أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

بكر ابو بكر يكتب – نحن وحلاوةالدنيا !(درويش والشابي والأمير) – 2 – 3

بكر ابو بكر – 6/5/2021

كيف الحال حين يهتز من الأيمان ركنٌ، أو تدخل عوامل مختلفة لتُعلي من شأن التذمر والاهتزاز والكآبة وتثير التذبذب والكوابيس والشعور بالمرارة وافتقاد الحلاوة؟

الكاتب عبدالله الوهبي محاولأً تفسير الحالة المتكدرة يقول أننا نعيش: (بؤس الروتين والكدح المستمر من غير أفق لراحة مُرْضية، والتأرجح الدائم في (بندول شوبنهاور)[1] بين الضجر والملل، فنسعى للمرغوب، وحين نحصل عليه، ما نلبث إلا أن نملّ، ثم نعاود البحث عن مرغوب آخر، وهكذا في تأرجح أبدي)

وفي المقابل يقول مؤسس شركة التفاحة الشهيرة (أبل) “ستيف جوبز” رافعًا من قيمة الهدف والإنجاز والتجدّد لاكتساب القيمة والهدف والمعني للأشياء: اجعل البساطة هى التى تحكم، ويقول: لا يهمنى أن أكون أغنى رجل، قدر مايهمنى أن أعود للفراش في المساء وأنا أشعر أنني قمت بشيء رائع، ويقول أن: التجديد هو ما يميز القائد عمن يتبعه.

لربما يتساءل المرء أيضًا كيف يستطيع استرجاع طعم الحياة التي أصبحت نسيًا منسيا في خضم الألم أو القلق أو الكآبة أو المرض أو الجائحة التاجية (كورونا)، أو القهر أو الانهاك النفسي أو افتقاد الذكريات الجميلة؟

أصبح الطعم في فمه مُرّا، فكيف بالله عليك تُحوّل الحنظل المُرّ الى بطيخ حلو أو فاكهة لذيذة؟

يكتب عبد المجيد دقنيش[2] محاولا التفكير والإجابة بالقراءة وتأمل النِعَم : ماذا لو تركنا كل أحزاننا وذعرنا وخوفنا من الكورونا (وغيرها)، وعدنا إلى قراءة حكمة الموت في “حديث المقبرة” لأبي القاسم الشابي و”جدارية” محمود درويش، ومرثية مالك بن الريب[3] لنفسه. وأشعار أبو العتاهية. وفلسفة “اليوم الأخير” لميخائيل نعيمة[4]. ماذا لو انتبهنا وأحصينا كل هذه النعم المسكوت عنها والمخفية التي يقدمها الينا هذا الزلزال الكوروني الجميل على طبق من ذهب.

وفي التأمل كمخرج، أو كبداية وإن كانت النهاية تقترب يتحدث الفلاسفة والمفكرين والشعراء ومنهم الشابي ودرويش وابن الريب ونعيمة وغيرهم الكثير.

ومما قاله الشاعر أبوالقاسم الشابي في “حديث المقبرة” متأملًا

تأمـّـل .. ، فإن نظام الحياةِ

نظامٌ ، دقيقٌ ، بديعٌ ، فريد

فما حبب العيشَ إلا الفناء

ولا زانه غير خوف اللحود

ولولا شقاءُ الحياةِ الاليمِ

لما أدرك الناسُ معنى السُعود

ومن لم يرُعه قطوب الدياجيرِ

لم يغتبط بالصباح الجديد

ويقول محمود درويش في جداريته

” كلما فتشت عن نفسي وجدتُ

الآخرين. وكلما فتشت عنهم لم

أجد فيهم سوى نفسي الغريبة”

ويتساءل: هل المناخ هناك معتدل ؟

وهل تتبدل الأحوال في الأبدية البيضاء،

أم تبقى كما هي في الخريف

وفي الشتاء؟وهل كتاب واحد يكفي

لتسليتي مع اللاوقت، أم أحتاج

مكتبة؟ وما لغة الحديث هناك،

دارجة لكل الناس أم عربية فصحى؟

يقول الأمير الصنعاني[5]: طعمتُ حلاوَة الأشياء طرّاً**فلا شيء ألذّ من السكوت

وخير مجالس الدنيا جميعاً**مجالسة الدفاتر في البيوت.

الصمت تفكّر وعبادة وتأمل وفي ذلك رياضة وحلّ، ولربما كان الكتاب للأمير الصنعاني ولنا خير جليس ذاك في عصر الكتاب الذي يعني حيوات تُضافُ الى حياة بحيث تكون الحياة الجديدة حياة تغيير تنتشل الشخص من حالة الى حالة….أنظر (النقلة) من حالة الى حالة وفي هذا جهد ذاتي كبير.

#بكر_أبوبكر

الحواشي :

________________________________________

[1] يقول الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور في كتابه «العالم تمثلًا وإرادة:”تتأرجحُ الحياةُ كرقّاص السّاعة بين الألم والضّجر” ورغم تشاؤمه لا ينكر شوبنهاور وجود السعادة. لكنه يعتقد أننا مخطئون بشأن ماهيتها. بنظره، السعادة له ليست أكثر من عدم وجود الألم والمعاناة. لحظة الراحة التي نشعر بها أحيانا بين تحقيق رغبة والسعي وراء أخرى. يؤكد شوبنهاور الدور الأساسي للتذكر والتفكير بتوليد مشاعر السعادة. وكانت فلسفة الشاعر بيرم التونسي قريبة وتعكس واقعية وحياة القسوة والمرارة التى عاشها مطاردا ولاجئا بين بورسعيد والإسكندرية والقاهرة وفرنسا.

[2] مقال للكاتب عبد المجيد دقنيش في مدونات الجزيرة تحت عنوان: لذة الحياة في زمن الكورونا.

[3]مالك بن الريب المازني التميمي ، شاعر كان قاطعا للطريق حتى طلب منه أمير خراسان (حفيد الصحابي عثمان بن عفان أن يتوب ويستصحبه ، فأطاعه و في الطريق الى غزوه، و في اثناء الراحة و في القيلولة لسعته أفعى و جرى السم في جسمه فأحس بالموت فرثى نفسه بقصيدة شهيرة.

[4] يذكر الكاتب نجم الدين خلف الله في مقاله عن كتاب اليوم الأخير للأديب ميخائيل نعيمة في صحيفة العربي الجديد: تدخل عليه خادمتُه وتسأله عن سبب تغيُّر حاله، وفي خضمّ حوارهما يسألها: “أمَّ زيدان! أتعرفين ما هو الموت؟” فتردُّ عليه: “الموت هو الموت يا ابني”. وفي هذا الوضْع الوجودي، الواقع على حافة الوجود والعَدم، الموت والحياة، الفَناء والبقاء، يَروي نُعيمة سيرَة هذه الساعات الأربع والعشرين الأخيرة التي هي مَدار الكتاب: تمرُّ الأحداث على محكّ الموت، ليتّضِح الفرقُ بين الزائف والأصيل في حياة الناس. فهل المضمون العميق، في “اليوم الأخير”، مجرد مَوعظة مُقَنَّعَة، كُتبت بأسلوب قصصيٍ لتندُبَ الناس إلى التأمُّل؟

[5] الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني (1687-1768م) مؤرخ وشاعر ومصنف من أهل صنعاء. هو أحد أئمة اليمن المتأخرين، والذين يعدون في المجتهدين القلائل المتحررين المتبعين للدليل من الكتاب والسنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى