بن كسبيت يكتب – التحقيق انتهى أما الاسئلة فلا تزال
معاريف – مقال – 11/11/2018
بقلم: بن كسبيت
تحقيق الشرطة في قضية الغواصات والسفن انتهى، ولكن هذه القضية البائسة لم يحل لغزها بعد، ولم تظهر الحقيقة بعد. لقد كان للشرطة تفويض واضح، مركز، وقد اضاءت حوض السفن العفن من ثقب قفل ضيق: صاحب الرشوة ميكي غانور، علاقاته ومرشويه.
لم تعنى الشرطة بكل ما وصف بانه “الجانب العام”. مثلا، من اعطى للالمان الاذن الاسرائيلي لبيع الغواصات المتطورة للمصريين؟ لماذا استغل المحامي اسحق مولكو مكانته كمبعوث سياسي لرئيس الوزراء كي يفتح القنوات مع الالمان؟ كيف تتخذ قرارات الشراء بالمليارات؟ من يتلقاها واي رقابة توجد عليها؟ ماذا بالنسبة للشفافية؟ لماذا تحتاج الدولة الى مناورة القرض بمبلغ مئات الملايين من بنك خاص كي تمول الغواصات؟ كل هذه الاسئلة وغيرها لم تتطرق لها الشرطة.
رغم ذلك، لقد قالت محافل انفاذ القانون رفيعة المستوى لـ “معاريف”: “توصلنا الى تقصي الحقيقة حتى في مسألة الاذن للالمان لبيع الغواصات للمصريين”. فلماذا لا تنشر هذه الحقيقة، سألناهم فأجابوا: “هذا شأن عام وليس جنائيا. هذا ليس تفويضنا”.
علمت “معاريف” ان الامر بالاذن للالمان ببيع الغواصات للمصريين جاء من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. كما ان هذا ما يتضح من تحقيق الشرطة وان كانت الشرطة ترفض بشدة التطرق الى هذا النبأ. فالاذن ببيع الغواصات للمصريين تلقته انجيلا ميركيل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عبر مبعوث. وقد صدر هذا الامر دون اجراء بحث في الكابنت، دون اشراك وزير الدفاع، دون ترك اثر، وثيقة، محضر أو تصويت في أي محفل. مجرد هكذا. لا أعرف اذا كان هذا جنائيا. هذا عام. وليحكم الرأي العام فيه.
تبعث مادة التحقيق في ملف الغواصات القشعريرة. فميكي غانور يستدعى الى مكتب رئيس الوزراء للقاء رئيس الطاقم، كي يعالج مواضيع صفقاته مع الالمان وربما لاحباط متنافسين محتملين، ولكن رئيس الوزراء لا يعرف. صديق قريب من نتنياهو هو شلومي بوغل، مالك “احواض سفن اسرائيل” يريد أن يبني السفن التي توصيها اسرائيل من المانيا (عبر غانور ودافيد شمرون) بثمن افضل. وهو يناشد نتنياهو أن يأتي لزيارة حوض السفن. نتنياهو يعد بان يأتي. احد ما يحبط هذه الزيارة. علينا ان نصدق بان بوغل لم يقل لنتنياهو على مدى كل هذا الزمن ان “محاميك ينبش هنا في صالح الالمان”.
وحسب الشرطة، فلم تتوفر أي أدلة على أن نتنياهو كان يعرف. اذا ضغطم على رجال الشرطة فسيتبين لكم ان هذا غريب بالنسبة لهم ايضا. ولكن هذا هو الوضع. ولم نصل بعد الى المحامي الثاني ابن الخال الثالث، اسحق مولكو. فقد انقذ من هذا الملف بالقوة. ليس بسبب انعدام التهمة، لا سمح الله، بل بسبب انعدام الادلة.
لقاء مولكو مع ميكي غانور يصفه رجال الشرطة بانه “خطير من ناحية الرأي العام”. ومولكو يتبوأ منصبا حساسا جدا، فهو موظف عام ومبعوث رئيس الوزراء بالتوازي مع ادارته مكتب محامين يده في كل شيء. وكما وصف هذا مصدر قانوني رفيع المستوى، “يجب بناء أسوار صينية” بين مولكو وبين النشاط التجاري الخاص. هذه الاسوار، كما وصفت اوساط الشرطة، سقطت في ذاك اللقاء الذي يبعث فيه غانور بمولكو للعمل في صالحه لدى الالمان. وتقول الشرطة: “لما كان هذا لقاء واحدا فقط يستخدم فيه غانور مولكو، فقد اصبح هذا ملفا حدوديا”. وهكذا انزلق الى خارجه، في الدقيقة التسعين.
في هذه الاثناء، اجتاز مكتب شمرون مولكو اعادة تجديد سريعة: في موقع الانترنت للمكتب ظهرت صور جديدة عن العلاقة الوثيقة لرئيس الوزراء مع اصحاب المكتب وبنشاطهم المتفرع. وفجأة هذه العلاقة اختفت. شطبت. نتنياهو غير موجود. ماله ولهذا المكتب. نتنياهو من؟
الشرطة، حسب شهادتها، لم تحقق في الحاجة الامنية لثلاث غواصات اخرى، في التوقيت الذي حاولت فيه اسرائيل التوقيع على شرائها. لم تفحص الاعتبارات الاستراتيجية، عملية اتخاذ القرارات وسياسة الرقابة على المشتريات الامنية. من سيحقق في كل هذا؟ من سيأتي اخيرا بمشروع قانون يحظر تماما مشاركة الوسطاء في صفقات الشراء الا في حالات شاذة حصلت على الاذن المسبق في اجراء شفاف؟
يخيل لي ان هذا القانون اكثر ضرورة من أي قانون ولاء في الثقافة، حتى أكثر من قانون المستشارين القانونيين. واذا كنا وصلنا الى هذا القانون، فانه احد القوانين التي تشرع في الاشهر الاخيرة بسرعة البرق والتي ستجعل امكانية الكشف عن قضية الغواصات التالية اصعب بكثير. فنحن ليس فقط لا نقضي على الفساد، بل ان منتخبينا يقيمون حوله اسوارا واقية.
“نحن ايضا مواطنون في هذه الدولة”، قال في نهاية الاسبوع مصدر في انفاذ القانون مطلع على تفاصيل التحقيق في قضية الغواصات. “بعد ان رأينا السياقات المختلفة المتعلقة بالمشتريات الاستراتيجية الامنية الهامة جدا، بعد ان حققنا في عمل القيادة الذي كان أو لم يكن، السياقات والوسطاء، وجدنا أنفسنا قلقين جدا كمواطنين.
“انت تتربى على فكرة امن الدولة المقدس، انت تعيش في احساس بان كل هذا يتم في اعتبار حريص وعمل منظم، وها أنت تصل الى مئات الملايين التي تمر ويتفق عليها بهذه الطريقة بسبب ورقة كهذه تتنقل من يد الى أخرى. لا شك ان جهاز الامن يستدعي مراجعة عميقة. نحن محققون قدامى، واعتقدنا أننا اعتدنا على كل شيء، وفقدنا السذاجة منذ زمن بعيد، ولكن تبين اننا لم نر بعد كل شيء”.