بكر أبوبكر يكتب – موقفنا من السعودية وإيران؟
بقلم بكر أبوبكر – 25/12/2017
تسيل كثير من الأحبار في نقد سياسات الدول، وتصل الأمور أحيانا لحد الاتهام بالخيانة أو العمالة لهذا المحور أوذاك.
وفي ظل الصراع المحتدم في الاقليم ومنطقتنا العربية على النفوذ والاقتصاد والتمدد والهيمنة سواء تحت مظلة الطائفة المحمولة على الشعارات، أو الهيمنة والاستبداد أو لمنع تمدد الأخر، فإن اتخاذ موقف من قبل الفلسطينيين الذين باتوا الحلقة الأضعف كثيرا ما يقابل بالريبة أو الاستنكارأو الهجوم، وما يستتبعه ذلك من اتهامات أوتشنيعات أوعقوبات.
إن النقد لسياسات الدول من قبل القيادات الفلسطينية يتخذ خطا حذرا يوازن بين المكاسب والمخاسر، ويوازن بين حجم التقدم المطلوب والدور المرغوب لعبه من الدولة، استنادا لتاريخها في دعم أوحجب الدعم عن الفلسطينيين.
والنقد (سواء الايجابي أو السلبي) لسياسات الدول الأخرى في ظل معادلة الصراع والمكاسب والمخاسر والقيم تتحدد أساسا بالموقف من القضية الفلسطينية،ومن القيم العالمية بالحرية والعدالة، ونقصد هنا الموقف العلني أساسا، دون اهمال التحركات السرية التي تهدف للالتفاف على القضية الفلسطينية، أورفع الشعارات العريضة المؤيدة، دون أن يلوح بالأفق رنين أي نوع من أنواع الدعم اللّهم إلا إذا كان دعما لتيار أو فصيل فلسطيني بعينه، ولهدف مريض.
إن المصلحة العربية والفلسطينية في ظل الصراع المحتدم في منطقتنا يقتضي الحذر والذكاء السياسي كما يقتضي عدم التفريط بعروبة القضية، باعتبارها القضية المركزية للأمة ما يستدعي جمع الجماهير العربية من حولها، وهي الجماهير العريضة التي لطالما كانت تقف بمثقفيها وأدبائها ومفكريها وكادحيها في صف فلسطين ظالمة أو مظلومة، لا تهتم بمقدار اقتراب أو ابتعاد نظامها السياسي (حكومتها) من فلسطين، وهي الجماهير التي قدمت الشهداء تلو الشهداء منذ ثورة 1936 بل وما قبلها،وما تلاها نصرة لقلب الأمة العربية والاسلامية،فلسطين، ونصرة لاخوانهم في الدم .
إن انتقادنا كفلسطينيين كُتّابا ومدونين لسياسات أو مواقف هذه الدولة أو تلك هو عمل مقبول مادام ملتزما بالموضوعية والعلمية وأدب الحوار، ولكن من المهم أن ندرك فروقات فهم أدب الحوار بين المتحاورين فهو عندنا في ساحتنا الفلسطينية كبير وقد لا يصل لمثل هذا المستوى المتقدم من النقد عند الآخرين .
لذا وجب عندنا مراعاة زوايا محددة وخطوط حمراء وعدم المس بها،سواء تلك الخاصة بالدولة، اوبالخطوط العامة الثابتة لدي على الأقل وهي تلك المتعلقة بالإخوة العربية الراسخة، وبالتواصل الجغرافي الذي لا فكاك منه، وبمركزية القضية قضيتنا، وتضحيات اخواننا العرب معنا، ومساهمات قواتهم، ومواقف حكوماتهم الايجابية في عديد المراحل، فلا نغرق بالشتائم والاتهامات والتحقيرات..
يجب ألا نلجأ للشتائم مطلقا، فنعكس الإساءة المحدودة من أفراد بدولة شقيقة ما على جميع الشعب أو الأمة، بجعل الخاص والموضعي عاما وشاملا للجماهير، فنبدأ بإطلاق الاحكام والشتائم المعيبة.
يبدأ السير في مركب التحقير -وهو فكر متخلف- لمجرد الاختلاف في موقف معين، هذا الموقف الذي من المحتمل تغييره، منا أو منهم، وبالتالي يتغيررأينا، وهو الراي المرتبط بمقدار الوعي وبالمصلحة وبالمستجدات والمتغيرات.
إن الصراع المحتدم على جسد الأمة العربية من قبل المحور الذي تتزعمه إيران، وفكرة تصدير الثورة وإقامة (الدولة الاسلامية) هي الفكرة المركزية في دستور الجمهورية الاسلامية في ايران، والتي بنص الدستور من حقها أن تتدخل في كل دول العالم (لحماية المحرومين)! والمقصود غالبا الشيعة من مختلف المذاهب، وتحت مظلة فكرة (ولاية الفقيه) أي الحاكم مطلق الصلاحيات الدينية والدنيوية وهي فكرة وتوسع سياسي يلقيان قبولا في المنطقة العربية من دول وشخصيات وأحزاب، كما يلقيان -الفكرة والسياسة- رفضا ومقتا من دول وأحزاب ومفكرين لارتباطها بالاستبداد والهيمنة ورفض الآخر.
ان النقاش في الإطار الفكراني “الايديولوجي” لا يعني رفضا لكل المواقف السياسية لصاحب هذا الموقف الايديولوجي ما هو تخلف، ففي حين تتقدم ايران الدولة بمواقفها نحو فلسطين كل فلسطين وليس لدعم جهة ضد أخرى وبلا تدخلات ملحوظة في جسد الأمة فإن مبرر الرفض أو القبول للأيديولوجية قد لا يعكس نفسه على موقفنا السياسي، فنتفق في مساحة مع الحكومة الايرانية ونختلف في مواقف أخرى، وهذا حقنا، ما دامت القضية الفلسطينية واستقلالية القرار ووحدانية التمثيل هي مسوغ الرأي لدينا.
يقول المفكر العربي الاسلامي الجزائري مالك بن نبي رحمه الله: ان التخلف “ينبع من طبيعة تشكيل الشخصية التي امتلأت بالثقافة السلبية (إنسان مابعد الحضارة)، التي دائمًا ما تدعو للاستسهال وعدم الجدوى، مما أدى إلى ضعف القدرة التحليلية في فهم التعقيدات الحضارية وبنائها بما يسميه (الأفكار المميتة)”
ويقول المفكر العراقي على الوردي : أن ” الظروف الاجتماعية والبيئية تشكل الأخلاق. ولهذا فمطالبة الناس باتخاذ أنماط معينة من الأخلاق هو ضرب من العبث إن كانت البيئة الحاضنة لا تدعمه”.
لذا نقول نحن أن ما نحتاجه هو تمزيق ثوب التخلف والاستسهال للشتم والاتهام والتحقير، والإعلاء من شان الثقافة الايجابية لا السلبية، والتحلي بأخلاق القرآن العظيم، والتأثير في بيئتنا ما هو جهد دائم متواصل بثبات في مسار عميق وطويل لا يتوقف.
في الجانب الآخر من الصراع نحو المحور السعودي وتحالفه، والذي يتعدى عليه كثير من الكتّاب فلا ينظرون للكم الهائل من الاصلاحات الفكرية والمجتمعية فيه كما يفعلون مع إيران كمثال، ويظلون منشدّين لمسلّمات قديمة تخضع لقلة الدليل من مثل “استسهال” إتهام المذهب ككل، أو أئمة بعينهم، لينعكس الاتهام سياسيا على النظام، والى هنا قد يكون النقد مفهوما ان التزم بضوابط الحوار، أما أن يتمدد ليطال كل الشعب! فيصبح السعودي أو الخليجي عند الكثير من الشتامين وفي ظل حرب الاشاعات وكأنه من كوكب آخر، فإننا بذلك نخرج عن حقيقة النقد الصريح للسياسات والمواقف وليس للأشخاص بذواتهم ويخرج عن منطق صون المصلحة والأخوة والوعي، وفتح الأبواب.
يقول المفكر العربي الاسلامي الجزائري مالك بن نبي رحمه الله: “العرب والمسلمون ليست أزمتهم الحضارية بسبب عدم امتلاكهم الخامات، أو لفقر في كنوز أرضهم، بل ما عندهم يفوق الحاجة «الإنسان والتراب والوقت» لو أحسنت الاستفادة منه في تطوير البلاد، ولو عادت ثماره لكل أبنائه، وليس لفئة قليلة تعبث به أو للاستعمار يفتح لها باب نهبه، واستثماره. وهذه العناصر الثلاثة لا بد من أن يضمها العامل الأخلاقي”
إن تحقير الأمة والتقليل من شأنها وأقصد الامة العربية والاسلامية هي آفة زرعها الاستعمارالغربي وأحذيته بالمنطقة، الذين يستعذبون شتم الذات والاعلاء من شان الحضارة الغربية وكأننا بلا قيمة ولا فكرولا مبدعين ولا ثقافة ولاحضارة!
أحذية الغرب في منطقتنا يستغلون أي سانحة أو أزمة في قلب الأمة –والجائز الاختلاف معها سياسيا-ليزيدوها حطاما حضاريا، وشعبيا، ويشعلون فيها نار الفتنة، بل ويتفننون في شتم الفلسطيني أوالأردني أو المغربي أو الخليجي أو السعودي أو الايراني أو السوداني ليس لقلة فهم او وعي هنا، وانما بهدف وغرض خبيث وهو إبقاء الأمة في مرحلة الانحسار والذِلّة والانكسار لذلك تُستثار دوما الحمية والعصبية والطائفية والاقليمية والتحقير لتقف عمدا في وجه أي اقتراب او استنهاض للأمة التي نحن منها بحكم الجغرافيا والتاريخ والدين والحضارة المشتركة.
إن المواقف الجذرية “الايديولوجية” برفض الاستبداد والهيمنة والاستعمار والاستتباع لفكرة أوسياسات نظام، وفرض الرأي بقوة السيف أو بالشعارات التي تتخذ من فلسطين ذريعة أو تلك التي تتحايل على فلسطين وتلتف من خلف ظهرها هي مواقف رفضوية نراها عادلة ومفهومة، أما اسقاط الجذري والايديولوجي على كل موقف سياسي وليطال الجماهيري والأمة كلها، فإنه لن يفهم من الناس الا بمنطق العداء للشعب، والنظام والفكرة معا.