دراسات وتقارير خاصة بالمركز

بكر أبوبكر يكتب – الأرض المباركة والوراثة الصالحة

بكر أبوبكر – 22/5/2020

  تفكرات-“مبوأ صدق” والأرض المباركة، والوراثة دعوة للدين: لو تتبعنا السور، ففي سورة يونس يذكر المولى قصة نوح عليه السلام، ثم يتبعها بعثه رسلًا لأقوامهم، ثم يلحقها بذكر قصة موسى وهارون مع فرعون (الآية75)، وفي الآية فما آمن لموسى الا ذرية وحسب الآية 83 (فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) وقومه هم قبيلة أوبني إسرائيل القديمة بما يتم ذكره واضحا في سورة الإسراء آية 2 حين القول: (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا)، والذرية أي القليل الذي آمن به هم من بني إسرائيل أوكما قال ابن عباس أيضا: (من قومه) يعني من قوم فرعون، وفي قول أنهم (ذُرِّيَّة مَنْ هَلَكَ مِمَّنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام) وبمعنى حسب الطبري (أَوْلَاد الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ طُول الزَّمَان وَمَاتَ آبَاؤُهُم).

أي وبمعنى آخر أنه: (لم يُؤْمِن لِمُوسَى مَعَ مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ الْحُجَج وَالْأَدِلَّة إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه خَائِفِينَ مِنْ فِرْعَوْن وَمَلَئِهِم-الطبري) دلالة الكِبر والعناد والجحود رغم الدعوة الواضحة ورغم المِحنة.

ثم تورد الآيات أن موسى قطع ببني إسرائيل البحر[1]هربا من ظلم فرعون وجماعته، وكما ورد بسورة الأعراف أيضا، ليختم هنا في سورة يونس بالقول (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ-93يونس) وحسب بعض المفسرين-ودون أي دليل من التاريخ أو الجغرافيا- المقصود بالآية الشام والقدس أو الشام ومصر أي أن (مبوأ صدق) هي (الأرض التي باركنا فيها)!

 

ويقول الشيخ الشعراوي في الآية الكريمة (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) التالي[2]: ]والحق سبحانه أتاح لهم ذلك في زمن موسى ـ عليه السلام ـ وأتاح لهم السكن في مصر والشام[[3] أي أتاح لهم السكن، وليس ملكية الأرض للأبد! بوضوح الشعراوي، في زمن مضى وانقضى الى غير رجعة،  فلا وعد[4] ولا يحزنون.

 

بينما يقول تفسير السعدي ]أنزلهم الله وأسكنهم في مساكن آل فرعون، وأورثهم أرضهم وديارهم.[ وقال البغوي ]يعني: مصر.وقيل الأردن وفلسطين، وهي الأرض المقدسة التي كتب الله ميراثا لإبراهيم وذريته[؟! وبالطبع في قول البغوي هنا ملاحظات عدة منها:

 

1-أنه من الزاوية الجغرافية استرجاع لقول القدماء بلا دليل جغرافي على مكان الأرض المقصودة للقبيلة الغابرة كما أسلفنا، حيث قال الطبري: هي الأرض ونقطة.

2-كما أن القول أنها ميراث إبراهيم!؟ على مظنة أنها تصل يعقوب وموسى…والقبيلة المندثرة الخ، فيها من الشك الكثير لعدم ثبوت التسلسل عند كثير من العلماء[5].

3-عهد إبراهيم لنسله هو أن يكونوا دعاة خير يُقتدى بهم، وكان ذلك مشروطا بالخير والخيّرين الصلحاء فقط بوضوح حيث الآية شديدة الوضوح (لا ينال عهدي الظالمون-البقرة124)[6] 

4- العهد المعطى لإبراهيم هو عهد أن يكون من ذريته دعاة للخير ودعاة للحق وأنبياء، وأناس يقتدى بهم وهذا هو تماما معنى (إمامًا) في الآية، وليس كما قد يفهم السطحيون المعنى أنهم قادة تاريخيين أو سياسيين أو ملوكًا للأبد أبنا عن أب وعن جد!؟ وليس عهدا بأرض مشاع تعطى صكًا لهذا أو ذاك او لقبيلة ما؟! ما هو تأمل منّا متكرر بالآية (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124-البقرة))

5- أما أنها هي الأرض ميراث ابراهيم وذريته!؟ وبهذه الصيغة المبهمة! التي توحي من تفسير البغوي وكأنها ملك صك وراثة عقار ابن عن أب فهذا قول التوراة العنصري والتمييزي للأسف ما لا يقصده البغوي قطعًا.

6- أما الميراث أو الوراثة بالآيات عامة وحين الإشارة لقبيلة بني إسرءيل، فهو للعلم والفهم والنبوة والنصر،أو وراثة الدعوة للدين بالمكان، أووراثة/ ميراث الإقامة المحددة زمنيا، لزمنهم، وليس صكًا عقاريا أبديًا. وهي كما الآية بين يدينا بوضوح رزق وطيبات مرتبط بالصلاح (..بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ…-93 يونس)

7- لا وراثة أبوية أبدية لأرض ما -أي كانت- تعتبر كوعد رباني أزلي! لأن في ذلك أيضا ما يعاكس منطق العدالة والهداية، فلكل إمرء بذاته (ليجزي الله كل نفس ما كسبت-51-ابراهيم) وبمعنى (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) (31-النجم) فلا أحد يرث بأمر إلهي وعدا دنيويا أبديا! بأي شيء أرض أوعرض الا بمنطق الاستخلاف والإعمار للأرض، أوالإقامة لفترة حياته الفانية، أووراثة الايمان والتقوى فقط.(فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه-يونس108)، والآية (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى-15 الإسراء).والآية (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ-8 القارعة) ثم أيضا نرى المقياس واضحا أيضا: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ*إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ-البينة6-7)، والى ما سبق واضحًا فلا خرافة “شعب” مختار، أوأنه مفضّل على غيره لطوله أولزرق عيونه أوأصله العرقي أو القبلي حاشا لله، ولا أي ضلالة شبيهة. ولا خرافة الأرض الموعودة “أرض الميعاد” للأبد لجماعة أو قبيلة مطلقا.

خاتمة في الأرض:وذكرنا في صفة الأرض ومكانها التداخل الكبير فيما سبق، وعالجناه، إذ لا يصح تحديدها ما لم تقله الآيات، ويجب القول هي الأرض ونقطة كما أشرنا سابقا لقول الامام الطبري في موضع آخر. أو هي (مبوأ صدق) ونقطة.

 أو كما قال علوي بن عبدالقادر السقاف في الدرر السنية في موسوعة التفسير عن الآية، أي بنصّه: ]ولقد أنزَلْنا وأسكنَّا بني إسرائيلَ مَنازِلَ حَسَنةً محمودةً مُختارةً[[7]ويكفي دون جغرافيا، والقول واضح بلا تحديد جغرافي لتلك القبيلة الغابرة التي –فوق ما سبق-لا صلة لها بالمحتلين لبلادنا فلسطين اليوم.

 #تفكرات_رمضانية 29

#بكر_أبوبكر

الحواشي:

 

[1] حول البحر المقصود كثير اختلافات هل هو بحر أم وادي؟ فالمعنى بالعربية يحتمل ذلك، وأين مكانه ما نقرأه بكثير من الدراسات الحديثة هل هو في مصر أم باليمن؟. والبحر: الماء الكثير، ملحا كان أو عذبا ، وهو خلاف البر ، سمي بذلك لعمقه واتساعه.

 [2]من خواطر الشيخ الشعراوي على الرابط:

https://www.alro7.net/ayaq.php?langg=arabic&aya=93&sourid=10

[3] ونكرر أن قصص الامم الغابرة في القرآن الكريم (والمفترض مثلها بالتوراة رغم التبشيعات) هي للعبرة والعظة والحكمة، ولا صلة للغابرين القدماء بمن يقتبسون ذات الاسم اليوم أي الإسرائيليين المحتلين لبلادنا   من حيث النسب أو الجينات الوراثية. والنصوص الدينية (التوراة) لا تؤسس مطلقا لحق في ملكية أي أرض، والقرآن يحدد أن التقوى والجزاء عند الله لعمل الصالحات، وليس لصيق بجماعة عنصرية هي فقط قبيلة الله!؟ أو شعبه دونا عن خلقه؟!! وإنما حساب كل فرد لذاته فقط.

[4] بمعنى لا يوجد شيء من خرافات التوراة بوعد إلهي أبدي لشخص أو للقبيلة المندثرة بأرض، أي أرض، ما يسمونه كذبا وجورا أرض الميعاد.

[5] كثيرٌ من العلماء والبحاثة لا يربطون النبي يعقوب بشخصية إسرائيل بل يعتبرانهما شخصيتين مختلفتين كما سنبين لاحقا.

[6] (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖقَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124-البقرة))

 [7]موقع الدرر السنية والرابط https://dorar.net/tafseer/10/31

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى