#أقلام وأراء

بكر أبوبكر يكتب – نضالية المشهد الانتخابي قبل ظهورالقوائم

بكر أبوبكر – 27/3/2021

من الواضح اليوم أننا مقدمون على انتخابات فلسطينية تعددية من اليمين الى اليسار إن جاز التعبير، وإن اتخذنا مصطلح اليمين بمنطق التنظيمات الأيديولوجية الدينية، فتكون فصيل “حماس ممثلة لها، وإن كان اليسار يعني التنظيمات التقدمية أو ما اصطلح عليه باليسار ضمن أحد مفاهيم اليسار فمن الواضح تعددية المنابر، في حين يتموضع بالوسط أو المركزفصائليًا حركة التحرير الوطني الفلسطيني”فتح.

وما بين اليمين واليسار والوسط ستتوزع مجموعة من القوائم المختلفة الذاهبة نحو أول عملية انتخابات حكم ذاتي فلسطينية تأخذ هذه الصبغة الحديّة القوية ليس فقط داخل حركة فتح كما قد يظن البعض، وإنما أيضا في حماسبل وفي ذات اليسار الفلسطيني.

اليسار الفلسطيني إن جازت التسمية وعلى رأسه الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية اتخذ مسارين مختلفين فلكل منهما قائمة منفصلة حتى الآن رغم الاعلان منهما بشكل أساس على أن الباب يبقى مفتوحا لتشكيل قائمة قطب ديمقراطي او قائمة يسار بينهما بحسب تعبيرات انطلقت من الفصيلين التاريخيين العريقين، ولا تجد بسهولة أي صوت للفصائل الأخرى الحليفة تقليديا لحركة فتح مثل النضال الشعبي والجبهة العربية، والفلسطينية وغيرها.

فيما كانت المؤشرات من حزب الشعب حتى الآن غير واضحة الدلالة، والى ذلك يتموضع د.مصطفى البرغوثي في إطار قائمة بدا حتى الآن أنها ستكون لوحدها أو متحالفة مع مستقلين

في الإطار الوطني العام ما يمكن موضعته في وسط الصورة أو التيارات نجد كل من د.سلام فياض رئيس الوزراء الأسبق، كما قد نجد اسم د.رامي الحمد الله رئيس الوزراء السابق لامعًا سواء ضمن قائمة منفصلة، أو في إطار قائمة فتح، هذا الى جانب قوائم أخرى ذات طبيعة مناطقية/عشائرية كان من المتوجب على القانون أن يتصدى لحلها مسبقًا.

وفي يمين المشهد فإن المثير لدى حركة حماس وهو الايجابي حقًا أنها استطاعت أن تقترب كثيرًا من طروحات الوحدة الوطنية بمنطق الإصرار من تيار فيها على الأقل على ضرورة تشكيل قائمة مشتركة مع حركة فتح وفصائل أخرى بدليل أنها عرضت ذلك بوضوح حتى على الشعبية (مقابلة ماهر الطاهرمع الميادين) وهذا المنطق الاقترابي إن فهم لغرض تمرير دخول حماس الى قلب النظام السياسي الفلسطيني المقبول عربيا وعالميًا فإنه يأتي على ظهر “فتح” في ظل احتفاظ “حماس” حتى الآن بحكم غزة،وهذا الأمر لربما يمهد لاستيلائها إن استطاعات القفز بالنتائج لمرحلة الانقلاب في إطار منظمة التحرير الفلسطينية حسب تحليل المعارضين للتقارب مع فصيل “حماس.

المثير في حماس هو وجود الأصوات المعارضة العلنية التي كسرت حاجز الصمت الأثير لدى التنظيمات الفكرانية (الأيديولوجية) وأعلنت أنها ضد قائمة مع حركة فتح جهارًا نهارًا (وصفي قبهاكمثال) لاسباب رأتها وجيهة، إلا أنه يسجل باحترام لهذاالتنظيم أنه استطاعأن يعقد انتخاباته الداخلية بأقل الخسائر رغم الانشغال بالانتخابات الوطنية من جهة، وأنها استشارت كادرها مباشرة حتى داخل المعتقلات فيما يتعلق بشأن القائمة المشتركة.

تيارات حماس المتصادمة بين الثقل الحقيقي في غزة وبين الخارج قد تظهر نتيجته في المكتب السياسي، إلا أن حماس التي بدأت تتذوق معنى الديمقراطية قناعة او جبرًا، تكتيكًا أو استراتيجية، لم يعد كادرها المفكر قادرا على الصمت مطلقا، فهاهو يمزق شرنقة الصمت ويقول سرًا وعلنا ما يريد وإن بتحفظ شديد للغالبية، والبعض منه من فترة طويلة.

أما في حركة فتح التي يراها معظم الشعب الفلسطيني بل والأمة العربية مجسدة للحلم الفلسطيني، وممثلة لتيار الوسطية أو الاعتدال أو تيار المركز في فلسطين، فهي اليوم على مفترق طرق كبير في مواجهة الانتخابات نتيجة تراكم مجموعة من الأزمات فيها تلك المرتبطة أولًا بالخط السياسي الذي وجد من المختلفين معه داخل الحركة من يحاول تقويمه أو تعديله أوتغييره داخليا أوخارجيا فحصل الافتراق، فيما ويا للمفارقة استطاعت الحركة بدبلوماسيتها المتميزة وقوة حراكها على الفصائل أن تجلب كل الفرقاءوالمعارضين خارج إطارها لمربع فكرها السياسي!.

تعاني فتح ثانياً من تعدد واختلاف طرق التفكير أو طرق النظر في طبيعة الانظمةوالسياسات، والمسارات والآليات الحاكمة للتنظيم الثقيل بأعضائه وفكره الوطني الفسيح وهو الثقيل بقدرته على تجاوز المحن رغم نخر عظامه بمجموعة من الانتهازيين والمتأسرلين والمصلحيين وهو نخر للاسف طال كل التنظيمات حتى حماس” المتربعة على عرش سلطة غزة الوثير.

في هذه الانتخابات حتى الآن فإن فتح مازالت تتصدر المشهد بقائمتها الرسمية إلا أن تعدد الشخصيات الحركية المرتبطة بقوائم أخرى قد يكون لها تأثير (إيجابي أو سلبي من المبكر الحكم عليه) أصبحت واضحة، وليس لدى الحركة الثقيلة بفكرها وإرثهاالعظيم والآمال المعقودة عليهاإلا السير قُدما بقوة بين الألغام الداخلية التي كانت نتيجة الفوضى، والعمل على إثبات أنها مازالت تمثل الكلّ الفلسطيني ما سيتجلى رغم كل الثغرات في القائمة القادمة.

في حركة فتح“وفي “حماس” يظهر النخر في العظام أوضح لسبب أن كادراتها تمسك بزمام الحكم الذاتي المحدود، هنا وهناك، ومن هنا يُنظر-بشكل خاطيء لكل ما تقوم به السلطة، خاصة من حيث السلبيات، وكأنه انعكاس لحقيقة حركة فتح، بينما في غزة سياق آخرحيث التعانق بين السلطة والفصيل كما كان من امر حركة فتح في بدايات السلطة، ولكل هذا ثمنه اليوم في الانتخابات الوطنية.

إن من معضلات حركة فتح الحالية ثالثًا -وهو ما كُنا نبهنا اليه كثيرًا داخليا، أي داخل أطر فتح سواء عبر الأخوة أعضاء اللجنة المركزية أو الثوري او الاستشاري هو فكرة النضالية مقابل العقلية الوظيفية المتبناة من المتسلقين البارزين، وفكرة الرساليةوالديمومة ، وفكرة التنظيم في مقابل التحشيد الرعاعي.

الوظيفية لدي كل الفصائل هنا هي عقلية انتهازية حيث فيها لا يهمني من الأعضاء، ومن ورائهم الجمهور العقول، وإنما يهمني الكسب الشخصي المصلحي المرتبط بالعقلية الوظيفية الاستخدامية للآخرين، وهم المطلوب أن يكونوا أبواقًا للخير والشر معًا، وبالتالي التحشيدية في حافلات تضم الحشود التي تهتف لهذا الزعيم (الزعيم مجازًا) هذا أو ذاك .

أن ما ظهر مؤخرا من ضيق الصدر، والتفلت من الاستحقاقات بعملية التأجيل للمواضيع، وبطء الاستجابة للتحديات، والانتظارية والاستبداد والمصلحية الحزبية الضيقة أنتج ضعفًا بارزًا لدى قيادات العمل الفلسطيني عامة ومنها في اجتماع القاهرة، التي لم تستطع اجتماعاتها أن تضع برنامجًا سياسيا تفصيليا أو برنامجًا وطنيًا عروبيًا وحدويا تآلفيا توافقيا رغم الجوامع المشتركة وهي كثيرة.

إن من يتبنى فكرة النضالية والرسالية والديمومة –من أي فصيل سياسي-يتعامل مع الأفكاروالعقول والمباديء والقيم ويقوم بالتعبئة والتثقيف بها ضمن برمجة مركزية وذاتية، ومن يبتغي التحشيد يلغي العقول ويتعامل مع الأعضاء كأتباع أو كهمج رعاع أتباع كل ناعق (حديث علي بن أبي طالب) أوكإمعات يحسنون ويظلمون مع الناس سواء(حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم)، فيصبح الخطاب يلامس الأهواء الذاتية والمصالح والعواطف بعيدًا عن السياق الثقافي أو التعبوي أو العملي الإنجازي أوالنقدي.

المشهد الانتخابي الفلسطيني في ظل تقديم القوائم يظهر حقيقة وطنية صارخة هي أنه على كافة الفصائل الوطنية بيمينها ووسطها ويسارها (حماس والجهاد فصيلان وطنيان ولا يجوز احتكار فكرة الاسلامية منهما وكأن الاسلامية نقيض الوطنية! لذا هما وطنيان، وكل الشعب مسلم وإسلامي، ومسيحييه اخواننا بلا أي تفرقة) أن تثبت ولاءها للقضية الفلسطينية، ولهذا الشعب ولأهدافه الوطنية ولمنهج المقاومة الشعبية، قبل أن تنشغل بالتلهي بحل أو وعود حل مشاكل القاطنين في فلسطين الداخلية فقط.

المشهد الانتخابي الفلسطيني تحت الاحتلال يثبت أن الشعب العربي الفلسطينيمتعطش للتحرر ومتعطش للحياة ومتعطش للمقاومة ومتعطش للتغيير، ومتعطش لممارسة الديمقراطية التي تظل أبدًا منقوصة مادام الاحتلال يكتم الأنفاس أو يحصيها، ومادام يتوسع في احتلال الأرض، أرض فلسطين، ومادام اللاجئين في البعيد، والأسرى في القريب البعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى