ترجمات أجنبية

بوسطن غلوب- التعاون يجب أن يكون مستقبل سياسة أمريكا الخارجية

بوسطن غلوب – بقلم جيفري د. ساش*– 3/9/2021

كانت حروبنا دائماً حروب كراهية وليست حروب منطق، محكوماً عليها بالفشل –  وبتكلفة بشرية ومالية تذهل العقل.

خلال الستين عاما الماضية، عانت الولايات المتحدة من سلسلة من الحروب الفاشلة في الهند الصينية، وأميركا الوسطى، والشرق الأوسط وأفغانستان. وأنتجت كل واحدة من هذه الحروب الفوضى والمعاناة، تلاها تراجع أميركي. وفي حين أن اليمين الأميركي جادل دائمًا بأن النجاح يحتاج فقط إلى اندفاعة إضافية واحدة أو فورة قصف أخرى، فإن الحقيقة كانت أبسط وأكثر حزنًا. لقد كانت حروبنا حروب كراهية، وليست حروب منطق، منذورة للفشل -وبتكلفة بشرية ومالية تذهل العقل.

لم تهتم أميركا أبدا بمساعدة أولئك الذين تظاهرنا بأننا “ننقذهم” بهذه الحروب. ولهذا السبب وحده، لم تحصل أميركا أبدا على ذلك الدعم الواسع من السكان المحليين الذي كان ضروريا لتحقيق أي نوع من النجاح في هذه الحروب المضللة.

على مدار الستين عاما الماضية، شنت الولايات المتحدة حربا تلو الأخرى من أجل المصالح الضيقة للولايات المتحدة وحدها، والتي خلفت في أعقابها الفوضى والدمار والموت فحسب.

لم يكن الأميركيون يريدون إنقاذ الفيتناميين والكمبوديين واللاوسيين الذين كانوا محتقَرين في الثقافة الشعبية الأميركية. لقد أرادت أميركا وقف الشيوعية و”تساقط أحجار الدومينو” المفترض عبر جنوب شرق آسيا. ولم تكن أميركا تريد إنقاذ السلفادوريين والنيكاراغويين والآخرين في أميركا الوسطى المنكوبة بالفقر. لقد أرادت إيقاف الراديكاليين اليساريين الذين هددوا الاستثمارات الأميركية في المنطقة. ولم تكن أميركا تريد إنقاذ العراقيين والليبيين والسوريين. لقد أرادت الإطاحة بالأنظمة في هذه البلدان واستبدالها بأنظمة تدعمها الولايات المتحدة.

ولم تهتم أميركا أبدا بأمر أفغانستان، وهي فكرة أكدها الرئيس بايدن مراراً في الأيام الأخيرة. وقد لاحظ بايدن، باستحسان، أن الولايات المتحدة ذهبت إلى أفغانستان لسبب واحد، وواحد فقط: النيل من أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة بعد 11 أيلول (سبتمبر)، وليس لمساعدة شعب أفغانستان.

في ما يقول الكثير، لم يكن بايدن صادقا بشأن الأصل الحقيقي للتدخل الأميركي في أفغانستان، متبعاً نمطا معروفا وضعه أسلافه. فالتدخل الأميركي في أفغانستان يعود وراءً إلى العام 1979، أي قبل أكثر من 20 عامًا من أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، عندما دربت وكالة المخابرات المركزية سراً، وسلحت، ومولت الجهاديين الإسلاميين في أفغانستان من أجل محاربة الاتحاد السوفياتي. وتحولت القوة القتالية التي أنشأتها الولايات المتحدة إلى تنظيمي “القاعدة” و”طالبان”، ولكن لم يشرح أي رئيس، بما في ذلك بايدن، هذه الحقائق الأساسية للشعب الأميركي.

لطالما كانت ثقافة الجناح اليميني في أميركا معادية للعالم غير الأوروبي -“دول حفرة البراز” بعبارة دونالد ترامب المقززة، وإنما المعبرة. وعلى مدار الستين عامًا الماضية، شنت الولايات المتحدة حربًا تلو الأخرى من أجل خدمة المصالح الضيقة للولايات المتحدة وحدها، وتركت في أعقابها الفوضى والدمار والموت.

لقد عملتُ لعقود في بلدان يجدها الكثير من الأميركيين جديرة بالازدراء بسبب فقر أهلها، ودينهم، ولون بشرتهم، ورغبتهم في الهجرة بسبب الجوع والعنف، و”وقاحتهم” لمحاولتهم المطالبة بالسيطرة على النفط واليورانيوم والمعادن الأخرى الخاصة بهم والتي تحتاجها أميركا. ويشكل تسول المساعدة الإنمائية لهذه البلدان هواية في الكونغرس. ويعرف الناس في تلك البلدان جيدًا القوة الأميركية وإمكاناتها التدميرية. وهم يبذلون قصارى جهدهم لإبقاء أنفسهم بعيدين عن طريق الأذى.

بسحب قوات الولايات المتحدة من أفغانستان، أظهر بايدن القليل من التعاطف مع الشعب الأفغاني. وقد سخر من فكرة “بناء الأمة”، وهي عبارة أميركية تعبر عن الازدراء، والتي يبدو أنها تعني أن يتمتع المرء بالسذاجة الكافية لمحاولة مساعدة دولة أخرى. فهل هناك أي مفاجأة في أن يكون النظام في أفغانستان المدعوم بالقوة الأميركية قد انهار بهذه السرعة بمجرد رحيل أميركا؟

خشية أن يظن أي أميركي –خطأ- أن تريليون دولار أنفقتها الولايات المتحدة في أفغانستان على الحرب وإعادة الإعمار ذهب إلى بناء الدولة، فإنه لم يفعل. ربما تم تخصيص 2 في المائة من إجمالي الإنفاق الأميركي لأغراض مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية المدنية. لكن كل الأموال تقريبًا ذهبت لأغراض عسكرية وأمنية -الجيش، والتسليح، وقوات الأمن الأفغانية، وما شابه. وبعد 20 عامًا، تركنا وراءنا بلدًا يعاني فيه 38 بالمائة من الأطفال من التقزم بسبب نقص التغذية المزمن.

في شرح خروج أميركا، عزف بايدن لحن السياسة الخارجية الأميركية النمطي نفسه؛ أن العالم مكان خطير للغاية ومليء بأعداء أميركا. وأكد بايدن أن مهمة الرئيس هي حماية أميركا من هؤلاء الأعداء، وإنما ليس في أفغانستان بعد الآن. وإليكم كيف لخص بايدن المشهد العالمي:

“هذا عالم جديد. لقد انتشر التهديد الإرهابي في جميع أنحاء العالم، أبعد بكثير من أفغانستان. ونحن نواجه تهديدات من حركة الشباب في الصومال؛ وفروع تنظيم القاعدة في سورية وفي شبه الجزيرة العربية، ومحاولة “داعش” إقامة خلافة في سورية والعراق، وتأسيس فروع له في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا… وهنا، ثمة شيء مهم يجب فهمه: العالم يتغير. إننا منخرطون في منافسة جادة مع الصين. ونحن نتعامل مع التحديات على جبهات متعددة مع روسيا. ونحن في مواجهة مع الهجمات الإلكترونية والانتشار النووي. وعلينا أن ندعم القدرة التنافسية لأميركا لمواجهة هذه التحديات الجديدة في منافسة القرن الحادي والعشرين”.

وإليكم ما كان يجب أن يقوله بدلاً من ذلك: إن جميع البلدان -بما في ذلك الولايات المتحدة، وأعضاء الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، وإيران، ونعم، أفغانستان– تعاني من عدم الاستقرار بسبب جائحة “كوفيد 19″؛ وآثار أزمة المناخ (الفيضانات، الجفاف، الأعاصير، حرائق الغابات، موجات الحر)؛ واتساع التفاوت في الدخل الذي يزيد من عمق الفجوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون؛ والاضطرابات التي تسببها التقنيات الرقمية؛ والنفوذ السياسي الخطير لأصحاب الثروة. كل هذه مشاكل مشتركة في جميع أنحاء العالم، وكلها تتطلب تعاونًا عالميًا مكثفًا بدلاً من المواجهة.

كان بايدن محقا في الانسحاب من أفغانستان، لكنه كان مخطئًا في عرض الصورة الأكبر. إن أعداء أميركا اللدودون ليسوا الصين وإيران وروسيا. إن أعداءنا الحقيقيين هي الآفات المشتركة التي تواجه البشرية اليوم. ولا يمكن أن تتمكن دولة واحدة من حل المشاكل العالمية بمفردها.

من غير المؤكد ما إذا كانت أميركا ستغير سياستها الخارجية العدوانية بطريقة لا هوادة فيها من أجل خدمة مصلحتنا الخاصة، ومصلحة العالم أيضاً. إن أمتنا في حالة حرب منذ قرون. وقد أدت إخفاقاتنا المتكررة إلى جعل اليمين السياسي يضاعف رهاناته ويدعو بحماس متزايد إلى مزيد من الأسلحة، ومزيد من التصعيد مع الصين وإيران وروسيا وأعداء مزعومين آخرين. نعم، لقد انسحبنا من أفغانستان –متأخرين بنحو 42 عامًا- وهذا أمر جيد. ولكن، هل ستتبنى الولايات المتحدة سياسة خارجية جديدة تقوم على السلام وحل المشكلات؟ هذا هو السؤال الحقيقي.

* جيفري د. ساش –  هو مدير “معهد الأرض”، وأستاذ التنمية المستدامة، وأستاذ السياسة الصحية والإدارة في جامعة كولومبيا. شغل منصب المستشار الخاص للأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، حول الأهداف الإنمائية للألفية، وكان قد شغل نفس المنصب في عهد الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كوفي أنان. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى