أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

بكر أبوبكر يكتب – مشهد ضعيف بإخراج سيء!

بكر أبوبكر – 20/11/2020

عندما قررت السلطة الوطنية الفلسطينية رفض تلقي أموال المقاصة العائدة لنا لأسباب الخصم الذي طالها، والذي مثل مخصصات أسر الشهداء، والأسرى لقيت هذه الخطوة ابتهاجًا لدى العديد باعتبارها خطوة وطنية بامتياز تكرّس فكرة أن الشهداء ومثلهم الأسرى هم من المناضلين الذين لا يمكن أن نتخلى عنهم، لما في خصم مخصصاتهممن تدمير للوعي والرواية والنضالية ومسارنا التحرري.

وفي الاتجاه الآخر رفضت فئة من الفلسطينيين عدم أخذ الأموال المنقوصة لأنها أموالنا، فلنأخذ ونطالب،لأنه وبحسب اتفاقيات اوسلو“، فالإسرائيلي مكلف بجمعها مقابل أجر وليس ببلاش، وما اقتطاعه لجزء من الأموال لأي سبب كان،وتحت أي مبرر الا استمرارلقرصنته العلنية،والتي منها اقتطاعه أجزاء من الأرض، ومن حياتنا ذاتها، وهي عملية استعمارية احتلالية مستمرة، لذلك فضل هؤلاء فكرة أخذ ما لنا وعدم تحويل القضية الى قضية سياسية لأنها ستعود علينا بالوبال.

حاول الرئيس أبومازن أن يضخ الروح العروبية أو الاسلامية أو روح الحق والعدالة لدى القادة العرب، والاجانب لاحقًا باللجوء اليهم لتقديم الدعم ضمن مفهوم حائط الدعم العربي! الذي أقرته مختلف المراجع العربية ولكن لا حياة لمن تنادي! كما تلاها الرفض لاعطاء السلطة القروض أيضا ناهيك عن التخلي الكلي عن العرب الفلسطينيين وكأنهم من أمة أخرى.

حصل التخلي واسع النطاق رغم قرارات القمة العربية وعلى رأسها قمة القدس في الظهران عام 2018 والتي افتتحها الملك سلمان بن عبدالعزيز بالقول: «ليعلم القاصي والداني أن فلسطين وشعبها في وجدان العرب والمسلمين».وأكد «إعلان قمة القدس» على مركزية القضية الفلسطينية (؟!) مشدداً على «بطلان وعدم شرعية القرار الأميركي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل».

قمة تونس العربية عام 2019 أكدت على مركزية قضية فلسطين! وأكثر، أي بتواصل الدعم المالي وعدم قطعه! وذلك قبل أقل من عام من إعلان “ترامب” صفعته للأمة العربية والاسلامية بإنهاء وتصفية قضية فلسطين المركزية! في 28 شهر يناير 2020م،وما تلاها من اتفاقات التحاق بالدولة الصهيونية سميت “تطبيعًا”، خلافا لكل القرارات بدءًا من قمة بيروت 2002، وحيث أشارت قمة 2019 نصا: على “مواصلة تقديم كل أشكال الدعم السياسي والمعنوي والمادي للشعبالفلسطيني وقيادته الشرعية الوطنية“!؟ فيما كان الأمر بعد إعلان ترامب صفعته للأمة أن توقف الدعم كليًا عبر رسالة صوتية من موظف درجة عاشرة.

اتضح الموقف العربي بالتسابق من خلال ماراثون الانعزال عن الأمة فيما أسمي التطبيع أوالتتبيع، وكأن المتراكضون سيقبضون على مستقبلهم وهم بالحقيقة يقبضون على الهواء، فمن يصاحب الأفعى لابد أن يلدغ، وما كان للذئب أن يصاحب الغنم مطلقا.

تقدمت السلطة الوطنية الفلسطينية الى الأمام قليلا اتجاه المصالحة الوطنية ففي ظل انفضاض الأخ الشقيق وتحالفه مع الأمريكي المتصهين، وممارسته الضغوط الكبيرة على النضال الفلسطيني اكتشف الفلسطينيون للمرة الألف أن الحضن الوطني الفلسطيني هو الأدفأ، وهو الاولى والمقدمة للعربي، لا سيما وأن الانعزاليين بدأوا يتخذون من الانقلاب والانقسام الفلسطيني مبررا للانفضاض عن فلسطين! ضمن أسباب عديدة اخرى تبعًا لمصالحهم.

وبالمسير قدمًا في سياسة المواجهة الفلسطينية كان إعلان رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في 19/5/2020م أن السلطة «في حِلّ من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية»، بما في ذلك اتفاقات التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، معتبرة أنّ ضمّ أراضٍ في الضفة الغربية، يقوّض فرص التوصّل للسلام. وهذا التحلل من الاتفاقيات لقي كثير من التشكك من عديد الأطراف حتى قال أحد المحللين المشككين بالتحلل من الالتزامات لأحد الوكالات حينها أن :”الصراع الداخلي بين أقطاب قيادة السلطة يدفع باتجاه الإبقاء على السلطة ككيان سياسي فلسطيني، هدفه الأساسي تحقيق مصالح فئات ومجموعات ضمن تصورات معينة، سواء كانت مصالح سياسية أو اقتصادية أو علاقات محورية ودولية”. وقال غيره حينها لوكالة صفا أن “السلطة غير جادة بالتحلل من الاتفاقيات مع الاحتلال، لأن التحلل معناه أن نعود إلى ما قبل أوسلو بيوم، وهو لا وجود للسلطة، والاحتلال يتحمل أعباء الاحتلال”.

ثم ما كان من فتح المسار الجديد من مسارات المصالحة الطويلة، ولكنها المتقلبة بين الابتهاج ثم الانتكاس، منذ الانقلاب الدموي ضد غزة عام 2007، وتوصل المجتمعون من حركة فتح وحماس ومن خلال الأخ جبريل الرجوب وصالح العاروري وزملائهما منذ شهر 7 للعام 2020م الى ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية وبالقائمة النسبية الكاملة، وتأكيدا على منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى الأهداف الفلسطينية المتفق عليها بالدولة الفلسطينية بحدود 1967.

وكيفما كان الأمر فإن السلطة تقدمت كثيرا باتجاه تحقيق المصالحة الوطنية عبر مد خيوط الاتفاق مع كافة الفصائل الفلسطينية وهو ما حصل في لقاء الأمناء العامينللفصائل الفلسطينية الهام في 3/9/2020 مع الرئيس أبومازن، إنه اللقاء الذي تقبلته الدول العربية بالإهمال أوالبرود والانتقاد لكلمات بعض الأمناء العامين ليس إلا، وفي رفض خفيّ للمصالحة، فكلما تضامن الفلسطينيون كلما انكشف عري الانعزاليين العرب ومدى ضعف حججهم بالتخلي عن فلسطين وسيرهم الى حتوفهم بافتراض أنهم يتجهون الى المستقبل عبرالتحالف الاستتباعي مع الإسرائيلي.

اتفق الأمناء العامون على الوحدة الوطنية، وعلى توسيع المقاومة الشعبية السلميةبقيادة جماعية، وعلى الشراكة النضالية كما اتفقوا على تشكيل لجنة وازنة -كما نص الإعلان النهائي للاجتماع بين رام الله وبيروت- تُقدّم:”رؤية استراتيجية لتحقيق إنهاء الانقسام والمُصالحة والشراكة في إطار “مُنظّمة التحرير الفلسطينية” المُمثّل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، خلالمُدّة لا تتجاوز خمسة أسابيع، لتقديم توصياتها للجلسة المُرتقبة للمجلس المركزي الفلسطيني وبمُشاركة الأمناء العامُين فيها كي نضمن مُشاركة الجميع تحت مظلة الوحدة الوطنية الفلسطينية.” ومرت الأسابيع الخمسة ولم نسمع عن توصياتها، ولم ينعقد المجلس المركزي!

تواصلت اللقاءات مع حماس من اسطنبول فالدوحة في شهر 9 وصولا الى القاهرة، وبافتراض أن يصل الرد المكتوب من حماس فيما يتعلق بالانتخابات التشريعيةلإصدار المرسوم الرئاسي بذلك، ولكن عادت حليمة لعادتها القديمة! حيث قال الأخ عزام الأحمد في 28/10/2020 نصا:”نحن بعجلة من أمرنا، وننتظر منذ بداية شهر أكتوبر(رد حماس الرسمي على إجراء الانتخابات التشريعية)، لكنهم يبدو أنهم ليسوا بعجلة من أمرهم”!؟ ما يفترض أن يعقد اجتماع الأمناء العامين بعد الرد الذي لم يأتي.

بلا شك أن القضية الفلسطينية، القضية المركزية للأمة العربية حتى العام 2019 على الأقل!؟ حسب مقررات القمم العربية! تتداخل فيها العوامل الداخلية مع تلك العربية والإقليمية والخارجية لا سيما أن منشيء هذه القضية هي القوى الاستعمارية الامبريالية وعلى رأسها بريطانيا التي زرعت الكيان الصهيوني في الجسد العربي لإبقاء حالة التشرذم والتفتيت والنهب والسيطرة وهو ما هو كائن اليوم، حتى كان ما كان من الانتخابات الامريكية في شهر نوفمبر 2020 التي انتظرها العالم على رجل واحدة سواء من المتضررين بشدة أمثال الضعفاء أوالمحتلين، أو بمقابله الأندادوالخصوم، وما كانت الأمة العربية -التي نحن جزء منها- ندًا ولا تريد أن تكونه.

شكلت بوادر فوز المرشح للرئاسة الامريكية “بايدن” مشكلة لدى الإدارة الإسرائيلية، ولدى الانعزاليين العرب حلفاء “ترامب”، رغم صهيونية الرجل الجديد، إلا أنه أقل سوءا وإن بشكل تجميلي كما يظن عديد المحللين.

شكلفوز “بايدن” مساحة واسعة من الارتياح لكل المتضررين من السياسات الأمريكية الفظة والعنيفة والقمعية وخاصة تجاهنا نحن الفلسطينيين، رغم ما يشوب العملية الانتخابية من شكوك وتجاذبات قد تكون مقدمة لاهتزاز النظام الأمريكي، خاصة في ظل الصعود الصيني العظيم وأيضا الروسي ما سيجد معه العديد من السياسيين أنفسهم يعيدون حساباتهم جيدا.

المهم بالنسبة لنا نحن كفلسطينيينتفاوتت ردود الأفعال فيما يتعلق بفوز “بايدن” لاسيما والاجماع على الصهينة لجميع الرؤساء، وإن اختلفت النسب أو الأشكال من القضية الفلسطينية، شدة او لينا خداعًا أو مناورة، إلا أن السلطة الوطنية الفلسطينية اختارت الاقتراب من الإدارة الأمريكية الجديدة كما تقول التحليلات فكان الاعلان عن الانتصار.

قال الأخ حسين الشيخ خلال لقاء رائي (تلفزي) في 17/11/2020: وصلنا اليوم رسالة من “إسرائيل” تؤكد التزامها بالاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير، وهذه أول رسالة مكتوبة في عهد نتنياهو، وهي انتصار لنا على كل المشاريع التصفوية“.وأضاف الشيخ، أن ” ما جرى انتصار لشعبنا العظيم الذي تحمل الكثير في السنوات و الاشهر الأخيرة ، خاصة بعد أن تحمل الحصار والجوع والفقر والمرض وكل شيء في سبيل الدفاع عن موقفه الوطني الكبير“.

و أعتبر الشيخ، أن صفقة القرن لم تعد موجودة على الطاولة، وأن السلطة تأخذ ما أعلنته الإدارة الأمريكية الجديدة في برنامجها الانتخابي، حول عدم التزامها بـ”صفقة القرن” و نيتها إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن واعادة دعم الأونروا، مشيرًا إلى أن ذلك سيبنى عليه إعادة العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

وتابع الشيخ بالقول: سنعمل لإنهاء مرحلة كبيرة من الألم و الضغط والحصار الذي تعرضت له القيادة والشعب، كتافنا عراض.. وما حد بلوي دراعنا لا بحصار ولا بضغوط”.

إن مسار الوحدة الوطنية والمصالحة رغم كل العقبات والموانع هو مسار سليم وإلزاميكان يمثل بالنسبة للنضالية الفلسطينية وجهة ما كان من المفروض تجاوزها بتاتًا، ولا تحت أي مبرر سياسي استراتيجي أو تكتيكي، وكان في الضمير الفلسطيني أن الأخوة العربية والاخوة الفلسطينية لا بديل لها مهما كانت طبيعة الإدارة الامريكية التي لا تبغي من المنطقة الا النفط وأمن “إسرائيل”.

وعليه كان الفهم لخطوة اعلان الانتصار بالعودة للعلاقات الفلسطينية (الاضطرارية بالحقيقة) مع الإسرائيليين وقبول الأموال ليس كما أرادت الخطوة التي أظهرت مشهدا كان يحتاج لإخراج أفضل!

العلاقة بين الفلسطينيين بالوطن -الرازحين تحت نير الاحتلال القسري والإرهابي اليومي- وعبر أطر السلطة الرسمية هي علاقة شائكة وملتبسة وصراعية يومية واضطرارية بلا شك، وهي علاقة مختلف في توضيح شكلها وأمرها، ومختلف في دور وحجم دور السلطة فيها بينالمحللين والسياسيين، وخاصة العلاقة المالية والحياتية اليومية.

وبغض النظر عن القبول أوالرفض للدور والشكل للسلطة ذاتها سواء لمن يراها لا لزوم لها، أو أنها خدمية وبعيدًا عن المنظمة، أولمن يراها تشكيل ضمن تشكيلات المنظمة،فإن الباعث على التفاؤل والأمل والراحة وتكريسًا للديمقراطية وتقوية للروح الوطنية كان أن يتم اتخاذ أي قرار سياسي من خلال الأطر الفلسطينية الجامعة، وكما حصل في المسار الوحدوي الذي أشرنا له وهو الذي رفع من مقدار الامل بالتقدم والانتصار لدى الجماهير.

كان من المفيد أن تكون خطوة عودة هذه العلاقات،بأن يتم إقرارها، أو تعديلها توقيتا،أوثمنا أوعبر استخدامها بشكل مناسب، وباحترام لائق لكل الأطر ولوعي الجماهيرالتي تسبق قيادتها دومًا، وذلكبعد حوارات مناسبة ونقاشات سواء من الأطر الشعبية أو منخلال اللجنة التنفيذية أو المجلس المركزي أواجتماع الأمناء العامين بمن يوافق أو يرفض فيهم لأن فكرة العقلية المؤسسية والعقلية الجماعية وعقلية الشراكة النضاليةوالعقلية المنظمة هي الضامن وهي المحقق للأهداف، وهي الحامل الحقيقي للكل الفلسطيني مهما كان حجم الاختلاف كبيرًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى