أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

بكر أبوبكر يكتب – في مساحات القدوة

بكر أبوبكر – 13/11/2020

في السؤال حول القدوةوالنموذج والتأثير؟ كثيرًا ما تواجه بمثل هذا السؤال: من هي/هو قدوتك؟ من هو الشخص الذي أثّر في حياتك؟ والى أي حد كان ذلك؟

وتجد من الإجابات طيفًا من التنوع يرتبط بمجالات اهتمام أو تأثير الشخص القدوة أو المقتدي، أويرتبط بمجالات عمله الحالي، أو اهتماماته، أو طريقة تفكيره أو نمط حياته أوآرائه ومواقفه.

التأسي بمجال ومساحة

بمعنى أن القدوة أو التأسي وهي المرتبطة بشخص أو أشخاص محددين بشكل مباشر تفترض التأثر بهم إما شكلا أو مضمونا، أو لربما أحدهما يؤدي للآخر.

قدوتي في طريقة التفكيرهيطريقة تفكير فلان، وقدوتي في منهج الحياة علان، وقدوتي في طريقة إدارتي في عملي إدارة (س)، أما قدوتي في معاملة أصدقائي فهو (ص) وبنسبة مساحة معينة في تكوين جانب من شخصيتي وهكذا.

قد تتسع مجالات التأثير والتأثر، وقد ترتبط بشخص -حي أو متوفي-لتتمثل بقدوة متكاملة، أو بجوانب محددة منه، أومن أشخاص متعددين كما نشير ثانية: فهذا قدوتي في اللبس وذاك في التعامل مع المرأة، وثالث في الالتزام، ورابع في فن الحديث وخامس في اللطافة.

فمنّا من يقتدي بشخص محدّد –حي او متوفي-دون أن يحيد عن ذلك مجالًا أومساحة، وما أظن هذا النهج ينطبق الا على المقصودبالآية (وإنك لعلى خلق عظيم).

أما الاقتداء المتعدد النماذج أي المرتبط بمجال محدد أو أكثر لشخص ما، وبمساحات متفاوتةوبتفاعل وتجدد وابداعفهو باعتقادي الأقرب للتأسي.

وحيث أن مجالات التأثير والتأثر الاتصالي كثيرة ومفتوحة، فيصح القول أنني وقعت تحت تأثير ذاك الشخص في مجال أو مسألة (فكرة/تصرف) محددة وغيره في مجال أو مسألة أخرى، وبنسب مختلفة وتفاعل مع شخصيتي.

الانبهار مدخل الافتتان والانزلاق

نحن نفرق بين مفهوم الاقتداء والتأسي بشخص ما في مسألة أو أكثر، وبمساحات متنوعة، وفي غيره عن مفهوم أو معنى التبعية أو معنى الإعجاب والانبهار الى حد الافتتان.

الانبهار اعجابٌ مفرط الى حد الافتتان والانزلاق، وأحيانا لدرجة التعصب والتبعية والعنف، ومن الافتتان-وأسباب أخرى- ما يؤدي للانعزال الحضاري ويمثل القابلية للاستعمار أو القابلية للتصهين نتيجة الانبهار.

ومن الافتتان التقليد الأعمى للإمام أو الرئيس أو الممثلة أو للمغني الفلاني بشكل قبيح، أما التأسي والاقتداء فيوجب العقلنة وتنظيم المشاعر فلا إفراط ولا تفريط بالمباديء والقيم وهي الأصل.

عندما تسأل أي أحد من جيل الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين عن قدوته ونموذجه يقول لك بسهولةأن جمال عبد الناصر قدوتي، أو “ماوتسي تونغ” أو”لينين”أوياسر عرفات أوجورج حبش أو حسن البنا، أو عباس محمود العقاد، أوالكاتبةغادة السمان أوالشاعرة نازك الملائكة، أو المحنك صلاح خلف، أومالك بن نبي أو الشيخ عبدالله السالم الصباح… وبالاتجاه الفني قد يكون عبدالحليم حافظ أو أم كلثوم، أوالشيخ كشك أو الشيخ إمام، أوالشاذلي…الخ

ولا أظن إعجاب أو تأثر الشخص الواعي بأحد هذه الشخصيات منقطع عن غيرها، أومرتبط مع ذات الشخصية بكل المجالات قاطبة.

يجب أن نقرأ بوعي وعمق عن الشخصيات الملهمة بالتاريخ الحضاري لأمتنا العربية الاسلامية بمسيحيي مشرقنا، وهو تاريخ حافل بالسَقَط من المنهارين التافهين، ما نتعرف عليهم لنتوقاهم، وفي المقابل نتعرف على سير العظماء من المصلحين والمفكرين والسياسيين والشعراء والعلماء والادباء والكُتاب وغيرهم ممن نجد في سيرهم المدد الحضاري والنفسي والمعنوي العظيم.

الرحابة والانفتاح العقلي

يكون الفصل بين الشخص القدوة، ومجالات الاقتداء مفتاحًا لتوسيع مساحة التأثر والاقتداء وهو المرتبط بالعقل المنفتح الرحب.

الرحابة والانفتاح العقلي تجعل الشخص لا يشعر بعيب أو حرمة أوخلل حين يقول أنني تأثرت بالفكرة أو بالموضوع الفلاني بمنهج أو مسلك أو ملبس أو طريقة تواصل شخص بعينه.

تنفتح المساحة على اتساعها في العقل الرحب والحر لتتفاعل فيها مجموعة من مجالات التأثير، وعدد من الشخصيات المؤثرة.

العقل الحر المتلقي والمقتديهو العقل الإبداعي القادر على الفرز والاستفادة من القدوة،وخوض صراع المؤثرات التي تنتج مع مكونات الشخص الذاتية أفكارا جديدة ومتطورة وابداعية ومستنيرة.

على عكس منطق الانغلاق العقلي المرتبطبالاقتداء المحصور بشخص محدد إن أساء أساء مثله وإن أحسن تبعه بغباء وبلا تفكير، ما هو تبعية عمياء وإمّعيّة الخِراف، كما سماها سيد الخلق، وليس اقتداء.

لنقل  ختاما أن الاقتداء أو التأسي فيه من العومل التالي

1-المقتدي والقدوة، ودور الشكل والمظهر والفعل والتواصل الشخصي

2- مدى تطابق الفكرة والمسلك لدى القدوة

3-مجال أو مجالات أو مواضيع الاقتداء

4-مساحات الاقتداء أو نسبتها من شخصيته لشخصيتي

5-العقل المنفتح مقابل المغلق، والتفاعل الحميد بين الشخصيتين والمجالات والمساحات بما يطور المقتدي، ولا يدخله مزالق التبعية أوالانبهار المفضي لمحو الشخصية

الى ذلك كما نرى فمن المهم أن يرتبط منطق الاقتداء بالفكرة أو الأفكار أساسًا، ومنها بالمناهج العقلية والحياتية والسلوكيات، وليس بذات الشخص المطلق، وهي الأفكار التي قد يتم التحصل عليها عقليا(التفكير والتأمل والقراءة العميقة) أو عمليا (بالتجربة والقدوة لشخص)، والأفكار هي الرائدة عبر الزمن والمستمرة ما دام هناك من يحملها كرسالة ويعكسها في ذاته كمنهج حياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى