أقلام وأراء

الهدف في الحياة بين سُباعية فرانكل وثُلاثية ياسر

بكر أبو بكر

بكر أبو بكر ٩-٥-٢٠٢٢م

في قراءة لي حديثة في أحد مقالات الكاتب والباحث ياسر أبوبكر المعتقل في سجون الاحتلال الفاشي في فلسطين، حول مفاهيم الحياة والأمل ومقارنة باقتباسات عن “فيكتور فرانكل” المعتقل السابق لدى النازيين، وجدت تقاربًا في مجموعة من المفاهيم والنظرات ما حفّزني للبحث والتأمل أكثر.

كنتُ قبل ذلك قد اطلعت على حكايات كثيرة مؤلمة وقاتمة جدًا في السجون ضمن أدب السجون في فلسطين، ولعدد كبير من المعتقلين الحاليين والقدامي، وأراك قد قرأت معي تلك الكتب أوبعضها التي تحدثت عن المعتقلات والسجون في أماكن مختلفة بالعالم مثل العراق وسوريا ولبنان، وفي غوانتنامو والسجون الأمريكية، وفي روسيا، والمغرب والخليج وأمريكا الجنوبية وإيران والصين ..الخ من دول مختلفة.[1]

في القراءات المختلفة لأدب السجون سواء القصصي أو التسجيلي الوثائقي أوالنفسي نجد ملامح اليأس والأمل، والثورة والغضب مقابل الاستسلام، ونجد زوايا الحقد والرغبة بالثأر كما نجد التمسك بخشبة الخلاص من الأسر والتي قد تكون بأبسط الأشياء.

وفي جميع الأحوال يبقى حلم الحرية أو الأمل بالحرية مما لا جدال فيه للمعتقل. وهو  أي أمل الحرية مما أشار له الكاتب العالمي “فيودور ديستويفسكي” في روايته الشهيرة عن الاعتقال في سيبريا أيام القيصرية الروسية المعنونة “مذكرات من بيت الأموات” بأشكال ونماذج مؤلمة حيث أن السجناء كما يذكر بالرغم من اختلافهم وتنازعهم الا أنهم يشتركون في أمر واحد وهو الأمل في أن يكون القادم أفضل، وبدون هذا الأمل فان مصير الكثير منهم هو الموت او الانتحار اوالجنون.

وديستويفسكي أيضًا  يقول عن تجربته الاعتقالية :”طالما باركت القدر الذي وهب لي أن اعاني هذه التجربة، لقد كانت السنين الأربع التي قضيتها في السجن فضلاً كبيراً عليّ،إان نفسي وايماني وفكري كله قد تبدل تبديلات عظيمة بفضل هذه التجربة”.  

 دعني أشير هنا لقراءة سريعة في مقال ياسر أبوبكر المحكوم لدى الاحتلال الصهيوني 3 مؤبدات و40 عامًا، ففي مقالاته وأبرزها المقال بين أيدينا المعنون “عندما تتكلم الأرقام من المعتقل” أراه يمرّ (أو قد مر بالأحرى) بمراحل ثلاثة.

المرحلة الأولى فيها مرحلة الحيرة والغضب حيث تجد في النص التساؤلات والحسرة والرفض المبطن للواقع، بينما تجد في المرحلة الثانية إثارة التساؤلات والشك والبدء في طرح خيارات الأجوبة.

أما في المرحلة الثالثة فنجد اكتمال النضج وربما التسليم بالواقع مع العمل لتغييره في الذات، وبالعطاء والعمل الدؤوب والكتابة والتدريب للأخوة والدراسات، وهو ما يترابط مع معنى الايمان واليقين والعمل لاستثمار الوقت، وواقع الحياة العجيبة في المعتقلات.

وجدت من ياسر في مرحلة الشكّ والتساؤلات أي بالمرحلة الثانية وفق تصنيفي تقلبًا بين حالات التأمل وتقليب الأفكار، وحوارات ذاتية متشعبة أحسستها ليس لأنه شقيقي فقط، ولكن لأن مضمون كتاباته وكتبه وفي هذه المادة/المقال أعطى وضوحًا وإشارات أيضًا لقراءات له أعطته حيوات (جمع حياة) متعددة.

وترى فيه القدرة على اكتشاف العلاقات بين الأشياء والترابط والتنافر فيها. كما تصدمك ربما مشاعر التعجب والاستغراب لديه ولكنها كلها تأتي في سياق البحث عن المعنى بأداة الشك، وفي المادة/المقال دلالات على أن التخيل مكون أساسي للقضاء على ألم اللحظة وعذابها، واستدعاء الجميل في سياق الرفض للاعتقال النفسي في ظل جبرية الاعتقال الجسدي، وما بين الأشواق الحارقة وثورات الأسئلة الصعبة والوجودية يبرز التشبث بالأمل  والحياة طردًا لأي أفكار سوداء أو حالات يأس.

في مرحلته الثالثة حقق النضج والاكتمال، وهو الآن قد مر عليه 20 عامًا من محكوميته السرمدية الفاشية الصهيونية التي نأمل بإذن الله أن ينتصر بها هو وكل المعتقلين على السجان النازي الذي لم يتعلم. ويمارس ما مورس بحق البعض من أجدادهم الأوربيين لدى المعتقلات الألمانية كما الحال بالملايين الأخرى في العالم التي ذاقت ألم الاعتقال وعذاباته على مر السنين.

في المرحلة الثالثة ولا أدرى كم مضى عليه من السنوات ليصلها، وما أحسستها بمتابعة ما يكتب تجد في مرحلة النضج معاني انفتاح العقل ولكن دون استسلام. فلقد خرج من عنق الزجاجة من حيث أراد له السجان ألا يخرج منها فيسقط في بحر يأسه، ولكن مقاومته للتيئيس أو التدجين كانت بكل ما سبق من سياقات وبالإيمان العميق بالله سبحانه وتعالى والإصرار على النصر.

بالمقارنة قد نجد المثيل أو القريب منه في الكثير من الدراسات أو القصص في مختلف المعتقلات، ولكن في اطلاعنا على المقال عن المعتقل السابق لدى النازي “فيكتور فرانكل” نجد 7 اقتباسات مقابل اقتباساتنا الثلاثة من المراحل مع ياسر محمود أبوبكر

مما يكتبه المؤلف “بيتر برنز “عن “بحث الانسان عن المعنى” وهو كتاب فيكتور فرانكل وما يقترب مما لمسته مع معتقلينا في سجون الاحتلال الصهيوني في فلسطين وما ربما أشرت له بطريقة أو بأخرى في تحليلي القصير لحالة الأسير ياسر أبوبكر نجد المعاني السبعة التالية التي تحفز أي شخص لايجاد أي معنى لحياته والاستمرار:

1-العثور على معنى في تجاربك ، والحصول على هدف ، يمكن أن يخلق حصنًا للعقل يحميك من العديد من مصاعب الحياة.

2-إذا كرّست نفسك لقضية ما ، مهما كانت ، فإن النجاح والسعادة سيترتب على ذلك كنتيجة مباشرة لسعيك لتحقيق هذه القضية. توقف عن مطاردة السعادة ، ستأتي إليك.

3-اختر اتجاهك ومواقفك فهناك أشياء كثيرة خارجة عن إرادتك ، ويمكن أن تؤثر على حياتك بشكل كبير.  

4-عندما تواجه مواقف خارجة عن إرادتك ، فأنت بحاجة إلى التكيّف مع تلك الظروف. تحتاج إلى إيجاد معنى في هذا الموقف.

5-وجد فرانكل معنى في معاناته. بمجرد أن تجد معنى لما تمر به ، فلن تعود تعاني. كان هدف فرانكل هو البقاء على قيد الحياة ، ولم شمله بأحبائه ، وإخبار الناس بما حدث وما تعلمه. هذا ما أراده.

6-قال فرانكل أن “الحب هو الطريقة الوحيدة للإمساك بإنسان آخر في جوهر شخصيته.”.  

7- الأمر متروك لكل واحد منا للقيام بدور صغير لجعل العالم مكانًا أفضل.

ونختم بما يقوله شقيقي البطل الأسير ياسر أبوبكر في نصّه القصير  “في داخل المعتقل إما أن يذوب الانسان في غياهب ذاته، فينسى أنه إنسان ويتصرف وفق مطالبه الأوليه متحولًا لحيوان كما أرادوه…وإما أنه يقاوم فيرفض النسيان، ويرفض الجدران ويرفض الذوبان ويثبت للسجان بل ولذاته أنه إنسان بل هو الانسان وهم منعدميها، ويسعى لرفع ذاته من المستوى المطلبي الحيواني فقط الى المستوى العقلي الراقي، والنفسي المسلكي القويم والى المستوى الروحي المتماهي مع الذات، وبصلة لا تنعدم مع الله سبحانه وتعالى.”

حاشية هامة:

[1] يمكننا الإشارة لكتب وروايات عديدة عن السجون بكل دول العالم مثل: رائعة دوستويفسكي مذكرات من البيت الميت، وكتاب بانتظار نفخة البعث قصة الموت والرعب في سجن تدمر لعلي أبومريحيل، البلاء الشديد والميلاد الجديد في غوانتنامو للكاتب فايز الكندي، من تدمر الى هارفاد رحلة سجين عديم الرأي لبراء السراج، شرق المتوسط لعبدالرحمان منيف، تلك العتمة الباهرة للطاهر بن جلون، إعجام لسنان أنطون، القوقعة لمصطفى خليفة. نيغاتيف: من ذاكرة المعتقلات السياسيّات للكاتبة روزا ياسين حسن، شرف لصنع الله إبراهيم، تزممارت: الزنزانة رقم 10 لأحمد المرزوقي، السجينة لمليكة اوفقير، حيونة الانسان لممدوح عدوان، وكتاب بالخلاص ياشباب 16 عامًا في السجون السورية لياسين الحاج صالح، قافلة الاعدام لبهروز قمري، المطران إيلاريون كبوجي، ذكرياتي في السجن لسركيس أبوزيد، دروز بلغراد حنا يعقوب للكاتب ربيع جابر.  

وكتاب: المعتقلات الفرنسية في الجزائر خلال الثورة التحريرية للكاتب مقدر نورالدين. وكتاب المناضلة  الجزائرية زهرة الظريف المعنون: من داخل معركة الجزائر. 

وقصة المناضل اللبناني جورج ابراهيم عبدالله المعتقل في السجون الفرنسية، وكتاب”انا ترابيدو” المعنون “الجوع من أجل الحرية” عن حياة مانديلا في معتقلات نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا السابقة، وقصة سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية للمؤلفة:مارينا نعمت، وكتاب الجنون في غياهب السجون / أزمة الصحة العقلية خلف القضبان ودورنا في مواجهتها ، في الولايات المتحدة للمؤلف: تيريكوبرز.

 وكتاب السجناء الأشباح-عامان من الاعتقال السري لدى وكالة الاستخبارات الامريكية المركزية لجوان مارينر، مديرة برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في “هيومن رايتس ووتش”، وأنظر كتاب حياة السجن في انجلترا الفيكتورية، ألم الحبس: مذكرات السجن لجيمي بويل (1985) في بريطانيا. حكايات بارخورست: خلف أبواب السجون البريطانية المقفلة من تأليف نورمان باركر (1995)، الغضب: مذكرات أناركية للمستعمرة العقابية (فرنسا) لكلمنت دوفال.

وفلسطينيًا تجد الكثير الكثير من الكتب الأخرى عن المعتقلات الفاشية الصهيونية، والتي كانت امتدادًا بجزء منها للمعتقلات البريطانية الإرهابية إبان الاحتلال الانجليزي، مثل كتاب الأسرى الفلسطينيون داخل السجون الصهيونية للكاتب محمد محفوظ جابر، مذكرات الأسرى لياسر البنا، أسرى بلا حراب لمصطفى كبها، الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الأسرى لعبدالرحمن غنيم،أوراق سجين لأسعد عبدالرحمن، يوميات الزنازين في العصر الحجري لحافظ البرغوثي، أحكام الأسرى في سجون الاحتلال لنائل حسين، وأسفار العتمة لياسر أبوبكر، من أدب الأسر في المعتقلات لزاهر حنني، لماذا لاأرى الأبيض  لراتب حريبات، زنزانة واكثر من حبيبة لقتيبة مسلم، الهواء المقنع-ابوعلي شاهين للكاتب محمد القيسي.

* بكر أبو بكر رئيس أكاديمية فتح الفكرية، أكاديمية الشهيد عثمان ابوغربية

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

         

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى