أقلام وأراء

بكر أبوبكر يكتب – الديمقراطية الأمريكية!

بكر أبوبكر – 9/1/2021

لقد كانت اللحظات التي دخل فيها المتظاهرون الأمريكيون الغاضبون قاعة المجلس التشريعي الأمريكي لحظات صادمة لكثير من قادة وسياسيي دول العالم وخاصة العالم الغربي الرأسمالي المهيمن، ولكن أن تكون هذه الأحداث صادمة أيضا لعديد من سياسيي وكتاب “دول الهامش”، فهذا مما يثير الألم والوجع، ويكرس المهزلة السياسية.

أن يستغرب الغرب الرأسمالي الاستعماري العقلية انجراف ما يسمونها الديمقراطية الأمريكية نحو العنف فهذا شأنهم لأنهم هم من وضع اللبنات الأولى لهذا الكيان الذي بدأ تأسيسه ثم توسعه بالقتل على حساب السكان الأصليين، وبالعبودية السوداء، ولم يطلّق القتل والعبودية حتى عهد قريب داخليا ليستبدله خارجيا بالقتل الممنهج والإرهاب عبر العالم.

أما أن تأتي دعوات الدعم وتحليلات الانبهار والإكبار والتفاخر بما يسمونه “الديمقراطية الامريكية” من قادة وسياسيين وكتّاب بالأمة العربية “الهامشية” عند رأس النظام الأمريكي وخاصة من الانعزاليين العرب فهذه قمة المهزلة التي تعيدنا لمربع الهزيمة النفسية والانسحاق الكلي أمام حضارة الآخر، والانسحاق الكلي للعقلية الاستعمارية المهيمنة والتي ضخّت كل ما تمتلكه من أدوات استهلاكية تجارية، وثقافية طاغية حتى مع كوكا كولا وهمبورغر وتويتر….، لتعيد تركيب فكر هؤلاء (ومعهم كثير من جماهير الأمة) بالتطبيل والتزمير لما يسمونه الديمقراطية الأمريكية النموذج.

تناسى الانعزاليون العرب والمنبهرون بغير حضارتهم من أمة العرب وغيرها تناسوا “النظام الشيطان” الذي لم يجد فرصة يؤذي فيها الأمة العربية والاسلامية الا واستغلها منذ تشكل هذا الكيان من الفارين من ظلم واستبداد الإنجليز!

وتناسى المأسورون لثقافة وفكر ولغة وقيم الغرب أن في الدنيا قوى وازنة-غيرهم- تحترم نفسها وثقافتها وحضارتها وشعبها أو أمتها فتعمل بقوة علي أن تجد لها موقعا حقيقيًا (بالعلم والفكر والصناعة والزراعة…الخ.) في مواجهة الغول الأمريكي والغول الاستعماري الغربي الذي لم يترك لك حق التفكير أو الاختيار او التعبير الا وفق قوانينه هو، ونظرته هو، وتفضيلاته هو في الواقع، وفي المجال الرقمي.

ودأب المأسورون المنبهرون بالغرب -الذين أسِفوا على ما حصل في أمريكا من أحداث شغب واقتحام- على تناسي سوداوية العنصرية الأمريكية ليست البعيدة فقط، وإنما تلك منذ أيام التي ظهرت جلية مع “جورج فلويد” فصمتوا عن الملايين التي ثارت ضد عنصرية وهيمنة والنظام الاقتصادي-السياسي المسيطر على أمريكا (البلوتوقراطية) بينما عبّروا عن قهرهم! وتعاطفهم بشكل مبالغ فيه، وكأن الاقتحام حصل لأسوار منازلهم هم.

يحق للأمريكان أنفسهم اليوم أن يدينوا سلوك نظامهم العنصري واللاديمقراطي في الداخل ضمن فهمهم، ويجب عليهم بقواهم التقدمية الحية أن يقوموا ببناء التوازن لمرة واحدة في علاقاتهم مع الأمم المظلومة والمحتلة والواقعة تحت مظلة الهيمنة والابارتهايدية كمثل فلسطين، إن أرادوا تناسق الشعارات مع الحقائق.

على أنصار العدالة والحقوق بالعالم وحقوق الإنسان، ومنهم التقدميون في أمريكا بناء الديمقراطية الحقيقية التي لا تعترف بالمستويات أول وثاني وعاشر، واحترام حقوق الإنسان التي منها “حق تقرير المصير” للشعوب التي طالب بها الرئيس الأمريكي “ويلسون” عام لينقضها من أعقابه الرئيس المتصهين “ترومان” باعترافه الشفوق!؟ على مصير يهود أوروبا ليهديهم مع الإنجليز بلادنا فلسطين، وصولا لصفقة ترامب الجهنمية.

إن الحقوق لا تتحقق بالعنصرية والتفرقة أي مع مستويين من الحقوق، الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية: بمعنى وجود مستوى أول خاص للأثرياء ونخبة الطغمة الرأسمالية-السياسية الأمريكية الحاكمة، ومستوى ثاني يقابلها من باقي الشعب، ثم مستوى ثالث من الألوان الأخرى في المجتمع، ويقابل كل ذلك عند الحكم الأمريكي المتغطرس بقوته بالخارج مستوي رابع أو عاشر وأخير في ذيل القائمة هو مستوى التعامل الدوني مع الدول والشعوب الهامشية بنظرهم والتي منها أمتنا العربية، المرتبطة فقط بأمن “اسرائيل” ودلالها وتوسعها، وبالنفط، ولتذهب الديمقراطيات وحقوق الإنسان، وحق تقرير المصير للشعوب الى الجحيم!

الديمقراطية نقيض العنصرية ونقيض الاستعمارية والهيمنة ونقيض الاحتلال والظلم، ونقيض المستويات بالحقوق، والديمقراطية نقيض معاداة حقوق الإنسان تلك الحقوق التي يتبجح بحملها النظام السياسي-الاقتصادي الأمريكي البلوتوقراطي.

عندما تصبح الديمقراطية -مهما كان شكلها- مرتبطة بالداخل فقط، عوضا عن الخارج (بمنطق الصندوق ونتائجه) فإننا نتجه نحو دولة ثنائية القيم والأخلاق والممارسة! كما هو شأن الاحتلال الصهيوني العنصري في فلسطين الذي يدعي ممارسة الديمقراطية وهو يمارس الاحتلال والقتل والإرهاب لشعب برمته، تحت الدعم الكامل من “الديمقراطية” الامريكية الشقيقة له.

الى أولئك الذين ذابوا خجلًا نتيجة اقتحام قلّة لأسوار تشريعي الأمريكان أن يذوبوا خجلا من أنفسهم أولًا، ومما اتخذوه من مواقف ذليلة تجاه شعوبهم التي تعاني الاستبداد والجور والظلم، وعليهم أن يذوبوا خجلًا من تركهم لفلسطين وراء ظهورهم، وخاصة مؤخرًا عندما تراكضوا بغطرسة “العبيد لأسيادهم” وراء الرئيس أبومازن  يضغطون عليه ماليًا أن ينصاع ويتقبل صفعة “ترامب“!

الشعب الأمريكي من حيث هم أمة، وأناس بفئات مختلفة وثقافة متنوعة، وحضارة مختلطة بلا شك شعب ذو تجربة عظيمة لا يستطيع أحد بالعالم أن ينكرها، لكن النظام القائمة عليه الجمهورية الامريكية هو نظام رأسمالي سياسي استخباري بشع مازال يعادي كل الرافضين للهيمنة الاستعمارية ويؤيد أبشع استعمار واحتلال بالتاريخ وهو الاحتلال الصهيوني للأمة العربية انطلاقا من احتلال فلسطين.

إن الذين استمرءوا الظلم والاستبداد والاستعباد في شعوب أمتنا العربية فيطيعون عُمي خُرس صُم قادتهم هم أنفسهم الذين صفقوا وهلّلوا لما أسموه الديمقراطية الأمريكية التي انتصرت على أعتاب النظام الامريكي! وهم أنفسهم الذين أيديهم مازالت ملطخة بحبر شتم فلسطين، وشتم أبومازن، وشتم كل أحرار الامة والعالم من الملتفين حول فلسطين رمز الحق والعدالة بالعالم، وحول الثورة الفلسطينية رافضين الخضوع للثور الامريكي الذي ذهب الى غير رجعة، فليخجلوا قليلًا ويحتضنوا ثقافتهم وحضارتهم وأمتهم وقضاياها.

#بكرـ أبوبكر

9/1/2021

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى