أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

بكر أبوبكر يكتب – في حوارٍ مع الرّسول؟

بكر أبوبكر – 27/9/2020

هو لم يفهم كيف تتداعى وتتكالب الأمم على أمة المسلمين؟ وهو لم يدرك بتاتًا أن المسلمين سيصلون في يوم من الأيام الى حالة من الذِّلة والخنوع والخوار تجعل جميع الأمم تتداعى وتتألّب بالعداوة عليهم؟ وإن ظهر لفاقدي البصر غير ذلك.

وكيف له رضي الله عنه أن يفهم حصول مثل هذا التداعي ! وهو من رأي في حياته أن الله أعزنا بالرسالة الجامعة! أعزنا وجعل لنا مهابة بأننا نمثل خيريّة الأمم بشروطها، وليس باختراع الابراهيمية الاحتقارية للأديان اليوم، وعلى رأسها الاسلام!

لم يعزّنا الله بغيره سبحانه وتعالى، فمن اعتز بغير الله ذلّ، ومن اعتز بغير الحق والعدل والقيم السامية ذلّ وإن تكبّر فمكرُهُ يبور، فكيف ترى اليوم بمن يعتزّون بطغاة العالم الذين منهم عديد التلاميذ في مدرسة “ترامب” و”نتنياهو” وانعزاليي العرب، وسلاطين الفلين!

(مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚوَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ (فاطر10))

كيف تتداعى الأمم علينا ونحن الأعزة بالله، المهابون لرفعة الكلمة وسمو الفكرة والعقيدة والقيم والأخلاق الجامعة والعمل المثمر، أن هذا لا يعقل أبدا؟ لربما هذا ما كان بعض مادار في خلده، أو بخلدي أنا لو شرّفني الله وكنت مكانه في مجلس سيد الخلق ولو حلماً، فلم يفهم الصحابي الجليل منطق التداعي القادم لأنه لم يعلم الغيب، وارتبط بمعادلة يفهمها.

واليوم ومع انتشار مسحوق استمراء الاستبداد الذي  يُمزج مع حليب الأطفال أصبحت الفتاة أوالشاب يافعًا لا يدرك الفرق بين تقييد عقله وخضوعه للسلطان وبين سقوطه في فخ العدو فكلاهما يعتقلان في الانسان عقله الذي تشرّب الخضوع منذ زجاجة الحليب الأولى!

كيف لثوبان أن يدرك أو يتخيّل ولو للحظة معنى (التداعي) ضدنا في ظل (العزّة) و(المهابة)! فهُما على طرفي نقيض، فمتى أعزنا الله بالاسلام، والقيم الجامعة، وجعل لنا (المهابة) في وحدتنا المفترضة في ذهنه حينما نصرناهُ فنصرنا، فلا يستقيم مع ذلك البتة أن تتداعى أوتتكالب علينا الأمم؟[1]

ولو! كل الأمم، ما هذا يا رسول الله! لا مكان للشك عندنا أن التداعي[2] تداعي المتراكضين نحو الطعام كما شبّهه الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن معزوزين مهابين موحدين محال! فهل سيضربنا التداعي أوالتكالب[3] من الآخرين مستقبلًا لنقص إيمان أولانقطاع الاسلام! تساؤلات وتساؤلات تحوم!

تتداعى الأكلة (الأكّيلة بالعامية) للوليمة بيُسر وسهولة واطمئنان وبلا خوف وهكذا هو الأمر ضدنا، أي يتداعون ضدّنا، ويعتدون علينا، ولا رادّ لهم! بل نجد اليوم المعين والناصر لهم أي للمتداعين والأعداء والأكّيلة! وهل من نهم بالعدوان والجبروت والعنصرية والاستعمارية والخرافات، والسيطرة و(اعتقال عقول القوم) مثل المحور الأمريكي-الإسرائيلي!

في مثل هذه الجولة من التساؤلات ما قد نفهمه -أن وضعنا أنفسنا في موقع الصحابي الجليل- في زمان ولّى يأتي من فرضية اختلال المعادلة، وقد نفهم أننا في معادلة العدد القادمة المرتبطة بالتداعي نحن بالتاكيد قلِّة؟

هكذا لربما فكّر! فكان سؤالنا المطروح أمام سيد الخلق الذي رسم معادلة التداعي بالعداوة المناقضة لمنطق العزة والمهابة بوضوح.

 ]ومِن قلة نحن يومئذ؟[

فيجيبه-ويجيبنا- سيد الخلق بالقول الصاعق: ]بل أنتم يومئذٍ كثير[

أبدا لستم قلّة بل أنتم كثير! ماذا وكيف ذلك؟ يعود الصحابي السائل ليفكر مجددا ويحاول أن يضع تقلّبات أحوال الألف سنة القادمة في ذهنه، دون أن نفطن في موقعِهِ للحظة الى سقوط القيم وسقوط الاخلاق وسقوط الرساليّين، وطغيان السلطان والهوى والنزق الى درجة الاستخذاء (الذل) خدمًا تحت أقدام العدو في مراحل عديدة من التاريخ حصل فيها علينا التداعي كما الحال الآن.

كيف له أن يخترق حاجز الزمن فيرى ذلَّ المسلمين وذل العرب؟ وسقوط مهابتهم، وهو لم يفكر يوما أن هناك من الأمة من يمكنه أن يعيد بناء فهم القرآن الكريم والقيم والأخلاق لتكون تبعًا لمصالح لذّته الآنية وفُحش يومه، على وزن (الجمهور عايز كده)! والجمهور حسب عديد الصحفيين العرب الانعزاليين وسادتهم من ساسة الغفلة والخنوع لا يبغون الا السلامة والعيش الرغيد والاستهلاك المتفاقم المرتبط فقط بالانبهار بالغربي، وحديثا بالاسرائيلي! فلمن جعل قدم الصهيوني “ترامب” أو”نتنياهو” أو من على شاكلتهما تدوس خدّه برحابة، كيف تتأتّي له العزة والمهابة؟

وقع السائل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم في معضلة رياضية، وفي إشارة تاريخية أنه الصحابي ثوبان رضي الله عنه، فكيف له أن يفكك المعادلة دون مقوّمي أو عاملي القلة والكثرة مادامت المهابة والعزة بالاسلام، وما دمنا مسلمين فالعزة والمهابة معنا ولنا، ولكن رسولنا الكريم يتنبأ للمراحل المتعددة في الأزمان الدوارة القادمة ليرسم السقوط في صورة النتيجة حيث التداعي أو التكالب في صيغة البيان والتحذيرالمحمدي المغلّظ، الذي ينزع الذرائع والحجج من الانعزاليين والواهنين.

ما فهمناه من الحديث الشريف أن التداعي سيظهر جليًا،[4] ما لم يستطع السائل رضي الله عنه أن يفهمه أو يعقِله الا أن وضَعَ معادلة القلّة والكثرة فقط مقابل بعضهما البعض، لأن العوامل الأخرى ثابتة لديه، فكان لعجبهِ من التداعي السلس أو التكالب محلٌ في عقله فقط ضمن هذا المنطق القائل: إذن نحن قلة؟

ولما صعقه الرسول صلى الله عليه وسلم وصعق بالضرورة كل من في المجلس الكريم حين قال لا؟ تعلقت الرقاب بفمه الشريف ومخارج الحروف، ودارت في خلدهم جميعا وليس السائل فقط الأسئلة المفتوحة مترقبين الاجابة الشريفة، وكأنني بينهم أرفع حاجبيّ عاليا متعجبًا، فأنا لم أفهم قول رسول الله ونحن من أعزنا الله بدينه الحق (وليس الابراهيمية الخداعة اليوم)، وجعل لنا المهابة! ونحن من نصرناه فنصرنا ونحن من أعددنا لعدونا القوة ورباط الخيل! فلا بد أن في أمر التداعي سرٌّ ما؟

في اللحظات الفاصلة ما بين حديث النفوس المتلهفة والسؤال وإجابة الرسول الشافية ألف عام نعيشها اليوم أو أكثر حيث قال: بل أنتم كثير!

]بل أنتم يومئذٍ كثير[

سقط منطق القوة بالعدد، كما الحال اليوم حيث يتغلب المحتلون لفلسطين المدعين امتلاك بلادنا القادمين من كل بقاع العالم (على قلتهم العددية) على أمة لا إله الا الله! وكيف لا يتغلبون عليها -وهي أمة خاصة بكثير من قادتها وسلاطينها وأمرائها ورؤسائها وكبرائها- قد اعتنقت غير دين الحق وقيم الحق ومنطق الحق والعدالة؟ فمن يضع خدّه تحت حذاء عدوّه طواعية! ويطرب لبربرته الغريبة؟ ويقدّس منه الرأس والحذاء! كيف له أن يتمتّع بما اشتهرت به أمة العرب وبرسالتهم الخالدة الى العالم أي بالعزة والنصرة والكرامة والإباء والمهابة؟ والتي في مجملها تتجلى بالوحدة!

]بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل[5][

ولأنكم أصبحتم كثير كغثاء السيل مفرقين مشتتين متنابذين متقاتلين تستمرؤون كل ذلك، فحق على الله أن يعاقبكم بسوء أفعالكم ضمن معادلة الخير والشر، ومعادلة لكل أمر عاقبته، وكأنه تحليل اجتماعي اقتصادي سياسي قيمي لتبدل الأحوال في الأمم، وفي أمة المسلمين.

عقابكم من أيديكم أن عدوكم أصبح لا يهابكم، (والطامة الكبرى أنكم أصبحتم لا تعتبرونه عدوًا)! وكيف يهابكم؟ (أي يعظّمكم ويقدّركم ويحترمكم ويخافكم) وأنتم أفسدتم عوامل قوتكم بأيديكم! وركعتم أمامه بذلٍ لم يقبله أبوعبدالله الصغيروهو يسلم مفاتيح مدينته.

يداك أوكتا وفوك نفخ[6]

ركنتم للدنيا وحياة الذِلة والخنوع فلم تعودوا مُهابين محترمين مقدرين، وكيف لكم أن تكونوا ذوي عزة ومهابة وقوة وأنفة وشرف وكرامة وأنتم تنبذون العلم والصناعة والزراعة والاقتصاد، والجغرافيا الغنية التي تجمعكم، وتقتلون متعمدين العلماء والمبدعين والمفكرين وتنصبون الأفخاخ للأحرار، ولا تفهمون معنى الابداع ولا الوحدة الجامعة ولا الحرية ولا الحق ولا العدالة ولا فلسطين، وأضفتم عليها مؤخرا افتقادكم مهابة التمسك بالعقيدة وبالمباديء والقيم والأخلاق.

]ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن[

وأكاد أترجمها بلغة اليوم ألا لعنة الله عليكم، يا أنجاس، لقد أفسدتم الأمة ودستم بأرجلكم الغارقة بالوحل على القيم والأخلاق والمباديء، وبعتم دينكم وعروبتكم الممهورة بالرسالة المحمدية بأبخس الأثمان أي بعروش أجسادكم الفانية، وعقولكم الخاوية وعيونكم الواهية الواهنة[7] التي لا ترى إلا من حيث تنبت الفضائح وتظهر القبائح، فكان الوهن ما هو حب الدنيا وعبادتها بالعمل الفاسد، وكراهية أعمال الخلد هي صورته الجليّة.

]حب الدنيا وكراهية الموت[[8]

ألا لعنة الله عليكم أنتم يا أيها الغثاء الوسخ الذي لا قيمة له، بزعمائكم، وبسكوتكم عنهم حين طردتم من بيوتكم ملائكة الرحمة، وحين فتحتموها ليتوسّد المجلس فيها أولئك الذين آذوا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومازالوا يفعلون، ومازال أتباعهم من أولئك المستعمرين المحتلين منعدمي الأخلاق المؤذين، يسيرون على درب الأذى يؤذون الأمم جميعا.

إنكم غثاء (قاذورات) فلا قيمة لكم ولا هيبة ولا ثقل ولا احترام ولا تقدير مطلقا؟ وكيف تكونوا بثقل الاحترام والتقدير بين الأمم وأنتم مشتتين شذر مذر[9]!

وقد نمتُم وخلدتم للدِعة والذِلة والرخاء الموهوم، وسفاسف الأمور، وللاستهلاكية الذليلة للآخر، ومالئتُم[10] سلطانكم، دون أن تُلقوا أذنًا لصوت فقير أوأسير أو شهيد أوداعٍ عليكم أومجاهد ومرابط ومقاوم أوحتى مواطن عادي شريف … فآثرتم الحياة الوضيعة، على مهمة الجهاد بكل أنواعه في سبيل الرسالة، وفي سبيل فلسطين التي هي اليوم شئتم أم أبيتم رمز عزتكم ومهابتكم المفقودة، وهي اليوم أحد كواشف الإيمان عند أصحاب الرسالة، وهي اليوم فلسطين اليوم عنوان العزة والمهابة والوحدة والكرامة والنصر.

الحواشي

[1] عن أبي عبد السلام، عن ثوبان، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”، فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: “بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت”.

[2] تَدَاعَى القَوْمُ عَلَيْهِمْ: تَجَمَّعُوا عَلَيْهِ بِالخُصُومَةِ وَتعَاوَنُوا. وفي الحديث الشريف يصبح المعنى: تجتمع عليكم وتتألّب بالعداوة.

[3] نحن نستخدم مصطلح التكالب بينما الرسول العفيف اللسان العظيم الشأن استخدم مصطلح التداعي، ومعنى التكالب باللغة: تكالب الزَّمانُ: اشتدَّ، تَكالَبَ الْمُتَخاصِمونَ : أَظْهَروا العَداوَةَ، تَجاهَرُوا بِها، تكالب القومُ على جمع المال: حرَصوا عليه وتواثبوا، كما تفعل الكلابُ، تَكَالَبَ القومُ: تجاهروا بالعداوة، وتكالَب الناسُ على الدّنيا: اشتدّ حرصُهم عليها حتى كأنّهم كلاب.

[4] د.خالد الشايع في شرح الحديث الشريف، ووقوفا عند كلمة تتداعى يقول تتداعى بمعنى: (أن يدعو بعضهم بعضًا لأجل الاعتداء عليكم ومقاتلتكم، وسلب ما ملكتموه من ديار وأموال، وما عندكم من خيرات، فإن قوله عليه الصلاة والسلام: (كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)؛ بمعنى: أنهم يشاهدون ما في أيديكم من أنواع الخير الذي يَفيئه الله عليكم.)

 [5]غثاء السيل هو ما يحملة  سيل الوادي من أقذار وزبد وفتات، والأصل بالسيل الماء، فلسنا الماء بل أقذر ما فيه والهامشي فيه، لا قيمة له.

[6]يداك أوكتا وفوك نفخ، يُضرب هذا المثَلُ لِمَن كان سبب هلاكه مِنْه. حيث في أصل المثل: أن يديه قد شدت عنق القربة وفمه نفخها، فإن لن يتقن ذلك وهلك بسببه فهذا عليه.

[7]  الوَهَن: هو أن يفعل الإنسان فِعْل الضَّعيف، تقول: وَهَن في الأمر يَهِن وَهْنًا. وهو وَاهِن إذا أخذ فيه أخذ الضَّعيف، ومنه قوله تعالى: ((وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ)) [آل عمران: 139]، أي: لا تفعلوا أفعال الضُّعفاء وأنتم أقوياء على ما تطلبونه بتذليل الله إيَّاه لكم.

[8]  ليس المقصود في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعريفه للوهن بأنه حب الدنيا وكراهية الموت – المعنى الظاهر أن الإنسان يحب الدنيا، وأن الإنسان يكره الموت، فليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود منه الجانب السيئ الذي يحمل الإنسان على حب الدنيا وأموالها، وحب البقاء فيها على سبيل الدعة والقعود عن العمل، ونسيان الآخرة، وليس المقصود بكراهية الموت المعنى الظاهر لأول وهلة، فكلنا يكره الموت؛ كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لَمَّا سمِعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كرِه لقاء الله كره الله لقاءه))، قالت: أكراهية الموت، فكلنا يكره الموت.-من تفسير د.خالد بن عبدالرحمان الشايع للحديث الشريف على موقع الألوكة على الشابكة.

[9] شَذَرَ مَذَرَ :تركيب يفيد التفرُّق والتشتُّت.

[10] يُماليء السلطان بمعنى يماشيه، ويناصره ويعاونه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى