أقلام وأراء

بكر أبو بكر: الإرهابيون وحريق الأكباد في الضفة

بكر أبو بكر 21-6-2023: الإرهابيون وحريق الأكباد في الضفة

المستوطنون الإسرائيليون بالأمس يقومون بحرق المركبات الفلسطينية والاعتداء على المحلات التجارية ويدمرون ممتلكات المواطنين الفلسطينيين، ويعتدون عليهم، ويقطعون ويحرقون الأشجار في محيط مدينة نابلس ورام الله، وفي أنحاء متفرقة من الضفة الغربية أجمع، في الرد العدواني على العملية الفلسطينية في أحد المستوطنات المقامة على أرض فلسطين بالضفة الغربية.

إن عمليات الإرهاب الاستعماري الممتدة (من المستعمرين/ المستوطنين) بالامس تعيدنا الى المربع الأول حيث الاندفاع الهوجائي المدمر للمستوطنين بالضفة بلا لجم ولا مساءلة ولا تعنيف ولا اعتقال لهذه العصابات البتة، وهي التي تقوم ابتداءً ومبادرة بالعمل الإرهابي المتواصل! وفق فِقه القتل والتدمير المبرّر للغير.

العالم أجمع لا ينسى المجزرة اللاهبة المدوية التي نفذها المستعمرون بالمئات من الأفواج المهاجمة المدعومة من الجيش الصهيوني المتواطيء، في بلدة حوارة (26/2/2023م) وما خلفته من دمار للمنازل (أكثر من 50) ومن سيارات فاقت المائة ومن شهداء، ومئات الجرحي (بحدود 400 مصاب).

أن عمليات القتل والضرب للمواطنين، والسلب والحرق للمركبات التي يمارسها المستعمرون (المستوطنون) بخطة واعية ومقصودة، وتنفيذ بشكل يومي لا تجد اهتمامًا من الرأي العام العالمي، ولا الإسرائيلي من قبله، في مفارقة عجيبة وكأن ممارساتهم العدوانية هذه ممارسات طبيعية!؟ وتعد من حقهم  بعد أن أصبح الحث والتحريض لفعلها مسلّمة من قبل اليمين الإسرائيلي الذي لايجد في ممارساتهم الإرهابية الا حقيقة إلهية بأنهم يدافعون عن أنفسهم؟ وهو بالحقيقة ينفّس عن حقده وغضبه وفكره العنصري الإقصائي الإحلالي عبر هذه العصابات التي تمثله.

إن الحكومة الإسرائيلية فائقة اليمينية المتطرفة اليوم تكرس فكرة أن أرض الضفة الفلسطينية أرضهم بغض النظر عن قرارات الشرعية الدولية التي لا تعترف بها، وهي الى ذلك تكرّس أن من حق المستعمراليهودي لأرض فلسطين أن يفعل في المواطن الفلسطيني ما يشاء، فمن أمن العقوبة أساء الأدب فما بالك بمن يقتل ويحرق أسرة بكاملها (محرقة آل الدوابشة في نابلس) ولا يلقى إلا كل التقدير والاحترام والثناء!

إن الهجوم الواسع في طول الضفة الغربية وعرضها الذي حصل من المستوطنين بالامس يدلل على أن هناك عصابات كاملة أو جيش مجهز قد تم تشكيله في الضفة الغربية الى جانب الجيش الرسمي وغيره من الأجهزة العاملة.

كيف هي الحال في فلسطين؟ 

اقتحامات للمدن والقرى والبيوت الآمنة واعتقالات يومية بالعشرات من البيوت أو من المتظاهرين السلميين بالمقاومة الشعبية، نعم يوميًا يتم اعتقال فلسطينيين وزجهم بالسجون من قبل الجيش الصهيوني، وتمر مثل هذه الاخبار مرّ الكرام وكأنها خبر عادي!

وبشكل متواتر يتم قتل الفلسطينيين بلا أي سبب، أثناء المواجهات الشعبية- يد عارية مقابل بندقية فائقة التطور- وعلى الحواجز وفي الحقول وفي سياق أي شبهة أو خوف يصارعه الجندي، ولا محاسبة ولا يحزنون، وضمن “رياضة القتل”!

يوميًا يتم اقتحام المسجد الأقصى المبارك في إطار تهويده وتقسيمه فتملكه في القريب العاجل، وفي نفس الإطار تتم الاقتحامات للمسجد الابراهيمي بالخليل كما الحال في اقتحامات سبسطية  وقبر يوسف في نابلس، وغيرها من المواقع الدينية أو الأثرية.  

وفي إطار “رياضة القتل” هذه أصبح بإمكان أي مستعمرأن يحرق او يقتل أو يضرب او يعتدي بدعم أو تغاضي الجيش الإسرائيلي وكأن مساحة الضفة الغربية قد تحولت كلها الى ميدان رماية! وتمر مثل هذه الاخبار مرّ الكرام وكأنها خبر عادي!

ما هكذا تروى الرواية من قبل الإسرائيلي أبدًا فهو لا يرى الا “العملية” الفلسطينية ضد مستوطنيه المحتلين لأرض الضفة الغربية! أو ضد جيشه المعتدي أبدًا والمدجج بالسلاح، ليصبح عنده ما عدا ذلك إرهابًا! 

وفي حقيقة الأمر أن الفعل الأصل هو الفعل الإسرائيلي المعتدي الدائم، إنه حريق الأكباد لدى الفلسطينيين لمن لا يعلم، وأولادنا هم أكبادنا التي تمشي على الأرض وفق الشاعر العربي حطّان الطائي فمن يقبل بحريقهمم! بعد أن أحرقوا البلاد، كما أحرقوا التسوية السلمية!؟

في حقيقة الأمر فإن مجرد وجود الاحتلال والمستعمرات المقامة على أراضي الفلسطينيين من جهة، وما يصاحبها ويرتبط بها من ممارسات الجيش الصهيوني وعصابات المستوطنين/المستعمرين، هو حريق أكباد نعم لكنه أيضًا دعوة للمقاومة مقدمة  كهبة وهدية من قبل الإسرائيلي للفلسطيني.

لا يمكن لآلة الدعاية الصهيونية أن تقلب الآية لتكون ضمن معادلة: عملية-ردفعل-عملية-رد فعل. وكأن الإسرائيلي أو المستعمر الإرهابي بمجرد وجوده يدافع عن نفسه،  فيما هو أس المشكلة وحقيقة الاحتلال وهو القائم بالفعل الهجومي الإرهابي بشكل متواصل.

قد يظن المحتل أنه يتعامل مع أحجار مصمتة وليس مع بشر. مع احجار لا تحس ولا تفكر ولا مشاعر لها ولا روح، لذا فليس مطلوب من الفلسطينيين الا الخنوع والخضوع والاستسلام،أورصاصة في الجبين، وهذا ما لا يقبله الفلسطينيون في القديم واليوم وغدا.  

أنظر للفكر اليميني المتطرف الذي تعمل بموجبه الحكومة الصهيونية اليوم بغالبها كما الحال مع الجيش والمستعمرين ما ينطلق من فكر “نتنياهو” ذاته، وبوضوح من خلال الوزيرين بن كفير “سموتريتش”.  

يقول ملك التطرف الوزير”سموتريش” كما يورد الباحث الإسرائيلي “تومر بيرسيكو”:لا يحق للفلسطينيين تقرير المصير ككيان سياسي ذي سيادة. لذا فإن المهمة هي “الحرق في وعي العرب والعالم أجمع أنه لا توجد فرصة لإقامة دولة عربية على أرض إسرائيل”، من خلال تقديم ثلاثة خيارات أمام الفلسطينيين:1-الهجرة، 2-النضال/الإرهاب وهؤلاء سيقتلون نساء ورجال وأطفال، 3-الاستسلام ضمن معازل (كانتونات) كمقيمين وليس مواطنين.

أي بنص الصيغ الدينية اليهودية المتطرفة  “كائن أجنبي مقيم” ! حيث وفقًا لـ هالاخاه/الشريعة “عليك دائمًا أن تكون أقل شأناً قليلاً”. وحيث أن طرد من يرفضون الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أرض فلسطين هو أمر توراة!

كيف هي الحال في فلسطين؟ إنك تجد من المستعمر الصهيوني نفخًا في القيم الدينية الى الدرجة التي يتضخم فيها شعور المستعمِر بتفوقه الديني-العنصري الذي يسمح له أن يفعل ما يشاء بذاك الشخص الأقل شأنا لذا لا باس من القيام بكل الأفعال من قتل وحرق أكباد، وحرق كل شيء فهي فريضة دينية ومدعومة سياسيًا ناهيك عن رفض الاعتراف أصلًا بحق الشعب العربي الفلسطيني بأرضه وباستقلال دولته، لذا يصبح العدوان هو الأصل بجرأة وثقة بالمستقبل وبالدعم السياسي حيث لا للتعايش،ولا للدولة، ولنقتل ونحرق من يرفض احتلالنا.

في المقابل لا تجد من الفلسطيني تحت الاحتلال المركب أي من قبل الجيش والحكومة، ومن قبل جيش او عصابات المستعمرين الا الاستجابة لواحد من خيارات “سموتريش”. والشعب الفلسطيني قد تعلم منذ النكبة عام 1948 أن لا هجرة، وهو بتكوينه منذ آلاف السنين لايقبل الاستسلام. لذا فلا مناص لديه من النضال.

 وفي هذا السياق فإن المقاومة الوطنية الفلسطينية سواء بشقها الواسع أي الشعبي السلمي، أوبشقها الميداني بغض النظر عن موقفنا بالاولويات فإنها تميزت بمكونات 5 لا تجدها عند الإسرائيلي المحتل والمستعمر.

 إن الفدائي والمناضل الفلسطيني هو شخص مؤمن دينيًا ووطنيا بحقه في أرضه، ودولته ولا يراهن على القريب فهو يرى في القادم حقيقة النصر مقرونًا بالتضحية. فلن يقف في هذه الحالة الموت في طريقه رغم ضعف الاعداد والتجهيز والتدريب.

 أما ثانيًا فإن العربي الفلسطيني موصوف بالجرأة والشجاعة والإقدام وعدم الخنوع فلا تصطك قدماه عند المواجهة بل يلقى الموت برحابة يتعجب منها الإسرائيلي ويظنها كُره للحياة وما هي بذلك بل في سياق أولوية الوطن والمجتمع على الفرد. اما ثالثًا فإن الفلسطيني صابرمصابر ثابت مرابط، فتجد في أي من عائلاته اللاجيء الذي سرقت أرضه، وتجد الشهيد والجريح والأسير والمناضل، فيصبر على مأساته ويرابط ويعض على جرحه ويثبت إلي حين يقدر على التعبير، اما رابعًا فإن النضال والثورة والكفاح ليس لدى الفلسطيني مقابل المحتل شرارة تولد انفجارًا وتعبئة أو تحريض يأتي من هذا الفصيل أو ذاك فقط، بل هو شرارة تولد إنفجارًا وتعبئة وتحريضًا يأتي يوميًا مما سبق وذكرناه أعلاه من ممارسات الجيش والمستعمرين الحارقة للاكباد، فهو المحرض الأول على العمل الفدائي بأي من أشكاله، أما خامسًا فإنه دون زوال السبب فالنتيجة دومًا واضحة، وبدون معالجة المشكلة من جذورها، فالفلسطيني سيتحول الى عملاق حين يتمدد الفكر التوسعي الديني العنصري اليميني حتى يحرق ذاته.    

  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى