ترجمات أجنبية

تجنب صفقة نووية سيئة مع إيران


مايكل سينغ & مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن.

فورين بوليسي & 7/3/2012

قبلت الدول الخمس + 1 – التي تشمل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا – للتو عرضاً إيرانياً بإجراء محادثات نووية إضافية. وسوف تأتي هذه المحادثات في وقت حرج. فلقد صعّد الغرب بشكل كبير من الضغط على النظام الإيراني من خلال فرض عقوبات جديدة تستهدف صادرات النفط الإيرانية والمصرف الإيراني المركزي، وقد انتهج الرئيس الأمريكي أوباما في ملاحظاته يوم الأحد الرابع من آذار/مارس موقفاً أكثر تشدداً عما انتهجه في الماضي باستبعاده فكرة “احتواء” إيران المسلحة النووية. ومن ثم سوف تكون الخطوة التالية من المفاوضات اختباراً هاماً للفكرة القائلة بأن الضغط قد يرغم إيران على إعادة النظر في طموحاتها النووية، إلى جانب اختبار عزم الولايات المتحدة في مواجهة التعنت الإيراني.

 مما لا شك فيه أن العقوبات على إيران كان لها أثر كبير، حيث خفضت قيمة العملة الإيرانية وزادت معدلات التضخم وجعلت من الصعب على الإيرانيين بيع النفط أو حتى شراء الطعام. لكن إساءة الظروف المعيشية للإيرانيين ليس هدفاً للسياسة الأمريكية، بل في الواقع أن سياسة الولايات المتحدة كانت تتجنب على مدار سنوات التسبب في خلق معاناة واسعة النطاق في إيران. فهدف الولايات المتحدة هو وقف الأنشطة النووية الإيرانية، إلا أن ذلك لم يتم تحقيقه حتى الآن – حيث تعمل إيران على تشغيل المزيد من أجهزة الطرد المركزي كما تقوم بتصنيع وتخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من أي وقت مضى.

وإذا ما فشلت الجولة القادمة من المحادثات – كما حدث مع الجولات السابقة – في احراز تقدم فلن يكون أمام الولايات المتحدة من خيار سوى ممارسة المزيد من الضغوط، فيما سيكون لدى إسرائيل المزيد من الحوافز لتنفيذ هجوم ضد إيران. لكن هناك بديل آخر – وهو الذي لم يستبعده الرئيس أوباما – وهو أن الولايات المتحدة سوف تتراجع عن خطوطها الحمراء وتقبل بوجود إيران القادرة على تصنيع أسلحة نووية، لكنها غير مسلحة نووياً. إن ذلك سيكون سوء تقدير خطير.

وفي حين أن الموقف الرسمي للولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي القائم منذ فترة طويلة هو أنه يتعين على إيران وقف تخصيب اليورانيوم كجزء من أي محادثات جادة، إلا أن واشنطن أظهرت مرونة تكتيكية في محاولة للسماح لإيران “بحفظ ماء الوجه” وبدء المفاوضات. ففي الفترة من 2006 إلى 2008، عرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها على طهران ما يسمى بصفقة “التجميد مقابل التجميد” تقوم بموجبها إيران بالتجميد المؤقت لعمليات التخصيب الجديدة وفي المقابل سيقوم الغرب بتجميد العقوبات الجديدة، وذلك كمقدمة مختصرة للتعليق التام لكل من عمليات تخصيب اليورانيوم وتنفيذ العقوبات التي دعا إليها مجلس الأمن.

 وعلى نحو مماثل، ففي تشرين الأول/أكتوبر 2009، عرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها مقايضة اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب بألواح الوقود التي تحتاجها إيران لتشغيل مفاعل طهران للأبحاث، والذي استخدمته في تصنيع النظائر الطبية. وقد أكدت واشنطن أن الغرض من ذلك الترتيب هو أن يكون بمثابة إجراء لبناء الثقة، لكنه لم يُلغ طلب الأمم المتحدة بأن تعلق إيران عمليات التخصيب.

 غير أنه في الآونة الأخيرة ظهرت مؤشرات على حدوث تحول في موقف الولايات المتحدة. ففي خطابه يوم الأحد، عمل الرئيس الأمريكي باجتهاد إلى الإشارة فقط إلى منع إيران من تطوير أسلحة نووية، وليس منعها من امتلاك قدرات تصنيع الأسلحة النووية. وبالمثل، أكد وزير الدفاع ليون بانيتا على أن الخط الأمريكي الأحمر هو ألا تطور إيران سلاحاً نووياً. وهذا يترك الباب مفتوحاً لاحتمالية تقبل واشنطن لامتلاك قدرات الأسلحة النووية “الكامنة”، تحتفظ بموجبها إيران بمكونات يمكن استخدامها في الأسلحة من برنامجها النووي، مثل أعمال التخصيب، طالما امتنعت فعلاً عن بناء قنبلة نووية.

 لقد حث العديد من المحللين الرئيس أوباما على دراسة أحد الاقتراحات العديدة التي ستتيح لإيران مواصلة تخصيب اليورانيوم، لكن في ظل مراقبة أكثر قوة نوعاً ما. ومن بين تلك الاقتراحات ما يُطلق عليه الاقتراح الروسي، الذي ستتعامل إيران بموجبه مع أسئلة “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” على مراحل، وفي المقابل يقوم الغرب بتخفيف العقوبات. وكان هناك اقتراح آخر هو عبارة عن عرض مبهم تقدم به الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أثناء زيارته إلى نيويورك في أيلول/سبتمبر تتوقف بموجبه إيران من إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب.

 إن مصدر الجاذبية في مثل هذه الصفقة من وجهة النظر الأمريكية هو واضح. إذ سوف تعتبر واشنطن تلك الصفقة بمثابة انتصار دبلوماسي حال دون وقوع حرب وحدّ من قدرات إيران النووية. وبالمثل، فإن النظام الإيراني بإرغامه الغرب على الاعتراف بمكانته النووية واحتفاظه ببرنامجه للتخصيب، سوف يشيد بذلك الاتفاق على أنه انتصار له.

وفي الواقع أن السماح لإيران بالاحتفاظ ببرنامجها لتخصيب اليورانيوم سوف ينطوي على مخاطر جمة للولايات المتحدة وحلفائها. ويُحذر “معهد العلوم والأمن الدولي” من أنه “بدون (وقف التخصيب)، فإن برنامج التخصيب الإيراني سوف يستمر في تنمية قدراته وزيادة قدرة إيران على تصنيع اليورانيوم عالي التخصيب بسرعة وربما في سرية لاستخدامه في الأسلحة النووية في محطات أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها”.

 وبمعنى آخر، سوف يستحوذ النظام الإيراني على الكعكة ويتناولها كذلك. وسوف تُخفق حملة العقوبات الحالية كما سيتم تخفيف العقوبات القائمة أو رفعها. كما سيتم استبعاد الهجوم العسكري فعلياً من على الطاولة، بما في ذلك الهجوم من جانب إسرائيل التي يرجح أن تشعر بقيود على شن هجوم على المرافق النووية بموافقة الولايات المتحدة. كما أن النظام الإيراني بنجاحه في تحدي ليس فقط الولايات المتحدة – بل مجلس الأمن بأجمعه – سوف يقوّي وضعه داخلياً. ولكن تهديد الأسلحة النووية الإيرانية لن يتم إزالته، وبدلاً من ذلك يمكن لإيران إتقان خبرتها النووية والتوقف قبل المرحلة الأخيرة فقط عن إنتاج سلاح نووي، أو بناء سلاح كهذا سراً.

 وفيما تدخل مواجهة واشنطن مع إيران مرحلة جديدة وأكثر خطورة، يتعين على الولايات المتحدة أن تتجنب الإغواء المتمثل في إعادة تعريف خطوطها الحمراء وأهدافها بطريقة لا تفي بمتطلبات أمنها القومي. إن الحيلولة دون وقوع الحرب ونزع فتيل التوترات من خلال اتباع تكتيكات ماهرة وسياسات ذكية أمر مقبول، لكن فعل ذلك عن طريق التنازل عن مصالح الولايات المتحدة الجوهرية ليس كذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى