بكر أبو بكر يكتب – البكاؤون على أسوار القدس
بكر أبو بكر يكتب – 11/12/2017
لطالما استهان البعض المأفون بالحراك الميداني العربي الفلسطيني المقاوم، أوبالحراك الدبلوماسي والسياسي والقانوني الفلسطيني، وفي اطار هذه الاستهانة يتركون القضية جانبا، ويتوجهون بالهجوم والشتم المقنّع للمناضلين فلسطينيا، أوعلى الصعيد العربي والدولي.
ولطالما استهتر أصحاب الشعارات الكبيرة ،المصدعة للرأس، التي تدغدغ مشاعر الجماهير دون طحين مصداقا للمثل العربي (أرى جعجعة ولا أرى طحنا) بأي انتصار فلسطيني في الوطن، أو في الساحات الخارجية قائلين: وماذا نكسب؟! فالعالم متآمر ضدنا والأمة العربية نيام!
بل ولا يكبح جماح هؤلاء كابح حين يستغرقون بتلذذٍفي شتم أنفسهم وتعذيبها،وفي شتم عروبتهم وحضارتهم واسلامهم ومسيحيتهم عبر شتم الأمة أو اللطم وإدعاء الضعف والهوان المُقعِد عن العمل،أوترديد مقولات الاستصغارللأمة، وكأنهم يظنون وظنهم هنا سراب،أنهم سيحررون فلسطين عُراة من المبادئ والعمل، وعُراة من الروح والقيم والمعنوية العالية.
بلا إيمان صاخب وثقة فولاذية بالله جل وعلا وبالنصر وعمل جهادي،فإن أيديهم العارية وروحهم المنهزمة ونقرات أصابعهم على الحاسوب وهم يتلفعون بالألحفة الدافئة وبشعاراتهم التي لا تغني ولا تسمن من جوع، حتما خاسرون.
المتخاذلون اللطّامون البكاؤون على أسوار القدس أو عكا أو غزة، أو القاهرة أوالكرك أوالمدينة أو النجف أومراكش الذين ينكبّون على وجوههم عند أول نازلة، وفي كل مصيبة، يجردون الخناجر ويبدأون بشق شرايينهم، ويقنبلون القبائح فلا ينامون الا وقد شبعوا في شتم أنفسهم، وكأنهم يستلذون بعذاب الذات “المازوخية”، وربما بتعذيب الآخرين في المحيط “السادية”، فبدلا من أن يكونوا أول الصامدين والثائرين على الظلم والعدوان والانكسار والهزيمة يسهمون بارادتهم المخلخلة والباهتة والمتشككة و ربما دون أن يشعروا في بث روح الهزيمة والانكسار قبل بدء المعركة.
إن بث روح الانكسار والذلة والهزيمة سُعار كلاب يتردد في كل نازلة،أو حتى عند الانتصار، لأن الذين فقدوا الثقة بالله سبحانه وتعالى، وفي ذواتهم وأنفسهم ومحيطهم ينساقون كالإمعات أوكقطيع الأغنامفي سياق الطعن بكل تقدُّم أوتغيُر أو انتصار أو حراك وطني او عربي او عالمي.
يستمريء هؤلاء البكاؤون اللطامون أصحاب الفتنة والخوار استعداء المخالفين،بل ويقطعون أي يد تمتد لهم،فبدلا من مراكمة المكاسب على قلتها يراكمون حلقات العداء في الأمة.
إن فلسطين وطننا الأزلي، وشعبنا العربي الفلسطيني مصدر قوتنا، وأمتنا العربية حائطنا الصلب شاء من شاء وأبى من أبى، ومن ينبذ أصله فالى الجحيم.
انهم بدلا من أن يشدّوا الظهر يقصموه، فبدلا من أن يعتبروا الأمة الحائط والسند وهي حتما كذلك– وإن كان الحائط مائلا اليوم لأسباب حروب المنطقة وتخاذل بعض الأنظمة وفعل الاستدخال الهزائمي الاسرائيلي فينا– ينساق المتخاذلون لحروب جانبية ضد هذا البلد العربي أو ذاك، ويا للهول ضد شعبه أيضا، فالى أين المآل؟.
إذ بدلا من التركيز على هدفنا الأساسي في أتون المعركة-أي معركة، ومنها اليوم في القدس- ينحرفون لاستسهال الاتهام والشتم والطعن، بل وينساقون وراء المتآمرين أو المخربين من جيوش “الموساد” الصهيوني والطابور الخامس في جسدنا الذين يملؤون الفضاء ضجيجا لهدف واحد فقط وهو الالهاء بمعارك جانبية وتفتيت صفنا الوطني والعربي.
بل وتكثيف عوامل الفرقة بيننا وبين شعوب أمتنا العربية والاسلامية، غير مدركين أن لا حل مطلقا ولا نصر نهائي مطلقا الا أن كان السيف قاطعا.
وما مضاء السيف الا بالإيمان والعمل والوحدة، ومن أوجب شروط ذلك أن ندرك بوضوح أننا طليعة هذه الأمة، أمتنا العربية والاسلامية (وبالاسهامات المسيحية الشرقية) للتحرير والتقدم والوحدة.
لطالما ردد قادتنا العظام من أبي عمار وأبي جهاد وأبي اياد وخالد الحسن وجورج حبش واحمد ياسين وفتحي الشقاقي وابوعلي مصطفى أن التحرير معركة الأمة بكل ثقلها، وأن القاطرة الفلسطينية لا تسير الا ضمن القطار العربي، ونحن آمنا بالله وقدسية قضيتنا وعدالتها، وآمنا بأمتنا، وعملنا لرباطنا.
ولكنك تجد من فئة المتخاذلين البكائين اللطامين من يركب موجة المتآمرين، ويتعاون ربما بهبل أو غباءأوبحسن نية مع المتصهينيين، فيملؤون الفضاء عويلا وشتما وطعنا، ولطماً على سيدنا الحسين دون أدنى فعل أواستنهاض أو جهد ايجابي.
كان لابد لي من هذه المقدمة في ظل نكبته الشابكة و”الفيسبوك” التي تحل بنا دوريا كلما واجه الفلسطيني أوالعربي مصيبة أو أزمة، وما أكثر أزماتنا، فيبدأ مسلسل النواح واللطم من فئة المهزومين اللطّامين اليائسينن والى ذلك ينشط الحالمون المؤمنون بالخرافات والأساطير ليُلقوا بعبء الحاضر الذي لا يفعلون فيه شيئا على المستقبل الوردي الموهوم بلا قطرانز
ومن ههذه الفئة يتخذ المتآمرون منهم صيدا ثمينا فيركبون عقولهم ونفسياتهم ليبثوا مشاعر الانكسار والذلة والهزيمة فتصبح الأمة عندها بجماهيرها وتاريخها وحضارتها لا تسوى بعرة بعير، ولا شروى نقير.
لطالما استهتر واستهان واستصغر المهزومون البكاؤون على الجُدُر، والحالمون والمتآمرون، أي جهد يُبذل سواء أكان ميدانيا او سياسيا او إعلاميا تعبويا أو قانونيا او تاريخيا متباكين متحسرين.
ولنا فيأمثال هؤلاء من يقف مشدوها عندما يُصبح النجاح أو الانتصار على صغره واقعا يتعامل العالم معه، فلا يدري ما يقول! أو ينقلب على عقبيه مستهينا إذ أن عقلية النعي للذات، والخُسران والذِلة والتيئيس تسير في ركاب هؤلاء فتحقق من الأهداف ثلاثة أولا: يُريحون أنفسهم من عناء العمل ويستعيضون عنه بالشعارات واللطميات.
وثانيا: يبررون لأنفسهم أنهم لا يقدمون للقضية قرشا أحمرا فما بالك بدمائهم أو جهدهم أو وقنهم أو حتى حسن دعائهم الصادق.
أما ثالثا: فإنهم يسيرون مع القطيع المستسلم لليأس الذي تفعل فيه الدوائر الصهيونية أو المتصهينة فعلها البتار، حتى أنها أنتجت على الشابكة (انترنت) جيش الهزيمة الفلسطيني والعربي منذ الآن، الذي يستمتع بتعذيب الذات والاساءة اليها ولا يرى بالعدو الأوحد إلا مشكلة ثانوية، أو حتى لا مشكلة.
أصبحت أمريكا -بالإصرار الفلسطيني الشعبي والرسمي- معزولة في العالم وفي الأمم المتحدة هكذا كان تعليق إذاعة “مونتي كارلو” صبيحة يوم 9/12/2017 بعد إعلان الرئيس “ترامب” الاعتراف بالقدس عاصمة للإسرائيلي، وقرار نقل السفارة الامريكية للقدس، واثر نقاشات مجلس الأمن وشكوى الفلسطيني ضد أمريكا، ليتجلى الموقف العالمي الموحد تقريبا ضد المتصهين الامريكي، فكيف يا ترى ينظر الحالمون والمتآمرون والمنكسرون لهذا الأمرأو غيره؟. إنه قطعا لم يأتي من فراغ.
إنهم بالطبع إما يقللون من شأنه، وكما غيره، فيبولون في سراويلهم، أويستحقرونه، أو يستدعون عقلية المؤامرة الغيبية، أو يستصرخون السراب القادم من مجاهل الأمس، أو أحلام المستقبل لعله ينقذهم من نومهم الثقيل وانعدام إيمانهم وتيه ضمائرهم وفقدان مرجعايتهم.
لا يا سادة لا انتصار مهما صغُر يأتي من وراء الشاشات، ولا انتصار يتحقق بلا ثلاثية: الالتزام والجهد والتناغم، وهو ما تسطّره يوميا الأيادي السمراء لفتيات وفتيات فلسطين والقدس في البلاد طولا وعرضا، ومعهم فتيان وفتيات وجماهير الأمة العربية العظيمة، واحرار العالم في كل مكان، أفلا نفرح بهم ونراكم نضالهم ونطلب الاستزادة؟.
لا انتصار يا سادة يأتي حينما تُسلب الأمة من قيمها الحضارية التي مركبها الرئيس ديننا الاسلامي الحنيف، ومسيحيتنا المشرقية..
ولا انتصار يا أيها الأفاضل حين يتناقص أو ينكمش الانتماء الحقيقي للأمة،أو حيننتنكر لتاريخها وثقافتنا المشتركة أو ننعي مستقبلها.
انتصرت فلسطين، وانتصرت بانتصارها الأمة حين جرفت الحشود العربية الفلسطينية قرار الاحتلال ففتحت بصدورها الطاهرة العارية بوابات المسجد الاقصى رغما عن كاميرات الاحتلال المرفوضة، وانتصرت الإرادة التي جعلت من السجن مدرسة، ومن النضال مدرسة، ومن القضية نهج حياة.
أن الانتصار يتعملق فينا ما عشنا، ويزداد عملقة وشموخا بشهدائنا الأبرار لأن الله كرمنا بالصبر والمصابرة والرباط في كتابه العزيز، ولان الله يرى منا أعمالنا لا صرخات الحُمق أو الهبل أو الذلة والاستذلال.
لقد عُزلت الولايات المتحدة في العالم، وقبلها الكيان الصهيوني، ومازال علينا فعل الكثير فالمعركة لم تبدأ بعد ونحن بين شد وجذب وتقدم وتراجع، وذلك ليس من فراغ، فلا فراغ في السياسة وإنما نتيجة جهد فلسطيني وعربي ودولي معقد ومركب تراكبت فيه عوامل النصر النفسيّة مع الايمان المشتعل بالقضية كما قلنا، مع جهود لا ولن تتوقف بتناغم العمل المقاوم في الميدان ومع العمل السياسي في الميدان الآخر.
هل يجدر بنا مراكمة الايجابيات مهما قلّت أم الأفضل لنا أن نبكي يوميا على حائط البراق في القدس ونلطم الجيوب، ولا نجد من يكفكف لنا الدموع؟
من بين دعوات الهزيمة والاستصغار والبكاء واحتقار جهد الآخرين واحتقار حضارتنا وامتنا، وقذف جماهير الأمة بالحجارة،نجد العديد منالجموع والحشود الصابرة المؤمنة المرابطة التي تجعل من الأمل هدفا فحقيقة، فتمشي بالركاب في القدس اليوم وفي كل فلسطين غدا.