ترجمات أجنبية

بلومبيرغ : الخلاف مع اليونان يكشف تراجع النفوذ الروسي في أوروبا

هنري ميار وايرينا رزينك، بلومبيرغ ١٣-٨-٢٠١٨

عندما قامت اليونان، التي تعد من ضمن أصدقاء روسيا المقربين في أوروبا، بطرد اثنين من الدبلوماسيين الروس الشهر الماضي لمحاولتهما إفساد صفقة مع جمهورية مقدونيا المجاورة، كشف ذلك خيبة الأمل الكبيرة التي شعرت بها موسكو من خسارة الرئيس فلاديمير بوتين نفوذه في منطقة استراتيجية مهمة. فروسيا تتعرض للطرد من منطقة البلقان نتيجة توسع الاتحاد الأوروبي واتفاقية منظمة شمال الأطلسي، ما جعل نفوذها يتآكل في جنوب شرقي أوروبا. ولذلك فإن الفرصة تبدو ضئيلة لتغيير ذلك المنحى، بحسب 4 مصادر في موسكو قريبة من سياسة روسيا في البلقان.
وفي هذا الصدد، قال ليونيد رشتينكوف، الرئيس السابق للاستخبارات الروسية الذي عمل في وقت سابق عميلا في اليونان والبلقان: «بالطبع… عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) غير صالحة للاستخدام. ماذا عسانا أن نفعل؟ هم ينظفون هذه المنطقة من النفوذ المنافس». فقد جعلت علاقات روسيا التاريخية والثقافية مع البلقان المنطقة تتخذ موقفا تفضيليا عاطفيا تجاه أنصار موسكو، ما أوجد علاقات أكثر دفئا من باقي دول أوروبا. والآن فإن دول البلقان أصبحت أكثر التزاما بالغرب مع انجذابهم للاتحاد الأوروبي و«الناتو».
حتى في ظل الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي والأسئلة التي أثارها الرئيس دونالد ترمب عن التزامات الولايات المتحدة تجاه حلفائها في «الناتو»، فلا تزال الجبهات المختلفة تواصل محاولات الجذب في المنطقة مع وعود بزيادة حجم التجارة ومستوى المعيشة وتقديم ضمانات بتعزيز سيادة القانون ومستوى الأمن. وبالنسبة لبوتين، فإن تقلص النفوذ والتمدد الجيوسياسي الروسي يمثل فشلا تاريخيا ذريعا وإن بدت قوة قادة الكرملين عالميا لا تزال على حالها، بدءا من سوريا وانتهاء بالتدخل في السياسة الأميركية الداخلية.
وفي هذا الصدد، قال أليكساندر دوغن، المفكر القومي ومستشار الكرملين السابق الذي دعا إلى تعزيز النفوذ الروسي في أوروبا وأورآسيا، إن «روسيا تتعامل ببلادة واضحة. فروسيا تحتاج إلى خطة عمل». فقد طردت اليونان المبعوثين الروس بعد أن اتهمتهم برشوة المسؤولين هناك، في محاولة لكسر التوافق الهادف إلى حل النزاع حول جمهورية مقدونيا، والسماح لها ببدء المباحثات حول عضوية «الناتو».
وقد اتهمت وزارة الخارجية الروسية أثينا بالانضمام إلى حملة «الاستفزازات القذرة»، ما أدى إلى مطالبة اليونان بأن «تتوقف حالة عدم الاحترام المتواصلة تجاه اليونان».
وقد استدعت روسيا السفير اليوناني في هذا الصدد لإبلاغه بأن وزارة الخارجية سترد بإجراءات دبلوماسية عكسية بعد طرد دبلوماسييها. ووفق الاتفاق الذي جرى مع أثينا، ستصبح جمهورية مقدونيا «جمهورية شمال مقدونيا» بعد اعتراض اليونان على أن اسم جمهورية يوغسلافيا السابقة، كان يوحي بمطلب إقليمي على أرضها تحت الاسم نفسه.
وقد أفاد كوستاس دوزيناس، عضو حزب سيريزا ورئيس لجنة الدفاع والعلاقات الخارجية في البرلمان، بأن اليونان «عازمة بقوة على التصديق على الاتفاق»، مضيفا أنه «إذا استمر الروس في محاولة إخراجها عن مسارها، فسوف يكون هناك رد فعل قوي». حتى حزب «اليونان المستقلة» الموالي لروسيا والذي يعد الشريك الأصغر في التحالف ضمن حكومة رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس، اتهم موسكو بالتدخل رغم معارضتها للاتفاق. «وهناك معلومة أولية بتدخل روسي في الشؤون اليونانية»، بحسب نائب رئيس الحزب، بانوس سغريديس، في مكالمة هاتفية، أضاف أنه «من المهم حماية السيادة الوطنية اليونانية».
وتعتزم جمهورية مقدونيا إجراء استفتاء في 30 سبتمبر (أيلول) المقبل، لكن الاتفاق قوبل بالرفض من قبل الرئيس إيغور إيفانو، فيما اتهم رئيس الوزراء زوران زايف رجال أعمال يونانيين متعاطفين مع روسيا لم يحددهم بالاسم بإثارة الاحتجاجات ضدها.
والشهر الماضي، أوردت منظمة «الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد» التي تضم عددا من محرري التحقيقات، نقلا عن مستندات وزارة داخلية جمهورية مقدونيا أن الملياردير اليوناني الروسي إيفان سافيديس دفع 300 ألف يورو لمعارضي الاتفاق، لكن ممثلا عن سافيديس نفى الادعاء. وفي السياق ذاته، قال فرانتس كلينتيفتش، عضو لجنة الدفاع والأمن في البرلمان الروسي، إن «جمهورية يوغسلافيا السابقة ستصبح عضوا في حلف ناتو. لكن روسيا ترى تمدد الحلفاء كأداة لتعزيز دائرة الأعداء حول روسيا».
وجاءت حالة التوتر عقب الاتهامات التي أثارتها «الجبل الأسود» بأن روسيا تقف وراء الانقلاب الفاشل الذي حدث أثناء الانتخابات البرلمانية عام 2016 في محاولة لتعطيل دخولها في التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة العام الماضي. وهناك ضابطا استخبارات روسيان من ضمن 14 شخصا وجه لهما المدعي العام في «الجبل الأسود» تهمة التخطيط للانقلاب، لكن روسيا أنكرت أي صلة بذلك.
وحذر كونستانتين مالوفيف -رجل الأعمال الروسي الثري وحليف بوتين الذي واجه عقوبات من الاتحاد الأوروبي لمساندته التمرد بشرق أوكرانيا وتعزيزه للروابط مع أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا- من حركة ارتجاعية في اليونان. وقد أظهر استطلاع رأي عام في اليونان أن 70 في المائة من اليونانيين يعارضون الاتفاق مع جمهورية مقدونيا.
وفي سياق متصل، قال نيكيتا بوندروف، الخبير في شؤون البلقان بمعهد الدراسات الاستراتيجية الروسي والمستشار بالكرملين: «ستكون ضربة موجعة لو أن صربيا – التي فجرتها قوات الناتو عام 1999 أثناء أزمة كوسوفو – انضمت في النهاية إلى الحلف. سنصبح تقريبا بلا صديق في جنوب شرقي أوروبا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى