أقلام وأراء

بكر أبوبكر يكتب – القدس تتّسع

بقلم بكر أبوبكر

تحت هذا العنوان كانت مداخلتي في مؤتمر حول فلسطين، وحول مدينة القدس العربية المسيحية الاسلامية المكان، والقدس القضية التي لا تتجزأ كقضية، حيث القدس عنوان فلسطين وعاصمتنا الأبدية كعرب فلسطينيين أصلاء هذه الأرض طوال عصورها.
في المداخلة حدّدت أن الرواية العربية الفلسطينية ومنها رواية القدس كعنوان لفلسطين تتسع للحقيقة والحق والعدل، وتضيق ذرعًا بالأساطير والباطل والأكاذيب.

القدس قد تصبر طويلًا ولكن لا مكان للغزاة فيها.

ومن هنا فإن رواية القدس وفلسطين أصبحت ضرورة لتعلمها منذ الصغر لأسباب عديدة سأجمل منها خمسة:

أولا: نحن في مواجهة حرب الرواية الصهيونية-التوراتية الأسطورية والتي استخدمها الآباء الصهاينة منذ البداية لادعاء امتلاك أرض فلسطين، وكما بدا جليًا منذ دوّنوا ذلك فيما أسموه “اعلان الاستقلال” أي النكبة، الذي افترضوا فيه أنهم كيهود من كل الجنسيات والقوميات المتنوعة بالعالم، أنهم “يعودون-هم يستعمرون بالحقيقة” لما أسموه خرافة وظلما “أرض إسرائيل”.

وبغض النظر عما يقال عن علمانية الصهيونية! مقابل التشدد الديني لليمين اليهودي فإنهما معًا قد استخدموا الرواية الخرافية جنبًا الى جنب مع القوة العسكرية والبطش والإرهاب والابتزاز مقرونًا بفزاعة معاداة السامية رغم أن الأخيرة عداوة أوربية ليهود أوربا، أي يهودهم هم.
وعليه فقد استخدمت الرواية التاريخية-الدينية في إقرار ما أسموه قانون القومية اليهودية العنصري عام 2018م، ومن ثم في تكرار ادعاءات امتلاكهم اليوم للأغوار وجبال الضفة تحت مصطلح توراتي باطل في بلادنا وهو (يهودا والسامرة).

أما ثانيا: فإن خوض حرب الرواية يتصل بخوضنا لها بمواجهة الرواية العربية المتداولة ذاتها وهي المستندة لتشابه الأسماء مع القرآن الكريم، ما سهّل لدى الكثيرين نقل أجزاء كاملة من أساطير التناخ (التوراة والأسفار اللاحقة) بسهولة عبر التاريخ رغم وحشيتها وفضائحيتها وأسطوريتها، وتحريفها كما أشار القرآن الكريم بوضوح.
حين صمتت الرواية القرآنية عن تفاصيل محددة لحكمة الفرقان العظيمة، عمد الكثيرون لتطعيمها بالمرويات التوراتية سدًا لما ظنوه ثغرات بالرواية أو تفصيلًا، فأصبح كأننا نردّد ذات الرواية الخرافية التوراتية، رغم البون الشاسع بين الرواية القرآنية التربوية والحكيمة الطرح والمقاصد، وتلك العربية الاسلامية المتداولة المطعّمة باليهودية ما أسماها عديد من علماء المسلمين بالإسرائيليات الواجب نبذها وتنقية تراثنا منها.

أما ثالثا فمن المتوجب علينا اليوم أن نخوض رواية القدس وفلسطين في ظل الأبحاث الكثيرة الجديدة على الجبهة العالمية، وتلك العربية بل والإسرائيلية في ظل تكاثر الروايات التصحيحية لكثير من المفاهيم التاريخية المستقرة حول مصطلحات مثل: يهود، “إسرائيل”، عبري، القدس، أورشليم، يهودا سليمان، هيكل …الخ من أسماء ومطلحات تضمنتها الرواية التناخية (التوراتية) سواء من حيث الأكاذيب التاريخية أو السرقات من مسارح أحداث حضارات أخرى مثل البابلية أو من حيث تغير موقع الجغرافيا لتلك القبائل البائدة، وخاصة قبيلة بني إسرائيل العربية المندثرة.

روايات التوراة الموصوفة بالتاريخية تتميز بأسطوريتها وفضائحيتها القيمية الخلقية من جهة، كما تتميز بانها خليط متنوع من الأساطير والآمال والاحلام والتطلعات القومية وخرافات الناس كما قال عالم الآثار الإسرائيلي “إسرائيل فنكلشتاين” فكذّب ودحض صحة الكثير من الأسفار.

والى ذلك، فالشكّ العلمي التاريخي والآثاري بدأ يكبُر في حقيقة الأحداث من جهة، وفي مسرح الأحداث أو جغرافية الأحداث خاصة لتلك القبائل الغابرة هل هي في فلسطين أصلًا أم في اليمن القديم؟ أو غيرها، ما يعني الاستمرار بالإطلاع على نتاجات المؤرخين والمفكرين العرب والأجانب عامة، ومنهم الإسرائيليين التقدميين وعلماء الآثار الكثر، وضرورة الاستماع لحجارة ورمال القدس العربية التي تنكر منذ أكثر من 70 عامًا على الأقل كل الإدعاءات الصهيونية.
أدخل آباء الصهاينة المتحالفين مع الانجيلية الصهيونية والاستعمارية الغربية روايات وخراريف التاريخ التوراتي التناخي في زواريب السياسة بشكل تعسفي استعماري مقصود، وكما سار على دربهم اليوم قادة الاستعمار الإسرائيلي لبلادنا اليوم.

إن ضرورة فصل أحداث التاريخ ومروياته المتناقضة عن عقائد الدين، وبالتالي فصلها عن السياسة الواقعية وعن أصل الحكاية وهي احتلال الأرض، أرض فلسطين العربية، هي ثقافة انسانية حقيقية يجب أن تسود لدى كل من يرغب بامتلاك بطاقة الحقيقة والسلام والعدل في القدس وفلسطين لكي تتسع فلا تضيق بالظلم.

اما رابعًا فمن المهم النظر بعين فاحصة ورافضة وناقدة للأسلوب الذي استخدمته الحركة الصهيونية مستغلة النقاط الثلاثة السابقة لجعل العالم ومنه العالم العربي يبتلع رواية الإسرائيلي (بحقّه) المُدّعى في أرض فلسطين! بمعنى -ونكررها ثانية- أن الصراع السياسي المحمول على أكتاف الخرافات التاريخية يجب أن يتم فصله عن حقائق الواقع والسياسة التي بدأت في فلسطين مع دعوات استعمارها ثم غرس جسم غريب فيها منذ القرن التاسع عشر وصولا لقرار التقسيم عام 1947 وهو مفتاح الحل السياسي الحقيقي بين المستعمرين الأجانب لفلسطين وبين أهلها الأصلاء.

أما النقطة الخامسة فإن إشكالية القدس ضمن ما سبق عربيا وفلسطينيا إشكالية مضاعفة سياسيا وتاريخيا ودينيا، بل واقتصاديا وسياحيا وأيضا من حيث التغيير السكاني الديمغرافي الضخم الذي أحدثته الحكومات الاحتلالية الاستعمارية لفلسطين ما يجعل من أي حل حقيقي يقتضي البدء من حيث القوة في مواجهة القوة، ومنها المالية والاقتصادية والعلمية والتقانية ولدى الأمة العربية مجتمعة الكثير! أو من حيث التحصن بالحقائق التي ترفض الوقائع الاحتلالية بل تستند للقرارات الدولية والدعم العربي والعالمي القيمي الإنساني المرتبط بحزم من الـتأثير بالاتجاهات المختلفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى