بلومبيرغ : استهداف روسيا وإصابة الحلفاء
بقلم : توماس بيكرينغ وإتمان تريفيدي، بلومبيرغ ١٢-٤-٢٠١٨م
منذ أشهر وحتى الآن، يواصل قادة الكونغرس ممارسة الضغوط على الرئيس دونالد ترمب لفرض عقوبات قاسية على روسيا جزاء على تدخلها السافر في أوكرانيا، وسوريا، والانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. وفي الآونة الأخيرة، المملكة المتحدة، في حادثة التسميم الشهيرة. ومن واقع إحباط مساعيهم، كان المشرعون يتصرفون منفردين إذا أتيح لهم ذلك. وباتت جهودهم الآن تهدد حلفاء وشركاء مهمين للولايات المتحدة، ومن بينهم رئيس وزراء الهند.
وعلى غرار سابقتها، سعت إدارة ترمب بقدر من الحكمة لجعل الهند إحدى الركائز الأساسية في استراتيجيتها الشاملة حيال آسيا. وتحظى القوة الهندية الصاعدة، في بادرة نادرة الحدوث، بتأييد واسع النطاق لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن. ويود السواد الأعظم من لاعبي السياسة الخارجية الأميركية مشاهدة تسارع وتيرة التقارب في العلاقات على مختلف الأصعدة، وذلك نظرا لتلاقي المصالح والقيم المشتركة بين البلدين. ولا تريد أي من الدولتين أن تهيمن أي دولة أخرى على مستقبل آسيا، وتشكل الهند الديمقراطية حاجزا كبيرا ضد تيار المد السلطوي المتصاعد في تلك المنطقة.
بيد أن هذا التوافق المريح بين البلدين، رغم كل شيء، من شأنه أن يتعارض الآن مع سياسات واشنطن. إذ وافق وزير الدفاع الهندي، إبان زيارته إلى موسكو الأسبوع الماضي، على التعجيل بشراء منظومة الدفاع الجوي المتطورة بعيدة المدى طراز (إس – 400) من روسيا. ولقد تم التوقيع على تلك الصفقة من قبل في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2016، ولكن ظلت قيد التعليق بشكل رئيسي بسبب خلافات حول سعر الصفقة بين الجانبين.
ومن شأن مشتريات الأسلحة الهندية من روسيا أن تشكل انتهاكا لقانون حديث صادق الرئيس ترمب عليه في أغسطس (آب) لعام 2017 ويقضي باستهداف روسيا بسبب تدخلاتها المؤسفة في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، وغير ذلك من التصرفات المسببة لزعزعة الاستقرار في غير موضع من العالم. ويستلزم قانون مواجهة خصوم الولايات المتحدة معاقبة أي دولة تدخل في «معاملات كبيرة» مع قطاعات الدفاع والاستخبارات الروسية.
وتعتبر الصفقة الهندية الروسية نتيجة فرعية للعلاقات الدفاعية التي تعود إلى بدايات الحرب الباردة. وعلى الرغم من قيادتها لحركة عدم الانحياز إزاء كل من واشنطن وموسكو، فإن الهند كانت تميل نحو الجانب السوفياتي، في حين أن عدوها اللدود باكستان مالت بدورها نحو التحالف مع الولايات المتحدة. ولا تزال نسبة تقدر بنحو 60 في المائة من المعدات الدفاعية الهندية تأتي من روسيا.
ومع انحسار تلك الحقبة الزمنية بشكل تدريجي ومطرد، ومع تنامي الاقتصاد الهندي على إثرها، صعدت الولايات المتحدة لتصبح ثاني أكبر مورد للأسلحة والمعدات الدفاعية في الهند. وفي واقع الأمر، تحظى العلاقات الدفاعية الأميركية الهندية بأقوى زخم تبلغه في العلاقات الشاملة التي تربط بين البلدين اليوم. وتعتبر الهند من الشركاء المهمين للغاية في المساعدة على إدارة واحتواء الصعود الصيني في المنطقة، ومكافحة الإرهاب في إقليم جنوب آسيا، وتوفير الأمن البحري في المحيط الهندي.
ومع ذلك، هناك بعض القضايا التي لا بد من الاهتمام بها. إذ تعيش الهند في جوار شديد الخطورة بين الصين وباكستان المسلحتين نوويا، وهما من الدول المنافسة التي خاضت معهما الهند الحروب المتتالية إلى جانب عدد من النزاعات الحدودية القائمة والنشطة. وتوافر المعدات العسكرية الحديثة أمر لا بد منه بالنسبة للهند التي تعتبر أكبر مستورد للأسلحة على مستوى العالم، ولا سيما أن أكبر منافس استراتيجي لها، وهي الصين، كانت من أول العملاء الخارجيين المتعاقدين على صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسي المتطورة (إس 400).
وتريد الهند أن تكون المتعاقد الثاني مباشرة، من أجل تعزيز أمن حدودها إلى حد كبير ضد الهجمات المحتملة. وتهدف منظومة الدفاع الجوي المتطورة (إس 400) إلى توفير الطمأنة للهند حتى في الوقت الذي تواجه قواتها المسلحة نقصا حادا في الطائرات المقاتلة وتأخير كبير في المشتريات.
وأي تهديد عام – ناهيكم من فرض العقوبات الجديدة – من شأنه أن يلحق الأضرار الكبيرة بالشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند. والمقترح البسيط بالتدخلات الغربية في القرارات السيادية الهندية يعد ومنذ أمد بعيد من قبيل الإهانات غير المقبولة في نيودلهي، وهو يعكس ألم الأعصاب الشديد الذي لا يرجع إلى التاريخ الاستعماري البغيض في البلاد فحسب، وإنما إلى العقوبات الأميركية السابقة المفروضة على الهند جراء التجارب النووية التي أجريت في عام 1974، ثم في عام 1998.
وهذه القيود، مع ضوابط التصدير القائمة على المعدات الدفاعية، تثير التساؤلات داخل الهند بشأن مصداقية الولايات المتحدة كمزود لاحتياجات الأمن والدفاع الهندية. ومجموعة التهديدات النشطة التي تواجهها الهند قد تجعل أي حجب للمساعدات والمعدات يبدو وكأنه قرار حياة أو موت.
وفي ظل حالة الإحباط التي تساور الكونغرس بسبب عدم تحمس الرئيس ترمب لفرض العقوبات على روسيا، كان من غير المستصوب للكونغرس أن يمرر قرارا يتجاوز الحدود الإقليمية ويضع بلدانا مثل الهند في مرمى الهدف من دون أن ينص على البدائل المتاحة. فمن شأن ذلك أن يقوض كثيرا من المصالح الأميركية المهمة إن أسفرت العقوبات الأميركية الثانوية، من بين جميع الأمور، عن الدفع بالهند كثيرا في الأحضان الروسية.