أقلام وأراء

بكرأبو بكر : رسالةُ "فتح" التي لا تطير الا بجناحين في مطلع ٢٠١٨ أنَّنا هُنا باقون، وهُنا راسخون، وهُنا مستمرون

حوار مسؤول اعلام حركة فتح شعبة صيدا محمد الصالح – 2/1/2018
تمرُّ علينا اليوم الذكرى الثالثة والخمسين لانطلاقة ثورتنا الفلسطينية المعاصرة، انطلاقة المارد الفتحاوي، من جوف اللجوء، والتشرُّد، والضياع والألم والأحزان. نقفُ اليوم وبكل اعتزاز لنؤكّد أنَّ مسيرة شعبنا الكفاحية التي بدأت مع الطلقة الأولى، والعملية الأولى، والأسير الأول، والشهيد الأول، مازالت تشقُّ طريقها بقوة الإيمان المطلق بحقوقنا الوطنية، ومازالت تواجهُ التحديات، وتتجاوز العقبات، متمسكة بالانجازات التاريخية التي أعادت لشعبنا هُويّته الوطنية، وحضورَه السياسي والوطني على الخارطة الجغرافية، رافضةً المساومة والمقايضة على قرارها المستقل.
وللإضاءة على الذكرى الثالثة والخمسين لانطلاقة ثورتنا الفلسطينية المعاصرة كان لنا هذا الحوار مع مسؤول التعبئة الفكرية في حركة “فتح”، الكاتب والباحث والمفكر الفلسطيني، د.بكر أبو بكر.
نعيش اليوم أيام الانطلاقة الثالثة والخمسين برأيكم ما الذي تغيّر منذ الانطلاقة وحتى يومنا هذا؟ وما هي أبرز الإنجازات التي تحققت في عام 2017؟ وما أبرز التحديات التي تواجه حركة “فتح”؟
أعتقدُ أنَّ العام ٢٠١٧ كان عامًا فلسطينيًّا بامتياز، فلا تعجبوا أبدًا، حيثُ استطاع الفلسطينيون، شعبًا وقيادةً واعيّةً، أن يثبتوا رسوخهم بالأرض، عبر تمكنهم من تكريس الثبات والصمود منهجَ حياة.
لقد أثبت الفلسطينيون قدرتهم على الصمود والتحدي وإن بأقل الإمكانيات، رغم تغوّل الاحتلال ومشاريعه الاستعمارية والأبارتهايدية، فكانت غضبات وهبّات القدس والأقصى منذ العام ٢٠١٤، وحتى العام الفائت، الدلالة الكبيرة على هذا المكون الذي أصبح جزءًا لا يتجزّأ من شخصية الفلسطيني.
لستُ بوارد نسيان أنّ الرسوخ والثبات والصمود كمكوّن وطني أصيل بدأ يأخذ سياقه المنهجي ليس فقط في الخارج حيث انطلقت الثورة فقط وليس في الضفة والقدس فقط، وإنَّما حيث تصدّى الفلسطينيون في غزّة بصدورهم وحُبِّهم ومقاومتهم للاعتداءات الصهيونية المتكرّرة، فرسموا في سماء الوطن علامة الحقيقة.
ودعني أقول أن مركَب الشخصية الفلسطينية بعد النكبة عام ١٩٤٨ تشكَّل من عناصر ثلاثة هي: الشخصية المتعلِّمة التي تكوَّنت ضدَّ الأمية والجهل والغفلة واليأس والشعور بالتهميش أولاً.
والشخصية الفاعلة العاملة المبادرة التي تخدم نفسها وعائلتها ومجتمعها رفضًا لواقع التشرُّد واللجوء والمساعدات الإنسانية، فنحن شعب مُجِدٌّ ودؤوبٌ.
ثُمَّ ثالثًا الشخصية الثورية التي تجلَّت مع بروز وجه الفتح المبين في ظلام واقع الأمة العربية بأنظمتها المتخلِّفة وبشعارات المنظّمات الخلّابة بلا فعل.
ومع تراكم الثلاثية في الخارج حيثُ مخيّمات اللجوء وفي الداخل بدأ الصمود والرسوخ في الأرض يأخذ شكلاً يوميًّا، أي يتحوّل لمنهج حياة لن تستطيع الدبابة أو الجرافة أو الرواية الصهيونية الخرافية أن تقتلعنا ثانية من أرضنا.
كان الشكُّ يُحيط بالكثيرين مع خفوت صوت البندقية سواء في غزة أو الضفة، وقبله من الخارج، وما كان لشكوكهم هذه أن تعطي ثمرها في الشعب الفلسطيني بالخارج أو الداخل لأنَّ اختيار شكل النضال والجهاد والكفاح يُقرِّره الشعب، وفي ظلّ وعيٍ وإدراكٍ وفهمٍ للمعطيات والمتغيّرات، فلا يتوه بين الخيارات ولا ينجَرُّ للمراهقة السياسية، ولا يعطي العدو أرضَ معركةٍ مفروشةٍ بالراحة ومكوَّنةٍ من معطيات التفوق للعدو.
لقد أدرك الفلسطينيون عامل قوتهم برسوخهم وثباتهم ومقاومتهم، فانتصروا بالقدس وفلسطين في جولة وجولات، ومازالت الجولات كثيرة، لكن المنهج قد أصبح واضحًا.
في العام ٢٠١٧ انتصر الفلسطينيون على كلّ أفكار الكُساح السياسي التي تظن أنَّ الفلسطينيين لا يمتلكون شيئًا من السياسة إلا رفعَ العقيرةِ بالصياح ولا مَن يستمعون.
نحن بالعمل الدؤوب أسمعنا حتى الصمّ في العالم العربي والإسلامي، كما أسمعنا العالم الغربي بحراكنا السياسي والدبلوماسي المتقن، والذي فهم أن فلسطين ودولة فلسطين والقدس هي الحق بعينه، إذ حين ينظرون بعين القانون والتاريخ والسياسة والقرارات والمنظمات الدولية فالحرية والعدالة والحق إلى جوار فلسطين.
نحن أسمعنا -ومازال في الأمة من الصُم من يجب أن يسمعوا ويفهموا- أنَّ في فلسطين وفي الخارج شعبًا يتقن معادلة الرسوخ والثبات والبقاء والمقاومة في وطنه المحتل، وشعبًا أتقن فنَّ الاستمرار، ولن يُكرِّر خطيئة لوم الآخرين أو الوثوق بالغير الذين لم يُطعمونا لا خبزًا ولا سكرًا، وهُم مَن توقَّفوا عن سرج الخيول منذ زمن طويل.
فنحن الأَوْلى أن نكون طليعة الأُمّة العربية والإسلامية ورأس الرمح، وبنا ومعنا تتعملَق الأمة، وتعتلي أسوار القدس، وتصدح الكنائس، ويقام الأذان، ونصلي معا بإذن الله تعالى.
أمَّا رسالة حركة “فتح” للعام الجديد فلا يستطيع إلّا أعمى ألّا يراها وهنا الطامة الكبرى في معاقي الأمة، فحركة “فتح” ما كانت فاصلة في التاريخ ولا كانت علامة تعجب.
حركة “فتح” كانت ومازالت سِفرًا مليئًا بالأفكار والبرامج والقِيَم والتوجهات والمواقف والصراعات والنتائج والحوارات والديمقراطية والسهد والسهر والنزف والتضحية والعقل، والنكوص أحيانا والعبث والفرقة.
حركة “فتح” جعلت الإيمان أنَّ النسر لا يطير إلّا بجناحين اثنين هُما جناح الإيمان بالله وحتمية النصر وجناح التضحية هي الحركة التي جعلت من الوحدة شعارًا لم تمل من تكراره.
حركة “فتح” الحركة الرسالية شاء من شاء وأبى من أبى في رسالتها روح الحضارة العربية الإسلامية وثقافتها الاستيعابية السمحة لكلّ مكونات الوطن من مسيحيين ومسلمين، ولكل أبناء الأمة العربية بلا تمييز بالعضوية فيها بين العراقي والمصري والمغربي والأردني أو الفلسطيني.
حركة “فتح” التي عانت كثيرًا من الدلف، إذ كثيرًا ما غرقت بالمياه العادمة التي كانت تلقى عليها من أصحاب البرامج المشبوهة في الأمة العربية والإقليم، إلّا أنَّها وكما كان يردّد قائد المسيرة الختيار كطائر الفينيق تقوم أبدًا من تحت الرماد.
حركة “فتح” التفلُّت والفوضى والاهمال وافتقاد البرنامج والتعارض والمصالح الفردية والانكماش والهزالة والقبح وقلة الحيلة والسوداوية والاستبداد والبؤس واللطم والكهرباء الساكنة، والتردد والضعف والغفلة، ومجال الصدمات المفتوح هي حركة “فتح” التي لا نريدها، وإن عشنا بشخوص فيها يمتلكون من عناصر التبعثر ما لم يستطيعوا معه أن يقلبوها أو يدمِّروها، ولن يستطيعوا أبدًا.
حركة “فتح” التي يجب ألّا يتغافل عن رؤيتها مَن يظن بذاته ينشد لفلسطين هي المحطة الأولي في رسم علامة رقم ٧ أي علامة النصر التي اقترنت بياسر عرفات ومازالت فيه واضحة، رغم الكثيرين الذين رفعوها قبله وبعده، ما يؤكد شعار حركة “فتح” الدائم ثورة حتى النصر الملفَّع بكوفية الأمل.
رسالة حركة “فتح” التي كرسَّت بالمقاومة الشعبية والانتفاضات والغضبات والهبات وجمعات الغضب ومخيمات الصمود هي أنَّ هذا الشعب لهذه الأرض، وهذه الأرض ما عرفت شعبًا سواه.
هذه الأرض هي فلسطيننا منذ ١٠ آلاف عام، والعرب الكنعانيون والعرب الفلسطينيون القدماء والعرب اليبوسيون وغيرهم من القبائل، هي التي أقامت الحضارة وزرعت الأرض بالشجر والحب والثقافة الجامعة.
هي فلسطين التي حرثت فيها الأرض طولا وعرضا حتى عندما جاء الصهاينة ليركبوا خرافة “أرض بلا شعب” اكتشفوا مذهولين كما قال أحد مفكريهم الكبار في القرن ١٩ – هوآحاد هاعام-اكتشفوا أنها على غير الشعار الكاذب الذي حاولوا إيهام العالم به، فهي أرض تنبض بالحياة ومزروعة طولا وعرضا، وهي تتحدث بلغة شعبها العربي.
ما هي رسالة حركة “فتح” في الذكرى الـ53 لعموم شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات؟
رسالة حركة “فتح” في مطلع العام ٢٠١٨ أننا هنا باقون وهنا راسخون وهنا مستمرون.
الفكر والايديولوجية العنصرية الصهيونية أو اليهودية المتطرفة هي الايديولوجية الزائلة وهنا يكمن الفرق الجوهري في رسالة حركة “فتح” الإنسانية الديمقراطية الحضارية للعالم حيث تحتضن الأرض ولا تقبل هدير الجرافات ولا أزيز الطائرات وترفض العنصرية المتعملقة بالذات اليمينية الإسرائيلية كما ترفض المستعمرات والمستعمرين في جسدنا وفي عاصمتنا الأبدية القدس.
حركة “فتح” ميَّزت بوضوح -لا يفقهه الأغبياء أو الأدعياء أو الحاقدون- ميزت بين الوطن والأرض والرواية والتاريخ والجغرافيا حيث تحتضن هذه الخماسية فلسطين التي فيها حيفا ويافا والناصرة والقدس وخانيونس ورفح ونابلس وبيت لحم سواء بسواء، وحيث نسعى لكيان سياسي أو لدولة في حدود العام ١٩٦٧ وعودة اللاجئين والسيادة والقدس، فنحن بالسياسة نبني الكيان المستقل.
يظل الوطن والأرض والتاريخ والحضارة والجغرافيا لا تفرق أبدًا، بل تجمعنا والأمة، أي بكل وضوح فان التعبئة الفكرية الثقافية والحضارية هي بالارتباط الكلي، فنحن في الداخل والضفة وغزة والخارج شعب واحد لأرض واحدة، ومهما كانت الدولة بعيدة أو قريبة فهي المدخل الصحيح للنضال الطويل من بعدها فلا يتوه أحد بين دهاليز السياسة فيخلط في عقله بين الحضاري التعبوي الايديولوجي وبين السياسي.
معركتنا لا تكاد تنتهي فمازال مشوارنا طويلا ويحتمل صعود الأجيال جيل يتلوه جيل، فإن لم ننجح بالتوحد حول الهدف والغاية واختيار المسلك والوسيلة بقيم المحبة والثقة والرسوخ فكيف لنا أن نتوجه للأمة بطلب الدعم والمؤازرة!
فنحن من يجب أن يبدأ بنفسه فنكون كما قال قائد المسيرة الأخ ابو مازن في إضاءة الشعلة ومستلهما من الآية الكريمة نحن الصابرون المصابرون المرابطون والله معنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى