أقلام وأراء

بكر أبوبكر يكتب – بناء العقل والانتماءات

بكر أبوبكر – 4/7/2021

ليكن هدفنا بناء الشخصية الحركية الواعية المناضلةكي نحقق مجموعة من الأهداف تتعلق بسلوك وقيم وأداء الأفراد،وهي الأهداف المتمثلة في بناء أو تصليب البناء، وتطوير الشخصية الحركية لديهم، بمعنى اكتسابها للسِمات والسلوكيات المبتغاة.

من حيث أن الشخصية تتكامل بسماتها المتنوعة في تنظيم داخلي مميز وفريد لكل فرد، فإن التركيزالجماعي على جوانب محددة لرسم الذات في الشخصية يعد هدفًا بحد ذاته (هو هدف ذاتي إلزامي، وهدف تعليمي جماعي).

التربية أم البناء؟

الانسان يولد فردا ويصبح شخصًا بمعنى أنه يكتسب غالب سماته وخصائصه المميزة (غير الوراثية) مع التربية والتعليم والتطوير، لذا تصبح عملية التربية أساسية ومقترنة بالعمر غالبا.

قد تصح التربية (في جوانب محددة) حين الانتماء لتنظيم سياسي نضالي أو نقابي أوعسكري.. وقد نفترض استخدام مصطلح التثقيف أو التدريب أو البناء أو التطويرفي الشخصيات المتوافقة.

البيئة الرحبة، ام الإقصائية؟

عندما يكون التنظيم الثوري أو السياسي مشتملا على سمات داخلية مميزة (أي داخل الحياة التنظيمية اليومية، وفي علاقات الأخوة في الاطر) مثل: الرحابة وعدم الجمود، والتقبل وعدم النفور، والاحتضان وليس الإقصاء، كما هي بيئة ومناخ حركة فتح بشكل عام فإن إمكانية البناء أوالتطوير تصبح أكثر قابلية للتحقق وإعطاء نتيجة واضحة.

التوافق

الشخصية المتكاملة وجوانبها الأربعة

تأتي أهمية بناء الشخصية الحركية الوطنية الواعية من ضرورة تحقيق التوافق بين الشخصية بأبعادها المتعددة، ودوائرها المختلفة مع مكون الانتماء للتنظيم السياسي ، لا سيما وأنالانتماء للامة العربية والإسلامية وبمركزية القضية النضالية تنبع أصالته من الانتماء لفلسطين.

أن بناء ثم تطوير الشخصية ببعدها التنظيمي الحركي النضالي العام  يجب ألا يضر ولا يؤثر على إمكانية تطوير الشخصية في جانبها الذاتي أو العائلي أو في محيط الأصدقاء، بل وقد يمتن هذه العلاقات ويطورها (ينعكس عليها)، كما يجب على البناء التنظيمي من حيث بناء الشخصيات أن يكون فعالًا في إحداث الفرق الإيجابي في جوانب الشخصية الأربعة التكاملية: النفسية الضميرية، والعقلية، والجسدية، والعاطفية الشعورية.

الدوائر المحيطة بالشخصية

إذن لنقل أن الانسان يحيط نفسه بسلسلة من الدوائر قد تكون أحداها الدائرة التنظيمية/الجماعية وتقترب وتبتعد من المركز.

المركز هو (أنا/أنت) بمقدار التبادل التأثيري بين الطرفين (أنا-التنظيم) وعليه يمكن لكل شخص أن يرتب الدوائر من حوله (أنا/ مركز الدائرة) بالطريقة التي يرى فيها عمق الالتصاق معه أوالإثارة أو الاهتمام أو التأثير مثل أنا ودائرتي-محيطي القريب هم عائلتي ثم الدائرة التي تليها أصدقائي، والدائرة التي تليها التنظيم السياسي والدائرة التي تليها مجتمع العمل أو الجامعة والدائرة التي تليها العشيرة أو البلد (القرية او المخيم أو المدينة) وهكذا تتقارب أو تتباعد الدوائر بحسب كل شخصن وعلى التنظيم السياسي هنا أن يجعل الدائرة التنظيمية من الأقرب على المركز ليكون الانتماء خالصا لذات القضية أو الفكرة وهنا تتجلى حكمة ووعي القيادة التنظيمية.

الأبعاد والانتماءات

في العصر الحديث وفي ظل الانتشار المعلوماتي كالنار في الهشيم تأكل الأخضر واليابس يصبح من الضروري أن تغيّر كافة التنظيمات السياسية من آليات تعاملها مع اعضائها بالانتقال من منطقة الأوامر المباشرة والإملاءات والتربية الجامدة الى منطقة يصبح فيها الوعاء قادراعلى الإدراك الجيد والتفهم والتقبل والتمحيص والعطاء.

وليس أكثر قدرة من إحداث الفرق من وعاء العقل، حيث تدور المعركة الحقيقية.

إن عملية البناء العقلي هي الأسُ الذي نرتكز عليه متوافقا ومتناغما مع الجوانب الاخرى النفسية والشعورية والجسدية،  فكيف لي أن أكون كادرًا حركيا ولستبوارد أن امتلك عقلية منظمة اوعقلية بحثية أو عقلية…..

بناء الشخصية بسماتها النفسية الضميرية يجب أن يكون بدعم القيم والاخلاق بلا شك، وهي القيم والاخلاق المستمدة من أصل حضارتنا العربية الإسلامية وبالإسهامات المسيحية المشرقية فيها، والقيم التنظيمية الديمقراطية، والأسس المستفادة من الاحتكاكات الحضارية الإيجابية.

وفي زاويتها الجسدية (جسد الانسان) بالرياضة والتمارين العسكرية والصحة، وبصيغتها العاطفية المشاعرية بتغليب الصفات التي تحقق مبتغى الانتماء التنظيمي وللقضية والجماهير (قواعد المسلكية في المجال التنظيمي، السياسي، العسكري،الجماهيري، الكادري).

انتماءات بدرجات

إن هذا العصر هو عصر الانتماءات المتعددة، وهو مما لا بأس به فأنا أو أنتَ أو أنتِ ننتمي لجمعية ثقافية، وننتمي كل منا لعائلة مختلفة، وتنتمي لبلدة كما تنتمي لبلدية وتنتمي لنادي رياضي وتنتمي لعشرات المجموعات على وسائل التواصل الاجماعي كما تنتمي لفصيل سياسي، بل وقد تكون فلسطينيا بلجيكيا وهذان انتماءان، وقد تكون رسامًا فنانًا ومخرجًا وصحفيًا وابن تنظيم وهذه انتماءات عدة أيضًا، والمطلوب ألا أفقد هذه الانتماءات بمقدار ما هو مطلوب أن احقق التوافق والتوازن ولنا في الجانب التنظيمي الحركي مقالًا.

بناء المنهج العقلي

قلنا أن هذا العصر لم يعد من الممكن أن تقولب العقول لتتلقى ماتشاء فقدرتها على التحري والتيقن والتفحص أصبحت متاحة، ومن هنا وجب بناء المنهج العقلي أولا وهو المنهج الذي يكون قابل على الفهم الصحيح والإدراك والتمييز وعليه فإن واجب بناء الشخصية الحركية هو أساسًا منطلق ليس من حشو المعلومات وحشرها في زوايا معينة من عقل الفرد وإنما توجيهه نحو الطريق وتعليمه كيف يفكر فتعليم التفكير ذاته وتطوير الجوانب الحركية التنظيمية المرغوبة قد تشكل قفزة من مرحلة التلقين الماضويةالبائدة لعديد التنظيمات الى مرحلة الرحابة التي تبني منهجا فكريا ونسيجا عقليا صلبا ثابتًا.

الحواشي:

1 الشخصية المناضلة هي سمة من سمات الشخصية العربية الفلسطينية التي أصبحت بعد النكبة عام 1948 واللجوء لها من الميزات الاولى أنها شخصية متعلمةحيث وجه اللاجئون أبناءهم للنهل من نبع العلم فيقوون، فالعلم سلاح وليست البندقية فقط، وهي ثانيا شخصية عاملة فتوجهوا لبناء ذواتهم بالعمل في دول الخليج أساسًا ودول العالم الاخرى فكانوا شخصية عاملة وليست خاملة، وثالثا مع نمو الفكر الكفاحي النضالي المرتبط بالقضية أصبحت السمة الثالثة من سمات الشخصية العربية الفلسطينية هي النضالية المقاومة،هي الكفاحية التي لا تنفصل بتاتًا عن وطنها وقضيتها والعمل من أجلها، ما نسعى هنا لتأصيلها وتكريسها في مقابل نزعات الوظيفية والسلبية التي بدأت تتنامى لدى البعض.

2 ويمكن النظر للشخصية بأبعادها من هذه المجالات أيضًا.

1-المجال الروحي: العلاقة التعبدية بالله عز وجل، الصلاة والدعاء وأداء الشعائر في وقتها ووفق تحقيق الارتباط والتواصل الروحي، القيم الأساسية لفهم الحياة، معتقدات القوة والضعف، التأمل الذاتي.

2- المجال الاجتماعي: الأسرة، العلاقة بالآخر، الاستقرار العاطفي، روح التكاتف والتعاضد، محبة الآخرين ومساعدتهم.

3- المجال العملي: الواقع المهني المعاش، الرضا العملي، الأداء في خدمة العمل.

4- المجال الصحي والبدني: العناية بالجسد، والصحة العامة، والاهتمام بما يؤكل ويشرب، وتنظيم راحة الجسم، وممارسة الرياضة.

5-المجال العقلي: الذي يتم إثراءه بالتفكير وتعلم فن التفكير، والقراءة والعلم والفهم.

6- المجال النفسي: والذي يثرى بالحوار مع الذات ، وبالمشاعر الإيجابية وإدخال منظمومة القيم المستمدة من الفكر او المعتقدات كالصبر والصدق والنجدة والشجاعة والتقدير والاحترام والمحبة….الخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى