دراسات وتقارير خاصة بالمركز

بكر أبوبكر يكتب – هل قصص التوراة هي ذاتها قصص القرآن الكريم؟

بكر أبوبكر – 20/5/2020

كثيرا ما يجد المرء تشابهًا بين قصص القرأن الكريم وبعض  مضامين في قصص التوراة حتى يظن البعض أنها ذاتها! بل ويجد البعض المسلم أن لاحرج بالأخذ من التوراة دون تمحيص، خاصة من الزاوية التاريخية والقيمية الاخلاقية فيقع في الخطيئة.

المستشرقون على درب المشككين بالقرآن منذ فجر الدعوة

 في المقابل فإن المستشرقين (خاصة منذ القرن19 الميلادي) استغلوا هذه التشابهات للإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم أنه سرق من التوراة واقتبس قصصها في القرآن حاشا لله ولرسوله الكريم[1]، فلقد كانت مثل هذه الإساءة من الكفار واليهود منذ فجر الدعوة، ورد عليها القرآن الكريم، ومن الآيات (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ) (سورة الفرقان 5-6).

 الدراسات الرصينة الحديثة الكثيرة تبين الاختلاف الحقيقي والواضح بين قصص القرآن وهو أحسن القصص كما أشار لها الله سبحانه في محكم التنزيل، وبين قصص التوراة ذات الخليط بين الحق والباطل والاحلام والأوهام، والخرافات والوقائع، ولنقرأ ما يكتبه الباحث أحمد صلا ح البهنسي  فقط في نموذج واحد من نماذج القصص وهي قصة البقرة إذ يقول البهنسي في بحثه المعنون: قصص القرآن في كتاب (مصادر يهودية بالقرآن) لشالوم زاوي،قراءة تحليلية نقدية لنماذج مختارة[2]:

]بمقارنة نصّ سفر العدد مع ما جاء في النصّ القرآني حول البقرة، تتضح بعض أوجه الشبه بين الآية القرآنية والنصّ التوراتي فيما يتعلق بتوجيه أمر لبني إسرائيل بالإتيان ببقرة وذبحها. إلا أنه تظهر أُولى سمات الاختلاف حول (لونها)، فـ(الصفراء) في القرآن الكريم تتحول إلى (حمراء) في النصّ التوراتي، ثم تأتي تفاصيل بقية النصّ التوراتي مختلفة تمامًا عن ما ورد في الآيات القرآنية؛ فالقصّة القرآنية تتحدّث عن بقرة تذبح لِيُضرَب بجزء منها قتيلٌ ليدلّ على قاتله: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْييِ اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(البقرة: 73)، أمّا سفر العدد فيتحدث عن ذبيحة خطيئة لا معنى لها، مع وجوب رشّ الدم… إلى آخر التفاصيل التي لم ترِد في القرآن الكريم.

أمّا مقارنة رواية سفر التثنية مع النصّ القرآني حول قصة البقرة، فيتضح أن رواية سفر التثنية تختلف مع ما جاء في الآية القرآنية، فالنصّ التوراتي يتحدّث عن طقس معيّن في اليهودية لمعرفة هُوية القاتل، أمّا الآية القرآنية فتتحدث عن أمرٍ إلهي بذبح بقرة بهدف اختبار مدى طاعة بني إسرائيل لربهم وإيمانهم به، كما يلاحظ أيضًا أن رواية سفر التثنية تقدِّم شريعةً أوقانونًا وهي التي عُرفت وتطورت في المشنا والتلمود بـ(شريعة) البقرة الحمراء، وهي من الشرائع المتعلقة بأعمال الطهارة والكاهن داخل المعبد اليهودي، في مقابل أن الآية القرآنية تتحدث عن أمر إلهي يهدف لاختبار مدى الطاعة والإيمان بالله (عقيدة)، وبالتالي فنحن أمام (قانون أو شريعة تتعلق بطقوس) في الرواية التوراتية مقابل (عقيدة) في الرواية القرآنية .[

 

ويرد د.اسماعيل علي محمد على القائلين باقتباس قصص القرآن من التوراة قائلا في بحثه[3]: ]إن قصص القرآن الكريم يتفرد بخصائص وميزات تجعله يختلف عما في العهد القديم من قصص وغيره؛ مظهرا وجوهرًا، وشكلاً ومضموناً، ومبنىً ومعنى. فالتباين واضح جدا بين أسلوب هذا وأسلوب ذاك، ومضمون هذا ومضمون ذاك.

ونقصد بالأسلوب: طريقة عرض القصة، وصياغة أحداثها وسياقها، وتراكيب ألفاظها وعباراتها… وهكذا، وبالمضمون ما يحمله الأسلوب من المعاني ويتضمنه من الأفكار، ويحتويه من القضايا والمعتقدات… ونحو هذا.[

 

اختلاف الأسلوب بين التوراة والقرآن الكريم

حين حديثه عن الاختلاف في الأسلوب: ومع ضرب عديد الامثلة يقول:]أول ما يقابل الناظر في أسلوب القصة في العهد القديم هو الركاكة، وهبوط المستوى الذي يصل أحيانا إلى درجة الإسفاف. فكيف يكون أسلوب القرآن الكريم – وهو القمة في البلاغة وسمو العبارة، ورفعة المستوى – مأخوذًا من ذلك الأسلوب الهابط الركيك والمسف أحياناً، والذي لا تخطئه العين من أول وهلة، ولا يخفى على طالب في سنوات التعليم الأساسية؟!.[

اختلاف المضمون

وفي المضمون يذكر الكاتب اختلافات عدة منها التنزيه لله في القرآن الكريم كمثال (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى11) وآيات أخرى، في مقابل أوصاف كثيرة لا تليق بالذات الإلهية ترد في العهد القديم ومن الامثلة التي يضربها الكاتب قوله: ]في سفر التكوين، عند الحديث عن بدء الخلق، تطالعنا هذه العبارة: (في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على الماء)[4].

فانظر إلى هذا التعبير الساذج الوثني، بحق الله تعالى، فأين كان الله تعالى قبل أن ترف على وجه الماء روحه، وإلام صار بعد أن كانت على وجه الماء كما ترفرف الحمامة؟!.

وماذا بعد؟ (وقال الله: ليكن نور، فكان نور، ورأى الله النور أنه حسن)[5]

وبعدما خلق اليابسة، وجعل البحار والأشجار والعشب، يقول السفر: (ورأى الله ذلك أنه حسن)  وتتكرر هذه العبارة عقب كل خلق يخلقه في كل يوم، إلى نهاية ما خلق في اليوم السادس: (ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً)[6]، ألم يكن الله يعلم سلفا حقيقة ما سيخلقه، وما سيكون عليه من الحسن أو القبح، أم أنه قام بتجربة ونجحت، فأعجب بها، ورآها ابتكاراً يسر الناظرين، وكان لا يتوقع ذلك؟! تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا[

ويضيف الكاتب ضمن الأمثلة الكثيرة ما يثير الدهشة:](وكان عمود السحاب إذا دخل موسى الخيمة ينزل ويقف عند باب الخيمة ويتكلم الرب مع موسى، فيرى جميع الشعب عمود السحاب واقفاً عند باب خيمته، ويكلم الرب موسى وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه)[7]  

بل إن قصص العهد القديم ينسب لله تعالى أنه يأمر بالفحشاء[8] والموبقات، والعياذ بالله.

ففي سفر هوشع: (أول ما كلم الرب هوشع قال الرب لهوشع: اذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب)[9] 

وهكذا تبلغ النذالة بكاتب هذا السفر، فيتجرأ على نسبة هذا القبح لله تعالى، ولكن يبدوا أن اليهود أرادوا أن يبرروا مسلكهم اللاأخلاقي في العالم قديماً وحديثاً، فحاولوا أن يضفوا على أخلاقهم المنحطة صبغة شرعية، فكان أن افتروا على الله الكذب، فبئس ما يقولون.[ وهذا غيض من فيض الاختلافات نكتفي منه بهذه المقتطفات التي تجعلنا نفكر مرة وعشرة عندما نقتبس من الأسفاردون تمحيص ما نتخذه في تفاسير القرآن الكريم.

خلاصة:

يعلق أ.د.اسماعيل على محمد في بحثه قائلا:]قد يوجد تشابه في بعض الأحداث في بعض القصص التي ورد ذكرها في كل من القرآن الكريم والعهد القديم، ولكن هذا التشابه ليس دليلا على الاقتباس، لأن هناك اختلافات في الجوهر بشكل عام، وإنما هذا التشابه مردّه إلى وجود بقايا من الوحي كتبها كتَّاب العهد القديم في عصور مختلفة، غير أن هذه القلة القلية توارت خلف ركام الباطل، وتلاشت في ثنايا موجات التحريف، كما تتلاشى قطرات الماء العذب الفرات في وسط البحر الملح الأجاج، ولم يبق لدى القوم من الوحي إلا رسوم وأشكال مملوءة بالزور والأباطيل[.

#تفكرات_رمضانية 27

الحواشي:

[1] وممن يتشدقون بهذا الرأي: “مكسيم رودنسون” في كتابه (محمد)، حيث يقول: (إن قصص القرآن ما هي إلا ترديد لما تعلمه محمد وسرقه من الأديان السابقة، ومن الكتب اليهودية). يرى “ريتشارد بل” مؤلف كتاب (مقدمة القرآن) أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتمد في كتابه للقرآن على الكتاب المقدس، وخاصة على العهد القديم في قسم القصص.

[2] والبحث يتضمن إشارات واضحة للفروق في القصص، ويضع نموذج آدم وزوجه وقصة نبينا ابراهيم وقصة البقرة، وللمراجعة للبحث بعنوانه على موقع مركز تفسير الدراسات القرآنية على الشابكة.

[3] د.إسماعيل علي محمد في بحثه المعنون: الرد على شبهة أن قصص القرآن الكريم مأخوذة من العهد القديم، في موقع الألوكة.

[4] سفر التكوين 1/1-2

 وأيضا في سفر التكوين اول الأسفار.[5]

[6] وأيضا من سفر التكوين كما سابقاته.

[7] سفر الخروج 9/33-11

[8]  مثال واحد من عشرات: ينسب سفر صمويل الثاني إلى داود عليه السلام أنه رأى امرأة تستحم في قعر دارها ففتن بها، وشغفته حباً، وكانت زوجة لأحد جنوده يسمى أوريا الحثي، فزنى بها داود وتخلص من زوجها بالقتل، وأن فعله هذا قبح في عيني الرب فعنفه على ذلك وتوعده… إلخ. وهكذا تبدو لنا ملامح صورة الأنبياء في العهد القديم، فنرى لهم – عليهم صلوات الله وتسليماته – صورة تعلوها غبرة، وتكتنفها المهانة، وسيرتهم تلطخها الشناعات، وتملؤها المعاصي والانحرافات، وتلفها القبائح والمنكرات الموبقات.

[9] سفر هوشع 1/2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى