحزاب المعارضة هذه المرة أفضل مما كان عليه في السنوات الماضية. وقد ثبت العديد من أوثق حلفاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أنفسهم في الوزارات والمناصب المهمة على مدى السنوات الماضية، بما في ذلك رئيس شركة البترول والغاز الوطنية “سوناطراك” في الربع الأول من هذا العام. وسوف يشكل الاقتتال الداخلي بين نخبة البلد تياراً تحتياً قوياً في السياسة الجزائرية لبقية هذا الربع، ولو أنه سيحدث غالباً وراء الأبواب المغلقة.
*ستراتيجيك فوركاستينغ (بالإنجليزية: Strategic Forecasting, Inc) والمعروفة أكثر باسم ستراتفور (بالإنجليزية: STRATFOR) هو مركز دراسات استراتيجي وأمني أميركي، يعد إحدى أهم المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات، وهو يعلن على الملأ طبيعة عمله التجسسي، ويجسّد أحد أبرز وجوه خصخصة القطاعات الأميركية الحكومية. تطلق عليه الصحافة الأميركية اسم “وكالة المخابرات المركزية في الظل” أو الوجه المخصخص للسي آي إيه (بالإنجليزية: The Private CIA). معظم خبراء مركز ستراتفور ضباط وموظفون سابقون في الاستخبارات الأميركية.
*نشرت هذه التنبؤات تحت عنوان:
2017 Second-Quarter Forecast: Middle East and North Africa
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 16/4/2017