بكر أبو بكر: أجهزة النداء الآلى والغرور الإسرائيلي!
بكر أبو بكر 21-9-2024: أجهزة النداء الآلى والغرور الإسرائيلي!
إن تفجير أجهزة النداء الآلي واللاسليكات والجوالات في لبنان وبغض النظر عن الجهة المستهدَفة يعد عملًا حربيًا ضد المدنيين الآمنين، وهو جريمة صهيونية متكررة بحق الانسانية، فإن كانت المخابرات الصهيونية قد سجلت نقطة أو نقاطًا في حربها أو عدوانها ضد فلسطين ولبنان، ومن ورائهما الأمة العربية وجماهيرها ككلّ. فإن نقض قواعد الحرب (هو عدوان أو عدوانات بالحقيقة) يعدّ سِمة من سمات الأفعال الصهيونية التي لم تلتزم يومًا بأي من تلك القواعد إلا بمقدار ما يحقق لها الفائدة ولجيشها فقط.
فهل ما يحصل في قطاع غزة المكلوم وسبقه في درسدن الألمانية، وفي هيروشيما ونجازاكي يعد التزامًا بقواعد الحرب؟! وهل مواجهة الرصاصة محدودة المدى، والصدور العارية بأفتك عناصر القتل من دبابات وطيارات وصواريخ فتاكة يعدّ التزاما بالتكافوء بالقوى؟! وهل قتل المدنيين والاطفال في غزة وترحيلهم وتجويعهم وأسرهم وتعذيبهم وقتل أرواحهم وآمالهم…الخ يُعدّ حربًا أصلاًا!؟ وكما هو حاصل الآن في الضفة الغربية فهل يعدّ تفجير منازل أهالي المسلحين الأبرياء مقبول دوليًا؟ وهل سرقة الأرض اليومية وتدمير الشوارع والبنية التحية في غزة أو الضفة كذلك؟! الى العشرات من الممارسات الانتقامية الثأرية للعقل اليميني المشبع بالعنصرية البغيضة هل يعد أخلاقًا؟! للجيش ” الأكثر أخلاقية بالعالم” في واحدة من عشرات الأساطير الصهيونية الرائجة!؟
إن الفعل الصهيوني العسكري والاستخباري، بل والسياسي الرسمي، المناقض لكل الأعراف والقوانين الدولية هو ما جعل من محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة ودول العالم الحرّ قاطبة تضج من ذلك! وتصدر القرارات لعل وعسى!
لقد كانت العملية ضد حاملي أجهزة النداء الآلي في لبنان بهدف حرف الأنظار بوضوح عما يحصل في فلسطين من جهة، وباستدراج متدحرج لمعركة شديدة الوطأة في لبنان وبرسالة الى إيران التي تتجنب بكل قوة الحرب، كما هي رسالة للانتخابات الامريكية والرئيس القادم، عوضًا عن كثير الرسائل من نتنياهو لخصومه المحليين فهأنذا “الملك” ولن يتوج غيري.
يقول الكاتب مشاري الذايدي “أثبتت “إسرائيل”، شئنا أم أبينا، أن لديها ذراعاً طويلة في المنطقة، وتملك مفاجآت أفصحت عن بعضها، وكتمت الكثير، ولا ندري عن المقبل!” مضيفًا: “نعيد التذكير بما أوردناه سابقًا عن ميزان القوة الراجح بوضوح لصالح “إسرائيل”، عسكرياً واستخبارياً وتقانيًا، وأن الاعتراف بهذا الواقع، الآن، يوفّر كثيراً من الأسى والضحايا، وإضاعة الوقت في الخطب العصماء.”
جاءت العملية بتوقيت حرج حيث قطاع غزة يعاني المذابح اليومية والدمار المهول وترنح مفاوضات “حماس” مع الإسرائيلي عبر دولة قطر للوصول لوقف النار والانسحاب لتأتي في محاولة صهيونية متفوقة تقانيًا لقلب الطاولة على حزب الله -وإيران من خلفه- والسعي لجرّه لمعركة تطيل أمد العدوان بغزة والضفة حتى إفناء عدد أكبر من الفلسطينيين ومنع استقلال دولتهم المحتلة، وهي لم تكن قط متكافئة في قطاع غزة الذي أنهك انهاكًا تامًا بالقتلى والجرحي وبما هو عادة الصهيوني أي بكسر كل قواعد الحرب وتدمير كل مقومات الحياة لدى الفلسطينيين.
إن فكرة كسر كل قواعد الحرب وممارسة الاعتداءات المهدّفة ضد المدنيين بحقيقة الامر هو تجاوز لشرعية فكرة (حق الرد) الذي يفترض المسلحين فقط! وينتقل للإجرام والإبادة الجماعية للناس فيما تفعله في قطاع غزة وفيما فعلته مؤخرًا باستهداف المدنيين مباشرة في لبنان.
المفاجأة التي فجّرها الكاتب جان عزيز تتمثل برأيي بتذكيره من لم يقرأ بضم “إسرائيل” لقيادة المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي ما يفاقم من حجم قدراتها وقيمتها وقوتها لا سيما أن “المنطقة الوسطى” معنية ضمن أمور أخرى بالعمليات الخاصة، والامن السيبراني! وما يعني بوضوح كامل: “فتح قناة اتّصال دائم بين وزير دفاعها ونظيره الأميركي، كما بين رئيس أركان جيشها وقائد هذه القيادة”؟!
يوضح الكاتب السياسي والمحامي جان عزيز معنى كون الجيش الإسرائيلي أصبح جزءًا من “قيادة المنطقة الوسطى” لجيش أقوى دولة بالعالم (من 3 سنوات تقريبًا) بالقول: “تصوّروا النتاج اليومي، أو حتى الآني، لمخابرات 20 جيشاً ودولة (ضمن نطاق القيادة الوسطى الامريكية في منطقتنا، أي بمساحة 10 ملايين كيلومتر مربّع. سكّانها أكثر من 560 مليون نسمة في 20 دولة)، مضافاً إلى عمل نحو 2,500 متعامل مع وكالة المخابرات المركزية، وموظّفي المنظمات الإدارية الأخرى، إلى جانب مستشارين مدنيين، بما في ذلك أفراد شركات الأمن الخاصة، كما في العراق مثلاً، علاوة على 900 عنصر منتشر عبر قواعد أصغر في شمال سوريا وشرقها، وآلافٍ آخرين في دول أخرى، بالإضافة إلى القيادة الأمامية في قطر والأسطول الخامس في البحرين.”!؟
من هنا يأتي برأينا حجم الإقدام والتصرف بوحشية بل والغرور والقسوة وبلا أي اهتمام كبير بردود الفعل فمن كانت أمريكا هي وراءه بكل ثقلها فلا غرابة أن تفعل ما تشاء! ومن هنا تزداد الجرأة المحسوبة، وقيم الضرب بعرض الحائط بأي قوانين بشرية أو مؤسسات دولية!
إن العملية التي صفق لها الكيان الصهيوني معتبرها عملية عظيمة ومثابرة ومُبهرة وقوية ومفاجئة ودمرت هيبة إيران التي مازالت مدمرة منذ استشهاد اسماعيل هنية في طهران وغيره، يعتبرها بما يوازي مباغتة 7/10 هي بحق عملية مباغتة أو مفاجئة وأدت لانكشاف الحزب وكما اعترف زعيم حزب الله، لكنها ليست بقاصمة الظهر كما أراد الصهيوني في قطاع غزة ثم في لبنان، رغم الاغتيالات السابقة ثم اللاحقة.
كثرت التحليلات حول أجهزة النداء الآلي (بيجر بالانجليزية) وأجهزة الاتصالات الاخرى التي فجرتها المخابرا الإسرائيلية-رغم عدم اعترافها حتى الآن-ومهما كان الأمر الفني التقاني الاستخباري فإن مسؤولية الاحتلال الصهيوني في تفجير الأوضاع على مدار سنوات طوال بالضفة الغربية (أساس العدوان والحرب الحالية) ثم لاحقًا في القطاع، واستتباعًا كل منطقة العرب، وبتواصل البغاء السياسي و”مذبحة صبرا وشاتيلا” يومية بالقطاع يدلّل على تعملق عقل جنون القوة وغرورها المدمّر لصاحبها من جهة مع تواصل التدمير والقتل والإبادة التي لن تنتهي الا حين يصحو المجتمع الدولي ويتضامن ككل مع تحرير دولة فلسطين، وضد الإرهاب والإجرام الممارس وقبله ما يصح قوله من الموقف العربي الموحد المرتبط بوحدة وطنية إن لم يتم الإقبال عليها سنظلّ في مصاف المفعول به مهما حاولنا تصوير أننا حققنا انتصارات ميدانية عسكرية! لا يصح نعتها كذلك في ظل شلال الدماء الفلسطينية الذي لا يتوقف! أوانتصارات سياسية منفصلة عن الفعل الميداني الشعبي المؤثر.