ترجمات عبرية

بني موريس يكتب – في نهاية المطاف ستكون لنا هنا دولة واحدة

هآرتس – مقال – 18/1/2019

بقلم: بني موريس

جدعون ليفي مخطيء بخصوص الماضي والحاضر، ويبدو لي المستقبل ايضا.

الماضي:

في المقال الذي نشره هذا الاسبوع في هذه الصحيفة وصفني جدعون ليفي، استنادا الى الاقوال التي قلتها في مقابلة مع آري شبيط في العام 2004 بـ “باحث طرح خيارين، تطهير عرقي أو ابادة شعب” (“رد على نبي الغضب”، 13/1). الحديث يدور عن تناول ما حدث في العام 1948. القاريء الساذج يمكنه أن يفهم من اقوال ليفي أن اليهود اختاروا بدل ابادة العرب، طردهم. ولكن هذا ليس ما قلته. لقد قلت في حينه وأقول الآن إن اليشوف اليهودي في 1948 وقف امام خيارين: إما أن يقوم العرب بتنفيذ ابادة شعب ضده – بالنسبة لي لا يوجد شك أن انتصار عربي في 1948 كان سينتهي باعمال ذبح جماعية ضد اليهود – أو أن اليهود، من اجل الدفاع عن انفسهم، يقومون بطرد العرب، أو على الاقل منع عودة الذين هربوا وطردوا. اليهود اختاروا ألا يذبحوا، وبحق. ولكن ايضا “تطهير عرقي”، بمعنى المفهوم الذي ترسخ في العقود الاخيرة على قاعدة افعال الصربيين في التسعينيات في البوسنة، التي شملت قتل متعمد واغتصاب للآلاف، لم ينفذ هنا. ما حدث هنا كان صراع بين شعبين ادعيا حقهما على نفس قطع الارض.

بين تشرين الثاني 1947 وآذار 1948 هاجمت مليشيات من عرب اسرائيل، الذين بعد ذلك تمت تسميتهم فلسطينيين، المستوطنات اليهودية. وفي نيسان – أيار 1948 هزمت هذه الملشيات على أيدي الهاغاناة. في اعقاب ذلك، في ايار – حزيران 1948، جيوش الدول العربية المجاورة غزت ارض اسرائيل وهاجمت دولة اسرائيل. وهؤلاء ايضا في نهاية الامر هزموا. اثناء تلك الحرب احتلت القوات اليهودية 400 قرية عربية، التي استخدمت كقواعد للمليشيات الفلسطينية وبعد ذلك استضافت الجيوش الغازية (مثلما شكلت البلدات اليهودية قواعد للقوات اليهودية)، ومعظم سكانها هربوا، وتم حثهم على الهرب، وطردوا – نفس “الخطأ الاول” الذي يتحدث جدعون ليفي عنه.

عدد من العرب الذين نزحوا غادروا في اعقاب نصيحة أو ضغط أو تعليمات من زعماء عرب، مثلما حدث في حيفا في نيسان 1948. اثناء الحرب تبلورت لدى حكومة اسرائيل سياسة استهدفت منع عودة اللاجئين الذين حاولوا تخريب اليشوف اليهودي؛ وهذه السياسة نفذت على الارض، لكن لم تكن هناك سياسة لـ “طرد العرب”، لذلك بقي في حدود الدولة التي تشكلت 160 ألف عربي، ما يعادل خُمس عدد سكان الدولة. كان هناك ضباط طردوا العرب (يغئال الون واسحق رابين)، وكان هناك من لم يطردوا (بن دونكلمان، موشيه كرمل). ولكن الاغلبية هربوا أو اجبروا على الهرب. ليس بالضبط تطهير عرقي.

خلال الحرب نفذ الطرفين اعمال قتل ضد المدنيين وضد أسرى الحرب. المذبحة الاولى في الحرب حدثت في كانون الاول 1947 عندما قتل العرب 39 يهوديا في مصفاة التكرير في حيفا. ولكن خلال الحرب، الطرف اليهودي قتل عدد أكبر من العرب، مقارنة مع عدد اليهود الذين قتلهم الجانب العربي (حتى لو جاء ذلك فقط بسبب أن اليهود سيطروا على مئات القرى العربية، في حين أن العرب سيطروا على اقل من عشر بلدات يهودية – والفلسطينيون لم يسيطروا على أي مستوطنة يهودية، في المكان الذي شارك فيه فلسطينيون مسلحون الى جانب القوات الاردنية، وفي احتلال مستوطنة يهودية، في كفار عصيون، 13 ايار 1948، نفذت المذبحة الاكبر لليهود خلال الحرب).

قصة العدوان العربي على اليشوف اليهودي – في جولات العنف في 1920 و1921 و1929 و1936 – 1939 و1947 – 1948 – اختفت تماما في مقال ليفي. في المقال المعتدي دائما هو اليهودي والضحية هي دائما العربي. العربي هو دائما الموضوع وليس الذات. هو ليس مسؤول عن أي شيء. ليفي صدق الرواية العربية، التي تعتبر العودة الى صهيون عملية غزو جماعي، لا يوجد لها أي منطق أو عدالة. لذلك، العنف ضدها يعتبر دفاعا شرعيا امام معتدي. مثل العرب، ليفي يتجاهل تماما أولا، العلاقة التاريخية اليهودية مع ارض اسرائيل التي توجد في اساس الصهيونية وتبريرها. ثانيا، حاجة اليهود الى ملجأ من القتل التاريخي للاغيار ضدهم، بالاساس المسيحيين، لكن احيانا من المسلمين. اليهود حسب رواية العرب هم ببساطة مجموعة لصوص، الذين لسبب ما قرروا سرقة ارض اسرائيل من ايدي سكانها العرب.

بنظرة الى الماضي فان ليفي ايضا يتجاهل حقيقة أن القيادة الصهيونية في 1937 و1947 و1978 و2000 و2007 و2008 وافقت على حل يرتكز على تنازل جغرافي في حين أن القيادة الفلسطينية – بقيادة الحاج امين الحسيني وياسر عرفات ومحمود عباس – رفضت دائما وبتصميم كل عروض المصالحة التي قدمها البريطانيون والامم المتحدة والولايات المتحدة وحكومات اسرائيل. (طالما أن عباس يرفض الموافقة على صيغة “دولتين للشعبين”، ويضلل عندما يقول إنه يؤيد حل “الدولتين”، بدون أن يذكر الشعبين، الفرق بين الرئيس الفلسطيني الحالي وأسلافه هو هامشي).

الحاضر:

صحيح أن القيادة في اسرائيل اليوم ايضا ترفض حل الدولتين للشعبين، ولهذا تزيد الاستيطان في المناطق – احد اسباب سعادتي اذا سقط حكم نتنياهو (هناك اسباب اخرى كثيرة، التهويد، محاولة تقييد وافساد الديمقراطية، الفساد الشخصي وما اشبه). لم اؤيد في أي يوم نتنياهو، الذي لا يثير سلوكه لدي سوى الاشمئزاز. ليفي، اذا كنت فهمت الامر بشكل صحيح، يؤيد استمرار حكم نتنياهو، ربما على اساس المنطق الثوري السخيف الذي يقول إنه كلما زاد الوضع سوء فهذا سيفيد في المستقبل. ربما مثل شريكه في تحرير “هآرتس”، بني تسيفر، سحر بالرجل وشخصيته. أو ربما أنه فهم أن سياسة نتنياهو بالضرورة تؤدي الى دولة واحدة تكون فيها اكثرية عربية، أي نهاية دولة اسرائيل كدولة يهودية.

ليفي يصف حكم الاحتلال الاسرائيلي في الضفة بالديكتاتورية العسكرية. من أكثر الديكتاتوريات وحشية في العالم. هذا مبالغة مجنونة. دائما عارضت اخلاقيا الاحتلال. الاحتلال مفسد. ربما ليفي لاحظ أنه خلافا للكثير من زملائه، قد مكثت قليلا في السجن بسبب معارضتي للاحتلال، ولم احسب في أي يوم على الذين يعتبرون الاحتلال الاسرائيلي في المناطق “متنور” (انظروا الاوصاف المفصلة في كتابي “ضحايا”). الاحتلال دائما كان قائما على العنف (بواسطة الجيش والشباك والشرطة)، وعلى السجن وعلى طرد المعارضين. وهنا وهناك ايضا على قتل معارضي الاحتلال الذين يصفهم القادة لدينا بالمخربين، وإن كان معظمهم في السنوات الاخيرة يوجهون السكاكين نحو المستوطنين والجنود ورجال الشرطة). ولكن ديكتاتورية عسكرية من اكثر الديكتاتوريات وحشية في العالم اليوم، ألم يسمع ليفي عن افعال نظام جارنا بشار الاسد؟ أو الجيران الابعد قليلا، آيات الله في طهران (أو انظمة دول كثيرة في افريقيا وآسيا)؟.

صحيح أنه في الغرب لا توجد شعوب تحكم شعوب اخرى، وحكم كهذا يعتبر وبحق غير اخلاقي. ولكن صحافي مثقف يجب عليه أيضا أن يفحص من جهة كيف وجدت اسرائيل نفسها في هذا الوضع – التطويق والتهديد في أيار – حزيران 1967 وخلال رفض م.ت.ف صنع السلام، وسعيها الى القضاء على اسرائيل، وتملصها من اقتراحات التسوية الجغرافية. ومن جهة اخرى، من يتذكر الاشكالية الامنية التي اكتنفت نقل المناطق الى حكم عربي (انظروا ماذا حدث في غزة بعد انسحابنا من هناك في 2005).

المستقبل:

بخصوص المستقبل ما زلت اؤمن بأن حل “الدولتين للشعبين” والتقسيم الجغرافي هو القاعدة الوحيدة لحل يعطي شيء من العدل للشعبين (عدل مطلق لطرف ينفي بالضرورة أي احتمالية لعدل للطرف الآخر). ولكن أنا اؤمن مثل ليفي أن هذا الحل غير قابل للتنفيذ الآن. وربما حتى لن يكون قابل للتنفيذ في المستقبل بشكل مطلق. ولكني اضيف: دائما شككت بمستوى واقعية تقسيم ارض اسرائيل الانتدابية بحيث أن اليهود يحصلون فيها على 78 – 80 في المئة من الاراضي، والعرب يكتفون بـ 20 – 22 في المئة منها. حتى لو وجد زعماء فلسطينيون يوقعون على اتفاق كهذا فان الشعب الفلسطيني بقيادة حماس وفتح سيرفض هذا الاتفاق تماما ولن يصمد طويلا.

الاتفاق الذي يقوم على حل الدولتين سيحتاج الى منح الفلسطينيين فضاء للعيش يمكنهم من استيعاب مئات آلاف اللاجئين من لبنان وسوريا. فضاء كهذا يجب أن يشمل 95 في المئة من اراضي الضفة الغربية (اقتراح بيل كلينتون في كانون الاول 2000)، وقطاع غزة وشرقي القدس وكذلك شرقي الاردن واراض في سيناء. بدون هذا الفضاء الجغرافي فان اتفاق قائم على حل الدولتين غير قابل للحياة.

اتفاق سلام قائم على تقسيم البلاد لا يبدو منطقيا ضمن المعطيات القائمة، وما الذي يقترحه ليفي بدلا من ذلك؟ “دولة كل مواطنيها”، “دولة ديمقراطية واحدة بين النهر والبحر”. هذا يبدو جيدا، لا سيما اذا كنت تجلس في مقهى في باريس أو لندن. لكننا نعيش في غابة الشرق الاوسط، محاطين بدول ناجحة مثل سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن والسعودية، باختصار، دول عربية اسلامية قيم الديمقراطية والتسامح والليبرالية بعيدة عنها.

هل الفلسطينيون ليسوا عرب ومسلمين (ربما 5 في المئة منهم مسيحيين)؟ هل حكم حماس في غزة وحكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية هي انظمة ليبرالية ومتسامحة وديمقراطية؟ هل هناك أساس للاعتقاد بأن الفلسطينيين سيتصرفون بشكل مختلف عن اخوتهم العرب في اماكن اخرى؟ باختصار، هل الفلسطينيون يشبهون النرويجيين؟.

حل الدولة الواحدة لليهود والعرب هو وصفة للعنف والفوضى، التي ستؤدي في نهاية المطاف الى دولة فيها أكثرية عربية وأقلية يهودية مقموعة، ستبدل كل جهدها للهرب من هنا مثلما هربت الجاليات اليهودية من الدول العربية عندما قام جيرانهم بالتنكيل بهم في الاعوام 1948 – 1965.

في عشرينيات وثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي كان هناك القليل من اليهود في اطار تحالف سلام وهيئة وحدة أيدت فكرة الدولة ثنائية القومية. هذه الفكرة لم تنجح، اليهود باغلبيتهم الساحقة رفضوها، لكن الفكرة وجدت عدد أقل من المؤيدين في اوساط العرب. اليهود القلائل أيدوا فكرة لم تنجح في حل المشكلة الديمغرافية، المشكلة التي وضعها امامهم الواقع، اكثرية عربية وأقلية يهودية بين النهر والبحر. اذا اصبحت الدولة ديمقراطية واذا كانت فيها اكثرية عربية فستكون هناك اغلبية ستقرر طابع الدولة ونشاطها، واليهود سيدفعون الى الهامش وبعد ذلك الى الخارج.

اذا عدنا الى ارض الواقع للحظة، يبدو لي أن ما كان هو ما سيكون: سلطة الاحتلال ستستمر، العرب سيعانون واليهود ايضا سيعانون (بشكل أقل بقليل). ربما أن جدعون ليفي محق، وهذا يمكن أن يستمر مئة سنة اخرى، حتى لو كنت أشك بذلك. في نهاية العملية ستتبلور هنا الدولة الواحدة. اليهود سيسيطرون فيها الى أن تزداد العقوبات الدولية والتمرد العربي وضغط الجيران عليهم. وستدار هنا دولة بحكم عربي مع اقلية يهودية آخذة في التناقص. الدولة العربية الـ 24 ستنضم الى جامعة الدول العربية، ودولة فلسطين ستختفي بالتدريج في رمال الشرق الاوسط الى جانب جيرانها، بعد أن تفرغ آبار النفط في شبه الجزيرة العربية.

مقال مور التشولر (“اذا كان الامر كذلك فان نتنياهو في ازمة”، هآرتس، 15/1) يهاجمني ايضا ويهاجم ليفي. وهو لا يستحق الرد. فالجهالة ليس لها حدود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى