ترجمات أجنبية

بين أميركا وحلفائها الأوروبيين

ليونيد بيرشيدسكي، بلومبيرغ ٦-٥-٢٠١٨م
بدا الرئيس دونالد ترمب عاقد العزم على مواجهة الحلفاء الأوروبيين لأميركا بخصوص كل قضية ذات أهمية، بدءاً من التجارة، مروراً بالتغيرات المناخية، وصولاً إلى الاتفاق متعدد الأطراف مع إيران. ومع تنامي القلق في أوساط السياسيين والرأي العام على هذا الجانب من المحيط الأطلسي، حري بنا أن نتساءل حول ما إذا كان ترمب يرغب في وجود حلفاء بجواره من الأساس.
في أعقاب الزيارتين الناجحتين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لواشنطن، مؤخراً منح ترمب أوروبا إعفاءً لمدة شهر آخر من التعريفات العقابية على الحديد الصلب والألمونيوم. وينتظر ترمب من دول الاتحاد الأوروبي الموافقة، بدلاً من ذلك، على حصص تصديرية. ولا أحد يدري على وجه التحديد السبب وراء رغبة إدارة ترمب في هذا الأمر، خصوصاً أن التعريفات سوف تحقق على الأقل بعض العائدات للولايات المتحدة، بينما من المحتمل أن تسفر الحصص فقط عن بعض الأرباح غير الطبيعية للمصدرين، نظراً لأنها ستدفع الأسعار حتماً نحو الارتفاع. بيد أنه بغض النظر عن التعريفات أو الحصص؛ فمن الواضح أن القيادات الأوروبية عاجزة عن فهم المسار الذي ينتهجه ترمب.
من ناحية أخرى، ثمة احتمالية – أكَّدها ماكرون في أعقاب محادثاته مع ترمب – لأن تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وتعيد فرض عقوبات على إيران. ومن الواضح أن العرض الذي قدَّمَه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يرمي لتعزيز عزم ترمب على اتخاذ هذه الخطوة.
وعلى ما يبدو، فإن الأسلوب القوي الذي طرح به نتنياهو فكرة لا تتفق معها بالضرورة البيانات المتوافرة (المواد التي حصلت عليها الاستخبارات الإسرائيلية فيما يخص الخطط الإيرانية للتسليح منذ ما قبل إبرام الاتفاق) راق لترمب أكثر من الحجج المنطقية التي طرحها الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية، أو التذكير الذي أصدرته المسؤولة الدبلوماسية الأولى لدى الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، بخصوص أن طهران تقيدت بالتزاماتها المبرمة عام 2015.
وكان من شأن لغة الجسد المفرطة في الحميمية التي استخدمها ترمب على نحو أثار السخرية مع ماكرون ورفع الكلفة على نحو يثير الغضب في تعامله مع ميركل، البعث برسالة واحدة مفادها: «أعطوني ما أريد، أو لا تكبدوا أنفسكم مشقة الزيارة». ولا بد أن الخيار الثاني سيشكل تطوراً مخيفاً بالنسبة للسياسيين الأوروبيين الذين لطالما ثَمّنوا التحالف عبر الأطلسي منذ أواخر أربعينات القرن الماضي. ومع هذا، تظل الحقيقة أن وجهة نظر الرأي العام الأوروبي ربما تختلف عن نظرة القيادات في هذا الشأن.
جدير بالذكر أن معدلات النظرة الإيجابية تجاه الولايات المتحدة (كبلد، وليس إدارة) تبلغ 46 في المائة داخل فرنسا و35 في المائة بألمانيا، تبعاً لما أفاد به مركز «بيو» للأبحاث. ويُعتَبَر هذا المستوى الأدنى منذ عام 2008، عندما كانت سمعة الولايات المتحدة لا تزال تعاني بسبب غزو العراق، بينما كانت سحب الأزمة المالية تتكون في الأفق.
في مارس (آذار)، نشر مركز «بيو» استطلاعاً للرأي في أوساط قادة الفكر الأوروبيين والأميركيين (كان معظمهم خبراء بمجال السياسات الخارجية) كشف اعتقاد الأوروبيين أن ترمب من المحتمل بقدر بوتين، وأدنى احتمالاً بكثير عن ميركل وماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أو حتى الزعيم الصيني شي جينبينغ، لأن يفعل الأمر الصائب على صعيد الشؤون العالمية.
ويعتقد غالبية هؤلاء الخبراء (أميركيين وأوروبيين على حد سواء) أن العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا تتردى على جميع الأصعدة.
ومع أن أوروبا قد تكون مدينة بأمنها للولايات المتحدة، فإن معظم الأوروبيين ينظرون إلى الأمن باعتباره مشكلة شرطية، وليس جيوسياسية. وعليه، من الصعب أن يشرح لهم أحد طبيعة التهديدات التي تساعد الولايات المتحدة في تجنيبهم إياها.
وإذا كانت سياسة «أميركا أولاً» التي استعرضها ترمب بكل قوة خلال المؤتمر الصحافي المشترك بينه وبين ميركل، نابعة من اعتبارات داخلية، فإن توجيه النقد إلى الولايات المتحدة من الممكن أن يكون على الدرجة ذاتها من الشعبية داخل أوروبا، ويحقق مكاسب سياسية لصاحبه.
والواضح أن ميركل وماكرون تعرَّضا للعقاب لعدم إقدامهما على استخدام هذه البطاقة في حملاتهما الانتخابية الأخيرة.
ومن بين الأمثلة التي تكشف مدى سهولة استخدام هذه البطاقة، المقابلة التي أجرتها قناة «زد دي إف» الإخبارية الألمانية مؤخراً، مع غونتر أوتينغر، المفوض المعني بشؤون الموازنة داخل الاتحاد الأوروبي والحليف السياسي لميركل. خلال المقابلة، قال أوتينغر: «نحن نستورد سراويل (الجينز) من الولايات المتحدة، لكن هناك منتجات أوروبية أكثر تجذب الأميركيين»، وأضاف: «إنهم متقدمون علينا في قطاع واحد – القطاع الرقمي، وشبكات التواصل الاجتماعي والبيانات. أما فيما يخص الصناعة الحقيقية، فليس هناك سوى القليل من المنتجات الأميركية التي تجذب الأوروبيين».
في الواقع، هذا الشعور بالكبرياء الاقتصادية التي تحمل بعض الوجاهة، بالنظر إلى أن أوروبا تحقق فائضاً تجارياً مع الولايات المتحدة على مستوى جميع السلع الصناعية، وكذلك الغذاء، من السهل أن يرتبط بتوجيه النقد إلى السياسات الخارجية الأميركية، خصوصاً إذا ما تسبب ترمب في تدمير الاتفاق الإيراني.
وسيصبح من السهل ربط أي تنامٍ في حالة زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط بزيادة معدلات الهجرة إلى أوروبا، رغم أنه حتى هذه اللحظة لا يقدم على هذا الربط سوى أحزاب أقصى اليمين وأقصى اليسار.
قد تتركز أنظار ترمب على الوفاء بوعوده للناخبين في الداخل، لكن لو كانت لديه سياسة خارجية واعية بحق لكان قد أدرك أن مسألة رهانه على أن الأوروبيين، على الأقل العناصر المعتدلة منهم (مثل ميركل وماكرون الجديرين بالاعتماد عليهما) سيتجرعون إهانة بعد أخرى، ويستمرون في دعمهم للولايات المتحدة، ينطوي على مخاطرة كبيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى