ترجمات أجنبية

بيوني كامبمارك: الولايات المتحدة تخطط لضرب إيران

بقلم بيوني كامبمارك* – إنترناشيونال بوليسي دايجست 30/7/2018

يشكل عالم الافتراضات المرعبة حاضراً معيارياً براغماتياً دائماً في بيت ترامب الأبيض. وعادة ما تأتي فترات الهدوء المتوتر متبوعة بذرى متهورة ولا مبالية من الغضب، واللكزات، والاستنكارات. الأعداء الأزليون يصبحون رفاقاً يمكن هضمهم؛ والحلفاء الموثوقون يتحولون إلى بخلاء غير مسؤولين، والذين يجب أن يدفعوا لنا أكثر لقاء الدفاع عنهم.
من بين كل هذه الفوضى المدوِّمة، كان الشيء الثابت منذ حملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية في العام 2016 هو الغول الإيراني، تلك الجمهورية الدينية التي تدافع عن الشيعة. وقد شكل الخوف من طموحات إيران منجماً لا ينضب للاستهلاك المحلي، والذي ظل مرتبطاً، كما كان حاله، مع استرضاء رئيس الوزراء الإسرائيلي الجشع والجائع دائماً، بنيامين نتنياهو.
في 23 تموز (يوليو)، قدم ترامب عرضاً على “تويتر” للرئيس الإيراني حسن روحاني، وكتب بكل المفاتيح، واعداً بعواقب فريدة لم يسبق لها مثيل من المعاناة في حال قامت إيران بتهديد الولايات المتحدة أبداً مرة أخرى. وكتب في تغريدته: “إننا لم نعد بلداً يتحمل كلماتكم المجنونة عن العنف والموت. كن حذراً!”.
كانت هذه الصرخة من الاستنكار هي الاستجابة غير المحسوبة للملاحظات التي أدلى بها روحاني أمام دبلوماسيين إيرانيين: “على أميركا أن تعلم أن السلام مع إيران هو أمّ كل السلام، وأن الحرب مع إيران هو أمّ كل الحروب”.
ثم، بعد الانفجار جاء رد الفعل الأكثر اعتدالاً. فقبل مؤتمر انعقد في مدينة كنساس، كان نسيم منعش يهب. وجاء تفسير ترامب: “لقد قمتُ بسحب الولايات المتحدة من اتفاق إيران النووي المروع أحادي الجانب، ولم تعد إيران هي البلد نفسه بعد الآن”. إن الولايات المتحدة “مستعدة لإبرام صفقة”.
أصبحت هذه الصورة من العروض المختلة وظيفياً أكثر اعتكاراً بالمعلومات المشؤومة التي تكشفت الأسبوع قبل الماضي من خلال محطة البث الأسترالية الوطنية، (إيه. بي. سي). وكانت الشبكة الإخبارية قد تلقت بعضاً من قطع المعلومات المثيرة للقلق، والتي تشير إلى أن الولايات المتحدة تنوي توجيه ضربات عسكرية إلى مرافق إيران النووية في شهر آب (أغسطس). كما أثارت تلك المعلومات القلق أيضاً حول مدى اتساع نطاق المهمة، وأي من الحلفاء هو الذي سوف يُدعى ليشارك في مغامرة تبدو انتحارية بمقدار ليس قليلاً.
يقترح مصدر عسكري لم يتم الكشف عن اسمه، والذي وصفته محطة (إيه. بي. سي) بطريقة مستفِزة بأنه “رفيع المستوى”، أن أستراليا تشارك في توفير عناصر من الخطوط العريضة للهيكل العظمي لمثل هذه الضربات، خاصة في مجال تحديد الأهداف: “تقديم المعلومات الاستخبارية وفهم ما يحدث على الأرض بحيث تكون الحكومة الأميركية والحكومات المتحالفة معها على دراية تامة بالأمور من أجل اتخاذ القرارات المختلفة في حالة الاستهداف النشط”.
وكان هذا المصدر الراغب في حكومة تيرنبول مصراً على التمييز بين الضربة الحقيقية نفسها (الموصوفة بأنها المهمة “النشطة”)، وبين رسم مخطط الصورة نفسها. “تطوير صورة هو أمر مختلف جداً عن المشاركة فعلياً في توجيه ضربة”.
لكن أستراليا سوف تكون متورطة في مثل هذه المهمة، في حال أقلعت عن الأرض من الأساس، بالنظر إلى الدور الذي تلعبه منشأة “الدفاع المشترك” مُساءة التسمية في باين غاب، الواقعة في وسط أستراليا. كما أن “منظمة الاستخبارات الجيو-مكانية الأسترالية” غير المعروفة عملياً، سوف تقدم هي الأخرى حصتها من المساهمة.
أما إذا كان أي من مثل هذه التقارير يظهر في داخل البيت الأبيض، أو من هامشه الإمبريالي، فإن الإشارات تختلف. ولجعل الأمور تكتسب لمسة من الإثارة، وصف وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، هذه التقارير بأنها من نسج الخيال. وقال: “ليست لدي أي فكرة من أين حصل جماعة الأخبار الأستراليين على تلك المعلومات. وأنا على ثقة من أن هذا ليس شيئاً تجري دراسته في الوقت الحالي، وأعتقد أنها مجرد قصة خيالية كاملة، بصراحة”.
كانت ردة الفعل اللاحقة من رئيس الوزراء الأسترالي هي ترديد لصدى هذا التصريح، والذي لم يكن مفاجئاً على الإطلاق. ولاحظ مالكولم تيرنبول: “لقد قدم الرئيس ترامب وجهات نظره بكل وضوح لكل العالم، لكن هذه القصة لم تستفد من أي تشاور معي، أو مع وزير الخارجية أو وزير الدفاع، أو مع رئيس قوات الدفاع”. ويبدو هذا، على الورق، مثل صيغة ترامبية معيارية بشدة: تجنَّب التشاور؛ لأنه قد يُعكِّر قدرتك على الحكم فحسب.
لا ينبغي تجاهل التفصيل الذي قدمته تغطية محطة (إيه. بي. سي) عن خطط الضربة الإيرانية ببساطة. وبالنظر إلى أن دائرة ترامب الداخلية ذات الخطاب الحربي (وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي، جون بولتون)، تضج بالتوقع عن ضربة أولى يتم توجيهها إلى الدول غير المنصاعة، ومع الدفع المتواصل من إسرائيل، تكتسب القضية ريحاً من الجدية الرصينة. وحتى ماتيس الأكثر اعتدالاً يظل حريصاً دائماً على تقديم لائحة بِقالة بالخطايا التي ترتكبها طهران: دعم بشار الأسد في سورية؛ و”إثارة المزيد من العنف” في اليمن؛ وإيران كمستأسِد إقليمي… وهلم جراً.
ثم احتمال توجيه ضربات إلى المرافق النووية الإيرانية إلى مزيد من التعقيد بسبب التصريحات العلنية التي يدلي بها بنيامين نتنياهو وهو يردد “عقيدة بيغن”، مؤكداً على أن “إسرائيل لن تسمح للأنظمة التي تسعى إلى القضاء علينا بحيازة أسلحة نووية”. والخطر الماثل هنا، كما كان دائماً، هو أن تمرق إسرائيل وتبدأ مثل هذا الهجوم من تلقاء نفسها، ولو أن انتشار المرافق الإيراني يعقّد أي مشروع من هذا القبيل.
أصبحت كليو (إلهة التاريخ والشعر البطولي اليونانية) الآن طاغية متعنتة مدججة بالقسوة، ورفضاً للاستماع إلى أصداء التحذيرات التي تلهم بها كليو الدول الإمبريالية ومواطنيها. دائماً ما يميل الغزو، والتدخل وتغيير مسار التنمية في الشرق الأوسط إلى أن تكون لها تداعيات عالمية. وقد أظهرت الدول الغربية ميلاً خطيراً وكبيراً إلى التدخل والتدمير هناك. ودائماً ما يأتي الموت على الأعقاب بشكل حتمي؛ ويتم خلق الفراغ. وتشكل شظايا المعلومات الأخيرة القادمة من كانبيرا عن نوايا الولايات المتحدة تجاه إيران تذكيراً مفيداً بأن الكثير لم يتغير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى